From sudaneseonline.com

بقلم : زين العابدين صالح عبدالرحمن
الثقافة و المشروع الوطني/زين العابدين صالح عبد الرحمن
By
Sep 26, 2010, 10:04

بسم الله الرحمن الرحيم

  

الثقافة و المشروع الوطني

 

زين العابدين صالح عبد الرحمن

 

 محاولة في جدل الفكر و الثقافة مع ما قدمته ورقة الأستاذ محمد بشير " عبد العزيز حسين الصاوي" في جر النخبة السودانية لحوار حول قضية التنوير باعتبار إنها تعد حجر الزاوية في تغيير المجتمعات و تنميتها و هي الصفحة التي كانت مفقودة في جدل السياسة السودانية و حاول السيد الصاوي إحيائها ووضعها علي قمة الأجندة الوطنية و كنت في مداخلة سابقة قد أشرت علي الصاوي عدم تحديد و تصنيف قضية التنوير بين الحكومة و المعارضة باعتبار أن قضية التنوير لكي ـاخذ أبعادها الاجتماعية يجب أن تطال الجميع و جر الجميع دون أية شروط لساحة الحوار الفكري و لاسيما أن الحوار سوف يقلل فرص استخدام أدوات العنف و يوسع رقعة الحرية ثم يعمق الثقافة الديمقراطية في المجتمع إضافة ألي أن القضية الأخرى أن هناك إسهامات فردية عديدة لمفكرين و مثقفين سودانيين في الداخل و الخارج و لكن تظل هي مجهودات فردية ربما لم تجد الحق المطلوب في النشر و التعليق و التحليل و دخولها في حركة الحوار و الجدل الجماعي سوف يلقي عليها الضوء من جديد  و نؤكد من جديد أنها بمثابة رمي حجر لتحريك الساكن و مرة أخرى نقدم تقديرنا للرجل.

    

يقول جمال الدين الافغانى ( ان قوة كل امة كامنة فى افرادها لا يظهرها الا الاتحاد و لا يخفيها الا التفرق ) تعتبر الفترة المتبقية لحكومة الوحدة الوطنية و حتى الاستفتاء فى الجنوب لكى يبقى فى ظل سودان موحد او الانفصال هى فترة كافية من اجل اثبات ما يسمى "بالوحدة الجازبة" و التى من المفترض ان يعمل الجميع من اجلها لتحقيق قضية الاستقرار السياسى و التنمية بابعادها جميعا رغم الازمات السياسية الطاحنة التى تمر بها البلاد وقضية دارفور التى اتخذت ابعادا دولية قطعا سيكون لها انعكاساتها الداخلية و سوف تؤثر على علاقات السودان الخارجية فى عالم ملىء بالمشكلات لا ترى القوى العظمى فيه الا مصالحها.

 

ان الازمة السياسية التى بدات منذ اسقاط اول حكومة وطنية بعد اول انتخابات عام 1953 كانت تنذر بان قضية الحكم و الديمقراطية سوف تمر بمطبات كثيرة تحد من انطلاقة السودان ان كان ذلك على المستوى الداخلى او علاقات السوان الخارجية فى عالم اتسم بالتحالفات من اجل المصالح.

 

كان السودان قد اعتمد منذ الاستقلال و حتى اليوم على دور النخبة السياسية فى هندسة عملية الاستقرار السياسى و الوفاق الوطنى مع اهمال كبير للادوار الاخرى و خاصة الثقافة رغم ان اغلبية النخبة السياسية فى وقت ما قبل الاستقلال و بعده بدات مشوارها الوطنى السياسى فى ارض ثقافية خصبة و نهلت من معينها و تزودت بزادها ولكنها ادارت لها وجهها بعد ان اكتشفت ان درب السياسة سوف يجعل لها اداة التمكين و السيطرة على الاخرين و يخرج الثقافة المختزنة فى الا  شعور الى السطح بحكم المنهج الابوى فى التربية السودانية القائم على قمع الاخر و النافى لراى الاخر.

 

ان الازمات التى شهدها السودان ناتجه لتعدد الايديولوجيات فى السودان فى ظل ثقافة ابوية متشدده لذلك استبدلت ادوات الحوار بآليات القمع التى قادت الى العنف اوصلت الصراع لاعمال عسكرية ضد الدولة و فى بعض الاوقات ضد المجتمع اضعفت الفرص التى كانت متاحة لعملية الحوار الاجتماعى و الثقافى و السياسى بين المجموعات المختلفة فترة ما بعد الاستقلال بسبب الطموحات الشخصية لبعض النخب و لدور الطائفية فى سعيها لقبض مفاصل السياسة حماية لمصالحها اضافة الى فشل الطليعة السياسية لتقدير الموقف حيث كان من المفترض ان تكون ساحة الصراع مع الطائفية فى المجتمع و فتح العديد من القنوات و الوسائل التى تنشر الوعى بين المواطنيين تبصيرا بحقوقهم و نشر الثقافة الديمقراطية السلاح القادر و الفاعل فى تقليص دور الطوائف والاثنيات بانواعها المختلفة فى العمل السياسى و من خلال الاساليب الديمقراطية و لكن الطليعة السياسية فضلت ان تلعب مع الطائفة فى ملعبها و بادواتها و اتخذت من دولاب الدولة و مؤسساته اداة لذلك مع اضعاف لمؤسساتها السياسية فى مواجهة قوى منظمة الامر الذى دفعها لكى تبحث عن مؤسسات اكثر تنظيما و قوة لذلك لجات الى القوات المسلحة و استدرجتها الى الساحة السياسية لكى تحسم بها صراعاتها مع الطائفية و تقيم بها دولتها الديكتاتورية و الأنظمة التوليتارية التي خلفتها بانقلابات عسكرية و بمغادرتها الساحة الديمقراطية بدخول المؤسسة العسكرية افسحت الساحة الحزبية الى الطائفية لكى تظهر انها هى المدافعة عن الديمقراطية ولكن باسلوبها وادواتها الامر الذى قاد الى فشل تلو الاخر للتناقضات التى حدثت فى المنهج و عملية التكتيك و الغريب فى الامر ان الطليعة السياسية بعد فشلها فى التحكم على القوات المسلحة لجات مرة اخرى الى اداة اكثر خطورة من سابقتها حيث استنفرت النعرات الاثنية و القبلية لكى تدخل بها مرة اخرى الى حلبة الصراع السياسى فى موجهة مع القوات المسلحة و الصراع الايديولجى بهدف تفكيك البنية السابقة للدولة و العلاقات السياسية لكى تعيد البناء القديم الذى تمردت عليه و فشلت فى ادارته و هى فى محاولاتها للسيطرة علي الدولة و مؤسساتها بينت التجربة أنها لا تستفيد من التجارب السابقة و لكنها ربما تكون منبهره بإطروحة المحافظين الجدد فى الولايات المتحدة الامريكية بما يسمى بالفوضة الخلاقة.

 

يجب على النخبة السياسية ان تعطى مساحة فى عملية البناء الوطنى و الوفاق الوطنى لدور النخبة الثقافية بان تؤدى دورا اخر بعيدا عن حالة الاحتقان السياسى ويعمل بادوات جديده فى خلق ارضيات مشتركة تفتح نفاجات على الحوائط الصماء بين الكتل السياسية و الاجتماعية و الثقافية على المستوى القاعدى دون وصاية سياسية ولكن تنطلق من نصوص الاتفاقيات التى تراض عليها الجميع.

 

هناك بعض السياسيين محدودى الافق الذين يعتقدون ان هذا ضربا من ضروب الخيال و ما السياسة الا فن و خيال موار – و هولاء فى مخيلتهم ان الثقافة هى اشياء ترفيهية ليست جادة و بالتالى دورها الترويح عن النفس و الهزل و الضحك ياتى اليها الناس بعد عناء العمل ليستريحوا و يريحوا النفس من ضيمها بتعدد حقول انتاجاتها المتنوعة و المختلفة. و المشروع الثقافى الوطنى فى حقيقة الامر ليس بديلا عن السياسة انما هو محاولة جادة من اجل تخفيف حدة الصراع و فتح منافذ اخرى للحوار ولكن من خلال ادوات جديدة تتيح مساحات اكبر لقطاعات جماهيرية اوسع لها الرغبة فى المشاركة لبناء الوطن ولكن بعيدا من الادوات السياسية التى ملتها وربما الادوات الجديدة يكون لها فاعليتها الاكثر تاثيرا و جاذبية للمجموعات الواقفة على السياج و هولاء اذا وجدوا مساحة فى الحوار الوطنى عبر ادوات خلاقة سوف يسهموا فى اعادة تشكيل الوجدان الوطنى  و تحويل المضاميين و المصطلحات الى اشياء مقبولة و مهضومة كما ان الثقافة قادرة على صياغة العقل البشرى لكى يتلاءم مع الواقع الجديد دون ان تحدث شرخ فى معتقدات و تصورات المجتمع ولكنها حتما تخلق حالة من الوعى الجديد يحد من فرص العنف لان الادوات المستخدمة مرتبطه بالخلق و الابتكار و الجمال لها علاقة بالسياسة بطريق غير مباشر و بعيده عن عملية الوعظ والتلقين.

 

ان عملية البناء و التنمية و الاستقرار السياسى و بناء الوجدان الوطنى ليس عملية نشاط  قاصر على حزب سياسى بعينه او مجموعة اثنية و قبلية او فئة محددة من النخبة انما هى اجراءات و نشاطات متواصلة تشارك فيها العديد من المؤسسات الاجتماعية والتربوية والاسر و السياسية و كذلك الافراد من خلال ابداعاتهم المختلفة و المتنوعة لذلك هى متعددة الجوانب في مساهمتها و بتكاراتها و مادامت هى شاملة المحتوى فان الثقافة تعد من اعمدتها الاساسية و الوسيلة القادرة على اداء هذا الدور باقتدار كامل واذا رجعنا لتعريف الثقافة رغم التعريفات العديده و المختلفة و لكنها جميعا تتفق على ان الثقافة هى  " هى ذالك الكل الذى يحتوى على المعارف و القيم و المعتقدات و الفن و الاخلاق و التقاليد و كل المعارف المكتسبة و التى تؤثر فى السلوك" و مادام الثقافة بهذا العموم التعريفى ذو الابعاد و المفاهيم فان اعطائها دورا  واسعا متعدد الاتجاهات و الابعاد دعما لعملية الحوار و الوفاق الوطنى ليس بصورة نخبوية انما بصورة شعبية واسعة تؤثر فى تحريك الساكن لدعم عملية البناء الوطنى. 

 

السؤال: كيف تلعب الثقافة دورافى بناء الوحدة و تشكيل الوجدان الوطنى؟

 

الثقافة و الديمقراطية

 

عدم الاستقرار السياسى و النزاعات الداخلية و الحروب الاهلية هى التى عطلت عملية التنمية بجوانبها المختلفة " السياسية-الاقتصادية-الاجتماعية-الثقافية" و الخطر إن هذه النزاعات انها انعكست على الدور الاقليمى للسودان و اصبح  ينظر الى السودان بانه مصدر قلق لذلك وجب ان تتغير الاستراتيجية التى تعطى دورا اكبر للثقافة بان تتبنى الركائز الاساسية للوحدة الوطنية والاستقرار السياسي و تمكن السودان من خلال المنابر و القنوات الثقافية بان يغير صورته الحالية وان يجعل من عملية الاستقرار و التنمية والحوار الوطنى واجبا وطنيا وان تمتد هذه النشاطات على ان تؤثر فى الحوار الاقليمى الشعبى بفاعلية وهى عملية المقصود منها التفاعل الخلاق مع شعوب الجوار عبر الوسائط الثقافية التى تحول عملية الصراع الى حوار تسهم فيه النخب المبدعة بصورة كبيرة. ويجب على الثقافة ان تلعب دورا فى تجلياتها الابداعية بهدف خلق ارضية للتجانس القومى الوطنى يحفر فى اعماق التاريخ لخلق ارضية مشتركة لكل الطوائف و الاثنيات السودانية تعبر عن وحدة التاريخ و المصير المشترك. وان عملية البحث و التنقيب فى التراث و الاثار و التاريخ يكون عبر الوسائط الابداعية و الفنية لانها الاقدر على تشكيل الوجدان الوطنى. وهذا يذكر بقول عالم الاثار الدكتور يوسف مختار الامين يقول فيه "حين نتوصل الى فهم مشترك و معقول للمعطيات و الظروف التاريخية التى تشكلت فيها و من خلالها ما اتفقنا على تسميته الثقافة السودانية نكون قد قطعنا شوطا فى اتجاه البناء الوطنى و التمسك الاجتماعى و مهما كان دور و مساهمة المجموعة الاثنية التاريخى كبيرا او صغيرا فى تاسيس الثقافة المشتركة فان الاعتراف به يشجع على المزيد من المشاركة و الالتزام بالانتماء الوطنى"

 

 السودان غنى بالتنوع الثقافى ولكن لم يستغل هذا التنوع بصورة جادة و عملية فى تحقيق عملية الاستقرارو الوحدة و الاهتمام بالثقافة و اعطاء دور واسع لها يجعلها تستغل هذا التنوع الثقافى فى بناء الوجدان الوطنى ويضع شروطا موضوعية لعملية الحوار الثقافى والسياسى رغم ان هناك العديد من المبدعين السودانيين فى ضروب مختلفة و متنوعة من الفنون قادرين اذا وجدوا الامكانيات الازمة  ان يوظفوا قدراتهم و امكانياتهم فى تحويل الواقع السودانى الى حوارات مفتوحة من الابداع  و ادوات جديده قادرة على الاستقطاب الجماهيرى الامر الذى يقلل بروز العنف و الصراعات الحادة و الصدام العازل الذى يؤدى الى الاقصاء ولكن ادوات الابداع تحول الصراع و العنف الى تنافس مشروع بين المجموعات الثقافية المختلفة تؤدى الى بروز مبدعين فى المجموعات الثقافية المختلفة بان يظهروا ابداعاتهم الحقيقية وليست الزائفة لان الجارى اليوم هو تزييف لعملية التنوع الثقافى حيث المقصود من عملية التنوع الثقافى و حوارها مع بعضها البعض ليس ان تحاول اجهزة الاعلام و النشاطات الثقافية ان تختار بعض الاشخاص او المواد ضمن البرمجة و التنفيذ و تقول هذا هو التنوع الثقافى و ان المجموعات المختلفة قد اعطيت حقها فى كعكة الوطن ولكن المقصود هو ان تقدم القوانيين والوائح الفرص المتساوية للمبدعين و التنافس عبر المؤهلات العلمية و الابداعية و بالتالى نضمن التنوع عبر الابداع.

 يقول الكاتب و الباحث كريم حلو " وحدها الثقافة الحية القادرة على الخلق و الابتكار و على التجديد المستمر وعبر الفكر النقدى تملك القدرة على الانخراط فى لعبة السباق و التنافس و تعيد للمثقف دوره و فاعليته فى انتاج الفكر و صناعة المعرفة" و التنافس الابداعى يمهد الطريق لبروز المدارس الفكرية المختلفة و الحوار بينها .

 

ان النخبة الثقافية بمدارسها الفكرية المختلفة قادرة على تحويل الساحة السودانية الى نشاطات واسعة و صور جمالية من الابداع و الفنون وهى عندما تقوم بهذه النشاطات فى الحقول المختلفة و المتنوعة انما تتحاور مع بعضها البعض عبر تنافسها وهذا الحوار هو الذى يخلق ارضية الوعى الجديد و النقلة من الحوار السياسى الجاف الذى يؤدى الى التمييز و الفرز الحاد الى حوار عبر الوسائط الفنية برؤيات جمالية متعددة التى لا تؤدى الى الفرز الحاد انما تنطلق من ارضيات مشتركة رغم درجة التباين فيها الا انها تتداخل فى اشكالها الجمالية و بالتالى ان مفردات الاختلاف تزيد من الوحة الجمالية لاانها تضيف ابعاد اخرى للصورة.

و الثقافة هى الاقدر على خلق ارضية راسخة للثقافة الديمقراطية لان الراى الاخر فى الحوار الثقافى الابداعى ليس رأيا مضادا أو نافيا للآخر إنما هو مكمل للاخر و يتقاطع معه فى بعض التقيم و الظلال ولكنه يعكس الجانب الاخر للوحة اذن العلاقة بين الثقافة و الديمقراطية علاقة جدل وطيدة و متداخلة فى كل مسامات النسيج الثقافى فالمبدع و الناقد هما العناصر الاساسيان للابداع و يكملان بعضهم البعض فى حوار متواصل يبرز الجوانب الجمالية للصورة عكس السياسة التى تضع حدودا فاصلة لبعضها البعض.

 

الثقافة و الايديولوجيا

 

ان الثقافة و الايديولوجيا تتقارب فى المفاهيم وتتداخل رغم استخدام الايديولوجيا للثقافة و اذا كانت الثقافة هى مجموعة القيم و المعتقدات و المفاهيم التى تؤثر فى سلوك الناس فان الايديولوجيا هى تصورا ذهنيا محصور ضمن التبعية الفكرية المقدسة لتنظيم سياسى ما يتعامل بشكل خاص مع التنظيم الاجتماعى لذلك كانت الثقافة هى اكثر الحقول التى تتصارع عليها الايديولوجيات المختلفة ولكنها في بعض المرات تاخذ منحنيات حادة جدا عندما تستخدم ادوات السياسة الدغمائية التى تقود الى العنف او الاقصاء فى احسن الاحوال ولكن ذات الصراع اذا كان بادوات الابداع و الفنون فانه ياخذ الحوار طريقا للفهم و يعطى النشاط صورا ذهنية اخرى تعمل على تنشيط العقل لتقيم الاعمال بمفردات العلم الجمالى و كما كان يقول الدكتور محمد شداد عندما كنا نتحاور معه فى القاهرة ان لكل شخص صورا  جمالية خاصة به و تطفو الى السطح كلما كان الانسان منجذبا الى لوحات ابداعية و هذه الصور لاتتعارض مع هذه الوحات انما تضيف اليها او تنقدها الامر الذى يخلق صورا اخرى اذا استطاع الانسان ان يخرجها لتكون لدينا تراكمات من الابداع رغم التباين الفكرى و الايديولوجى للناس و هى حالة تبين عظمة الخالق.  و يقول الدكتور محمود امين العالم فى كتابه " مضامين و قضايا اشكالية" ( الثقافة لا تقتصر كما يظن احيانا على التعبير و المنجزات و المفاهيم و القيم الابداعية و الفنية و الفكرية و العلمية فحسب وانما تشمل كل المضامين الفكرية و الوجدانية و التذوقية فى مختلف مجالات السلوك السياسى و الاقتصادى و الاجتماعى و هى بهذا المعنى جزء من البنية الايديولوجية الاجتماعية العامة التى هى اكثر شمولا و تجريدا و لهذا فالثقافة كينية ايديولوجية تتقلقل كقوة فاعلة فى مختلف انسجة المجتنع و هياكله السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الادارية و التنظيمية عامة على انها فى الوقت نفسه هى نتيجة لهذه الانسجة و الهياكل و افراز لها) و السودان بقدر ماهو غنى فى تنوعه الثقافى و متعدد فى تركيبته الاثنية ايضا هو غنى بتعدد الايديولوجيات فيه الامر الذى كان ان يفضى الى حوار ثقافى يقوى شروط التجذير الديمقراطى فى المجتمع الا ان الايديولوجيا قادت الى صراع عنيف وحاد دائما تدعوا الى الفرز والاقصاء يقوى من تمكين المؤسسات القمعية و محاولة استخدامها لكل من تصير فى قبضته السلطة الامر الذى ادى الى فشل كل المشروعات السياسية المقدمة من الايديولوجيات المختلفة و الان وجب البحث عن حلول تقود الى و فاق وطنى يؤدى الى استقرار سياسى و الثقافة تقدم ارض خصبه تجذب  المجموعات و الايديولوجيات المختلفة للحوار فى ساحة الابداع و تحول الصراع الى تنافس بالوسائل المشروعة والتى تعكس الرؤى الجمالية لكل فئة والحوار بين الايديولوجيات المختلفة عبر الوسائط الجمالية و الابداع يتطلب ديمقراطية تعطى فرص اوسع للحوار بان ياخذ ابعاده الاجتماعية لان الحوار عبر التنافس مهما كان يحمل من قيم فانها تمنع العنف بان يتسرب الى مفاصل المجتمع.

 

اذا تابعنا المسار التاريخى للايديولوجيا فى السودان ان كانت اسلامية او يسارية بمدارسها المختلفة ام ليبرالية فان مبدأ الوصاية فيها يجعلها مغلقة تماما و غير منفتحه لانها تعتقد ان الجماهير ليس لديها قدرة على التمييز بين الاشياء الامر الذى يجعلها تفرض مبدأ الوصايا عليها لذلك تجد جل خطابهم السياسى بان لهم الحق فى الوكالة التى تجعلهم يتحدثون نيابة عن الجماهير وان الاخرين لا يملكون هذا الحقو بالتالى يغيب عندهم تمييز الفارق بين الدولة و الشعب و جاءت هذه القناعة الخطأ من خلال الثقافة الابوية المتجذرة فى اعماق المجتمع و التى تقوم على الوصايا وهذه الثقافة هى التى تمكن القيم الديكتاتورية و التوليتارية فى المجتمع و خاصة عند النخب بمدارسها المختلفة.

 

ان الارتباط بين الثقافة و الايديو لوجيا هو نتاج الى محاولة الايديولوجيا توظيف الثقافة لخدمة مصالحها حيث الثقافة قادرة على توظيف القيم و العادات و التقاليد و النظم فى تحديد مسار السلوك الفردى و الجماعى فى المجتمع و لها القدرة على انتاج ادوات النهضة و ابتكارالمشاريع الجديدة التى تحقق عملية النمو و التغيير فى المجتمع لما لها القدرة على بلورة الوعى لاجتماعى و انتاج الافكار كما لها القدرة على توقيف كل ذلك و اجهاض عملية التنمية و اعاقة الافكار الجديدة.

 

النخبة و الثقافة

 

النخبة المقصودة هنا ليس بمعناها المطلق انما الانتلجنسيا النخبة المثقفة التى تملك ادوات الانتاج الفكرى و الابداعى والفنون وهى التى تستخدم الوسائل المختلفة عن النخبة السياسية التى عجزت و سائلها الفردية و المؤسسية فى جلب الاستقرار السياسى و الاجتماعى للمجتمع السودانى انما كرست نفسها من خلال رؤيتها الايديولوجية ان تدخل السودان من ازمة تلو الاخرى دون ان يكون هناك ضوء فى اخر النفق انما الحذر الدائم بعد حل مشكلة من الدخول فى اخرى وتوتر كل المجتمع فى ذلك و هى فى حالة كبرياء زائف لا ينظر الى المشكلة لمعرفة اسبابها انما ياتى النظر اليها من خلال ثقافة المؤامرة التى تعقد المشكلة اكثر من التبصر فيها بروية. و حان الوقت لهذه النخبة السياسية ان تفسح بعض المجال و المساحة للنخب الابداعية عبر مشروع  ثقافى وطنى يعمل على تغيير شروط الصراع السياسى فى جلب قطاعات و طاقات معطلة قادرة على تاسيس ارضية مشتركة للحوار الوطنى و يصيغ الوجدان الوطنى. يقول دكتور على حرب فى كتابه " الفكر و الحدث" ( ان المثقف يستمد فاعليته المجتمعية او السياسية فى فاعليته الفكرية او الثقافية اى من كونه منتجا للافكار و المعارف او مبدعا للنصوص و الكتابات) فالنخبة الثقافية قادرة على ابتكار الرموز و الصور الجمالية التى يلتقى عندها الكل و كما اشار من قبل المرحوم الموسيقار جمعة جابر فى كتابه " الموسيقى السودانية"  حيث يقول ( ان الموسيقى فى السودان قادرة على تشكيل القاعدة للوجدان الوطنى و انها الاقدر على جذب الناس من كل مناطق السودان المختلفة فى تعبيرات وجدانية واحدة.

 

اذا كانت الموسيقى لها الخاصية فى تشكيل الوجدان فان هناك مجالات ابداعية اخرى عبر عنها المبدعون السودانيون باشكال مختلفة رغم الشح فى الامكانيات حيث ادارت الدولة السودانية منذ تاسيسها ظهرها للحركة الابداعية ولكن رغم ذلك استطاعت ان تقدم منتوجات فنية وابداعية ولكن كان الغالب فيها الفردية مثل " القصة-المسرح- الشعر- الغناء- الفن التشكيلى...الخ" و ربما يختلف الناس فى تقيمهم و رؤيتهم للشيخ حسن الترابى-سلفاكير-قرنق-غبوش –دريج- الصادق المهدى- محمد عثمان الميرغنى- عمر البشير- محمد ابراهيم نقد و اخرين ولكن جميعا لن يختلفوا ان الطيب صالح مبدعا و سفير القصة السودانية للمجتمع العالمى و شرحبيل احمد الذى بهر وشكل عدد من الاجيال من خلال "عم تنقو" كما لا يختلفوا فى رؤيتهم الى الكاشف-وردى- عبدالقادرسالم-عمراحساس-محمديه وربما نختلف فى التقيم و الرؤية الى على عثمان محمد طه و على محمود حسنين –فاقان موم و عبد العزيز الحلو..الخ ولكن نتفق ان اريك و استيف و السمانى لوال و الحلنقى ومصطفى سند و عبد الحمن الريح و ابوصلاح و البنا و الفاضل سعيد و محمد نعيم سعد و على مهدى و احمد الطيب زين العابدين و عثمان وقيع الله و الصلحى وراشد دياب وجاد الله و ابراهيم شداد واخرينان هولاء قدموا الرموز و الصور الجمالية التى تصيغ الوجدان الوطنى.

 

ان النخبة التى تعمل فى مجال الابداع يجب ان تفرد اليها مساحات واسعة لكى تعمل فى تناغم مع القطاعات الاخرى لاخراج الشعب السودانى من دائرة الحديث المتواصل فى السياسة و خاصة بين افراد الشعب حيث ان الاهتمام و الثرثرة السياسية تعطل الكثير من القدرات و مضيعة للوقت الذى يمكن ان يوظف فى اشياء مفيدة تنفع الشخص و ربما الوطن و تتعدد مجالات الابداع و النخبة السودانية المبدعة قادرة ان تعمل من خلال مشاريع وطنية هادفة فة التغيير و التنمية كما انها تملك المؤهلات التى تساعدها لانجاز مشاريع وطنية لصيغة بمواطن الجمال م وهنا تختلف الرؤية لدى كل انسان يعمل بمجال الابداع لان كل شخص لديه تعبيراته الجمالية التى تختلف عن الاخر و لكن هذا الاختلاف هو الذى يزين و يجمل الساحة الابداعية و حتى الادوات التى تستخدم فيها لها علاقة وطيدة بالمعارف و التجارب الانسانية الاخرى ذلك نجد ان النخبة تتكامل مع بعضها البعض بذوايها المختلفة ولكن فى هذا الحقل نجد اتفاق عام وقاطع بابعاد كل ادوات العنف و الحرب التى هى فى حالة خصام و تضاد مع رموز الجمال. والنخبة فى انتاجها و عطائها هى تحفر فى الضمير الوطنى وتجعل له خصوصيته وذاته و هو مايسمى بالوجدان الوطنى و هنا اشير الى قول الباحث المغربى فى الثقافة سعيد شبار حيث قال ( ان دور النخبة يتمثل فى الاهتمام بالجمهور و توعيته و نشر القيم الثقافية الايجابية فيه ليساهم بدوره فى عملية البناء الايجابى و التغيير و مواجهة ثقافة الاستهلاك و الانحلال لتحقيق ذاته واستقلاله) والنخبة الثقافية السودانية لما لها من ادوات متنوعة وافكار وربما تختلف فى ايديولوجياتها ولكنها ليست مجالات للصراع بقدر ما هو تنافس مشروع من خلال الابتكار و الخلق وتعبير عن مشاكل المجتمع و حاجياته و طموحاته ولكن كل ذلك تطرح من خلال منابر للحور الثقافى و الجمالى.

 

الثقافة و الهوية

 

تظهر اشكاليات الهوية عندما يعجز المجتمع فى عملية انصهار كل المجموعات الاثنية و الطائفية و القبلية فى هوية واحدة و بعض المفكرين يعتقدون ان المجتمعات التى تثير اشكاليات الهوية انها مجتمعات تمر بازمة طاحنة تجعلها تبرز قضية الهوية للسطح ولكن فى السودان اصبحت قضية الهوية مطروحة فى كل المنتديات تعبيرا عن الازمة السياسية ثم تحولت شعارا فى مواجهة الاخر دون ان تقدم جهة سياسية رؤية فكرية حولها انما الذى قدم كله شرحا لمشكلة الهوية. يقول دكتور عبدالسلام نورالدين فى احدى اطروحاته حول قضية الثقافة فى السودان ( اصبحت قضية الهوية ونموها مرتبطا بنمو الثقافات السودانية المتعددة و ارتباط كل ذلك بنمو المواطنة السودانية و بنمو كل ذلك بتوطين الديمقراطية القائمة على التعدد) و الهوية السودانية تنبع اصلا من تمازج التنوع الثقافى الذى ظل بعيدا عن متناول يد السياسيين السودانيين الذين عجزو نصف قرن من الخروج من الازمة السياسية مستخدميين كل الوسائل العسكرية و غيرها ولكن ظلت الازمة السياسيةتضرب جذورها فى اعماق المجتمع لذلك وجب استخدام وسائل وادوات لها المقدرة فى جذب كثير من الفئات و القطاعات الجماهيرية فى نشاطات تتعدد جوانبها الابداعية لخلق الوجدان المشترك الذى يشكل القاعدة الاساسية للهوية.

 

واذا تتبعنا مسيرة بعض الفنانيين المبدعين نجد انهم استطاعوا من خلال ابداعاتهم الفنية ان يضيفوا للهوية السودانية فمثلا الفنانان عبدالقادر سالم و عبد الحمن عبدالله استطاعوا ان يفرضوا على اذن المستمع السودانى الاغنية الكردفانية و يعبروا عن المجتمع الكردفانى من خلال الموسيقى والكلمة وتعتبر احد الملامح الهامة فى تطور الاغنية السودانية التى تضيف للهوية السودانية من خلال" المردوم – الجرارى- الكمبلا و غيرهم" ثم جاءت اضافات عمر احساس الذى اظهر ملامح الفن فى غرب السودان هذه كانت مجهودات فردية ولكنها استطاعت ان تضع بصماتها على مسيرة الفن السودانى وتضيف لقضية الهوية.

 

اذن قضية الهوية التى شغلت الساحة السياسية السودانية هى نتاج طبيعى للازمة السياسية ولكن عجزت الادوات السياسية لحلها عبر القرارات السياسية لانها هى تعبير عن الوجدان و المشاركة و التفاعل المشترك بين المجموعات المختلفة  فالثقافة هى الاداة المهمة التى تملك القدرة على الاجابة على المشكلة وهذا ما اشار اليه قبل سنيين طويلة المفكر الفرنسى دوركهايم عندما قال ( ان الثقافة لها الدور السحرى الذى يستخدم الرموز فى الواقع الاجتماعى لتحديد حركة الصور التى تؤدى الى ازالة التواصل بين الواقع بكلياته و رؤية التامل اى تحديد انعكاس الواقع على الحياة الفكرية للناس) اذن الثقافة و رموزها و مفرداتها مجال للتامل و الرؤى و ساحة للابداع بانواعه المتعددة و المختلفة و جميعها تتكامل و تتناغم لكى تصهر التنوع الذى يشكل الهوية.

 

الدولة والثقافة

 

ان مؤسسات الدولة القائمة على الشئون الثقافية يقع عليها العبء فى ان تعمل بتناغم كامل من اجل تحويل الانتماءات العصبية " القبلية- الطائفية – العشائرية و الاثنية " الى انتماء من اجل الوطن. و الدولة عندما انشات وزارة للثقافة ذلك يعكس مدى فهمها و استوعابها لدور الثقافة فى عملية تشكيل المجتمع السودانى و السعى من اجل اتمام عملية الانصهار لان الدولة يقع عليها العبء الاكبر فى ذلك كما يؤكد الباحث فردريك معتوق ( فالحقيقة مهما كانت تجربة شعب متنوع الثقافة غنية و جادة لا تثمر فيه تجربة العيش المشترك ان لم تؤازرها مؤسسات الدولة الحديثة فالدول التى استطاعت ان تؤمن الاطار الحاضن الفعلى لتجربة شعوبها الاندماجية نجحت فى عملية بلورة ماهو ايجابى عند المجموعات الاثنية المختلفة التى تتالف منها وربطه بما هو ايجابى فى بناء الدولة الحديثة).

 ان  الدولة التى تهتم بعملية الوحدة والعيش المشترك هى التى تخلق ارضية التجانس الثقافى والاجتماعى بفتح ابواب الحوار لدعم عملية التوافق بين التيارات الثقافية المختلفة التى فى حركتها تتحرك افقيا فى الاتجاهات المختلفة لكى تحرك الراكد والساكن فى محيطها و تتفاعل معه فى حركة دائرية وهو ما يسمى بالحوار الثقافى وهذه الحركة الفاعلة بعد ان تتم عملية تحريك المحيط تبدا فى حركة راسية تتقاطع مع الحركة الافقية الامر الذى يخلق التنافس بين المجموعات المختلفة و بالتالى لا تبقى مجموعة ثقافية معزولة انما تحاول من خلال المحيط الفاعل ان تدفع حركة الابداع وسط المجموعات الثقافية بان تلحق بعملية الحور و التنافس الذى ينتج الخلق والابداع و الابتكار و من هذا التفاعل تصبح ثقافة المجموعات الثقافية حق مشاع من اجل الابداع وهى عملية الانصهار التى تقيم الاعمدة الرئيسية للهوية الوطنية.

 

أن وزارة الثقافة يجب ان لا تكون مثل الوزارات الاخرى باعتبار ان عملها استثنائى فى ظرف استثنائى لذلك يجب ان تتحول الى مجموعة من المؤسسات التى تهتم بضروب الثقافة المختلفة و المؤسسات يجب ان تكون شبه رسمية بمعنى لهل مساحات واسعة للحركة و استقلال فى القرار وان الوزارة هى التى تشريف على تكوين المؤسسات من خلال احتياجات و استقطاب الكوادر الفاعلة القادرة على العطاء على ان تعمل المؤسسات من خلال لجان ابداعية نصفها من العاملين فى الوزارة و النصف الاخر من خارج الوزارة هى التى تضع السياسة العامة للعمل الابداعى و الفنون وتعمل هذه المؤسسات لتاسيس البنيات الاساسية للثقافة فى اقاليم السودان المختلفة ( المسارح – المعارض –المكتبات العامة – النوادى الثقافية فى الاحياء- صالات العرض)  تقدم الوزارة الدعم للنشاطات الابداعية المختلفة فى مناطق السودان المختلفة من خلال ميزانية سنوية لرعاية النشاطات الثقافية.

 

ان المؤسسات الثقافية الرسمية سوف نجد ان الدعم المقدم من الدولة قليل جدا و ذلك راجع للفهم الخاطىء لدور الثقافة و لكن المؤسسات يجب عليها استقطاب الدعم الخارجى الاجنبى لكى تكمل البنية الاساسية للثقافة حيث هناك العديد من المؤسسات الدولية و بعض الدول تقدم دعما كبيرا لمساعدة دول العالم الثالث و المشاريع الثقافية كما ان هناك العديد من المبدعين السودانيين الذين يقيمون بالخارج والبعض الذى يعمل فى المؤسسات الدولية هولاء جميعا قادرين على استقطاب الدعم الاجنبى من اجل بناء حركة ثقافية فاعلة.

 

ان الفهم العام عند السياسين السودانيين بان انشاء وزارة للثقافة انه سف  يقع عليها هى ادارة النشاطات الثقافية المختلفة و هذا  فهم خاطىء لان الوزارة يجب يقع عليها ادارة البنيات الاساسية للثقافة و التفاكر مع الاخرين فى كيفية تفعيل و تنشيط المجموعات الثقافية المختلفة حيث ان العمل يجب ان يقع على الحركة القاعدية لان عملية التحول المقصود فى تحول المفاهيم و المضامين يعتمد على الشغل فى الثقافة بغرض خلق الارضية المشتركة للوجدان اساس الوحدة الوطنية و هذا لا يتاتى الا بمشاركة عريضة للحركة الابداعية فى المجتمع و كل اقاليم السودان.

 

يقول القاص عبدالرحمن منيف يقول فى كتابه " بين الثقافة و السياسة" ( الابداع منذ بدا ويفترض الى الان يقع بين الطفولة و النبوة لان دوافعه بالدرجة الاولى الصدق و الخيال و لذلك لا يحسب حسابا كبيرا للمواصفات و الرتب و الثروة و الثورة لانه مشاكس يقول الاشياء بطريقة الاطفال و باعتقاد الانبياء دون ان يهتم كثيرا بالنتائج يعيش على اطراف الحلم فى استشرافه المستقبل معتبرا ان الذى لا يتحقق ناتج عن ضعف الارادة اكثر مما هو بسبب الامكانية كما ان ما يحركه الجمال وروح العدالة).

 

فالدولة تلعب دورا مهما فى تفعيل النشاط الثقافى من خلال توفير البنيات الاساسية للثقافة و اهم شىء فى التفعيل هو استقطاب قطاع جماهيرى واسع مع التركيز على النوادى الثقافية فى الاحياء لان الثقافة لكى تعطى نتائج ايجابية و تسهم فى عملية التنمية و انصهار الكيانات المختلفة فى بوتقه واحدة يجب عليها ان تركز نشاطاتها على قاعدة جماهيرية واسعة و خاصة المناطق التى فى الهامش و الهامش هنا ليس الهامش السياسى الذى ادخل فى عملية الصراع السياسى انما الهامش الثقافى الذى يفتقد الى الوسائل التى يستطيع ان يعبر بها عن ذاته لكى يكون جزءا غير مهمل فى الهوية السودانية.

 

الثقافة و علاقات السودان الخارجية

 

يعلم الجميع ان السودان غنى بتعدد ثقافاته الى جانب ان المجموعات الثقافية المختلفة التى تشكل المجتمع السودانى بعض من هذه المجموعات له امتدادات فى دول اخرى و كان من المفترض ان يستثمر هذا التنوع فى تقوية العلاقات السودانية مع دول الجوار لان الثقافة هى القوة الجاذبة الى القطاعات الجماهيرية و التفاعل الاجتماعى ولكن للاسف الشديد ان السودان اهمل دور الثقافة فى بناء العلاقات الخارجية و ذلك راجع للقصور المفاهيمى عن الثقافة ودورها عند النخبة السياسية التى قبضت على مفاصل الدولة منذ الاستقلال حتى اليوم و قد كانت اغلبية المشاكل و الصراعات السياسية التى شهدها السودان كانت لدول الجوار علاقة بها بطريق مباشر او غير مباشر.

 

ان العديد من دول الجوارالافريقى  تشارك السودانيين وجدانيا و خاصة فى الجانب الموسيقى والغناء و الرقص الشعبى وهو مدخل جيد فى بناء العلاقات بين الشعوب الذى يؤدى الى التحصين الامنى و كانت فى فترة من الفترات التاريخية حاول النظام العسكرى فى عهد الرئيس ابراهيم عبود ان يستخدم الثقافة فى العلاقات مع عدد من الدول  و لكن بصورة غير استثمارية فى العلاقات الخارجية لان الصراع الداخلى صرف الفكرة عن اصحابها وساعد ذلك قصر النظر عن الدور الثقافى  ومساهماتها فى ذلك و اذا نظرنا الى تجارب الشعوب الاخرى التى اهتمت بدور الثقافة فى العلاقات الخارجية "الهند" التى بها تنوعا ثقافيا ولكن ليس بحجم السودان ولكن استطاعت ان تدعم الدولة المجهودات الثقافية لكى تساعدها فى بناء علاقاتها الخارجية و قد نجحت الثقافة فى ذلك و اصبحت الهند تعرف من خلال اغانيها و السينما و رموزها وصورها الثقافية اكثر من معرفة من حكامها.

 

ان التطور الذى حدث اخيرا فى وسائل الاتصال و فى الاقمار الاصطناعية و المحطات الفضائية يساعد السودان كثيرا فى بناء محطات فضائية استثمارية فى الجانب الاقتصادى وبناء العلاقات الخارجية و ان تكون القنوات موجهة و تعكس التنوع الثقافى السودانى الذى يتداخل مع عدد من الدول مع عكس النشاطات الثقافية لهذه الدول وانتاج برامج موجهة مع الاستفادة من  المبدعين فى الدول الاخرى وهو نشاط كبير يحتاج فى الاول لدعم الدولة ولكن بعد ذلك يكون جزءا اساسيا من الدخل القومى  كما هى السينما الان فى الدخل القومى الامريكى والهندى و التايوانى.

 

ان كل امة من الامم دائما تبحث ما هى الامكانيات و الموارد التى تملكها لكى توظفها فى دعم الاقتصاد الوطنى و السودان غنى بتنوعه الثقافى و موقعه الفريد بين الدول الافريقية و الامة العربية هذه الخاصية بدلا من استخدامها فى التناطح السياسى يجب توظيفها ثقافيا فى عمليةالوجدان و الاستقرار الوطنى و بناء العلاقات الخارجية.

 

والان هناك العديد من الجاليات السودانية فى دول العالم المختلفة فيهم العديد من المبدعين القادرين على المساهمات الوطنية بعيدا عن الاستقطاب السياسى ولكن عبر النشاطات الثقافية و الابداعية المختلفة و المتنوعة التى تشكل الارضية المشتركة لعملية الحوار الوطنى الذى يفضى لتاسيس الوجدان الوطنى و يؤسس للهوية السودانية بالوانها الزاهية المتنوعة ويمكن ان يتم ذلك من خلال مشروع ثقافى للبناء الوطنى.    

 

   

 

 

             

 

      

 

        

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com