From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
إسرائيل ومصر ما بعد مبارك!!/الطيب مصطفى
By
Feb 14, 2011, 22:55

زفرات حرى

الطيب مصطفى

[email protected]

إسرائيل ومصر ما بعد مبارك!!

حق لإسرائيل أن تلطم الخدود وتشق الجيوب حزناً على مبارك فها هي التصريحات الإسرائيلية المتشائمة تترى ويكثر الحديث عن تركيا جديدة في مصر بعد مبارك أعني تركيا أردوغان الذي انسحب من مؤتمر دافوس الاقتصادي عقب تلك المشادّة والملاسنة التي حدثت بينه وبين شيمون بيريز.

سفير إسرائيل الأسبق لدى مصر عبّر عن خيبة أمله وتحدث عن إسرائيل بعد مبارك قائلاً: «إن الأوضاع الإستراتيجية لإسرائيل بعد مبارك باتت في وضع كارثي، الآن نحن نمر بمشاكل عصيبة ومأزق كبير بعد مبارك».

إسرائيل التي تتباهى بأنها قلعة الديمقراطية في شرق أوسط تسوده الشمولية تبكي على طاغية مصر وها هو السفير الأسبق لها في القاهرة «تسفي مازائيل» يطمْئن نفسه وبني جلدته من اليهود بأن الجيش المصري سيبقى ممسكاً بزمام الأمور لفترة طويلة بل إنه يقول بعد أن أشاد بالمشير طنطاوي ووصفه بأنه «وزير جيد» يقول إن الجيش المصري سيحافظ على معاهدة كامب ديفيد وسيضمن عدم صعود الإخوان المسلمين إلى السلطة!! لكنه قال إن الأوضاع الإستراتيجية قد تتغير!!

المزعج أن وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس تحدث مع طنطاوي خمس مرات خلال أيام الأزمة كما أن وزارة الخارجية الأمريكية ترى في طنطاوي «رجلاً مقاوماً للتغيير»!!

يجدر بي أن أذكر أن طنطاوي تحدث إلى المسؤولين الإسرائيليين بمن فيهم وزير الدفاع الإسرائيلي وطمأنهم بأنه سيُبقي على كامب ديفيد ويبدو أن اتفاقاً تم مع مبارك بمشورة أمريكية لتسليم طنطاوي السلطة وأن القرار فُرض على مبارك لكن بعلم أمريكا التي لم تكن في رأيي صاحبة القول الفصل لكن القرار تم بعلمها.

الخطير في الأمر أن طنطاوي اتخذ من القرارات ما يقوِّي سلطته وأحجم عن كل ما يمكن أن يطمئن الناس إلى انفتاحه ورغبته في تلبية مطالب الثوار فبالرغم من أنه تصرف بحكمة واتزان وحيادية خلال أيام الأزمة قبل تنحّي مبارك تجده اليوم يحل البرلمان ويعطل الدستور ويتلكأ في إلغاء حالة الطوارئ بل وفي إطلاق سراح المعتقلين ـ الأمر الذي يثير كثيراً من الشكوك حول توجهات المجلس العسكري الأعلى.

المطلوب من الثوار الذين أعلنوا عن تظاهرة مليونية يوم الجمعة القادم أن يضعوا أيديهم على الزناد فقد يحتاجون إلى مواجهة جديدة ستكون هذه المرة أكثر شراسة لأنها ستكون مع الجيش الذي رأينا بعض مشاهد المواجهة بينه وبين الثوار في ميدان التحرير عقب تسلمه لمقاليد السلطة.

لا نريد أن نتشاءم فقد يصدر خلال الأيام القليلة القادمة ما يطمئننا لكن الحيطة والحذر ينبغي أن يكونا شعار هذه المرحلة ذلك أن طنطاوي هذا ظل في منصبه وزيراً للدفاع منذ ما يربو على العشرين عاماً فضلاً عن أن أمريكا وإسرائيل ستضغطان عليه اقتصادياً وسياسياً من أجل الاستمرار هذا فضلاً عن شهوة السلطة المركوزة في البشر وربك يستر!!

كيف أُطيح مبارك!!

إن من يتمعن في سيرة الثورة المصرية وتسلسل أحداثها لن يصعُب عليه التكهن بمآلاتها التي أفضت في النهاية إلى ما انتهت عليه من تسلم المجلس العسكري الأعلى لمقاليد السلطة فقد كشفت الأحداث عن أمر لم يكن معلوماً من قبل ألا وهو قوة واستقلالية المشير طنطاوي ومجلسه العسكري الذي كان يتمتع بنفوذ جعله «يقلع ايده» من أول يوم ويتخذ موقفاً وسطاً بين مبارك والشعب.

دعونا نتأمل في الأسئلة التالية ونحاول أن نجد إجابات لها وسنكتشف أن ما حدث كان أمراً طبيعياً للغاية وما كان من الممكن أن يحدث إلا ما حدث بالفعل فقد ساق الله العزيز الأحداث إلى ما صارت إليه.

1ـ لماذا نأى الجيش بنفسه من أول يوم من أيام الثورة عن مبارك واتّخذ طريقاً محايداً بين الرئيس مبارك الذي كان يشغل في ذات الوقت منصب القائد الأعلى للقوات المسلحة والشعب الثائر بالرغم من أن وزير الدفاع المشير طنطاوي جزء من مجلس الوزراء وبالتالي يُفترض أنه أدنى درجة من رئيس الوزراء ناهيك عن مبارك الذي كان يتمتع بنفوذ يعلو كثيراً على مجلس الوزراء الذي يعين رئيسه وعلى وزير الدفاع؟!

2ـ لماذا بلغ حياد الجيش واستقلاليته درجة أن يصدر بياناته بصورة مستقلة بعيداً عن أي تبعية أو تنسيق مع السلطة المدنية المتمثلة في الرئيس مبارك ونائبه ورئيس وزرائه؟! بيانات مُرقّمة كانت تحمل نَفَس الانقلاب وشكله في وجود حكومة شرعية!!

3ـ لماذا لم يحضر مبارك اجتماع المجلس العسكري الأعلى يوم الخميس السابق لليوم الذي تنحَّى فيه أو بالأحرى الذي نُحِّي فيه وصدر بيانان مستقلان في يوم واحد من المجلس الأعلى ومن مبارك بما يشي أن هناك خلافاً أو على الأقل عدم تناغم بين السلطتين؟!

لماذا جاء خطاب مبارك بتفويض صلاحياته لنائبه عمر سليمان ثم بعد يوم واحد تنحى للمجلس الأعلى؟! لماذا لم يتنحّ لنائبه الذي كان مفوَّضاً في اليوم السابق وهل يعكس ذلك صراعاً بين الأمن والجيش؟! ثم ماذا كان سيحدث إذا تنحّى مبارك لعمر سليمان؟! هل سيقبل الجيش وهل سيقبل الثوار؟!

4ـ ألا يشير ذلك التنحي السريع بعد يوم واحد من تفويض عمر سليمان إلى أن الرئيس قد أُجبر على التنحي ولم يقم بذلك من تلقاء نفسه؟!

ثم ألا يشير عدم إلقاء مبارك للبيان الأخير بالرغم من أنه صاحب القرار بالتنحي إلى أن القرار الحقيقي كان بفعل المجلس العسكري الأعلى أو قل المشير طنطاوي والذي اتخذ القرار وأقصى مبارك ونائبه دفعة واحدة؟!

5ـ هل كان لأمريكا أي دور في ذلك القرار؟

لعلّ لملمة هذه الخيوط المبعثرة ونظمها في خيط ونسق واحد يقود إلى الآتي:

1ـ إن سطوة مبارك ونفوذه بدأ يهتز من اليوم الأول للثورة وأخذت سطوتُه تقل وتضعف مع ارتفاع وتيرة الثورة التي كانت ترفع بذات القدر من سلطة الجيش المصري الذي كان قريباً من الثوار وتجنب بدهاء مُحكم خوض أي صراع مع صُنّاع الثورة متيحاً لها أن تتصاعد بما يُفضي إلى تلك النتيجة الحتمية.

من الواضح أن هناك أسراراً لم يحِن أوان الكشف عنها حول ما جرى بين مبارك والمشير طنطاوي خلال أيام الثورة وخاصة ما يتعلق بقرار التنحي ولن يطول الزمن أو ينتظر الناس كثيراً خروج تلك الأسرار ذات الأهمية القصوى في كشف ما دار وراء الكواليس.

واضح أن أمريكا لم تكن صاحبة الدور الحاسم في القرار النهائي لسببين أولهما أنه لو كان لها أي دور لبرز في صحافتها وإعلامها وثانيهما لأن طنطاوي لم يُعرف عنه أنه رجل أمريكا في القوات المسلحة المصرية بالرغم من صلته القوية بها، وعلى كلٍّ يحتاج المشهد السياسي إلى معرفة سبب إطاحة مبارك وعمر سليمان بقرار واحد بدلاً من تسليم السلطة لعمر سليمان الذي كان التسلسل الطبيعي يقتضي أن تؤول إليه الأمور.

لقد كان أداء الجيش المنظم وسلوكه الحكيم مع الثوار من أكبر عوامل القبول الذي وجده لدى الثوار وهناك عاملان حاسمان أديا إلى نجاح الثورة وما كان من الممكن أن يحدث ما حدث لو تخلف أيٌّ منهما.. أولهما هو استمرار الثورة وتصاعدها وعدم تحقُّق ما عوّل عليه مبارك من محاولات لشق الصف من خلال الاستجابة لبعض مطالب الثوار ودغدغة العواطف وأساليب البلطجة وغير ذلك من الوسائل.. والعامل الثاني هو استقلالية الجيش ومكانة المشير طنطاوي داخل السلطة مما لم يكن الناس يعلمون حقيقته.. أهم من كل ذلك أن إرادة الله الغلابة هي التي أحدثت الزلزال وساقت الأمر إلى نهايته هذه ورتبت لهذا الذي حدث بشكله هذا.



© Copyright by sudaneseonline.com