From sudaneseonline.com

بقلم : سارة عيسي
حقنة الدكتور كمال عبيد/سارة عيسي
By
Sep 26, 2010, 01:37

حقنة  الدكتور كمال عبيد

      أستغرب الدكتور الترابي عندما علم أن أن الدكتور نافع أصبح سياسياً نافذاً  ، وأسباب إستغراب الدكتور الترابي  هو أن الدكتور نافع مكشوف ومن السهل التنبوء بأقواله وأفعاله ، وهذه أشياء لا يحبذها السياسيون  في العمل العام  ، كما أنه - الدكتور نافع - أستلف خصلة من الرئيس البشير وهي عدم التعامل الواعي مع وسائل الإعلام العالمية ، لكن كان إستغرابي كبيراً عندما تحول الدكتور كمال عبيد أيضاً  إلى سياسي ، فالرجل خرج من صمت المجهول وهو المغمور في الحركة الإسلامية في طوال سنوات تأسيسها  ، من جامعة أفريقيا العالمية زحف للمنصب ، فجامعة أفريقيا العالمية هي جامعة المطاريد ،فقد قامت على مصادرة المركز الإسلامي الأفريقي الذي كانت تموله دول الخليج ، وقد نُزع منها وتم تسليمه لإيران بسبب مواقف حرب الخليج الثانية ، ثم تم وبقدرة اقدر تحويله لجامعة خاصة  أقلّ ما يُقال عنها  أنها جامعة الذين فاتهم قطار الحركة الإسلامية في دنيا المناصب ، من هناك أتى كمال عبيد في الزمن الضائع ، فالرجل لم يكن حاضراً حتى في آيام الجهاد والإستشهاد في جنوب السودان ، لكن نقص الكوادر في الحركة الإسلامية فرض على القوم الإستعانة به  علم الرغم من علاته ، وأظن أن التصريح الذي أدلى به كشف حجم الجهل الذي يحيط بهذا الرجل وبأنه ساذج في السياسة ، فالهند لم تطرد المسلمين من أراضيها عندما قررت باكستان الإنفصال ، والسبب ليس لأن الهند ضعيفة  أو أنها لا تملك التصميم ، بل لأن ذلك غير ممكن من الناحية العملية ، فالإنسان مرتبط بالأرض ، ولا يعني أن يتحمل البعض ذنب الإنفصال ، وأظن أن المسلمين في الهند يعيشون اليوم  في وضع أفضل نسبياً من نظرائهم الباكستانيين ، وقد كان لهؤلاء المسلمين جانب إيجابي في التجربة الهندية ، فالهند يعاملها العالم على أساس أنها دولة تحترم التعدد والأعراق والثقافات ، وقد قدم المسلمون في الهند العالم النووي عبد القادر أبو الكلام ، فهذه كما اسلفت من إيجابيات التعدد  ومن جانب آخر لا أحد يملك القوة لإستئصال المواطنين في شمال السودان  والذين ينحدرون من أصول جنوبية إذا قرر نظرائهم في الجنوب الإنفصال ، فهذا يدفعنا من جديد  للتعريف على شاكلة  من هو المواطن  الجنوبي ؟؟ ومن هو المواطن الشمالي ؟؟ ومن الذي تسبب في مجيء مواطن الجنوب إلى الشمال ؟؟ وكيف يمكن تعويضه ؟؟ عندها يُمكن أن نحاسب الذين أداروا الحرب ، نحاسب حتى الذين متعوا المشاهدين ببرنامج ساحات الفداء ، ونحاسب كل الذين أرسلوا الدبابين وسلطوا آلة الحرب على مواطن الجنوب ، وبالتالي   لن يكون شمال السودان وطناً محدداً لإثنية محددة ، فقد عاش السودانيون التنوع والتسامح على مر سنوات التاريخ ،حتى في آيام المجاعة في عهد الدولة المهدية لم يحدث تطهير عرقي أو محسوبية في الموارد ،  وسوف يعيش السودانيون  للأبد فضيلة التسامح  مهما تطاول عليها جنود الظلام  من أمثال كمال عبيد والطيب مصطفى ، هؤلاء حالة مؤقتة ، فهم لا يعيشون إلا في بيئة الفتنة والحرب ويؤرقهم السلام والأمل ، هؤلاء مرضى نفسيون ومصابون بالرهاب من الحرية  ولا يمثلون إلا أنفسهم ،وهم حالة نادرة أفرزها القهر والكبت  وإنعدام الحرية في السودان  ، وهم أناس معزولين حتى في محيطهم الأسري ، فالسودان ملك لنا جميعاً ولا يملك أحداً أن يقرر مصيرنا ،فلو تم  تطبيق  مشروع كمال عبيد العنصري  على الجنوبيين فما المانع أن يتم تطبيقه على بقية الإثنيات الأخرى ؟؟ وما الذي يجعلنا نستبعد أن يتم تكوين شرطة خاصة بالتدقيق في أعراق السودانيين وسحناتهم ؟؟  وإن حدث ذلك فلن يكون هناك مجتمع دولي أو  أمم متحدة تحاسب الزعماء علي ما يبدر منهم  من سلوك شاذ نحو شعوبهم ، وربما تكون  حكومة الإنقاذ  وقتها هي سيدة العالم وهي صاحبة القيم والحضارة ، فأمريكا لم ترحل السود إلى مجاهل أفريقيا بعد أن نالوا حريتهم ، فليس لأن أمريكا تنقصها السفن أو المنطق الذي يقلب الحقائق  ، بل ألسبب لأن التاريخ ممتد بوجود الجنس البشري عند وقوع الحدث ، وهناك ميزة إيجابية للتعدد ، النتيجة كانت  أوباما وكوندي  ومايكل جاكسون ومورغان فريمان .

      فتصريحات كمال عبيد ، على الرغم أن البعض أعتبرها كنوع من التهديد والإبتزاز ، أو أنها محاولة يائسة لتحقيق الوحدة الجاذبة ، إلا أنها كشفت حجم  النفاق العربي حيال ما يحدث في السودان ، فالجامعة العربية لم تدين هذه التصريحات العنصرية ، ولا ننسى أنها أدانت تصريحات وزير الخارجية الإسرائيلي عندما أقترح تهجير عرب 48 إلى الضفة الغربية ، عندها هاج دعاة النضال والتحرير في قناة الجزيرة  وقد نسوا أن نموذج العدالة لا يختلف في السودان عن فلسطين ، وربما تكون محنة أهل السودان أكبر من النموذج الفلسطيني ، فالدكتور كمال عبيد يرفض حقن المريض بالحقنة لو ثبت أنه جنوبي  صوّت للإنفصال ، لكن إسرائيل تزود قطاع غزة بالكهرباء والمياه النقية على الرغم أن مشروع حماس يتحدث عن مسح إسرائيل عن الخارطة  ، وهناك خدمة إسعاف للمستشفيات الإسرائيلية ، والسلل في ذلك  لأن هناك مسؤولية تقع على عاتق دولة الإحتلال ، فلتعتبر الإنقاذ نفسها بأنها دولة إحتلال حتى تتعامل مع شعبها بطريقة لائقة  ، فسياسة جوّع كلبك يتبعك هي التي قضت على الأخضر واليابس في السودان ، ومن يساوم المريض على " الحقنة " فسوف يساومه العالم على كل شيء ، لذلك كانت مهمة الأستاذ/ علي عثمان في واشنطن شاقة وعصيبة ، فالرئيس البشير ينتظر الفرج ويترقب ما تأتي به الأخبار من هناك ، وربما يتمثل بمقولة العربي : سعد أم سعيد ؟؟ لكنها أخبار سيئة ومقيتة ، فأمريكا وعدت بتزويدهم بالتراكتورات ، وصممت على ضرورة محاسبة مرتكبي جرائم الحرب في دارفور ، وهذا ما أزعج الأستاذ/علي عثمان ، أزعجه أكثر من إنفصال الجنوب  ولا أظن أن الإنقاذ في حاجة لمنحة الالات الزراعية ، فماذا سوف يفعل السودان بها ؟؟ ، والسبب لأن مهنة الزراعة بسبب المفكرين الجدد قد ماتت وشبعت موتاً ، وما تبقى من مشروع الجزيرة باعه المتعافى للمصريين ، لكن ما يريده الأستاذ/ علي عثمان طه هو شهادة أمريكية تعفي الرئيس البشير من المسآلة أمام المحكمة الجنائية الدولية ، فهو يريد صك غفران من اليانكي حتى يهزم أوكامبو ، فقصة تخندق الشعب حول القائد في الداخل اصبحت مثل قصص الأطفال ، فالرئيس السوداني من واجباته السفر  لكل دولة في العالم من دون خوف أو وجل ، ومن دون قيد أو شرط ،وليس عليه متابعة آخبار السودان من الفضائيات لمعرفة فقط مصيره الشخصي ،  فالنائب الثاني لم يناقش مع أمريكا سوى قضية الرئيس البشير ، وأظنه قد أرتكب خطاً فادحاً عندما أعترف  : أن الرئيس البشير هو الذي  يملك قرار الحرب والسلام في السودان ، وهو بذلك- النائب الثاني – ينأى بنفسه عما حدث في دارفور ويرمي الكرة في ملعب الرئيس الاسير في الخرطوم ، وهذا لم  يعجب الصقور داخل حزب المؤتمر الوطني التي لا تريد كسر بعض  البيض من أجل عمل العجة ، لذلك جاء رد الدكتور كمال عبيد من الخرطوم داوياً ومثيراً ، وهناك شيء لم ندركه بعد وهو لماذا أختار الدكتور كمال عبيد الحقنة كدلالة على نعم الإنقاذ وهو يعلم أن الدولة لا توفر الدواء حتى للمواطن الشمالي ؟؟ وأنها أيضاً تٌعذّب الأطباء وتقتر عليهم في الرزق؟؟ والسبب لأنه يعلم أن إخفاق الدولة من دون قصد سوف يسهم في صب الوقود على نار  الفتنة ، فعند حدوث حالة موت لمواطن جنوبي في إحدى  المستشفيات في الشمال  فسوف يتم تفسير الأمر بانه مؤامرة مقصودة ونوع من الإبادة الجماعية  للجنوبيين ، وعندها لن يكون أحمد هارون هو الوحيد الذي سوف يذهب إلى لاهاي  ونحن نعلم أن السودان لا يخصص ميزانية كبيرة  للصحة ، وبأن وزارة الصحة  في السودان تعتمد على الدعم الذي  يأتي من الأمم المتحدة وهيئة الصحة العالمية فيما يتعلق بالتحصين ومحاربة الوبائيات  ، فكيف يُمكن للأمم المتحدة أن ترصد ميزانية للصحة في السودان إن كانت الدولة تتجاهل حاجات المرضى بسبب لونهم العرقي ؟؟ أنها متاهة بالفعل ، ونفس المصير ينتظر أهلنا في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور ، ونفس المصير سوف يلقاه كل سوداني ليس من سحنة الدكتور كمال عبيد أو الطيب مصطفى ، ولا أعلم هل هذه التوصية سوف تشمل كل من  الدكتور لام أكول أو علي تميم فرتاك أو القس الذي فاز في دائرة المسلمين بالتزكية الأب قبريال رورج ؟؟ فلو تم إستثناء هؤلاء من حقنة الدكتور كمال عبيد فسوف يثبت لنا أننا أمام النسخة الجديدة من مشروع عبد الرحيم حمدي ، أي أن كل إنسان ينتمي لحزب المؤتمر الوطني له حق التطبب في المستشفيات والتمتع بحقنة الدكتور كمال عبيد . كما قالوا : حجر يرمي به مجنون يرهق مائة عاقل ، فكل الفضائيات تركت تغطية تداعيات القمة السودانية في واشنطن وعمدت إلى تغطية تصريحات الدكتور كمال عبيد ، ونحن على وشك نهاية العام الميلادي سوف نرى المزيد من أعضاء حزب تيري جونز وهم يتسابقون نحو ملعب الشهرة والإثارة .

سارة عيسي



© Copyright by sudaneseonline.com