From sudaneseonline.com

بقلم : زين العابدين صالح عبدالرحمن
السيد نائب رئيس الجمهورية اسمح لنا مخالفتك الرأي/زين العابدين صالح عبد الرحمن
By
Oct 6, 2010, 05:12

السيد نائب رئيس الجمهورية اسمح لنا مخالفتك الرأي

زين العابدين صالح عبد الرحمن

يعتبر السيد علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية من السياسيين السودانيين القلائل الذين يوزنون كلماتهم بميزان الذهب و يختار كلماته بعناية فائقة جدا حتى تؤدي كل كلمة المعني المقصود لذلك هو قيل الحديث و التصريحات للصحافة و أجهزة الإعلام حتى أذا تحدث أنصت الجميع باعتبار أن حديثه لا يحمل إشارات تقبل التأويل و المعاني المطاطة إنما تحمل القول الفصل في القضايا و رغم هناك إشارات كثيرة لعدد من الذين يهتمون بالقضايا السودانية أن الإنقاذ و المؤتمر الوطني بهما العديد من مراكز القوة و هو يمثل أحد تلك المراكز و لكن ذلك لا يقلل من مكانة الرجل بقدر ما يؤكد أن الرجل يعتبر ذو الرأي الأرجح في القضايا الخلافية و احد مصممي إستراتيجية نظام الإنقاذ في السلم و الحرب.

أن المؤتمر الصحفي الذي عقده مؤخرا السيد نائب رئيس الجمهورية بعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية حيث حضر المؤتمر الذي عقدته الأمم المتحدة بشأن استفتاء شعب جنوب السودان يوم 24/9/2010  ثم مخاطبته الجمعية العامة للأمم المتحدة يعتبر مؤتمرا يحمل أشارت مهمة جدا لمستقبل السودان بعد الاستفتاء كما يحمل أيضا إشارات سياسية للشريك الحركة الشعبية خاصة بالنسبة لما يتعلق بقضية أبيي و ترسيم الحدود كما هي أيضا  إشارات للمجتمع الدولي لكي يتحمل مسؤوليته تجاه حلحلة القضايا المختلف عليها بين الشريكين قبل إجراء عملية الاستفتاء إلي جانب إشارات أخري حول قضايا الصراع السياسي داخل السودان و  صراع السودان مع الخارج.

عليه فليسمح لنا السيد نائب رئيس الجمهورية أن نختلف معه في عدد من القضايا التي تناولها في مؤتمره الصحفي حيث أن القضايا التي أريد إثارتها تمثل اختلافات في الرأي كما البعض منها يبين عجز الإستراتيجية التي يستخدمها المؤتمر الوطني في إدارة الصراع مع الخارج حول قضايا وطنية في غاية الخطورة و الأهمية و يعتقد القياديون في المؤتمر الوطني أن الإستراتيجية سوف تمكن المؤتمر الوطني سياسيا و اجتماعيا و لكنها هي نفسها سوف تشكل خطورة و تهديد للسلطة و إستمراريتها في المستقبل.

القضية الأولي

قال السيد النائب " أن استفتاء بشأن مستقبل منطقة أبيي المتنازع عليها ربما لا يجري ما لم يتم تسوية القضايا المتعلقة بالاستفتاء"  هذه الإشارة بالغة الأهمية السياسية و هي موجهة للشريك كأداة للضغط لتقديم تنازلات في المحادثات التي تجري حول منطقة أبيي و إيجاد تسوية تقود لاتفاقية لكي تصبح منطقة أبيي ذات منفعة مشتركة للبلدين أذا حدث الانفصال و هذه الإشارة قد اتخذتها و سائل الإعلام و الصحافة في الغرب و الولايات المتحدة مدخلا باعتبار أن الحكومة السودانية تريد إعاقة عملية الاستفتاء بهذا الشرط . و هذه الإشارة نفسها كان يكون لها وقعها السياسي القوي  أذا أتخذها السيد النائب نقطة جوهرية في المؤتمر الذي عقد في نيويورك و حضرته العديد من الدول صاحبة القرار في العالم باعتبار إنها نقطة محورية و مفصلية لآن عدم الاتفاق حولها قبل الاستفتاء سوف يعيد شبح الحرب و عدم الاستقرار و الأمن أذا حدث الانفصال ولكن الاتفاق المسبق قبل الاستفتاء سوف يزيد فرص السلام و الاستقرار ولكن للأسف أن الإستراتيجية التي جاءت بها الولايات المتحدة الأمريكية أنها تريد أن تنتزع اعترافا من الحكومة السودانية أمام دول العالم بأن الاستفتاء سوف يجري في الموعد المحدد له و هي لكي تنجح في ذلك قدمت قبل المؤتمر ما يسمي بالحوافز لحكومة السودان و تخفيف العقوبات حتى لا تحاول الحكومة السودانية وضع شروط أو أية مماطلات في ذلك و قد نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في مسعاها و بالتالي أية شروط  بعد المؤتمر سوف لن تكون مقبولة للولايات المتحدة المؤيدة لقضي انفصال الجنوب و أذا أراد المؤتمر الوطني أن يستخدم قضية عدم الاتفاق حول القضايا الخلافية سوف يعطل قضية الاستفتاء تحتاج لإعادة النظر في إستراتيجية إدارة الصراع التي يستخدمها المؤتمر الوطني. و إشارة السيد النائب نفسها تؤكد أن قضية الانفصال أصبحت واقعا لا محال و عليه يجب البحث عن تأمينات لعدم لنزاع مستقبلا ليس في الصراع بين الدولتين إنما عدم استخدم أراضي الدولة الجديدة من قبل معارضين سودانيين في المستقبل و هي إشارة لا يقبلها أصلا الذين خططوا لقضية انفصال الجنوب لأن إستراتيجيتهم لا تقف عند حدود الانفصال بل هناك تبعات لها يجب أن تكتمل.

القضية الثانية

يقول السيد النائب " أن الحكومة تسعي من خلال استدامة السلام للخروج بعلاقات دولية أكثر متانة و أن هناك قوى شريرة و طامعة في خيرات السودان و لا تريد أن تراه قويا و فاعلا و قال أن هذا التيار أصبح منعزلا و الأقل حظا و بدأ يتراجع و ينحسر"

يتحدث السيد النائب عن الرغبة و ليس الواقع دليل علي ذلك أن المؤتمر الذي عقد في نيويورك لم تشير أية دولة غربية خاصة " الولايات المتحدة – فرنسا – بريطانيا " في كلماتهم عن ضرورة الوحدة كما جاء في اتفاقية السلام و تأكيدهم علي وجوب قيام الاستفتاء في موعده و انتزاع اعتراف يؤكد أنهم يؤيدون انفصال الجنوب هل يعتقد السيد النائب أن الانفصال لا يمثل شرا كما أن خفوت صوت الدول التي ضد السلطة في السودان ليس لأنها قد فشلت في مسعاها إنما هي تجمد حركتها لما بعد الاستفتاء و هي المرحلة التي يعتقد المؤتمر الوطني وفقا لإستراتيجيته تمثل تأمينا لسلطته و لكنها هي الفترة التي سوف يشهد فيها المؤتمر الوطني التحدي الأكبر  رغم ضعف المعارضة للأسباب الآتية:-

أولا – أن قضية دارفور ما تزال مستعرة و لم تجد حلا كما أن كل الحركات الدارفورية لم توافق بإستراتيجية الجديدة للحل التي طرحتها الحكومة و أيضا ما تزال للقضية منظمات داعمة تشكل " للوبي"  قوي في دولها و هي القضية التي سوف تكون مدخل التراجع للولايات المتحدة و عددا من الدول الغربية عن الوعود التي ضربتها للحكومة السودانية.

ثانيا – أن اتهام السيد رئيس الجمهورية من قبل المحكمة الجنائية الدولية سوف يشكل حجر الزاوية بالنسبة للمعارضة في الخارج و التي سوف تجد الدعم الكبير بعد عملية الاستفتاء من قبل الولايات المتحدة و الدول الغربية كما إنها سوف تجد الدعم "أللوجستى"  من الدولة الجديدة  وهي قضية ليست خافية إنما صرح بها السيد سلفاكير ميارديت النائب الأول لرئيس الجمهورية في زيارته الأخيرة لولايات المتحدة عندما قال " أننا سوف نساعد السودان من اجل انجاز قضية التحول الديمقراطي" و حديث باقان أموم الذي أكد فيه أن الانفصال لا يعني التخلي عن قضية السودان الجديد و دعم المناصرين له  أما في الولايات المتحدة راجع كلمة الرئيس أوباما في المؤتمر أنه أكد أن الولايات المتحدة سوف تف مع قضية الديمقراطية و الحرية و هي إشارات ليست اعتباطا أنما لها مدلولاتها السياسية و التنفيذية في المستقبل.

ثالثا – أن انفصال الجنوب سوف يفقد الحكومة جزءا كبيرا من عائدات النفط و بالتالي سوف تتسبب في وقف عددا من المشروعات الاقتصادية و التنموية مما تؤدي ألي خفض متواصل للعملة السودانية و بدأ الانخفاض يحدث ألان الأمر الذي سوف ينعكس سلبا علي مستوي دخل المواطن و ارتفاع جنوني في السلع و هو تحدي لا تستطيع الإنقاذ مواجهته إلا بالقبضة الأمنية الشديدة مما تتسبب في  زيادة حالة ألتزمر في الشارع السياسي.

رابعا- أن انفصال الجنوب سوف يفقد الحكومة أهم أداة أيديولوجية يستخدمها إعلام الإنقاذ وهي تحويل القضايا للخارج في السابق كان التبرير أن الحرب في الجنوب هي السبب في عدم الاستقرار و التنمية و أن العالم و الصهيونية هي وراء هذه الحرب و لكن بعد الانفصال الصراع سوف يأخذ منحنيات أخري لا أقول أن الخارج سوف يكون بعيدا عنها بل سوف يكون جزءا أساسيا و لكن وراء مطالب و استحقاقات و شعارات مقبولة عند الرأي العام الداخلي و الخارجي.

خامسا – أن فقد جزء كبير من إيرادات الدولة سوف يضطر المؤتمر الوطني أو القائمين علي السلطة في إعادة النظر في الصرف الحكومي حول العديد من القضايا و خفض العديد من الوظائف العليا مما يؤدي إلي تزمر وسط عضوية المؤتمر الوطني و تحالفاتها الهشة مع المتواليين معها و الصراع الداخلي وف يكون نقطة الضعف للسلطة في المستقبل.

سادسا – أن المساندة التي تجدها الحكومة السودانية من قبل " الاتحاد الإفريقي – و جامعة الدول العربية – و دول العالم الإسلامي" مرتبطة أساسا بالتحديات الخارجية حول قضية الانفصال و التي تتخوف منها عددا من الدول الإفريقية و لكن كما ذكرت بعد الاستفتاء سوف يتغير شكل التحدي تماما و تصبح ما هو مطروح يمثل قضايا داخلية يجب عدم التدخل فيها بموجب ميثاق الأمم المتحدة و لكن في ذات الوقت سوف تكون الحكومة محاصرة بقضايا  الحرية و الديمقراطية وحقوق الإنسان إضافة للمحكمة الجنائية الدولية.

سابعا – في السابق كانت قضية الجنوب  رغم إنها كانت قضية داخلية و لكنها كانت تؤرق المجتمع الدولي و كانت الحكومات السودانية المتعاقبة تتخذها مدخلا للمساومة مع المجتمع الدولي و لكن غياب الجنوب عن المشكلة السودانية في المستقبل سوف يجعل الدولة السودانية دون أداة إستراتيجية يمكن المساومة عليها كما في بداية الإنقاذ حاولت من خلال " المؤتمر العربي الشعبي " أن يشكل لها أداة للمساومة و لكن قضية الصراع الداخلي بين أهل الإنقاذ فقدت الآلية حيث تملصت السلطة منها في مساومتها مع الخارج و رمتها علي الترابي  كما أن الصراعات الداخلية أفقدت السودان الدور الإقليمي كما إن 11 سبتمبر و تعاون السودان مع الولايات المتحدة و تسليم العديد من الملفات افقد السلطة أيضا كرت للمساومة الخارجية.

ثامنا – إذا انفصل الجنوب سوف يتحمل المؤتمر نتيجة الانفصال نتيجة لسياساته التي حاول بها إبعاد الآخرين عن مناقشة أهم القضايا التي تمس الوطن و حدثت قضية الإبعاد عندما رفض المؤتمر الوطني دخول القوي السياسية الأخرى في مناقشات "نيفاشا" و بالتالي هي رافضة ألان الدخول في قضية الوحدة تحت رايات المؤتمر الوطني فلانفصال سوف يكون سلبيا علي المؤتمر الوطني سياسيا لأنه هو الوحيد الذي فرط في وحدة البلاد و الخوف من تبعاتها في مناطق أخري من السودان.

تاسعا – السيد النائب معروف تماما أن علاقات الدول تقوم علي المصالح و كما قال و نستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا زمن الحرب العالمية الثانية " ليست هناك صدقات دائمة و ليست هناك عداوات دائمة و لكن هناك مصالح دائمة" فالصين هي لها علاقات إستراتيجية مع السودان بسبب استثماراتها البترولية في السودان و أذا فقد السودان هذه السلعة تخف أو تضعف هذه العلاقة الإستراتيجية مهما كان ولاء السودان للصين خاصة أن أكبر شريك تجاري للصين هي الولايات المتحدة حيث الميزان التجاري بين البلدين 254 مليار دولار لصالح الصين و ثاني شريك لها هي اليابان ويقدر الميزان التجاري بين البلدين 200 مليار دولار  ثم يأتي بعد ذلك الاتحاد الأوروبي 140 مليار دولار  في الوقت لم يتجاوز الميزات التجاري بين الصين و كل الدول الإفريقية 45 مليار دولار و مع السودان 6 مليار دولار هي في القطاع البترولي أذن هذه نفسها تريد إعادة للتقييم في الحسابات الإستراتيجية.      

أذن حديث السيد النائب حول تخفيف الضغط علي السودان و أن القوى الشرير الطامعة في خيرات السودان أصبحت معزولة قضية إستراتيجية يجب إعادة المعلومات عنها لكي يستقم التحليل المنطقي للقضية و أن حالة السكوت ألان من قبل المجتمع الدولي هي مرتبطة فقط بقضية استفتاء الجنوب و هذا ما أكده السيد النائب نفسه عندما قال " أن الكل كان يسأل حول هل الاستفتاء سوف يقوم في موعده".

القضية الثالثة

قال السيد النائب " يجب علينا الابتعاد عن القوالب التقليدية بعدما اثبت فشلها و في ذات الوقت طالب القوي السياسية و المواطنين الالتزام بجانب الوحدة و العمل من أجلها" و هي إشارة لدعوات المعارضة لمناقشة القضايا المصيرية حيث أن الإستراتيجية التي اتبعتها الإنقاذ منذ عام 1989 هي كيفية إضعاف المعارضة وبالفعل قد أحدثت تشققات كبيرة في أبنيتها ثم سلك ذات الإستراتيجية مع الحركة الشعبية منذ عام 1992 ثم أخيرا مع حركات دارفور الذي حدثت فيها تشظيات عديدة كل ذلك من أجل إضعاف القوى المعارضة لكي يصبح حزب المؤتمر الوطني هو الحزب القائد و الأوحد و هنا أتذكر قول جان جاك روسو عندما يقول " لن يكون الأقوي بالقوة الكافية لكي يكون السيد دائما ألا إذا حول القوة حق و الطاعة إلي واجب" و لكي يفعل المؤتمر الوطني يجب عليه سماع الصوت الأخر و الحوار الموضوعي مع القوى السياسية الأخرى حتى لو اعتقد إنها قوي ضعيفة و قد فقدت شعبيتها لان المعركة و التحدي يتطلب توحيد الجبهة الداخلية و هذه لا تتم بمبدأ الوصاية و فرض الشروط علي الآخرين أنما بالجلوس معهم و الحوار البناء.

السيد النائب أن الإستراتيجية التي كان يتبعها المؤتمر الوطني و خاصة في السياسة الداخلية و التي تقوم علي مبدأ القوة و ليس الحق تريد فعلا إعادة النظر و مراجعة حقيقة أذا كانت الإنقاذ تريد الاستقرار و السلام و تحفظ ما تبقي من الأراضي السودانية و أن القبضة الحديدة الممارسة من قبل السلطة و تعتبر أحد الأعمدة الأساسية للإستراتيجية هي نفها سوف تشكل خطورة في المستقبل علي الإنقاذ و بالتالي أن الانفصال ليس في مصلحة المؤتمر الوطني بل سوف يكون بداية للتحدي الأخطر له.

و كنت قد أكدت تكرارا في مقالات عديدة أن قضية المحكمة الجنائية هي من أخطر القضايا التي سوف تستخدم لتقويض نظام الإنقاذ باعتبار إن الفهم أن هناك صراعات مصالح داخل المؤتمر الوطني و أصبحت عضوي المؤتمر الوطني مرتبطة بتلك المصالح فقط و أن الرئيس البشير هو الذي يمثل لحمة النظام و تماسكه  حيث أن كل مراكز القوة داخل المؤتمر الوطني أو في السلطة أو في القوى الموالية للمؤتمر الوطني هي ملتفة حول الرئيس و تمارس صلاحيات قوتها من خلال الولاء للرئيس و بالتالي تركيز المعركة ضد الرئيس و ضرب هذه اللحمة يعني التفكيك للمؤتمر الوطني مما يؤكد أن المستقبل غير مشرق و أخيرا نسأل الله ألطف بالوطن و المواطنين.     

             

 

                



© Copyright by sudaneseonline.com