From sudaneseonline.com

بقلم : بارود صندل رجب
دارفور ما بين مطرقة الحكومة وسندان الحركات المسلحة/بارود صندل رجب
By
Mar 16, 2011, 16:03

دارفور ما بين مطرقة الحكومة وسندان

 الحركات المسلحة

مازالت قضية دارفور تراوح مكانها وقد جرت مياه كثيرة تحت جسر القضية منذ ثمان سنوات ومازال الحل السلمي بعيد المنال ، هذه القضية التي تجاوزت الحدود ودخلت في الأجندة الدولية وصدرت بصددها عشرات القرارات من مجلس الأمن الدولي ، ومع ذلك تعثر الحل السلمي رغم المفاوضات التي تطاولت أمدها وامتدت لعواصم أفريقية وعربية !! السؤال الذي يطرح نفسه لماذا تتعثر خطي الحل السلمي ؟ أين تمكن المشكلة ؟ في تقديرنا أن كل أطراف الصراع والوسطاء والمسهلين وآخرين لا نعلمهم تسببوا بصورة من الصور في إطالة أمد القتال والاقتتال في دارفور , تتفاوت دور هذه الأطراف في تأزيم المشكلة ، نجد أن الحكومة السودانية هي الطرف الأكثر سعيا لإفشال أي حل سياسي موضوعي للمشكلة ، ولا ندري علي وجه الدقة ما هي المبررات التي تسوقها الحكومة بل ما هي المصلحة في سعيها الدؤوب لإفشال أي جهد موضوعي للحل ؟ نستطيع أن نجمل القول في أن الحكومة تفتقر إلي الرؤية الصائبة والموضوعية لحل المشكلة التي تسببت هي نفسها في اشتعالها بسياساتها العنصرية وجنوحها إلي السيطرة المركزية بديلاً من تطوير الحكم الاتحادي !عولت الحكومة في بداية المشكلة علي التعامل العسكري للقضاء علي التمرد في دارفور فعجزت عن تحقيق أي نصر واضح علي المتمردين الذين سرعان ما انتشروا في كل ولايات دارفور هذه التجربة كانت كافية لأي حكومة راشدة أن تعيد النظر  في سياساتها تجاه هذه المشكلة ولكن العقلية المسيطرة التي تعشعش فيها أفكار عنصرية وجهوية ما كانت لها أن تؤوب إلي الرشد . فلجأت الحكومة إلي تجييش القبائل التي ترى أنها مناصرة لها  فظهرت المليشيات المسلحة التي عاثت في أرض دارفور فساداً قتلا ونهباً وتشريداً وزرعاً للفتنة والكراهية وكانت النتيجة التدخل السافر للمجتمع الدولي عبر مجلس الأمن الدولي ، وتحولت القضية من أزمة وطنية كانت فرصة لمعالجة كل القضايا الجذرية علي نطاق السودان لتجاوز تراكمات ومرارات الماضي من حيث التجاهل والتهميش لأطراف البلاد وسيطرة المركز علي مفاصل الحكم وحرمان الأطراف من التنمية ولكن لسوء تدبير الحكومة ، حولت القضية إلي المحكمة الجنائية الدولية فأصبحت البلاد كلها في أزمة حادة لا يعرف كيفية الخروج منها!! كل الخطوات التي اتخذتها الحكومة حرباً أو سلماً زادت من وتيرة العنف والاقتتال في دارفور ، اتفاقية أبوجا الجزئية أعادت إنتاج المشكلة من جديد واثبتت بما لا يدع مجالاً للشك في عدم صدقية الحكومة في إنفاذ ما توقع عليها وبعد أربع سنوات من الاتفاقية انتهت نهاية ماساوية ، وهنالك اتفاقيات يصعب عدها وقعتها الحكومة مع حركات ما أنزل الله بها من سلطان و سرعان ما تنتهي بنهاية احتفال التوقيع ويتحول موقعوها من جانب الحركات إلي سماسرة لتسويق قضية دارفور ليسترزقوا منها هكذا عاشت دارفور محنة من بعد محنة!!

وأخيراً رست سفينة المفاوضات في الدوحة منذ أكثر من سنتين والحكومة تناور وتراوغ ، تقدم رجلاً وتؤخر أخري كسبا للوقت دون  اعتبار لمعاناة أهل دارفور ولا يحزنون وبما أن الحكومة هي الجهة التي تهمها حل المشكلة بصورة أساسية بحكم مسئولياتها الدينية والوطنية وبحكم الدستور كجهة حاكمة للسودان إلاّ أنها ضاقت زرعاً بهذه المفاوضات وتطاولها ليس من باب ان حالة اللاسلم  واللاحرب تضر بمصلحة البلاد ولكن من باب الكسب السريع في الانتخابات أو في الحد من المطالبات الجنائية التي طالت رأس الحكومة ، أصبحت هم الحكومة في التعجيل بنتائج المفاوضات لتستخدمها في حلحلة مشاكلها مع المجتمع الدولي ، وكانت تظن أن هذه المفاوضات تحقق أجندتها وأن الدوحة حليفة قوية لها سوف تسعي لإيجاد حل تكون محصلته مصلحة النظام والتخفيف من الضغط عليه عالميا ، ولكن سارت المفاوضات بغير ما تشتهيها الحكومة ، وأن أهل دارفور أصبحوا قريبين جداً من التوافق فيما بينهم و الحركات المسلحة في تحقيق أهداف أهل دارفور...... عندها ضربت الحكومة أخماسا في أسداس في تدبير مخرج يعيد خلط الأوراق ، فدبرت بليل وأخرجت حزمة الإستراتيجية الشاملة لحل قضية دارفور من الداخل ونفضت يدها من مفاوضات الدوحة مع تقديم الشكر للوسطاء هكذا بضربة لاذب في ظاهرة تنم عن غياب أي فهم ورؤية للحل تستصحب احترام أهل دارفور والوسطاء بغض النظر عن نجاح المفاوضات من عدمها ، وكانت العشوائية بادية من أول وهلة ، كانت المسألة انفعالات شخص واحد يعاني من أزمة خاصة وعداوة مع كل ما يرمز إلي دارفور..... وأخيرا تم تدارك الأمر بعودة الحكومة للمفاوضات ، أما الإستراتيجية التي وضعت علي عجل وولدت ميتة لا ندري كيف حالها في غرفة الإنعاش! فمصيرها كمصير اتفاقية ابوجا المتوفاة !! كل هذه الإخفاقات المتسارعة لم تكن كافية لإعادة الحكومة إلي جادة الطريق بل دفعتها إلي ارتكاب مزيد من الحماقات التي سوف تعمق المشكلة بصورة أشد سوءاً من سابقاتها , آخر ما خرجت من أضابير الحكومة ومن جعبتها الخاوية إجراء استفتاء إداري لتقرير وضع الإقليم !! وهي التي كانت بالأمس القريب تنادي بأن الاستفتاء الذي يقرر وضع الإقليم لا يكون إلاّ بعد الفترة الانتقالية التي سوف ترد في الاتفاقية المزمعة توقيعها في الدوحة !! ولكن شيطانا عظيماً أوحي للحكومة بهذه الخطة المنبتة !! كان يمكن أن تطرح هذه الخطة في طاولة المفاوضات او حتي تجرى مشاورات مع أهل دارفور في الداخل في ولاياتهم  ومعسكراتهم ومجتمعهم المدني وهلمجرا..... ولكن أن تتنزل الخطة هكذا عبر مؤتمر صحفي لكبير مفاوضي الحكومة في الدوحة عقب حضوره من الدوحة فوراً وفي المطار أمر يثير الاستغراب ويظهر كيفية إدارة الأمور في هذه البلاد أصبح الأمر هرجاً ومرجاً ، كل يفعل ما يشاء ولا بواكي لدارفور . لا تنقطع عجائب هذا النظام !! أمطرتنا الحكومة بسيل آخر من المقترحات التي تفتقر حتى إلي الدراسة الموضوعية فخرج علينا النظام هذه المرة بمقترح زيادة ولايات دارفور لتصبح خمس ولايات ! ويبدو أن الذي قدم هذا المقترح لا يرد له طلب ولا معقب عليه لذلك سارعت الهيئة القيادية للمؤتمر الوطني إلي تمرير المقترح ....ليجد طريقها إلي النفاذ لا الدستور ولا الاتفاقيات ولا أهل دارفور موضع نظر ، ما السبب وراء هذا المقترح، لا تحتاج المسألة إلي درس عصر ، شعرت الحكومة أن أهل دارفور بما فيهم الحركات المسلحة لملموا أطرافهم علي ما بهم من جراح وما فعلتها الأيادى الخفية من زراعة الفرقة والشتات والاقتتال , نحو التوحد حول قضايا دارفور المحورية هذا التقارب زلزل أركان النظام الذي بني إستراتيجيتة منذ اندلاع التمرد في دارفور علي الا تقارب بين أهل دارفور قبائل وجهات وتجمعات ، خاف النظام أن يتوحد أهل دارفور لمواجهة مصيرهم في مواجهة النظام .... فجن جنون النظام فاستعان بالجن الأحمر الذي أوحي إليه بهذا المقترح ! أنشاء ولايتين جديدتين في دارفور واحدة لقبيلة الفور وأخرى للعرب !! وهكذا تتحول دارفور إلي منطقة تحكمها القبائل التي سوف تتقاتل فيما بينها في أمور تافهة متعلقة بالحدود بين الولايات أو تقاسم الأصول الخ......وهكذا تعتقد الحكومة أنها و بهذه الخطة الشيطانية سوف تعيد أهل دارفور إلي المربع الاول من الفرقة والشتات والاقتتال !! أليس من المنطق بل المصلحة أن يرجي هذا الاقتراح , الاستفتاء الإداري أو غير الإداري أي كان هذا الاستفتاء الي ما بعد الاتفاقية !! كانت الحكومة الي وقت قريب تصر علي أن يظل الوضع الحالي قائما لحين الاستفتاء بعد الفترة الأنتقالية !! الحكومة نفسها تقدم الان وبصورة انفرادية علي زيادة ولايات دارفور بدون الاستفتاء , بقرار رئاسي فقط في تجاهل حتي لأهل دارفور ممن يوالون النظام مالكم كيف تحكمون ، الأمر من الوضوح بحيث لم يترك النظام لأهل دارفور أي حجة في صدقية الحكومة لحل قضية دارفور , بل اثبتت الحكومة أنها تعمل ضد مصلحة أهل دارفور علي السواء وأن أي تحرك من أهل دارفور للمساعدة في حل القضية تراها الحكومة خصماً علي استراتيجيتها لاضعاف أهل دارفور ، حتى الجهد المبذول من د.فاروق أحمد أدم عبر الهيئة  الشعبية لسلام دارفور هذا الجهد كان مخلصا وقدألتف عدد مقدر من اهل دارفور في العاصمة حول الطرح الموضوعي لكفكفة مشكلة دارفور بأقل الخسائر هذا الجهد علي تواضعه حتى الآن ومع أن أغلب محركي هذا الجهد من الحزب الحاكم الحادبين علي المصلحة العامة إلاّ أن كهنة النظام الذين بيدهم الأمر والنهي نظروا إلي الجهد بعين الارتياب فسعوا إلي وأدها !! آن الأوان لأهل دارفور أن يرفعوا أصوتهم عالياً بكلمة واحدة (لا) للحكومة في سياساتها التي تفاقم المشكلة وتباعد بينها وبين الحل الموضوعي للازمة يجب أن تعود القضية الي أهلها المكتويين بنارها بدلا من تركها في أيدي من لا يعرفون دارفور إلاّ سماعاً أو عبر زيارات رسمية خاطفة أو بأيد من ينظرون إلي دارفور بعين الحقد والكراهية لمسائل شخصية تسببوا هم أنفسهم في إيجادها !!أما ان تعطوا القضية لمن يعرف دارفور داراً داراً وادياً وادياً وقبائل وأعراف ، ليقدموا أطروحات تصلح لمخاطبة جذور ما يعانيه أهل دارفور ,بدلا من هذا التخبط والخوض في القضية بدون دراية وعلم . وصلت قضية دارفور إلي منعطف خطير فهل يستطيع أهلها الإمساك بالقضية والسير بها في طريقها الصحيح وماذا نقول للحركات المسلحة والتي هي بدورها عجزت عن حل مشاكلها فضلا عن مشاكل أهل دارفور ...........سوف نتناول دورها في المقال القادم .....                       

    بارود صندل رجب                          



© Copyright by sudaneseonline.com