From sudaneseonline.com

بقلم : زين العابدين صالح عبدالرحمن
أمريكا و تجاذب الوحدة و الانفصال بين الداخل و الخارج/زين العابدين صالح عبد الرحمن
By
Sep 23, 2010, 13:28

أمريكا و تجاذب الوحدة و الانفصال بين الداخل و الخارج

زين العابدين صالح عبد الرحمن

قبل الخوض في قضية الوحدة و انفصال جنوب السودان التي تجد الاهتمام الكبير من قبل الولايات المتحدة الأمريكية يجب علينا تتبع السياسة الخارجية الأمريكية قبل و بعد الحرب العالمية الثانية حيث نجد أنها تقوم على مصالحها الإستراتيجية و إن الشعارات التي ترفعها ما هي ألا تغطية و خداع للرأي العام أن كان داخل أو خارج أمريكا. في بداية النصف الأول للقرن الماضي اشترت أمريكا دولة الفلبين من البرتغال و مكثت أمريكا خمسين عاما في الفلبين دون أن يكون للديمقراطية و الحرية مكانا في السياسة الأمريكية في الفلبين و دون أن تؤسس بنايات أساسية لها و بعد خروجها مباشرة منها حكمت الفلبين بنظام ديكتاتوري كان حليفا مع أمريكا في المنطقة.

 بعد الحرب العالمية الثانية دخلت الولايات المتحدة في الصراع الكوري الأمر الذي أدى شطرها قسمين مؤسسا دولتين كوريا الشمالية و الجنوبية و ظلت الدولتان بعيدة عن الديمقراطية رغم أن كوريا الجنوبية تعد حليفا لأمريكا و لم تبدأ مشوارها الديمقراطي ألا متأخرا جدا و مازال متعثرا و في ذات الوقت دخلت أمريكا في صراع السلطة في فيتنام الأمر الذي أدى شطرها قسمين أيضا أثناء حرب فيتنام  و لكن إصرار الثوار في فيتنام الشمالية و التفاف الجماهير حولهم و خوض حرب عصابات ضد الولايات المتحدة اجبروها على الانسحاب و رجعت فيتنام دولة واحدة و بعد اتفاقية التسوية السياسية و إعلان أمريكا خروجها من فيتنام عرض وزير الخارجية الأمريكي هنري كسنجر في ذلك الوقت ألي الرئيس الفيتنامي الجنوبي " بوب" و أعضاء حكومته اللجوء السياسي في الولايات المتحدة و قال بوب قولته المشهورة أفضل تماما مواجهة الموت في بلدي من الذهاب لاجئا لأمريكا و أنني قد خنت نفسي و شعبي عندما صدقت أمريكا و حلمت بدولة ديمقراطية في فيتنام حيث ليس لمصالح الشعوب مكانة في السياسة الأمريكية إنما المصالح الأمريكية فوق كل الاعتبارات و دعوتها من اجل الحرية و الديمقراطية ما هي ألا خداع للشعوب.      

ثم حاولت الولايات المتحدة أيضا الدخول في حرب كمبوديا و أخيرا موقفها من قضية تايوان حيث رفضت الولايات المتحدة عودة تايوان ألي البلد الأم الصين و ظلت تحتضن النظام التايواني و تمده بكل الأسلحة الإستراتيجية المختلفة في محاولة لخلق توازن للقوة مع الصين ثم جعلت بحر الصين مقرا لحاملات طائراتها و غواصاتها النووية و كل ذلك لعدم رجوع تايوان ألي الدولة الأم أذن السياسة الخارجية الأمريكية هي تقسيم الدول و ليس المحافظة علي وحدتها كما أن تجربة الحرية و الديمقراطية هي شعارات فقط لعملية تمرير أهدافها و مصالحها الخاصة و خير دليل مساندتها للأنظمة الديكتاتورية و التيلتورية " دول الموز" في أمريكا أللاتينية حيث ما كانت تتحدث عن الديمقراطية و الحرية و ظلت شركاتها العابرة للقارات تحكم تلك الدول من خلال أنظمة قمعية دموية.

 و أخيرا حديث الولايات المتحدة عن سياسة الشرق الأوسط الجديدة التي أعلنتها في تل أبيب غونزاليس رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة في عهد الرئيس جورج بوش أثناء عدوان إسرائيل علي لبنان و حربها مع حزب الله ثم تخلت عنها و عن كل شعارات الحرية و الديمقراطية عندما عرفت أن الديمقراطية أذا طبقت في دول الشرق الأوسط سوف تأتي بقوى سياسية تتعارض مع السياسات و المصالح الأمريكية المساندة لدولة إسرائيل ففضلت الرجوع عن تلك السياسة و التعامل مع الأنظمة القائمة و لكي لا ننسي هناك دليل أخر الأسباب الزائفة التي ساقتها لحرب العراق و أفغانستان و حالات التعذيب التي مارستها و الاغتيالات التي قامت بها و سجونها الطائرة لعدد من دول أوروبا كلها تكشف زيف الشعارات.                     

في ظل كل تلك التجارب جاءت قضية السودان تحمل في أحشائها دعوات الانفصال و تقرير المصير منذ استقلال السودان و لكن لم تكون هناك مغريات و كانت الولايات المتحدة مشغولة بقضية صراع الحرب الباردة مع الاتحاد السوفيتي السابق و لكن بعد اكتشافات البترول و دخول الصين في السودان بسبب الطاقة حزمت الولايات المتحدة الأمريكية أمرها للوقوف مع مبدأ الدولتين في توافق جواري مع بعضهما البعض رغم أن الولايات المتحدة لم تتحدث عن قضية الانفصال بشكل مباشر و لكن كل قرائن الأحوال و تصريحات بعض المسؤولين ألأمريكيين تؤكد إنها تسير في الاتجاه الذي تسير عليه الحركة الشعبية خاصة عندما يؤكد المبعوث الأمريكي الخاص للسودان إسكوت غرايشن إنهم سوف يقدموا حوافز ألي حكومة السودان أذا ساعدت لقيام الاستفتاء في موعده دون عوائق تعترض طريقه كما أن الولايات المتحدة سوف تستخدم العقوبات أذا حاولت حكومة السودان تعطيل أو تأجيل الاستفتاء  رغم أن الرئيس البشير أكد أن الاستفتاء سوف يقوم في موعده و يجيء اهتمام الولايات المتحدة بقضية الاستفتاء و قيامه في الموعد المنصوص عليه في الاتفاقية لأنها تعلم أن شعب الجنوب سوف يختار ألانفصال بعد ما أكدت اختبارات الرأي أن أغلبية الجنوبيين سوف يصوتون للانفصال.

و لم تبق القضية محصورة في وزارة الخارجية الأمريكية المعروف أنها أكثر تشددا من الإدارات الأخرى و لكن جاء حديث الرئيس الأمريكي باراك أوباما مع إذاعة  " اكس أم" الأمريكية يؤكد أن قضية ألانفصال تهتم به أعلي قمة في هرم السلطة الأمريكية حيث قال الرئيس أوباما "إن واشنطن سوف تفعل كل ما تستطيع من اجل تنظيم استفتاء تقرير المصير في جنوب السودان المقرر في التاسع من يناير المقبل و أضاف اوباما  قائلا " نحن نرسل رسالة واضحة إلي الخرطوم إلي حكومة السودان و المجتمع الدولي بأننا نهتم اهتماما كبيرا بالموضوع و بأننا سنشمر عن سواعدنا و بأننا سنفعل كل شيء نقدر عليه لنتأكد بأن الاستفتاء سيتم دون أي معوقات" و حديث الرئيس أوباما يمكن فهمه على صورتين أم انه حديث يحاول كسب الرأي العام الأمريكي و هذا يعنى أن الحركة قد كسبت التعاطف العام الأمريكي أم أن الولايات المتحدة قد حزمت أمرها تماما من اجل قيام الاستفتاء للتعجيل بإنشاء الدولة الجديدة و لكن كلا الطريقين ليس في مصلحة الوحدة والحكومة السودانية.

رغم أن قضية الانفصال ليس في مصلحة الإستراتيجية الأمريكية في إفريقيا بعد الاكتشافات البترولية  الجديدة في عدد من الدول الإفريقية أن كان في غرب أو وسط و شرق إفريقيا حيث إن انفصال الجنوب سوف يعقد القضية الأمنية خاصة إنه سوف يزيد من الصراعات العرقية و الإثنية و مطالبتها بالانفصال عن دولها الأم الأمر الذي يؤدي ألي زيادة التوتر في القرن الإفريقي و لكن ألإدارة الأمريكية التي تواجه أزمة اقتصادية إضافة ألي المنصرفات الباهظة على العمليات العسكرية في كل من العراق و أفغانستان و زيادة نسبة العطالة  و نقص في الإيرادات تتطلب البحث عن مصادر جديدة للإيرادات المالية ألي جانب الضغط الذي تواجهه الإدارة الأمريكية من الشركات العاملة في مجال البترول من جراء التنافس الذي تواجهه من قبل الدول الناشئة مثل الصين و الهند و البرازيل كل تلك لم تجعل هناك خيارا أمام الإدارة الأمريكية سوي مساعدة الحركة الشعبية في إتمام عملية الاستفتاء و قيام الدولة الجديدة التي سوف تكون تحت الرعاية الأمريكية الكاملة.

كانت قضية الانفصال جزءا من برنامج الحركة الشعبية منذ مؤتمر واشنطن الذي تبنت فيه الحركة الشعبية مبدأ تقرير المصير شعب جنوب السودان و أكد على ذلك الدكتور جون قرنق في مؤتمر كمبالا عام 1993 ثم في مؤتمر نيروبي عام  1994ثم مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية  رغم أن الدكتور قرنق كان يؤكد أن هذا الخيار مرهون بعملية التغيير السياسي و تأسيس دولة السودان الجديد فالدعوة لتأسيس دولة الجنوب لم تجيء بين ليلة وضحاها أو بعد إتفاقية السلام الشامل إنما كانت ثقافتها قد تعمقت داخل الحركة الشعبية وخاصة بين مقاتلين الجيش الشعبي لأنها كانت واحدة من أعمدة التوجيه المعنوي و يقوم عليها التجنيد للجيش الشعبي و قيادات الحركة  الراهنة لا تخف ذلك و لديها خطابان الأول موجه ألي أبناء الجنوب إن كانوا في داخل السودان أو خارجه و هو خطاب يهدف ألي تعبئة و تهيئة أبناء الجنوب من اجل التصويت للانفصال في الاستفتاء و هذا ما أكده السيد رئيس الحركة الشعبية السيد سلفاكير ميارديت أخيرا لوكالة  "رويترز" حيث قال  أن الوحدة ليست خيارنا و قال أيضا في واشنطن أمام جمع من السودانيين " أن شعب الجنوب سوف يصوت بأغلبية ساحقة لصالح الاستقلال و أكد ذات الاتجاه الأمين العام للحركة الشعبية ووزير السلام بحكومة الجنوب السيد باقان اموم حيث قال قي واشنطن أن خيار الوحدة قد فات أوانه و لم يبق ألا أن يقول شعب الجنوب كلمة الفصل في 11 يناير القادم  و في الخرطوم قال أمكواج تينق وزير الشباب في حكومة الجنوب أمام جمع من أبناء الجنوب أن التصويت في الاستفتاء سوف يكون لصالح الانفصال و بداية العام القادم ليس هناك نائب أول  لرئيس لجمهورية إنما هناك رئيس لجمهورية الجنوب أذن الحركة قد حسمت أمرها و ذهبت في اتجاه الانفصال منذ توقيع إتفاقية السلام الشامل عام  2005 و كانت تبحث لها على تبريرات لتكون مسوغات لدعوات الانفصال لذلك ركزت على الخلافات مع الشريك رغم إنها حاربته سنين عددا و تعرف سياسته و هي ذات الأشياء التي تشتكى منها ألان و تجعلها مسببات للانفصال.

استطاعت الحركة الشعبية أن تقنع الإدارة الأمريكية الحالية بضرورة مبدأ الانفصال كما أنها استطاعت أن تكسب لصفها العديد من منظمات المجتمع المدني الأمريكية و الغربية لكي تقف معها و رغم أن الحركة الشعبية بدأت تاريخها السياسي ماركسية الهوى ولكن بعد انهيار نظام منقستو هيلا مريام و التحولات التي حدثت في الخارطة السياسية العالمية اتجهت غربا و استطاعت أن تضع كل ملفاتها و أجندتها في مناضد الدول الغربية في غياب كامل ليس للمؤتمر الوطني و لكن لحلفائها في التجمع الوطني الديمقراطي حيث استغلت الحركة التجمع الوطني الديمقراطي في الترويج عن تجارتها و أهدافها في الغرب عندما كان دكتور جون قرنق  يطوف عواصم الدول الغربية و يلتقي بمفرده مع صناع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية و الدول الغربية و يكثر من الحوار مع الكتاب و الصحفيين المؤثرين في الرأي العام في الغرب و فتح العديد من المكاتب في تلك الدول كان أبرزهم إستيف وندو في واشنطن و ادورد لينو في ألمانيا و وليم نون في بريطانيا كان التجمع الوطني غائبا عن كل ذلك و كانت حكومة  الإنقاذ غائبة أيضا.

 كان السيد رئيس التجمع يتجول علي أماكن أقامته الأربع في كل من القاهرة و اسمرا و لندن و جدة دون الالتقاء بصناع القرار في تلك الدول أنما كانت كل لقاءاته  مع عدد من التوكنقراط في تلك الدول الذين ليس لهم ألا كلمات المجاملة و الطمأنة البروتكولية  و كانت لقاءات المسؤولين الغربيين مع بعض قيادات التجمع تأتي بطلب منهم و ليست بمبادرة من قيادات التجمع خاصة إن الإدارات الأمريكية المتعاقبة عندما تريد أن تستفسر عن أشياء ترسل عناصر مخابراتها في السفارة الأمريكية في كل من القاهرة و اسمرا  لذلك شكل التجمع الوطني الديمقراطي غيابا كاملا عن حوارات قضية السودان مع أمريكا و الغرب و خير دليل على ذلك اللقاء الذي عقدته وزيرة الخارجية الأسبق  مادلين أولبرايت في كمبالا في النصف الثاني من عقد التسعينات في القرن السابق مع زعماء المعارضة حيث كان لقائها مع الدكتور جون قرنق دون قيادات التجمع الوطني, فغياب التجمع الوطني كان غياب للحديث عن الوحدة حيث استطاعت الحركة توصيل أهدافها الرامية لتأكيد مبدأ تقرير المصير و ترسيخه كثقافة في الأدب السياسي و التهيئة للانفصال و الغريب إن الحركة كانت تتحدث بلسان جميع أعضاء التجمع مع موافقة سكوتية من قبل قيادات تلك الأحزاب.

إحجام القوى السياسية المعارضة " تحالف جوبا و عدم نقدها لسياسة الحركة الشعبية و تبنيها لخيار الانفصال كحل لمشكلة السودان منذ أن بدأت تظهر تصريحات الانفصال علي خطاب بعض قيادات الحركة أدي لتعزيز الخطاب الانفصالي ثم سماح المؤتمر الوطني لبعض قياداته أو المحسوبين عليه في تأسيس جريدة تعمق موضوع الانفصال كان أيضا سببا في نشر دعوات الانفصال و الحديث عنها بصوت عالي ساعد في زيادة عملية الاستقطاب في المجتمع و خلق مبررات للحركة الشعبية أن المؤتمر الوطني ساعي لقضية الانفصال لكي يتسنى له الانفراد بالسلطة في الشمال مستغلا ضعف القوى السياسية فتأسيس ثقافة الانفصال قد شاركت فيها كل القوى السياسية بدرجات مختلفة إن كان يتحمل ألوزر الأكبر المؤتمر الوطني الحزب الحاكم ثم الالتفات لقضية الوحدة مؤخرا كتبرير فقط للمحاولة.

أذا كانت ألولايات المتحدة الأمريكية تبنت أطروحات الحركة الشعبية و بدأت بطريق غير مباشر مساندة عملية الانفصال نكاية في المؤتمر الوطني و رفض لكل سياساته أذن أين دور القوي السياسية الأخرى حليفة الحركة الشعبية و تقديم وجهة نظرها للإدارة الأمريكية و التي كان من المفترض أن تكون طريقا ثالثا لحل المشكلة السودانية و لكن حالة الضعف و الإعياء الشديد الذي تعيش فيه المعارضة جعل هناك صراعا بين رؤيتين واحدة مهملة وواحدة تجد المساندة لدعوتها للانفصال التي تتوافق مع تاريخ تجارب السياسة الخارجية الأمريكية مع انتظار للمعارضة خارج أسوار حلبة اللعب.     

                                     



© Copyright by sudaneseonline.com