From sudaneseonline.com

بقلم : د. حسن بشير محمد نور
لغة الإسلام السياسي في مصر وتونس ، إستراتيجية أم تكتيك؟/د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم
By
Mar 13, 2011, 09:21

د. حسن بشير محمد نور - الخرطوم

لغة الإسلام السياسي في مصر وتونس ، إستراتيجية أم تكتيك؟

    انكشفت برامج قوي الإسلام السياسي بعد سقوط نظامي بن علي ومبارك في كل من تونس ومصر كما تنكشف المصارف عند انهيار قدرتها المالية او كما تنكشف الحسابات المصرفية عندما لا تستند إلي ودائع حقيقية. تغيرت لغة الإسلاميين في كل من مصر وتونس فبعد ان كانوا يدعون لان لديهم برامج كاملة للحكم تشكل بديلا للدكتاتوريات السائدة في البلدين وبعد ان كانوا يطرحون برامج إسلامية ترفع شعار (الإسلام هو الحل)، تغير الحال ما بين ليلة وأخري الي حسابات مكشوفة بدون رصيد يذكر الأمر الذي يعبر عن أزمة حقيقية تتم تغطيتها بتتبع خطي الشباب صناع الثورة والادعاء  بان أحزاب الإسلام السياسي جزء من الشعب وستعمل من اجل الديمقراطية وأنها غير طامعة في السلطة. لكن من الذي يصدق تلك الادعاءات غير المسنودة بمقولات فكرية ومواقف عملية معهودة في الدفاع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان، المساواة أمام القانون وحق المواطنة، التداول السلمي للسلطة وضمان الحريات العامة، حقوق المرأة والأقليات الي اخر المبادئ الأساسية للديمقراطية وحقوق الإنسان. ذلك امر لا يمكن القول انه يشكل بابا أساسيا في برامج تلك الحركات.

      من المعروف أن الأخوان المسلمين في مصر وحركة النهضة الإسلامية في تونس هي أكثر حركات الإسلام السياسي ريادة واستنارة في العالم الإسلامي وأنهما تقدمان النماذج الأكثر جدية وأهلية للمشاركة في الحكم او حتي بالفوز منفردة لتشكل حكومات في بلديهما. يبني ذلك الزعم علي تاريخ الحركتين ومكانتهما وحسن تنظيمهما واهتمامهما ، خاصة حركة الأخوان المسلمين في مصر، بالجوانب الاجتماعية إضافة للخلفية الأيدلوجية الدينية القريبة من الوجدان الإسلامي الشعبي ، علي وجه الخصوص في الريف ووسط فقراء الحضر. الا انه وبالرغم من كل تلك الأسباب التي تمكِن من أيجاد قاعدة شعبية، لم تخرج أي من الحركتين ببرنامج متكامل سياسي – اقتصادي – اجتماعي – ثقافي يسير في اتجاه البناء الديمقراطي للدولة واستيعاب جميع مكونات الشعب بشكل يؤدي الي قبولهما كبدائل مطروحة جماهيريا ضمن البدائل الاخري التي من الممكن ان تنبثق من قلب حركات الشباب الثائر في البلدين ، او من مجموع الحراك الجماهيري بجميع الوانه.

     يمكن الاستدلال علي غياب حركة الأخوان عن المبادرة بصنع الأحداث في مصر بتخلفها عن ركب الثورة التي أطاحت بحسني مبارك، اذ لاذت الحركة بالصمت عند اندلاع الثورة وكانت تقف في صف الامتناع عن المشاركة الفاعلة في ثورة الشباب التي استقطبت جميع فئات الشعب المصري وتحولت الي ثورة شعبية كاملة الزخم. كان موقف الأخوان مثل موقف أحزاب أخري كالوفد والتجمع المتردد في بداية التحرك الي حين وصوله للتفاوض مع النظام ثم الالتحاق بالثورة. لم يتبقى للإخوان بعد ذلك الا السير في كنف التغيير والتناغم مع شعاراته حتي لا يجدوا نفسهم معزولين عن الثورة، خاصة وان هناك فئة شابة من الإسلاميين قد شقت عصا الطاعة علي قيادتها وشاركت في الثورة منذ بدايتها مشكلة نواة خطيرة للتغيير تلافتها القيادة بذكائها المعهود. اما في تونس فقد كان زعيم الحركة د. راشد الغنوشي مقيما في الخارج وقد فاجأت  الثورة حركة النهضة كما فعلت مع الجميع أنظمة وشعوبا في مشارق الأرض ومغاربها. بعد عودة زعيم الحركة ظهر خطابها المنحاز الي الديمقراطية وحقوق الإنسان ومجموع القيم الديمقراطية المعروفة وقد أصبح د. راشد من المبشرين بالديمقراطية وجاء الي السودان حاملا لواءها ليحط به في قاعة وسط الخرطوم الأمر الذي أصبح معروفا لجميع المهتمين بهذا الموضوع في السودان.

    ما جاء به د. الغنوشي الي السودان من مقولات حول الديمقراطية معلوما ومعمولا به منذ زمن طويل وسط مجموعة كبيرة من المثقفين السودانيين بمختلف انتماءاتهم السياسية والفكرية، ألا ان الجهة الداعية أليه هذه المرة كانت مختلفة. تعودنا في السودان من الأخوة العرب المنتمين الي الإسلام السياسي دفاعهم عن حكومة الإنقاذ عملا ب(انصر أخاك ظالما أو مظلوما)، بالرغم من اختلاف المعني ألتأصيلي للنصرة عن ما قاموا به في الإشادة والإعجاب المطلقين دون إسداء النصح وتصحيح الأخطاء. ألا ان خطاب د. راشد الغنوشي كان نوعيا من حيث دفاعه عن الديمقراطية وهجومه علي الاستبداد واصفا إياه بأنه لا يعرف دين او ايدولوجيا ويمكن ممارسته تحت (أي دين او ايدولوجيا بما في ذلك الإسلام). كما تحدث عن الديمقراطية ذاكرا بأنها لا تتناقض مع الدين باعتبارها آلية لاتخاذ القرار، كما تحدث عن مبادئ الحرية وحقوق الإنسان حتي في الغرب بشكل ايجابي يناقض الكثير من مقولات الإسلام السياسي التي تصف الغرب بالكفر والاستكبار.

    الحديث الذي جاء به د. الغنوشي من المفترض ان يحفز المهتمين والمختصين بالعلوم السياسية وعلم الاجتماع السياسي في السودان والدول العربية المعنية بالتعامل مع الإسلام السياسي بدراسته المفصلة والخروج منه باستنتاجات تجاوب عن سؤال أساسي هو : هل ما تنادي به حركة الأخوان المسلمين في مصر والنهضة في تونس تكتيك سياسي أم إستراتيجية جديدة للإسلام السياسي في البلدين؟ يضع ذلك الاهتمام في محوره قضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان بما فيها حق غير المسلمين الكامل في المواطنة لدرجة تعديل الدستور بشكل يضمن لاي مواطن غض النظر عن دينه او جنسه او انتمائه العرقي بالوصول الي أي منصب في الدولة بما في ذلك منصب رئيس الجمهورية في حالة قبوله وانتخابه من قبل الشعب في انتخابات حرة ونزيهة. هذا الموضوع جدير بالمتابعة والاهتمام لأهمية وريادة الحركتين وسط جماعات الإسلام السياسي، كما انه مهم من ناحية الطرق علي الحديد وهو ساخن في خضم الثورات الشعبية وزخم الجدل الدائر حول التعديلات الدستورية والإصلاح السياسي الذي يؤدي الي بناء دول تسير في طريق التطور والحداثة للخروج من حالة التخلف والجمود التي تعيشها المنطقة. من الأفضل ان لا تنتهي مثل هذه الأحدث المهمة في هذا المنعطف التاريخي الحاسم بالمقالات الصحفية، لأنها جديرة بان تدخل ضمن نطاق البحث العلمي الجاد وتوثيقها بشكل مؤسس، قبل ان تصل مثل تلك الحركات الي السلطة في بلدان أخري  (مثل تونس أو مصر) وتقوم بالسير في نفس الطريق الذي سبقها أليه أخوتها في الله في بلاد السودان.






© Copyright by sudaneseonline.com