From sudaneseonline.com

بقلم :توفيق عبدا لرحيم منصور
سودان طير .. طايره في السما !!!/توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)
By
Sep 20, 2010, 08:29

بسم الله الرحمن الرحيم

سودان طير .. طايره في السما !!!

توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)

http://www.tewfikmansour.net

 

 ذهبنا لمطار الخرطوم (الدولي) قبل إقلاع السفرية المتجهة للرياض بالسعودية بعدة ساعات، أي في الساعة الرابعة صباحاً من يوم الجمعة، وذلك حسب توجيهات سودان طير، أما الأمر الذي لا تعرفه أو تتخيله إدارة سودان طير هو أننا لم ننم طيلة ليلة الخميس، فقد كنا، كما غيرنا، في حالة تستيف وترتيب ووداع .. هذا ونحن في طريقنا للمطار لتوصيل وتوديع أحبائنا هاتفنا أحدهم مشيراً إلى أن سودان طير قد غيرت موعد السفرية لأجلٍ سيُعلن فيما بعد !!. فرجعنا لمنزلنا ونحن في حالة نفسية سيئة للغاية، خاصة وأن موعد الإقلاع الجديد لم يُحدد ..

  ومع عصر الجمعة وصلتنا إفادة بأن موعد الإقلاع الجديد سيكون في التاسعة مساء، وعلى المسافرين الحضور للمطار حوالي السادسة مساء، ففرحنا بالموعد الجديد وارتفعت معنوياتنا المنهارة، وبدأنا في إعادة ترتيب وتستيف العفش خاصة تلك المواد الغذائية السودانية التي أعدنا إدخالها للتلاجة خشية فسادها ..

  وصلنا لمطارنا (الدولي)! في الوقت المحدد الجديد، ولم نجد مكاناً للسيارة أو للبشر، وعندما أفرغنا العفش من السيارة لم يُسمح لنا بولوج المطار، وكذلك لم نحظ بمكان للجلوس، وذلك نسبة لازدحام المطار الذي كانت ساحاته الخارجية تموج بآلاف المسافرين والمودعين .. ذهبنا للاستفسار عن سفرية سودان طير للرياض، فأخبرونا أهل الاستعلامات بأنه لا توجد لديهم أية معلومة عن هذه السفرية، فقلنا لهم عليكم أن تبحثوا أنتم لنا عن معلومة تفيدنا في هذا الأمر لأن أطفالنا وعفشنا في حالة يرثى لها، فأجابونا بأنهم سيمدوننا بالمعلومة اللازمة حالما تصلهم .. ولم تصلهم!!..

  هذا ومع هذا الوضع المريع سمعنا وشاهدنا الكثير من المواقف المؤلمة، فهناك العائلة التي أوصلها أهلها للمطار ثم افترقوا منهم بعد وداعهم ولا يعرفوا كيف يرجعون لبيتهم في الثورة، وهناك العائلة التي أتت من الجزيرة حسب الموعد الأول فجر الجمعة ومنذ ذلك الوقت وهم يبحثون في الخرطوم عن ظل شجرة تأويهم أو مكانٍ للأكل أو لقضاء حاجتهم .. وهناك من أتى من قرية نائية ولا توجد معه أية مبالغ للصرف على نفسه وعائلته، ولعمري فهي صور ومشاهد يندى لها الجبين ويتحسسها ويتخيلها كل كريم ويتجاهلها كل لئيم ..

  هذا وبعد أن مضت الساعات المؤلمة الطويلة، وذهب أدراج الرياح الموعد الجديد المضروب أصلاً للمغادرة، وكاد الليل أن ينتصف، وتبهدل الجميع خارج الساحة الصغيرة للمطار الدولي سهراً وإرهاقاً وإحباطاً!!، توجه بعضنا للمكتب الرئيسي لسودان طير بمطار الخرطوم، حيث وجدنا العشرات ممن سبقونا إليه من المنهارين بالمكتب وهم في حالة هياج وصياح حيث استفزتهم الأجوبة العجيبة من أفراد المكتب والتي تمثلت في أنهم لا يعرفون متى موعد الإقلاع الجديد؟ أو ما هو الحاصل بالضبط ؟!.. ومع كل هذا المشهد الأليم كنا نسمع نداءات مغادرة الطائرات الممتازة لمبتغاها، فتلك الألمانية تغادر في موعدها ومن ثم القطرية فالسعودية فالمصرية وما إلى ذلك !!!!!..

  هذا وبعد أن استسلم الجميع لقدرهم، وتبهدل الأطفال، وخاصة الرُضّع منهم، وبعد أن ارتسمت في وجوه الجميع مغادرين ومسافرين علامات المذلة والإهانة والإرهاق، جاءنا عبر مايكروفون المطار الدولي ما لم نسمع به من قبل في أية بقعة أو مطار في العالم وذلك دون أي اعتذار : (تعلن الخطوط الجوية ال... بأن جميع سفرياتها قد ألغيت لمدة أربعة وعشرين ساعة)!!! .. هكذا وبكل بساطة وبدم بارد تم إلغاء جميع السفريات المتأخرة والمؤجلة والتي حان موعدها ..

 عندها بكى البعض، وتأسف البعض، وعض على يديه البعض، فهذه محاولة إذلال ما بعدها إذلال، فالكل سيرجع لمنازلهم ولا يدرون حتى متى سيكون موعد الإقلاع المقترح الجديد ؟!!.. ألتفت لزوجتي التي كانت من ضمن المودعين وقلت لها (هؤلاء هم حقيقة البؤساء)، ثم طلبت منها أن تدعو الأسرة التي أتت من الجزيرة ولا مأوى لها بأن نستضيفهم ببيتنا إلى أن يقضي الله أمراً كان مفعولا، ولكن ومع الأسف فقد تلاشت تلك الأسرة وسط آلاف المودعين والمسافرين المحبطين ولم نجد لهم أثرا ..

  عموماً لا شك بأن أثر تلك الفعلة الشنعاء والتي لم تنته أحداثها بعد، والتي أضحت عادة لسودان طير، تمتد آثارها دوماً لمطارات دولية أخرى، فهناك بالضفة الأخرى أيضاً المستقبل لأهله، والمغادر عبر سودان طير، وكلهم لا شك أيضاً في حالة انتظار وترقب ممل وإحباط، إضافة إلى أن المطارات الأجنبية تتأذى كثيراً لهذا الإهمال وعدم المسؤولية لهذه الخطوط، فالمطارات، والمسارات الجوية، ليست لعباً في أيدي سودان طير !..

  هذا ولا شك من أن الطائرات عبر مطارات العالم تتأخر أحياناً، ولكن لأسباب منطقية ومعقولة ومقبولة، ولكن أن تتأخر سودان طير بهذا الشكل المرعب، وأن يصبح تأخرها عادة، وأن لا تُملّك المسافر المعلومة المطلوبة، فهذا لعمري يشكل قمة الفوضى والاستهتار والإساءة للبلد والمواطن و(المطار الأم) الذي يؤويها !!..

  الطيور المهاجرة في مساراتها تضبطها بوصلتها البيولوجية، فلا تتوه ولا تتأخر، أما سودان طير فقد فقدت بوصلتها الإدارية والخدمية والإنسانية والوطنية، فباتت لا تستحق شرف اسم السودان، لا بل باتت مسخاً يسيء للبلاد ولمطارها المتواضع .. هذا ولا شك من أن ما حدث خلال الساعات القليلة الماضية كفيل بأن يدفع كبار مسؤولي هذه الخطوط بتقديم اعتذاراتهم للمتضررين أولاً ومن ثم يتبعها تقديم استقالاتهم، وذلك إن تبقى لهم بعض من ضمير !!.

   سأل أحدهم استعلامات مطار القاهرة عن إمتى ستصل سودان طير؟ فأجابه الموظف .. ديه سِتّهم تجي وتروح على كيفها !! وحقيقة هذا ما كان في السابق عندما كانت تحمل راية سفريات (إن شاء الله)، فقد كانت تأتي وتذهب على كيفها، فهي أي سودان طير سِتّهم، أي ست الفرنسية والهولندية والبريطانية والسعودية والمصرية، أما الآن فهي (لا بتجي ولا بتروح) فقد فقدت حتى عرش الفوضى، ولا نملك إلا أن نقووووول، حسبنا الله ونعم الوكيل !!..

توفيق عبد الرحيم منصور (أبو مي)

http://www.tewfikmansour.net

 



© Copyright by sudaneseonline.com