From sudaneseonline.com

بقلم : زين العابدين صالح عبدالرحمن
فشلت المعارضة و لم تسقط رايات الجماهير/زين العابدين صالح عبد الرحمن
By
Mar 16, 2011, 15:36

فشلت المعارضة و لم تسقط رايات الجماهير

زين العابدين صالح عبد الرحمن

عندما دعت المعارضة الجماهير للخروج و التجمع في ميدان أبو جنزير احتفالا بانتصار ثورة الجماهير في كل من مصر وتونس ووزعت بياناتها و دعواتها و تناقلتها كل المواقع السودانية الالكترونية بأن المعارضة ترفض أخذ الأذن من الجهات الأمنية و قامت فقط بإرسال خطاب أخطار باعتبار أن حق التجمع و التظاهر السلمي حق كفله الدستور ثم تم أخطار لكل و سائل الإعلام و الصحافة لكي تأتي و تغطي الحدث التاريخي و اليوم الذي يعد يوم انطلاق الثورة السودانية كان كل السودانيين ينتظرون يوم التحدي الأكبر الذي أعلن يوم احتفاء لانتصار جماهير الحرية و الديمقراطية في البلاد العربية و مساندة الذين يناضلون من أجلها كانت كل التحليلات تقول أن المعارضة سوف تتحول إلي مظاهرة غضب جماهيري ضد طغاة المؤتمر الوطني الذين استباحوا ارض السودان و جعلوها ضيعة شخصية لقيادات ذالك الحزب غير الديمقراطي و تكسر بخروج الجماهير حجاز الخوف لكي تنطلق شرارة الثورة و تعم كل القرى و المدن في السودان و يصبح ميدان أبو جنز هو ميدان الثورة وميدان التحرير من الديكتاتورية و لكن الجماهير و وسائل الإعلام و الصحافة لم تجد غير كلمات مكتوبة علي قصاصة ورق من بقايا كرتونة عصف بها الزمن في ذلك المكان لكي تدخل تاريخ فشل المعارضة السودانية " حضرنا و لم نجدكم" كلمات بليغة جدا من أحد شيوخ المعارضة السودانية الطاعنين في السن ماذا يعني ذلك؟

كان فشل المعارضة متوقعا لأسباب كثيرة بدأت منذ انعقاد مؤتمر جوبا و ما تبعه من خلاف وسط المعارضة و لم تكن هذه الدعوة الأولي كانت هناك دعوات للخروج أيضا فشلت المعارضة فيها و قالت بعض من قيادات المعارضة أن الأعداد لم يكن جيدا و البعض الأخر حملها للحكومة التي لم تراع نصوص الدستور و رمت بعناصر أجهزتها القمعية لكي تفشل مسعى المعارضة رغم أنه عملا كان متوقعا و كان يجب أن تكون للمعارضة تكتيكاتها لكي تنجح بها تجمعاتها و مظاهراتها و لكن في الدعوة الأخيرة غابت قيادات المعارضة تماما من الساحة و لم يأت منها إلا السيد محمد إبراهيم نقد و هذه دلالة أن قيادات المعارضة غير متفقة و أن الثقة بينها مهزوزة و كل له قبلته الخاصة و بالتالي هي معارضة فشلت في تعبئة الجماهير من أجل برنامجها السياسي و ربما تكون هي نفسها غير مقنعة للجماهير و هو الاحتمال القوي.

أن عددا من قيادات المعارضة تتأرجح بين خيارين خيار ألمصادمة و العمل مباشرة مع الجماهير لإسقاط النظام و الخيار الثاني محاولات أقناع النظام بحوار وطني و إيجاد مخرج عبر الحوار السياسي رغم أن النظام حدد خياراته من خلال الخطابات العديدة لرئيس الجمهورية عمر البشير رئيس حزب المؤتمر الوطني الحاكم التي أكد فيها الدعوة إلي حكومة عريضة تنفذ البرنامج السياسي لحزب المؤتمر الوطني و لكن لم تقتنع بعض من قيادات المعارضة بموقف الحزب الحاكم لذلك اختل موقع قدميها لا هي تريد الذهاب المباشر للجماهير و لا هي تريد أن توافق علي دعوة المؤتمر الوطني لذلك نجد منهم من يقدم أوراقا تلو الأخرى دون أن يجد ردا عليها يتوافق مع التطلعات و هناك من قدم خطابا بموافقة المشاركة و لكن بدأ يتردد في المشاركة التي يرغب فيها خوفا من جراء تلك الثورات التي انتظمت في عدد من الدول العربية بعض منها قد نجح و بعض ما زالت راياته في الشارع تلتف حولها الجماهير خوفا في أن تحدث تلك الثورة في السودان و تكون خارج دائرة تحكم المعارضة كما حدث في كل من مصر و تونس و يكون قد رمي بموقفه خارج المعادلات السياسية الجديدة حيث أن الجماهير اشترطت في الثورات المنتصرة يجب أن لا يسمح بمشاركة أية عنصر شارك في العهد البائد أو حتى محسوبا عليه هذه الاشتراطات قد عقدت قضية المشاركة في الحكومة العريضة التي دعا إليها الحزب الحاكم و بالتالي لا يجرؤ أية حز علي المشاركة مع المؤتمر الوطني سوي أحزاب التوالي أي الأحزاب صنيعة المؤتمر و التي تدور في فلكه و لا تستطيع الخروج منه.

أن الخلاف بين مكونات المعارضة له أثر كبير في اتخاذ موقف موحد متفق عليه و اختيار خيار واحد تراهن عليه المعارضة ثم تأتي بعد ذلك الخيارات الأخرى من جراء تطورات الأحداث في إيجاد تسوية سياسية عبر توافق وطني و لكن الحيرة في الانحياز لأحد الخيارات هو الذي يجعل موقف المعارضة مهزوزا جدا و معروف أن المواقف المهزوزة لا تطمئن عليها الجماهير و في ذات الوقت هناك سؤلا وسط أغلبية الشباب في السودان  إذا اقتنعت الجماهير بالعمل من أجل إسقاط النظام من هو البديل؟ البعض يعتقد أنه سؤالا ساذجا لآن الخيار هو نظاما ديمقراطيا تختار الجماهير ممثليها في البرلمان أو الرئيس الذي يحكمها و هنا مربط الفرس لآن الجماهير فعلا قد أسقطت نظامين ديكتاتوريين و جاءت القيادات التي في المعارضة و لكنها عجزت عن حماية النظام الديمقراطي أو أن تخلق العوامل التي تساعد علي حماية النظام الديمقراطي جماهيريا  لذلك تتردد الجماهير و يظل السؤال يؤرق العديد منهم من هو البديل؟ هل المعارضة لها إجابة علي السؤال؟ و هي منقسمة علي ذاتها و منقسمة حتى علي خياراتها و مترددة.

فشل المعارض في تعبئة الجماهير و حثها علي الخروج من أجل التظاهر ضد نظام المؤتمر الوطني لا يعني أن الجماهير سلمت راياتها إلي حزب المؤتمر الوطني و لكن أن الجماهير الحية في المجتمع تريد هي أن تكون مسؤولة مباشرة عن خياراتها و عن مستقبلها السياسي كما حدث في كل من تونس و مصر و أيضا ما يحدث في كل من ليبيا و اليمن حيث أن الجماهير و خاصة الشباب استطاع أن تحدد خياراتها و التي تحمل راياته المنادية بسقوط أنظمة الحكم الديكتاتورية التي تحكمها باعتبار أن الكل الموجود في الساحة السياسية ليس له علاقة بالحرية و الديمقراطية و بالتالي يجب أن يكون التغيير شاملا في إسقاط النظام و تحديث الأحزاب و تجديدها لكي تصبح مؤسسات صالحة أن تكون أعمدة لبناء الديمقراطية و لكن الأحزاب بوضعها الحالي هي نفسها جزء من الأزمة السياسية التي يعيشها السودان.

القضية المهمة التي يجب أن تفهمها بعض قيادات المعارضة و خاصة الحزبين الكبيرين لقد انتهت مرحلة قيادات الجماهير من بعد أو  " برمود كنترول" من يريد أن يساهم في التغيير الديمقراطي و إسقاط النظام و أن يكون له دورا سياسي في سودان المستقبل يجب عليه أن يكون وسط هذه الجماهير و يتحمل معها تبعات النضال و المواجهة و نعلم أن بعض القيادات قد خبرت دروب الاعتقالات و السجون و لكن هناك أيضا الذين يريدون فقط الحصول علي الدسم و ثمار الثورة دون أن يغادروا منازلهم و هذا الوضع أصبح غير وارد بعد ما وضعت ثورات كل من تونس و مصر مبادئ للعمل السياسي من يريد الحصول علي الثمار عليه المشاركة الفعلية في الثورة و الحضور المتواصل وسط الجماهير و تحمل كل المعاناة من أجل الحصول علي الثمار و هو الأمر الذي لا تريد أن تفهمه بعض القيادات التي تطالب الجماهير بالخروج و المواجهات و هي قابعة في منازلها لذلك سوف تفشل المظاهرات و قد عرفت الجماهير طريق التعبئة و حث الشباب علي تحمل مسؤولياتهم و بالتالي سوف يكونون قابضون علي أدوات التغيير إذا حدث أية نوع من الانحراف أو خيانة لمبادئ الحرية و الديمقراطية .

إذا كان الشباب في كل من تونس و مصر و اليمن و ليبيا قد استخدموا و سائل الاتصال من " الفس بوك و البريد الالكتروني و  الماسنجر و السكايب و التويتر" و غيرها و قد أصبح  في السودان هناك حضورا كبيرا لعناصر من أجهزة الأمن و الغريب في الأمر أنهم مكشوفين للناس و أن الشباب قادرين علي الابتكار بهدف عملية التعبئة و التحريض.

أن التغيير الذي فرضته الثورات الجديدة في المنطقة هو تغيير حقيقي ليس في دولاب الدولة فقط أنما أيضا في المؤسسات السياسية التي تعتبر الأعمدة الأساسية للديمقراطية علي أن لا تستمر شخصية واحدة علي قيادة الحزب عشرات السنين و حتى الممات أنما يجب أن ينص في الدستور أن لا يمكث أية شخص علي قمة الحزب أكثر من دورتين سياسيتين لفسح المجال للأجيال الجديدة و لكي يسمح لنسيم الحرية يدخل في أروقة المؤسسة الحزبية كما هو علي قمة الدولة فكفي تناقضات أن ترفع شعارات الحرية في جانب و في الجانب الأخر يمارس غيرها كما أن عهد الوراثة يجب أن يولي و ينتهي أن كان في المؤسسات الحزبية أو في الدولة و من يريد المشاركة الفعلية في العمل السياسي يجب أن يبدأ من العتبة الأولي للسلم و يأتي بالدعم الجماهيري عبر صناديق الاقتراع.

أن رايات التغيير التي رفعت من قبل الجماهير و خاصة من فئة الشباب هي رايات لن تسقط لأنها قائمة علي قيم و مبادئ نبيلة تعمل علي نشر الحرية و الديمقراطية في المجتمع و التبادل السلمي للسلطة و تراجع لأجهزة القمع التي اعتمدت عليها الديكتاتوريات في حماية النظام وممارسة كل أنواع التنكيل و انتهاكات حقوق الإنسان و الفساد و هي مؤسسات ليس لها علاقة بمصالح المواطنين أو بمصالح الدولة لقد ثبت أنها مؤسسات لها علاقة فقط بالنظم الديكتاتورية التي تعطيها صلاحيات واسعة تمارس فيها سلوكيات خارج عن الدستور و القيم الإنسانية لذلك سوف تظل رايات الجماهير مرفوعة حتى يتم تحقيقها و لكن رايات المعارضة بصورتها الحالية هي رايات أصبحت مهترئة و مجهضة و يجب عليها أن تسلم راياتها لأجيال جديدة لآن دورة التاريخ ليس في صالحها أنما في صالح الأجيال الجديدة يجب علي القيادات التاريخية أن تبحث عن الطرق و المسالك لكي تعرف كيف تتعاون مع الأجيال الجديدة و الله الموفق           

 



© Copyright by sudaneseonline.com