تفاصيل اخر لقاء بين صدام وبريماكوف مباشرة قبل هبوب العجاجة في مارس 2003؟
الحلقة الاولي ( 1 -3 )
ثروت قاسم
[email protected]
كتاب افجيني بريماكوف ( روسيا والعرب )
انتهيت لتوي من قراءة الطبعة الانجليزية من كتاب افجيني بريماكوف ( روسيا والعرب ) . وأفترض انك سمعت بكاتبه بريماكوف , الصحفي الروسي المرموق الذي اصبح سياسيأ , ثم رئيسأ لجهاز المخابرات الروسي ال كي . جي . بي . , ثم وزيرأ للخارجية الروسية, قبل ان يصبح رئيسأ لوزراء روسيا .
بريماكوف يمثل الطبعة الروسية لهنري كيسنجر ومحمد حسنين هيكل !بل هو أقرب الي محمد حسنين هيكل منه الي هنري كيسنجر !
كان بريماكوف صديقأ للرئيس صدام . وربما لهذا السبب طلب الرئيس بوتين من بريماكوف السفر الي بغداد في اواخر فبراير 2003 لمقابلة صدام , علي أنفراد , وتسليمه الرسالة الاخيرة من الدب الروسي . قبل أن تهب العجاجة ؟
امتطي بريماكوف صهوة طائرة حربية اقلته الي طهران . ومن طهران واصل في راحلة رباعية ( كان يحملها معه في طائرته الحربية ) , برا , الي بلد الرشيد . لم يكن بوسعه وقتها السفر جوأ من موسكو مباشرة الي بغداد .
وصل بريماكوف مجهدا متعبأ الي بغداد , وسار براحلته مباشرة الي قصر صدام .
طير الابابيل ؟
كان الجو ملتهبأ . الاساطيل الحربية تحيط بالعراق أحاطة السوار بالمعصم . طير الابابيل تنتظر علي البوارج الحربية لترمي بغداد بحجارة من سجيل ! ومئات الالاف من الجنود المدججين باحدث ما انتجته المصانع الامريكية من اسلحة دمار شامل يقفون علي اهبة الاستعداد من داخل دباباتهم ومجنزراتهم لاقتحام العراق من الجو والبر والبحر , من الجنوب والشمال والغرب , من اليمين ومن الشمال . من فوق ومن تحت ! من عاليها ومن سافلها !
كان بريماكوف اخر زعيم أجنبي يقابل صدام قبل سقوطه الكارثي في يوم الخميس 20 مارس 2003 , والقبض عليه في ليلة السبت 13 ديسمبر 2003 , وشنقه الذئبي , في فجر يوم السبت 30 ديسمبر 2006 !
صدام الحربائي ؟
وجد بريماكوف في صدام , وهو في غروب ايام جبروته ومجده , رجلأ حربائيأ ومداهنأ , وافتقد فيه الرجل الذي يجسد الذئبية والبطش للعالم الغربي .
في السبعينيات , ايام كفاحه ضد الامبريالية وتحالفه مع الاتحاد السوفيتي , أمم صدام شركة البترول العراقية المملوكة للغرب , تمامأ كما أمم جمال عبدالناصر قنال السويس , من قبله .
وخاطب صدام السوفيت قائلا :
العراق بلد غني . لا نحتاج لدعمكم المادي . وأنما لدعمكم السياسي والتقني . ارسلوا لنا خيرة علمائكم وفنييكم لبناء العراق الجديد . كل ابواب العراق مفتوحة امامكم . مرحبأ بالأستعمار السوفيتي للعراق ! نحن في اياديكم الكريمة !
الا تذكرك هذه الكلمات بكلمات الرئيس سلفاكير للامريكان , ونحن علي اعتاب الاشهر الحرم قبل يوم الأستفتاء ... يوم التغابن ؟
واتبع صدام القول بالفعل . واصبح العراق , في غضون سنوات معدودة , شبه مستعمرة سوفيتية . كان الاتحاد السوفيتي يعتبر صدام الصديق الاوحد, الصديق القوي الامين في العالم العربي !
التحالف الصدامي – الامريكي ؟
ويتابع بريماكوف ذكرياته فيقول :
ولكن كم كانت دهشتنا كبيرة , عندما هاجم صدام ايران في عام 1980؟ ليس فقط لانه لم يخطرنا مسبقأ , بل لانه اكد لنا , في مرات عديدة , بأنه لا ينوي مهاجمة أيران علي الاطلاق ؟ وبدأنا نلاحظ تعاونه المغتغت مع الرئيس الامريكي ريغان , الذي كان يحرش صدام ضد ايران الخوميني , التي كانت تعادي اسرائيل ومن ورائها امريكا .
بعد عدوانه علي ايران , اصبح صدام الطفل المدلل للامريكان والاسرائيليين , والاروبيين وملوك وامراء العرب , الذين أغدقوا علي صدام السلاح , والمعلومات الاستخبارية والمال .
كانت اسرائيل تسعي لكسر شوكة ايران المؤيدة للقضية الفلسطينية , وكسر شوكة عراق صدام في ذات الوقت , بدعم الاثنين سرأ وفي ان واحد , حتي يقضيا علي بعضهما البعض , فتستريح منهما اسرائيل معأ , وتضمن سلامة حدودها الشرقية .
بعدوانه علي ايران المعادية للامريكان , صدق صدام انه قد وضع العم سام في جيبه الشمال , ومعه كل الرؤساء العرب ! واسكرته نشوة الانتصارات الاولية علي ايران . ومن يومها اصبح لا يري , ولا يسمع , ولا يحس بما حوله من مخاطر .
في 20 ديسمبر 1983 ( في اوج عدوان صدام علي ايران ) زار دونالد رامسفيلد , المبعوث الرئاسي الخاص للرئيس الامريكي ريغان , صدام في بغداد ! ( دونالد رامسفيلد الذي اصبح فيما بعد وزير الدفاع الامريكي في عهد بوش الابن ) .
اعلن رامسفيلد , من بغداد في 20 ديسمبر 1983 , ميلاد التحالف الامريكي – الصدامي ضد ايران وسوريا ؟
أنظر صورة دونالد رامسفيلد يصافح صدام في بغداد في 20 ديسمبر 1983 !
صدام ... الحليف الاستراتيجي لامريكا في عام 1983 اصبح العدو الاستراتيجي لامريكا بعد اقل من ستة سنوات في عام 1989 ؟
ماذا حدث لينقلب الشربات الي فسيخ , ياتري ؟
السبب الحصري هو ان صدام بدأ يبرر أعمال المقاومة الفلسطينية للعدوان الاستيطاني والاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين !
استفز صدام القوي الصهيونية , بالأخص في امريكا , بدعمه الذي اصبح مكشوفأ , وبالقول المتبوع بالفعل , للمقاومة الفلسطينية , وبالاخص بدفعه عشرين الف دولار لعائلة كل استشهادي فلسطيني يفجر نفسه في اسرائيل , دفاعأ عن قضية فلسطين !
حينها , في عام 1989 , أصبح صدام ( وليس ايران ) العدو نمرة واحد , لأسرائيل , وبالتالي لامريكا ( والمجتمع الدولي ) !
وفي نفس عام 1989 , قبر الامريكان التحالف الامريكي – الصدامي ضد ايران وسوريا , الذي أعلنه رامسفيلد في بغداد عام 1983؟
حقأ وصدقأ يمكننا أعتبار صدام ضحية القضية الفلسطينية لانه حاول تبرير ودعم أعمال المقاومة الفلسطينية ضد العدوان الاستيطاني والاحتلال الاسرائيلي لأرض فلسطين ؟ وانقلب بتبريراته تلك من خانة الحليف الاستراتيجي الي خانة العدو الاستراتيجي لامريكا ( المجتمع الدولي ) !
صدام والسيد الامام ؟
أصبح الكل يغني أغاني صدام , الأ زولنا المشاتر ؟
مشاتر ... حسب مسطرة الأعراب ؟
كان زولنا المشاتر وقتها رئيس وزراء بلاد السودان .
وقف السيد الإمام , السني المذهب , مع الحق , ومع شيعة إيران في مجلس السلطان السني الجائر صدام عندما كان في أوج مجده , وكان الجبابرة يرتعدون في مجلسه .
ألم يجادله السيد الإمام بالتي هي أحسن ؟ ألم يقل له قولاً ليناً ، رغم أنه طغى .
ألم يجاهد السيد الامام الجهاد الأكبر بقول الحق عند سلطان جائر ؟
في ذلك الوقت والحرب العراقية ضد ايران علي اشدها ( يوليو 1987) كان العرب كافة وراء صدام وضد الجمهورية الاسلامية الايرانية . كان العرب , الإ السيد الامام , ينصرون صدام في ظلمه . ولكن السيد الامام كان ( ولايزال ) واثقاً بالله . مستمسكأ بمبادئه وقيمه ومثله , وبالعروة الوثقي .
وثقة السيد الامام المطلقة في الله تعالي جعلته دوماً مع الحق , وضد الباطل ( إن الباطل كان زهوقا ً) .
وأن كانت مواقفه المبدائية غالبأ ما تكون علي حساب مصالحه الذاتية الانية !
قال السيد الامام لصدام , وهو محاط بجنده , في مجلسه في بغداد :
ان ايران الخميني التي دمرت نظام الشاه الموالي للغرب , والذي طمس الهوية الاسلامية لايران , ترغب في التحرر من التبعية الغربية والعودة الي رحاب الاسلام , وتاييد القضية الفلسطينية . وتتعرض لذلك للهجوم من القوى الغربية التى تسعي لاحتواء ايران . ويجب علي العراق ان لا يكون مخلب قط للقوى الغربية , التى تسعى لاضعاف ايران . بل علي العكس يجب علي العراق ان يتفاوض مع ايران , ويتحاور معها حتي لا ترجع ايران الي الغرب واسرائيل , كما في عهد الشاه , وعلي حساب الوطن العربي .
حاول السيد الامام ان يبرهن لصدام بان ايران الاسلامية رصيد للعراق وسند له , وليس العكس . ويجب علي العراق عدم الانسياق وراء المخطط الغربي ومعاداة ايران .
نعم ..... كلمة حق صدع بها السيد الإمام في يوليو 1987 في وجه سلطان جائر , وفي معقل داره في بغداد .
ولكن بالرغم من , وربما بسبب كلام السيد الأمام , فأن صدام ، ومن خلفه الدول العربية ، أخذتهم العزة بالإثم ، ومضوا يحاربون طواحين الهواء في إيران ، داعين للسلم مع إسرائيل .
وكل ذلك بضغط أمريكي / إسرائيلي .
في بيانه امام الجمعية التأسيسية في 15 يوليو 1987 , قال السيد الامام ان السودان يوظف علاقاته مع ايران لأنهاء الحرب العراقية – الايرانية , واستطرد قائلأ :
( ... ولتحقيق إخاء إسلامي يقوم على ما يوحد أهل القبلة ليتحدوا حوله . بينما يعذرون بعضهم بعضا حول الاختلافات الاجتهادية ! فوحدة المسلمين رغم الخلافات المذهبية , وتعايش العرب والفرس السامي على شاطئ الخليج , أمران مطلوبان لمصلحة الجميع !
لقد صور بعض الناس هذا الاجتهاد السوداني انحيازا ؟ فأوضحنا لاخوتنا في العراق :
نعم هو انحياز ! ولكن لا لمذهب ! ولا لموقف ! ولكن للسلام , ولإنهاء الحرب , على أساس عادلة , ولقيام حسن العلاقات بين الطرفين المتحاربين ! إن للسودان علاقات طبيعية مع طرفي النزاع وانه يوظف تلك العلاقات لانتهاز كل فرصة لإنهاء الحرب , وتحقيق السلام !
والسودان في موقع يمكنه من النظر في مصلحة المدى الأبعد ... ) !
انتهي بيان السيد الامام في 15 يوليو 1987 في الخرطوم .
النظر في مصلحة المدى الأبعد ... هذا ما لم يره صدام في يوليو 1987 , وراه زرقاء يمامة السودان ... رأي العين ؟
المقاومة الفلسطينية وصدام !
ثم وفي نزوة مميتة حسب الأمريكان , ولحظة صحيان حسب الفلسطينيين , بدأ صدام ( 1989 ) يبرر أعمال المقاومة الفلسطينية , ويجهر بدعمه للقضية الفلسطينية , بعد أن كان دعمأ مغتغتأ , وعلي أستحياْء!
وبعدها ( 1989 ) وبسبب تبريره للمقاومة الفلسطينية , دارت عليه الدوائر ! حصريأ لانه لم يعد يحترم التحالف الصدامي – الامريكي – الاسرائيلي ضد ايران وسوريا , ومع اسرائيل .
لم يعد ( 1989 ) صدام يسمع الكلام !
قال الامريكان لزعماء الاعراب ان صدام قد خرق أتفاقه معهم ضد ايران وسوريا ( 1983 ) , بتائيده وتبريره للارهاب الفلسطيني في اسرائيل ( 1989 ) ! وان صدام , الذي أنقلب من العلمانية الي الاسلام ( 1989 ) , بدأ يطعن ( 1989 ) في صحة أسلام زعماء الاعراب , الذين أتهمهم صدام بالتنكر لقضية فلسطين , وبخذلانه في حربه الجهادية السنية علي شيعة الفرس المارقين ! وعليه , وحسب تبرير الامريكان , وجبت محاربته لانه اصبح من أَئِمَّةَ الْكُفْرِ , كما قالت بذلك الاية 12 في سورة التوبة :
وَإِنْ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ مِنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنْتَهُونَ .
( 12 – التوبة )
وأتخذ الامريكان غزوة صدام للكويت ( 2 أغسطس 1990 ) سبوبة للانتقام منه لتبريره للمقاومة الفلسطينية , ودعمه , الذي أصبح مكشوفأ , للقضية الفلسطينية !
في يناير 1991 , في حرب الخليج الثانية ( الكويت ) ضد العراق ، إنقلب السحر على الساحر ، تماماً كما تنبأ بذلك السيد الأمام في عام 1987 في مجلس الرئيس صدام . وشن الامريكان الحرب ( 16 يناير 1991 ) على العراق ، بواجهة عربية / دولية . ولم يجد صدام من يستجير به ، سوى إيران ، التي أرسل إليها معظم أسطوله الجوي خوفاً من تدميره بواسطة آلة الحرب الأمريكية .
مسرحية عبثية في مسرح الامعقول ؟
ماذا كان يمكن ان يكون مصير صدام , لو سمع ووعى كلام السيد الإمام في عام 1987 ؟ أفأنت تسمع الصم او تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين ؟
﴿ 40 - الزخرف ﴾
يتبع في الحلقة القادمة تفاصيل ما قاله صدام لبريماكوف مباشرة قبل هبوب العجاجة في 21 مارس 2003 ؟ |