From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ظرف طالق.....وفتاوى مُطلْقة/البراق النذير الوراق
By
Dec 29, 2010, 18:47

ظرف طالق.....وفتاوى مُطلْقة

البراق النذير الوراق

لو تمّ تبنّي فتوى الشيخ علي جمعة، مفتي الديار المصرية حول عدم صحة الطلاق عند المصريين، حينما يقومون بتحويل حرف القاف في عبارة" أنت طالق" إلى همزة "أنت طالئ" بحسب اللهجة العامية المصرية، فإن السودان لن يسلم أيضاً من تبعاتها.

في السودان عادة ما يُحوّل حرف (القاف) إلى (غين) وذلك يحدث بصفة خاصة عند أهل الوسط، وفي أكثر الأحيان يُنطق هذا الحرف بطريقة أهل الصعيد في مصر، وفي أحيان أخرى يُنطق عندهم (كافاً)، فالناطقين بالعربية من أهل السودان يقولون "كتلني الهم" وإذا قال أحدهم قتلني الهم لسخر منه أهله.

من تبعات هذه الفتوى لو صادقت عليها الدول وتبنتها في قوانين الأحوال الشخصية، أن كثير من الطلاقات في مُعظم الألسن ستصبح باطلة، فحسب الفتوى فإن على من يُطلّق زوجته أن يُردّد الكلمة باللغة العربية الفصحي حتى يقع الطلاق، وإلا فعدم التدقيق اللغوي سيكون سبب كافٍ لعدم وقوعه، وربما يحقُ للزوجة أن تطلب الطلاق وتُذكّر زوجها أنه عليه أن يهتم بالتدقيق اللغوي في رميه لليمين عليها، أما في حالة أن تكون العصمة في يدها، فيجب عليها أن تهتم هي باللغة العربية ومخارج الحروف فيها، حتى لا يجد الزوج فرصة مراجعتها إن هي طلّقت نفسها منه.

يقول موقع ويكيبديا أن العربية أكثر لغات المجموعة السامية متحدثينَ، وإحدى أكثر اللغات انتشارًا في العالم، حيث يتحدثها أكثر من 422 مليون نسمة وتضيف مقالة منشورة على هذا الموقع أن اللغة العربية ذات أهمية قصوى لدى المسلمين، فهي لغة مقدسة (لغة القرآن)، ولا تتم الصلاة (وعبادات أخرى) في الإسلام إلا بإتقان بعض من كلماتها. أنتهي. فماذا عن المسلمين الناطقين بغيرها في هذا المجال؟

ذلك ما كان من أمر اللغة التي لها حول وقوة في التأثير على مجريات الحياة الإجتماعية لدى الشعوب، ولكن، ومع إحترامنا للشيخ على جمعة مفتي الديار المصرية، فإن فيما يصدر من فتاوى تُعبّر عن وجهة نظر هيئات وأشخاص للدين والنصوص، ولا يطيقون لآخرين أن يجهروا بإختلافهم بوضع وجهة نظر أخرى، حتى وإن تساووا معهم في المعارف الدينية أو فاقوهم فيها، فهذا هو ما يدعو للمراجعة والتأمل، أما من يضعون وجهة نظر دنيوية من على منبر ديني ينتهكون به حرمة الدين والدنيا معاً فذلك أمراً إدّا، ولا ينبغي السكوت عليه لا من جانب المتدينين، ولا من جانب غير المُتدينين المُتأثرين بوجهات النظر هذه، فأنظر عزيزي القارئ وعزيزتي القارئة لرجل الدين الإيراني الذي قال وبكل ثقة أن سلوك النساء اللواتي لا يرتدين ملابسهن كما يجب سبب في حدوث الزلازل، فهل يُعقل أن يُترك الحبل على الغارب لمثل هذه الأقاويل ومُطلقيها، في حين أنه تقوم الدنيا ولا تقعد في إيران نفسها، حين يُقبض على فتى وفتاة دون السن القانونية للمسؤولية في وضع يدعو للإشتباه في تقبيل بعضهما؟

إن الغريب في الأمر أن رجل الدين الإيراني و"حجة الإسلام" كاظم صديقي يقول كلامه هذا ويضيف أن" تزايد العلاقات الجنسية غير المشروعة هو أيضاً سبب لتزايد الزلازل في العالم" دون ان يراعي كون الرجل والمرأة حين يقعان في علاقة غير مشروعة، يكونان مُشتركان في هذا العمل "غير المشروع"، وبالتالي هما مسؤولان عن نتائجه سوياً، ولكن لأن فضيلته لا يرى الحق الذي يريد أن يتمثله ويجب أن يُمثّله إلا عبر زجاج مبلول، فهو يؤكد على أن النساء وحدهن هن المسؤولات عن زيادة الكوارث والزلازل ولا دور يُذكر هنا للرجال، فالرجال عنده معروف دورهم ومحكوم، لأن ثوب الطُهر والعفاف لا يفارق أجسادهم وثوب الرزيلة والشهوة وصُنع الأزمات حكر على النساء، كيف لا وهو رجل ويستطيع أن يدافع عن ذلك، ويستطيع دون طرفة جفن، أن يضع الفتاوى والمقولات المقدسة، أما النساء قليلات الحيلة فلن يجدن من يدافع عنهن، فهن العورة بحيث يجب ألا يخرج صوتهن أو ينكشفن على الرجال، فهم أصحاب الحق في اتهامهن أو إتهام رجالٍ غيرهم بما يريدون، وليفرح الشباب ويسعدوا فهاهم براءٌ من أي مسؤولية في إحداث الكوارث الطبيعية، فقد قال الشيخ صديقي أنها نتيجة لسلوك النساء اللواتي "يفسدن الشباب"، والقول ما قاله صديقي.

عقب الإنتخابات المصرية الأخيرة، خرج بعض الشيوخ المصريين بدعوة لتكفير محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية وأحد المُرشحين المُرتقبين لإنتخابات الرئاسة المصرية القادمة (إن وجدت)، وقد كانت حيثيات التكفير تستند على دعوات ووعود أطلقها البرادعي في خضم حملاته للترشح، لصالح جماعات يعتبرها متشددون إسلاميون، غير مرغوب في وجودها كالبهائيين، ولكن بدأت الحملات المضادة بتوزيع بيانات تكفير وسط أنصاره كنوع من تشتيت عمله السياسي الذي يستند على مجموعتي شباب السادس من أبريل وحركة كفاية المصريتين، وانتهت بدعوات صريحة لإستتابته وفي حالة عدم الإستجابة، صرّح هؤلاء الشيوخ للحكومة بسجنه أو قتله حلالاً بلالاً وفق فتوى دينية كاملة الدسم.

لقد راجت بعد حوادث التكفير والقتل التي سادت العالم الإسلامي في العقود الأخيرة، دعوات بتحديد بوابة الإجتهاد في الأمور المُتعلّقة بالدين، بحيث لا يُسمح لأي أحد ومهما كانت درجة معارفه في أمر الدين، أن يتدخل في شأنٍ عامٍ بإطلاق فتوى بتحريمه أو تحليله، ولكنها دعوات تحمل في باطنها بقصد أو بغير قصد، عزل التفكير الحُر والحوار المُثمر الذي يصل في مُحصّلته لنتائج منطقية يقبلها العقل ويستسيغها الناس، وهذا هو جوهر الدين ومبتغى الحياة.

إن على المؤسسات المدنية التي ترعى مصالح العامة وتسعى لرفعة الإنسان وحفظ حقوقه، وضع هذا الأمر بعين الإعتبار والتحليل، فقد كان بعض الحُكام المسلمين في زمان مضى يستخدمون رجال الدين وفتاواهم لمصالحهم السياسية ولهتك حُرمات الغير، وظهرت وفقاً لذلك تيارات ومذاهب معروفة في التاريخ، مما جعل الفتوى بوابة عبور للفتك والتنكيل بالأعداء السياسيين، ما قلل من دورها بالمقابل في تحسين المعاملة بين الناس، والتي هي أصل الدين.

 حاشية:

 جاء في كتاب أسرار الإمامة، للحسن الطبري أنه لما وضع رأس الحسين بين يدى يزيد بن معاوية قال: يا على بن الحسين، هذا رأس أبيك الذي قتله اللّه. فقال علي: هذا رأس أبي الذي قتلته أنت و(اللّه يتوفى الأنفس حين موتها). وهذه الأية منه في ذلك الجواب تدل على أن القتل لا بالموت، بل القتل هو الحزم. فأشار يزيد بقتله حتى استغاثت النساء بأنه لا محرم لنا سواه، فخلاه. وقد قتل الحجاج بن يوسف سعيد بن جبير مع خلق عظيم من أصحابه وكان من كبار الصحابة ونصب المنجنيق على الكعبة وخربها ثم قال : هذه منه تعالى.  

         



© Copyright by sudaneseonline.com