From sudaneseonline.com

بقلم الدكتور عمر مصطفى شركيان
أمادو ومريم.. سفيرا إفريقيا الثقافيين إلى العالم/د. عمر مصطفى شركيان
By
Sep 26, 2010, 01:26

 

أمادو ومريم.. سفيرا إفريقيا الثقافيين إلى العالم

 

 

د. عمر مصطفى شركيان

[email protected]

 

 

وهل نبتعد عن مالي أم نعود إليه؛ هذا هو السؤال!  وكيف نبتعد عنه وإنَّ طريق الماليين إلى العظمة لهي مادة الأحلام العظيمة.  فبعد إطلاق ألبومهما المعروف باللغة الفرنسيَّة باسم "يوم الأحد في باماكو" (Dimanche á Bamako) العام 2005م، ومن إنتاج "مانو شاو"، أصبح أمادو ومريم من أكثر مصدِّري الموسيقى الإفريقيَّة نجاحاً، وذلك إذا كانا يتجوَّلان بحكم حقهما الأدبي، أو يؤازران نجوم موسيقى "الروك" مثل كولدبلي، أو وهما يعزفان في مناسبات عالميَّة شهيرة.  ولسنا مندهشين، إذن، حينما علمنا أنَّهما ظهرا في الحفل الذي أُقيم عشيَّة انطلاق كأس العالم في مدينة كرة القدم في جوهانسبرج بجمهوريَّة جنوب إفريقيا في يوم 10 حزيران (يونيو) 2010م.  وفي الحق، هذا هو الظهور الثاني لهما في كأس العالم، حيث قدَّما النشيد الرسمي – المعروف باسم "احتفل بهذا اليوم" (Celebrate the Day) – في مباريات كأس العالم بألمانيا العام 2006م، وذلك في احتفالات تخاطب العين والأذن، وربما الفؤاد في الآن نفسه.  وقد بات الحدث معلماً تأريخيَّاً ورياضيَّاً.

وفي الأشهر الأخيرة، تبلورت جولتهما في الحفل الذي أُقيم للرئيس الأمريكي باراك أوباما في العاصمة النرويجيَّة - أوسلو – احتفاءاً بنيله لجائزة نوبل للسَّلام العام 2009م، وحفل موسيقي في سان فرانسيسكو مع أسطورة أمريكا أميليو هاريس، ومحترف الألف والباء ألن توسانت، وقضيا يوماً في مهرجان الفنون في ريكايفيك – حاضرة أيسلندا – وفي أدائهما في مهرجان "كل حفلات الغد" الذي رعاه مبتكر "سيمبسون" – مات قروينينج – في بتلنس، ماينهيد؛ وقضيا عطلة نهاية الأسبوع مع إقي وفرقته "ستوجيس"، وجوانا نيوسون وفرقتها إكس إكس.  ويعكس تعدد هذه المناسبات الانفتاح العريض لموسيقاهما ومزجها الفريد بالأصوات التقليديَّة الماليَّة وموسيقى "البوب" و"الروك" و"البلوز".  هكذا نجد أنَّ محبي الموسيقى في أوسلو، ريكافيك، سان فرانسيسكو وماينهيد – بالإضافة – إلى الملايين حول العالم الذين أداروا أجهزتهم للاستمتاع بحفل كأس العالم في جمهوريَّة جنوب إفريقيا، استمعوا واستمتعوا بغناء أمادو ومريم.

عوداً إلى العام 1995م كان مارك أنتوين موريو، رجل الألف والرَّاء الفرنسي، في السنغال زائراً أحد موسيقيه – إسماعيل لو.  وبعد أن قرَّر بأنَّه لا يمكن أن يأتي هذا المشوار إلى إفريقيا دون أن يرى الكثير المثير عن القارة، استغل القطار من داكار (عاصمة السنغال) إلى باماكو (حاضرة مالي).  وبعد أن مكث عدة أيَّام في مالي، استعدَّ للسفر إلى المحطة الثانية في رحلته، وهكذا كذلك كما أخذ يتذكَّر موريو: "لقد ذهبت إلى محطة البصات لاستغلال البص إلى ساحل العاج، وكانت المحطة صغيرة، والشركة التي اشتريت منها التذكرة ناشئة، وكان عليهم أن ينتظروا أيَّاماً ريثما تمتلئ مقاعد البص قبل أن تسمح لهم الشركة بالتحرُّك.  هكذا انتظرنا ثلاثة أيَّام حسوماً."

ولم يكن موريو يملك مالاً كثيراً، ولذلك مكث ثلاثة أيَّام في محطة البص.  ويقول موريو: "وفي إحدى تلك الأيَّام جاء صبي نحوي حاملاً صندوقاً كبيراً مليئاً بالأشرطة الغنائيَّة، حيث نظرت إلى واحد منها، وقد طُبع على الغلاف "الزوجان الأعميان من مالي – أمادو ومريم."  ويستطرد موريو: "كذلك نظرت إلى عنوان الأغنية الأولى في قائمة الشريط بعنوان "كل شخص له مشكلاته الخاصة" (Everyone’s Got Their Own Problems) .  وفي الحال أُعجبت بالعنوان، واستمعت إلى هذه الأغنية، وشفغت بها حباً وولهاناً."  وإذا موريو يستمع إلى هذا الغناء، وإذا هو يستمتع به، ثمَّ إذا قالت له إحدى النِّساء التي كانت تجلس بجواره: "إنَّ التي تستمع إليها هي شقيقتي."  وفي الحال ظنَّ موريو بأنَّ التي تعنيه هذه المرأة بقولها يقع في الإطار العام بأنَّنا جميعاً إخوة وأخوات، ولكن – وبدهشة – إنَّها حقيقة شقيقة مريم.  وكان الزوجان الموسيقيان في رحلة غناء في بوركينا فاسو، ولم يملك موريو مالاً كافياً للبقاء وانتظار عودتهما إلى مالي، لذلك طلب موريو من شقيقة مريم أن تحمل رسالته إليها بأنَّه معجب بموسيقاهما.

وفي العام التالي أسمع موريو موسيقاهما الأصدقاء والزملاء.  وفي إحدى الأيَّام أخبره أحد الذين استمعوا إلى هذا الشريط الغنائي بأنَّ أمادو ومريم سيغنيان في مطعم بباريس.  وعلى التو تحرَّك موريو إلى المكان وقدَّم نفسه، حيث ردَّ أمادو: "آه، إنَّك لذاك الشخص في محطة البص!"  ولقد قضى موريو عامين لإتمام صفقة بواسطتها عاد الزوجان إلى فرنسا لنشر موسيقاهما خارج إطار الجالية الماليَّة في باريس.  وعلى مدى الأربع سنوات بات الزوجان نجمين في فرنسا، ولكن أخذ التعاون بينهما وبين "مانو شاو" ثمان سنوات لكي يصلا إلى المرحلة التالية.  وفي الحق، كان يعزفان سويَّاً لما يقارب العشرين عاماً قبل أن يتعرَّفا على موريو، وكذلك عزفا سويَّاً لمدة 12 عاماً قبل أن يقوما بتسجيل ألبومهما الأول في ساحل العاج، وذلك لعدم وجود دور التسجيل في مالي عامذاك.

فلا ريب في أنَّ أمادو ومريم قد شقا طريقهما على خشبة مسرح الحياة بصعوبة؛ ولم يشك أحد في عزيمة الزوجين اللذين كدحا كثيراً، وأنجزا كثراً برغم من أنَّهما فقدا بصرهما منذ أيَّام الطفولة.  وفي الحق، إنَّهما تعرَّفا على بعضهما بعضاً في معهد العمى في باماكو، وقد تحدَّثا عن قصة نضالهما الباكر في سيرتهما الذاتيَّة، "بعيداً عن ضوء النَّهار" (Away from the Light of Day).  وإذا عدَّدا في الكتاب الصعوبات التي اعترضنهما في الحياة وكيف تجاوزا تلك المعوِّقات؛ وإذا الكتاب يوضِّح في أكثر ما يكون الإيضاح كيف قفزا على المجتمع الطبقي والتوسُّل إلى عبور الحدود؛ ثم إذا الكتاب يبيِّن في أشدَّ ما يكون التبيان والتبيين تعدُّد الموسيقي التي عزفها الزوجان خلال سنوات تكوينهما موسيقيَّاً.

إذ يصرّ أمادو ومريم أنَّهما منذ البداية الباكرة أرادا أن يخلقا موسيقى حديثة، والتي تمزج فنوناً متعدِّدة من حول العالم مِزاجاً سلسبيلاً، وحتى في الحين الذي فيه يغنيان الأغاني التقليديَّة الماليَّة، لم يعزفا أو يغنيا هذه الأغاني بالطريقة التقليديَّة.  وفي إحدى رحلاتهما إلى لندن استعرض الزوجان أصول أصوات موسيقاهما.  إذا جلسا على الأريكة بالقرب من بعضهما بعضاً، مريم تهز رأسها بينما يشتغل أمادو بالحديث.  ثمَّ إذ أقرّ أمادو بأنَّهما كانا يستمعان إلى أساليب مختلفة من الموسيقى، وحاولا تضمين هذه الأساليب في موسيقاهما.  وشدَّد أنَّه ينبغي تبسيط الأشياء حتى يتمكَّن كل شخص الولوج فيها.  فالأنظمة السياسيَّة تغيِّر ألوان الموسيقى وضروبها، التي يستمع إليها الناس في المذياع عبر البث المباشر من الإذاعة أو المسجَّل فيها.  فعلى سبيل المثال كان مالي، منذ الاستقلال من فرنسا العام 1960م حتى العام 1968م، يقبع تحت النفوذ السوفيتي، وكان أهل مالي يستمعون إلى كثر من الموسيقى الكوبيَّة، التي كانت على الموضة في ذلك الحين، وليست الماليَّة.  وبعد تغيير النظام بعد العام 1968م شرعت الإذاعة تبث الأغاني الغربيَّة، هكذا ظلَّ أمادو حينئذٍ يستمع إلى أغاني "الروك" الإنكليزيَّة والأمريكيَّة، بالإضافة إلى موسيقى "البوب" الفرنسيَّة.  ومنذ هذه البداية بدأ أمادو متأثِّراً أيَّما التأثير بجيميس براون وجيمي هيندريكس؛ وفي هذه الأثناء اعترف أمادو أنَّه حاول تقليد حبكة هيندريكس الخارقة للطبيعة والمتمثلة في عزف آلة الجيتار بأسنانه.  وفي الحين الذي فيه عزف أمادو ومريم في فرقة معهد العمى غنَّيا أغاني بينك فلويد.

وبالكاد لم يكن الزوجان يحلمان أنَّهما قد يأتي يوم فيه يؤازران بينك فلويد.  ثمَّ، وبالطبع، لم يفكِّرا في أنَّه قد يأتي يوم فيه يعزف ديفيد قيلمور – عازف بينك فلويد لآلة الجيتار – في فرقتهما.  ولكن في العام 2009م – وفي شمال لندن – التحق قيلمور بالزوجين على خشبة المسرح داخل المسرح عازفاً الجيتار الثاني من خلال تناسقهما، وحتى على واحد من أغنياته "ليس هناك سبيل للخروج من هنا" (There is No Way Out of Here)، وذلك مع أمادو ومريم كشريكين في الأصوات المصطحبة للأغنية، ولهذا العزف المزدوج.  وقد بزغت أصوات الأبواق من قلب ركام الآلات الوتريَّة، حتى جاء الأداء صاخباً عنيفاً، والذي أخذ يهبط وئيداً وبطيئاً ثمَّ يعود ويعلو في حركات متقاطعة.  وسيضيف أمادو: "لم نكد نصدِّق هذا.  فالفرصة التي أُتيحت لي كي أتعرَّف على قيلمور ونعزف معاً تُعتبر حلماً، وهذا التعاون الوثيق كان بمحض الصدفة، فضلاً عن تخطيط سابق."  وكان عليهما أن يلتقيان قبل يوم لإجراء التمارين، ولكن كانت هناك ثمة مشكلة حول التأشيرة، حيث تسبَّبت في التأخير عن الموعد الافتراضي بيوم.  وفي الحق، لقد قفزنا من القطار – "اليوروستار" - إلى خشبة المسرح الغنائي، ولكن جاء العرض على ما كنا نبغيه.

والذي ساعد على التفاعل الطبقي هو أنَّ موسيقيي "الروك" يجدون في الانسجام مع الموسيقى الماليَّة من اليسر يسراً، والعكس هو الصحيح.  "وأنَّه لمن الأمر السهل التنقُّل من إحداهما إلى الآخر،" هكذا قال أمادو.  "وإذا غصت غائراً فيها فقد تجد ثمة فوارق كبيرة في الشكل، ولكننا نحاول أن نعزف على المتشابهات، لأنَّنا ندرك أين نشأ الارتباط بين أسلوبهما."  هذا الارتباط – ومقدرة الزوجين الذكر والأنثى الفائقة في استغلاله موسيقيَّاً – قد جعلهما مرموقين في دولة بعد أخرى.  إذ أصبحا يتجولان دون توقُّف للترويج لألبومهما "يوم الأحد في باماكو"، وملحقه الذي أُذيع في النَّاس العام 2008م باسم "مرحباً في مالي" (Welcome to Mali)، إلى الحد الذي فيه أقرَّ أمادو أنَّه بات الأمر صعباً تذكُّر كل المناطق التي زاراهما.  وقد أخذ الزوجان استراحة للعمل على الألبوم القادم، وحجزا أسبوعاً في فيلا ميديشي في روما – حاضرة إيطاليا – وهي مقر الأكاديميَّة الفرنسيَّة الموقَّرة، حتى يخلدان للهدوء والشروع في تجميع أفكار الأغنيَّة التي تم تدوينها على عجل في أجهزة الإملاء في غرف الفنادق وفي رحلاتهما على البصات.

وكان يمني الزوجان نفسيهما بأن يصدحان بأغانيهما في مهرجان افتتاح كأس العالم بجمهوريَّة جنوب إفريقيا في حزيران (يونيو) 2010م، وكذلك بالاشتراك مع فرقة "البقوليات ذات العيون السويداء"، وأغنية من ألبومهما "مرحباً في مالي" والمعروفة باسم "إفريقيا".  وقد تحقَّقت رؤاهما، وابتهج النَّاس في أرجاء العالم.  ويوضِّح أمادو بأنَّ رسالة الأغنية قد جاءت في الوقت المناسب، وأنَّه قد آن الأوان للحديث عن إفريقيا بطريقة مغايرة عكسما تنظر إليها بقيَّة العالم.  فليس كل الأمر متعلِّق بالمجاعات والحروبات، وأنَّه كذلك لمتعلِّق بالأسر والصداقات، وبالنَّاس وهم يعيشون سويَّاً في طمأنينة.  وبوجود أمادو ومريم كسفيري القارة الثقافيين إلى بقيَّة أرجاء العالم، نجد أنَّ إفريقيا حقيقة تشي بالإفراط في تدليل بنات وأبناء هذا العالم بهذا الشجو الشجي.

 

 

المصادر والإحالات

 

(1) The Sunday Times, May 30, 2010.

 



© Copyright by sudaneseonline.com