From sudaneseonline.com

أمواج ناعمة بقلم : د. ياسر محجوب الحسين
عوذ ومسغبة/د. ياسر محجوب الحسين
By
Mar 12, 2011, 07:57

 

أمواج ناعمة

عوذ ومسغبة

د. ياسر محجوب الحسين

هل ظاهرة الفقر متزايدة أم أن أساليب (الاستهبال) والغش في ثياب الفقر هي التي استفحلت؟!.. ربما أن الأمرين معا يحدثان اليوم في السودان.. عقب كل صلاة حتى ولو كانت صلاة الفجر وفي كل المساجد تقريبا هناك نفر يقوم مستجديا المصلين صائحا وباكيا لمساعدته وكثير من قصصهم مكرورة، حتى أن الكثير منا أصيب بالتبلد ولم يعد يكترث لتلك التوسلات لأن هناك قناعة متزايدة بأن التسول أصبح وسيلة كسب ومهنة للكثيرين.. وسط هذا النقع الذي يثيره أؤلئك (المستهبلون) يضيع أصحاب الحاجة الحقيقيين.. الظاهرة مقلقة ومشوهة لمجتمعنا.. في اشارات المرور وعند مداخل المساجد بل في كل شارع وزقاق.. الكثير منهم أجانب وسمعنا الكثير عن قصصهم وعجائب الخطط و(التكنيك) الذي يستعملونه.. الفقر قضية مجتمعية خطيرة ومن أكبر مسؤوليات الدولة.. كان سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه الذي اتخذ أعظم تدابير لمواجهة مجاعة عام الرمادة يقول: لو كان الفقر رجلا لقتله.. الفقر من أكبر أبواب الانحراف لأن صوت المعدة أقوى من صوت الضمير وإن ذهب الفقر إلى بلد قال له الكفر: خذني معك.

يعتبر الفقر من أصعب القضايا التي تواجهها الدول المعاصرة حتى الأمم المتحدة بخيلها ورجلها ومنظماتها فشلت في علاج الفقر الذي يضرب بأطنابه في كل مكان.. العالم الإسلامي وحده يعيش 37% من سكانه تحت خط الفقر.. النظام العالمي الجديد الذي جاء ليدعم مفاهيم الديمقراطية وحقوق الإنسان تتصاعد في ظله موجة الفقر بالحاجات الأساسية لنسبة كبيرة من سكان المعمورة. الاحصاءات الأممية تقول: أن عدد الدول الفقيرة تصاعد بشكل مذهل خلال العقود الثلاثة الأخيرة. وإن نصف سكان العالم الذي يبلغ حالياً نحو (6) مليارات نسمة يعيشون على أقل من دولار أمريكي (أي جنيهان) يومياً، بينما يعيش نحو (2.1) مليار شخص على دولار واحد في اليوم.. العدالة هي الكنز المفقود؛ البعض يغرق في مياه الغيث والبعض الآخر يشتهي شربة ماء وتقرقر أمعاؤهم من الجدوب والسغب.. بعض الناس تغوص أقدامهم في ذهب العالم وتيجانه والبعض الآخر يهدر كرامته متسولا يطلب فلسا واحدا.

الأموال لن تسقط إلى الفقراء من السماء كقطرات الغيث كما لن تنبتها الأرض كالحشائش الاستوائية.. لكن الاسلام حدد منهجا واضحا يقضى به على الفقر كما وضع التشريع الذي يكفل نجاح النظرية وهو فرض الزكاة على الأغنياء بقدر معلوم لمساعدة الفقراء.. ومن أهم متطلبات هذا المنهج الربّاني القضاء على الفقر باستئصال أسبابه.. فالوقاية مبدأ إسلامي أصيل وشامل لا يقتصر على ما يضر الأبدان فقط بل تعتبر الوقاية مرادفة لقاعدة (درء المفاسد اولى من جلب المنافع).

 لنا دائما في ما يعرف بمجموعة النمور الآسيوية السبع أسوة حسنة.. أشهر الدول التي حققت نجاحات باهرة في معالجة الفقر هي ماليزيا إحدى تلك النمور.. استطاعت ماليزيا خلال ثلاثة عقود (1970-2000م) تخفيض معدل الفقر من حوالي 52% إلى 6% حيث تناقص عدد الأسر الفقيرة بنهاية عقد التسعينيات إلى أكثر من ثلاثة أضعاف عما كان عليه الحال في عقد السبعينيات. وبحلول العام 2005 تم القضاء على الفقر المدقع (المطلق) قضاءً مبرماً.

يقول الخبراء أن فلسفة مكافحة الفقر في ماليزيا قامت على فكرة أن "النمو الاقتصادي يقود إلى المساواة في الدخل"، وعليه مثّل النجاح في مكافحة الفقر اساسا قويا لتدعيم الوحدة الوطنية بين الأعراق المختلفة المكونة للشعب الماليزي.. وما أحوجنا لبلوغ ذلك المرام.

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com