From sudaneseonline.com

بقلم : الطيب الزين/ السويد
نقاط استرشادية لاهلي المسيرية /الطيب الزين
By
Sep 29, 2010, 03:15

نقاط استرشادية لاهلي المسيرية

تحت هذا العنوان قد نشرت مقالاً في عام 2005 بعيد توقيع اتفاقية نيفاشا بين المؤتمر الوطني والحركة الشعيبة، هنأت فيه الراحل الشهيد الدكتور جون قرنق على نضاله وكفاحه الذي تكلل بالنصر التاريخي بتحريره ارادة ابناء جنوب السودان من هيمنة القوى الطفيلية التي استخدمت كل وسائل الخداع والنفاق السياسي لسرقة الموارد والسيطرة على ارادة ابناء الاقاليم المهمشة، لاسيما ابناء الجنوب طوال الخمسين عاما الماضية تحت شعارات الدين والدجل السياسي.

تلك الشعارات اطاحت بامال الشعب السوداني في حياة قائمة على اساس الديمقراطية والتنمية، اذ فشلت في إرساء دعائم حكم سياسي مستقر ، ينال احترام وقبول ابناءه في جهات البلاد الاربعة، ليس هذا فحسب، بل خربت تاريخاً مشرقاً مثله التلاقي الحضاري والتداخل الاثني والثقافي والاجتماعي بين مكونات المنطقة، خاصة بين قلبيتي المسيرية  كفرع من فروع قبائل جهينة العربية، والدينكا حجير واخوانهم  ماريق كفرع من فروع قبيلة الدينكا ، وبرغم ما شهدته المنطقة من نزاعات قبلية بين المسيرية والدينكا حول المياه والمراعي، إلا ان تلك النزاعات دوما يتم احتواء ها، في إطار العادات والتقاليد والعرفي الاهلي الذي تحقق في المنطقة، الامر الذي هيأ لهاتين القبيلتين مناخاً فريداً من العلاقات الاجتماعية لم تعرفه بقية مناطق السودان الاخرى، جاء نتيجة للعلاقات الانسانية بين العرب والدينكا، وتمتع المنطقة وابناءها بالاستقلالية والحرية فيما مضى، الامرالذي منح شيوخ وعمد ونظار المنطقة هامشاً ومتسعاً للتفكير والحوار الهادي، للحد الذي مكنهم من معالجة وحلحلة كل الازمات التي نشأت في الماضي، بسبب ضغط الحاجة، نتيجة لقلة الماء الصالح للانسان والحيوان، والمراعي التي تستوعب حاجة تلك الثروة الهائلة المقدرة بعشرات الملايين من قطعان الماشية،مما يضطر المسيرية وغيرهم من القبائل التي تمتهن الرعي عموما، والابقار على وجه التحديد، للتوغل في موسم الصيف الى داخل الجنوب وهناك تحدث بعض الاحتكاكات والمناوشات بين الرعاة الذين اغلبهم من فئات الشباب، لكن سرعان ما يتدخل عقلاء وزعماء العشائر من الطرفين لفض النزاعات وحسم الخلافات في مهدها، بهذه الوتيرة والنسق عاش المسيرية والدينكا مدة طويلة عامرة بالامن والاستقرار، وقد حدث قدرا كبيرا من التمازج والتزواج بين المسيرية والدينكا، اذ أن نسبة كبيرة من العرب المسيرية والحوازمة وبني حميد ، امهاتهم من الدينكا والنوبة ووصل امر التداخل الاثني والثقافي بانسان المنطقة، وهنا اعني المنطقة الممتدة من ابيي حتى ملكال، الى درجة يكاد يصعب على المرء ان يفرق بين العرب، والدينكا او النوبة، وبذلك تعتبر المنطقة عموما، وابيي على وجه الخصوص درة التلاقي والتلاقح والتمازج الاولى في السودان، اذ على رحابها التقت الثقافات والحضارات والملل وظلت تتفاعل بايجابية الى الحد الذي جعلها مضرب مثل لحالة التعايش الاهلي السلمي، وصيغة نموذجية لثقافة تقبل الاخر، ولعل هذا هو حال ابيي وحال المنطقة عموما، والذي يماثل الى حد كبير، حالة التشابه بين الاقاليم الثلاثة، اي مثلث التهميش، والذي يشمل الاقليم الجنوبي وكردفان ودارفور، اذ ان نمط الحياة وسبل كسب العيش في هذه الاقاليم تكاد تكون واحدة وهي الرعي والزراعة وقليلاً من التجارة، كما أن هذه الاقاليم ظلت تعاني التهميش المنظم من قبل زمرة المركز في الخرطوم، وهنا أقصد القوى الطفيلية ، تجار السياسة، الذين اعطوا صورة سيئة للسياسة والسياسيين رغم أن اهلنا قابلوهم بالاحترام والتقدير ، إن جاءوا تجاراً، او  مرشحين لكنهم مع ذلك لا يفكرون سوى بمصالحهم الذاتية الضيقة والكسب الرخيص على حساب البسطاء، وهذا حالهم سواء في التجارة او السياسة، ولعل الكثير من ابناء الاقاليم المذكورة، قد لمسوا ذلك في كثير من مفردات الحياة اليومية، ان الفئة الطفيلية هذه  تنطلق من فهم انتهازي استغلالي بحت للاخرين، اذ تحاول قدر الامكان أن تستأثر بكل شيء بدءاً من ببيع الشطة والملح والتنباك، انتهاءاً بسرقة السلطة، هذه الثقافة هي التي ملئت صدور أبناء الهامش بالتذمر والغبن ، بسبب ثقافتها وعقليتها النرجسية التي تسعى للعيش على حساب الآخرين، مثل القراد الذي يعيش على ظهور المواشي، تستخدم في ذلك كل ما جادت به قريحتها ومخيلتها المريضة للامساك بسدة القرار  وسلطان المال، تاركة ابناءالاقاليم الاخرى للهيام على وجوههم في بيداء السياسة السودانية، ليتراءى لهم سراب الخديعة والوعود الكاذبة ماءاً، ولذلك ظلوا يسعون وراءه خمسون عاما، ليرووا ظمئهم بجرعة ماء، ناهيك عن شق قنوات مياه توفر حاجة الزرع والضرع، الامر الذي اقعدهم واقعد البلاد، بل وادخلها في اتون صراعات سياسية وحروب اهلية طاحنة استنزفت كل الموارد والطاقات، وحولت السودان المعول عليه سلة للغذاء العربي والافريقي، الى سلة الاستجداء العالمي، يتلقى المساعدات شرقا وغربا وجنوبا، بسبب الظلم الذي خطط له دهاقنة الطفيلية والاسلام السياسي، تحت عباءة الوطنية والاسلام، فباسم الوطنية والاسلام تم قمع ومحاصرة كل اصوات الشرفاء التي تنادي بالعدل والمساواة، اذ ظلوا يوصمون كل من يرفع صوته منادياً بالتنمية والتطور والتحديث، بانه عنصري واقليمي، او يساري، ظلوا يحاصرون ابناء مثلث الهامش بهذه المقولات الجاهزة التي لا تكلفهم شيء سوى القاء التهم جزافاً، وهم باسم الوطن والدين، يختطفون الديمقراطية وينتهكون سيادة حكم القانون واحترام حقوق الانسان، والعدالة والمساواة، التي يعول عليها ان تثمر الاستقرار والامن والسلام المستدام الذي طالما حلم به كل ابناء السودان الشرفاء واصحاب الضمير ،لاسيما أهلنا في مناطق التماس، الذين دفعوا الكثير من حاضرهم ومستقبلهم بسبب اخطاء ارتكبتها هذه الاقلية الانتهازية المولعة بحب السلطة والمال، التي تنسب نفسها زوراً وبهتاناً للعروبة، هذه الحفنة التي اجادت السرقة والاستجداء في دول الخليج باسم العروبة والاسلام، بممارساتها السيئة خلال الفترة الماضية قد وجهت ضربة ماحقة للعروبة والاسلام في السودان بافراغها للاستقلال من مضامنيه الاساسية، فاهلنا الذين عاشوا مع الدينكا والنوبة والفور وغيرهم من القبائل في غرب وجنوب السودان استطاعوا بعلاقاتهم الانسانية السمحة ان يكسبوا ود واحترام وتقدير كل تلك القبائل، مما ساهم ذلك في نشر اللغة والثقافة العربية في تلك الاوساط، لكن للآسف بعد مايسمى بسنوات الحكم الوطني حدث العكس، اذ بدأ بعض ابناء تلك القبائل يتحدثون اليوم، بنفس فيه الكراهية والبغض للعروبة واهلها، سببه ليس اهلنا في بوادي كردفان ودارفور الذين يقاسمونهم ذات المعانأة إن لم تكن اكثر، وانما سببه الذين ظلموا وطغوا باسم العروبة والإسلام.

 ما كنا سنسمع هذه الاصوات لولا تقصير الدولة في القيام بواجبها المنوط بها منذ الاستقلال في ترسيخ الديمقراطية وإطلاق عجلة التنمية، والخدمات من تعليم وصحة وطرق ومصانع وشركات وشق قنوات مياه وتحديث المراعي للثروة الحيوانية التي لعبت وما زالت تلعب دوراً كبيراً في دعم الخزينة الوطنية بالعملات الصعبة، هذا بجانب الثروة النفطية المكتشفة في كردفان والجنوب ودارفور.

مضافاً اليها الدور الكبير التي ظلت تلعبه هذه الاقاليم سواء من خلال خدمة ابناءها في الجيش والشرطة، الذين يتم استيعاب اغلبهم كجنود وعمال في المهن الهامشية، وكل ذلك لم يأتي من فراغ وإنما هو عمل مخطط له من قبل الفئة المجرمة في المركز التي تنسج خيوط التآمر بشكل متقن، برغم اللآفتات السياسية المختلفة إلا أنهم بالنتيجة يخدمون مصالح بعضهم البعض، وكل ذلك للحيلولة، دون تطور وتقدم الاقاليم ، بخاصة كردفان ودارفور والجنوب الذي حرر ارادته  وغدا دارفور وبعده الشرق، وكردفان الصابرة التي ظلت تتوسم وتتوقع الخير ممن جاءوا الى السلطة باسم الوطن ان تنال حقها المشروع في التنمية والتطوير، بجانب دور ها الرائع، منها انطلقت معارك التحرر، اذ كان ابناءها ابكاراً في الثورة المهدية التي حررت السودان من الهيمنة الاجنبية.

 كذلك موقعها الاسترتيجي المطل على كل اقاليم السودان، اذ تعتبر السودان المصغر، لكن الانانية والانتهازية التي تحكم سلوك تلك الاقلية المجرمة في المركز حالت دون ذلك، بل وصل بهم الجحود والظلم.

1/ أن الغوا ولاية غرب من الخارطة السياسية بعد توقيع اتفاقية نيفاشا، تمهيداً لتضييع حقوق المسيرية في ابيي والايام قد اثبتت ما قلناها قبل خمس سنوات من الآن

2/ غييبوا قبيلة المسيرية وزعمائها من المفاوضات التي ناقشت قضية هامة مثل قضية ابيي التي تعتبر منطقة حيوية واسترايجية ليس بسبب النفط  فحسب وانما بسبب أن اهلنا ظلوا يعيشون في هذه المنطقة مئات الاعوام بجانب حاجة الماشية  لمسارات ومراعي لا تتوفر إلا في بحر العرب.

3/ بعد توقيع اتفاقية نيفاشا لم يحس المسيرية وغيرهم من سكان المنطقة بنعمة السلام  بل تحولت الى نغمة اذ ظل الدم الكردفاني نازفاً في ابيي وجبال النوبة، مضافا اليه عدم توظيف ابناء المنطقة في شركات البترول العاملة في المنطقة.

 4/  عدم تعويض اصحاب الاراضي التي اخذتها الدولة للاستثمار النفطي ولا الاثار السلبية على البيئة والانسان والحيوان.

5/ عدم استيعاب الخريجين من ابناء المنطقة في المؤسسات الاستراتيجية، مثل الكلية الحربية والاجهزة الامنية او حتى في مؤسسات الخدمة المدنية ومن ابرزها وزارة النفط ومؤسساتها سواء على مستوى الاقليم او العاصمة.

 6/  عدم الاهتمام بامر التنمية في المنطقة اذ حتى الان وبعد مضي خمس اعوام على توقيع اتفاقية نيفاشا لم يخطر ببال النظام ان يربط المنطقة بطريق مسفلت ولو بطول متر واحد، او شق قناة مياه من النيل تعوض اهلنا في حال فقدان اهلنا  لابيي.

7/  عدم استيعاب اولئك الذين وظفهم النظام فيما مضى في حملات الدفاع الشعبي عندما كان يعتبر قتال الجنوبيين عملاً جاهدياً يدخل صاحبه جنات الفردوس قاتلاً او مقتولاً.

 8/  حملات ملاحقة واعتقال لابناء المنطقة دون وجه حق.

9/  تم نقل قضية ابيي للاهاي بدلاً من الاستعانة باهل المنطقة وتغليب مصلحتهم التي تحتم ان تحظى المنطقة بالدعم  والتنمية لتشجيع سكانها من الطرفين المسيرية والدينكا وغيرهم للعيش معاً.

 لكل هذه الاسباب شعر ابناء كردفان عموما وولاية غرب كردفان على وجه الخصوص بالظلم والتهميش، الذي كان نتيجته الاتي:
قيام ثورة ابناء المنطقة باسم شهامة التي قادها الشهيد موسى على حمدين لرفع الظلم الذي تعانيه المنطقة  واخيرا تكللت تلك النضالات بقيام حركة كاد التي رفعت شعار كردفان للتنمية من اجل مشاركة عادلة لكل الإقليم في الثروة والسلطة كأساس للوحدة والسلام.

 

لذلك اقول لأهلي المسيرية لا تنلي عليكم الخديعة مرة اخرى بعد ان خسرتم حقكم الذي حازه الاباء والاجداد الذين كفاحوا وشقوا طريقهم وسط الصعاب حتى استقر المقام به وباهلنا في دينقا ام الديار، وابيي التي ضيعها  بعض الخونة من ابناء المسيرية الذين باعوا قضية اهلهم بسبب مصالحهم وتبعيتهم العمياء للمؤتمر اللا وطني، الذي طرح ورقة منافقة الهدف منها اللعب والضحك على عقول اهلنا، وإن لم يكن لعباً على العقول، فإين كان هذا المقترح إبان توقيع اتفاقية نيفاشا...؟

لماذا يتكرم المؤتمر اللاوطني الآن ، بورقته  هذه التي يقترح  فيها رفع نسبة منطقة ابيي من البترول المستخرج منها الى 20% بدلاً من 2% ..؟ وحتى نسبة 2%  بقلتها وظلمها الفاضح لاهلنا، لا نعرف الى اين ذهبت ...؟

هل تم شق قنوات للمياه تلبي حاجة المنطقة  للمياه والمراعي..؟  هل تم تشييد مصانع للالبان والاجبان واللحوم والجلود او مصانع عصائر للكركدة والتلبدي او زيوت الفول او السمسم او حبوب البطيخ..؟

هل انشأت مستشفيات تلبي حاجة المنطقة لتشجع الطرفين على العيش المشترك..؟ هل تم تثقيف انسان المنطقة بمنافع السلام والعيش المشترك..؟ هل زود المزارعين بالاليات اللازمة الزراعة الحديثة للاستفادة من خيرات المنطقة من ذرة وفول وسمسم وصمغ وبطيخ الميرام بطيخ الروسمان..؟ هل قدمت الدولة قروضاً مسهلة لاصحاب المواشي والزارعة من نسبة  98% من البترول  الذي يسرقه النظام من المنطقة الذي بنى به  عناصره العمارات وركبوا منه السيارات الفارهة وكوموا منه الارصدة المهولة في بنوك ماليزيا ..! هل فكر  النظام في تعويض المسيرية في مقابل ما خسروه من  ابيي..؟

لذلك علينا جميعا ان ننتبه ونفتح عقولنا لمواجهة كل الطامعين في المنطقة وخيراتها بالوعي والحكمة التي تكفل لنا العيش بسلام مع اخواننا الدينكا ماريق وحجير سواء انفصل الجنوب او بقى في خارطة السودان القديمة التي نسعى لاعادة صياغتها بحيث تستوعب الجميع حتى الاخوة في الجنوب للعودة  مجدداً لحظيرة الوطن الموحد على اساس الفيدرالية الحقيقية والديمقراطية والتنمية الشاملة ليطل شعب السودان  من جديد على المستقبل بتطلعات افضل وهذا حتماً قادم باذن الله لذا عليكم أن لا تقعوا في الفخ الذي نصبه لكم المؤتمر اللاوطني بمبادرته الخبيثة في الوقت الضائع.

مرة اخرى نسأل اين كانت هذه المبادرة إبان مفاوضات نيفاشا إن كان النظام يريد خيرا بابيي واهلها من المسيرية والدينكا...؟

الطيب الزين

 



© Copyright by sudaneseonline.com