From sudaneseonline.com

بقلم : هلال زاهر الساداتي
الحصاد المر – إنفصال الجنوب/هلال زاهر الساداتي
By
Sep 25, 2010, 20:33

الحصاد المر – إنفصال الجنوب

لم يدر بخلدنا ولم يخطر علي بالنا أن يأتي علينا زمن وأن تمتد بنا أعمارنا لنشهد ونحضر اليوم الذي ينقطع فيه الوصل بيننا وبين إخوتنا في جنوب القطر , وأن ينفصل السودان الي قطرين متباعدين كالغرباء , ونحن الذين أنفقنا زهرة شبابنا نكافح المستعمر من أجل أن ننعم بوطن حر مستقل يكفل لنا دعة العيش في شموخ الكرامة ورحابة العدل وإنصاف المساواة وصفاء المحبة رغم الاختلاف الذي قد ينشأ أو الناشئ في الافكار والميول والذي هو سنة البشر لأن خالقنا لم يشأ أن يجعلنا أمة واحدة.

وقد أحبط أباؤنا سناً من الجنوبيين والشماليين كيد المستعمرين بفصل الجنوب من الشمال , وتم ذلك في القرن الماضي في عام 1947 م في مؤتمر جوبا , فقد قرروا بأن يظل السودان دولة واحدة بشماله وجنوبه مع وعد بإعطاء الجنوب حكماً ذاتياً فسٌره الراحل وليم دينج زعيم حزب سانو بأنه الحكم الفدرالي , وجاء بعده بستة عشرة سنة الراحل جون قرنق ونادي بالسودان الجديد الواحد الذي يكفل لبنيه جميعهم من شمال وجنوب وشرق وغرب بأعرافهم ومعتقداتهم وثقافاتهم وأعراقهم المختلفة الحياة الكريمة بلا تفرقة أو تمييز , فالمقياس الوحيد هو المواطنة .

ولكن نحن الشماليين أو أهل الشمال ظلمنا الجنوبيين وظلمنا أنفسنا قبل ذلك , ولكن كيف يكون ظلم أنفسنا ؟ نعم , فالذين ينحدرون من آباء عرب يكنون في أنفسهم إعتقاداً جازماً بأنهم أنقي دماء وأرفع مكانة من الآخرين المنحدرين من أرومة زنجية أو حامية , ويشتط بهم الأمر بأن يدعون أصحاب البشرة السوداء بالعبيد وهم يعيشون في هذا الوهم بأنهم عرب أقحاح وينسون أو يتبرأون من جداتهم السود بينما لا تجد أحداً منهم أبيض البشرة , بينما يتظاهرون في العلن بأنهم يتعاملون مع الجنوبيين بندية وهم يضمرون غير ذلك . ولا ينكر هذا القول سوي مكابر أو مخادع ! وهم يسمون كل من لا يعتنقون الاسلام بالكفار بمن فيهم من أهل الكتاب كالمسيحيين , وبلغ الأمر حد المأساة حينما أعلنت حكومة الجبهة القومية الاسلامية الجهاد علي الجنوبيين فشنتها حرباً شعواء كان ضحاياها بعشرات الآلآف من الجانبين  وجلهم من الجنوبيين , وكان المهوسون من سدنة الجبهة يقولون بعلو أصواتهم أن القتلي من الشماليين شهداء فهم في الجنة ويقيمون لهم ما ابتدعوه وسموه أعراس الشهداء !! بينا قالوا بأن  الجنوبيين كفار فهم في النار !!

عقب الاستقلال استبدلنا الحكام الانجليز البيض بحكام من السودانيين الاداريين السود , فخيل لهؤلاء أنهم ورثة الجنوب , وضربوا أسوأ الامثلة في الادارة والاستغلال عدا القليل منهم , وكانوا يسرفون في صيد الحيوانات الوحشية والنادرة منها حتي أن النمور أبيدت و أعداد الفيلة تناقصت , وتم كذلك قطع الاشجار النادرة كالتيك والابنوس والمهوقني .

وأتيح لي أن أعمل في الجنوب في الستينيات من القرن الماضي , وقد ذكرت طرفاً من ذلك في كتابي (أيام التونج – ذكريات في جنوب السودان) , ويطيب لي أن أنقل شيئاً مما جاء في مقدمة الكتاب :

( وربما كان لما يعتمل في صدره (المؤلف) من نفور من الظلم وحب للبشر دون تمييز من عرق أو لون أو دين أثر آخر , وكان لا يعرف لشمالي علي جنوب فضلاً , وإن الخالق لا يميز بين الناس بألوانهم ولكن بأعمالهم وتقواهم وإن هذه الألوان نفسها باختلافها آية من آيات الله وإنه تعالي لا يظلم أحداً ولكن البشر يظلمون أنفسهم وبعضهم بعضا ) .

إن الظلم ينخر في النفوس كما ينخر السوس الخشب , وهو كذلك يتراكم ولا يخبو كالنار تحت الرماد , وهذه التراكمات تظل هامدة تحت بركان الغضب والحقد والكراهية ,  وحين يتفجر البركان فانه يثور ثورة لا تبقي ولا تذر !

إن ظلم الشماليين أو جلهم للجنوبيين لم ينقطع منذ المهدية حين كانوا يباعون سلعاً وكان هناك في البقعة (امدرمان) أكبر سوق لبيع الرقيق في السودان .

إن توالي وتراكم المظالم من الشماليين بحق الجنوبيين هو نتيجة طبيعية لما يحدث الآن من مظاهرات من الجنوبيين في مدن الجنوب وفي العاصمة الخرطوم والتي شارك وتكلم فيها بعض قادة الحركة الشعبية منادين بفصل الجنوب واستقلاله , وذلك بإقتراب موعد الاستفتاء علي تقرير مصير الجنوب في التاسع من يناير من العام المقبل 2011 .

فلا يلومن أحد من الشماليين إلا نفسه , فإنك لا تجني من الشوك العنب , وإن البذرة الفاسدة التي زرعناها سيكون حصادها مراً !!

وسوف يسجل التاريخ لحكم الجبهة  الاسلامية القومية بمسمياتها المختلفة أنهم تسببوا في تمزيق السودان وإشاعة الشحناء والبغضاء بين أبنائه .

 

هلال زاهر الساداتي

[email protected]



© Copyright by sudaneseonline.com