From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
مبادرة ( آدم ) وكيكة الخطيئة/محمد الأمين نافع
By
Dec 28, 2010, 00:45

مبادرة ( آدم ) وكيكة الخطيئة

 

محمد الأمين نافع

 

الكل في هذه الأيام والساعات الفاصلة يبادر ويطرح ويدلي بدلوه بما تيسر عنده أو عند الآخرين، أي أصالةً حيناً ووكالةً حيناً آخر، ولكن ككل مبادرات وأعمال اللحظات الأخيرة وككل محاولات الغرقى البحث عن قشة يتعلقون بها، تأتي مبادرات ( آخر الليل ) وآخر الدقائق مفتقرةً الي الكثير من عوامل النجاح، هذا أن لم يعوز أغلبها التحلي بالمنطق، حتى ولو كان هذا المنطق صورياً، كما يقول المناطقة.

 

فذلكة فلسفية مادية جدلية تاريخية....الخ:

وكما أسلفت في مقالٍ سابق ( الحركة – المؤتمر: العرض مستمر )، فإن العروض علي مسرح المبادرات وتداعيات الاستفتاء تزدحم في كواليس المسرح السياسي تنتظر دورها في العرض، لكن يغلب علي أغلب هذه العروض والمبادرات سمة التحيز لطرف ضد طرف، ومع بروز اسمي الحركة والمؤتمر في تمثيل كلا الطرفين، المتحيز له والمتحيز عليه، إلا أن كلاً من المعسكرين لا يضم بالضرورة محتويات متشابهة أو متناسقة في كل طرف علي حدة، إذ ينطبق علي المعسكرين ما زعمته الفلسفة الماركسية من انقسام الفلسفة من لدن ( آدم ) عليه السلام والي يومنا هذا الي معسكرين، معسكر الفلسفة المادية أو الواقعية ومعسكر الفلسفة المثالية أو الحالمة كما زعموا، إلا أن ذلك لا يعني أن كل نظرية فلسفية مادية تقدمية وكل نظرية فلسفية مثالية رجعية، أو هكذا قالت المراكسة، ومن شك في هذا فليستفت في المسألة الإمام الصادق والأستاذ كمال الجزولي، فالأول لابد أن يكون قد درس الماركسية ضمن منهج الفلسفة التي درسها في الجامعة فضلاً عن سعة اطلاعه وألمعيته والآخر ماركسي بالميلاد ولا يزال يعض علي سنن الماركسية بالنواجذ، ( ما بدل حبو، أبداً، ما تنكر ليها).

 

مبادرة أبونا الشيخ/ الجزولي المحامي المسماة ( مبادرة اتحاد الدولتين المستقلتين ) والمعروفة اختصاراً ب( آدم )، يبدو أنها اختارت هذا الاسم رمزاً دالاً عليها من أبواب متفرقة، ليس من هذه الأبواب باب المنطق، اللهم إلا باب الفستق، وذلك بغرض القزقزة للتسلية في هذه الأجواء التي تبعث علي النرفزة والدبرسة، أما التفسير التحليلي النفسي الباطني المختلط بشذرات من جدل الماركسية المادي والتاريخي فيرى أن الاسم الرمزي أو الاصطلاحي ربما سبق الفكرة نفسها ثم فصـِّــل الاسم العملي قميصاً علي مقاس الاسم الاصطلاحي وذلك لمسايرة موضة الأبرفيشنات ( الاختصارات ) السائدة في الغرب والأمم المتحدة التي تدلع وتشرعن تدخلاتها بأسماء سمتها هي وسادتها كاليونميد واليونفيل واليونسكوم و( هلم جرا ). وإلا فلا رابط بين هذا الاسم وبين الاستعمال ( الآدمي ) المنطقي، فقد أتت المبادرة إياها، لا بـُــودِر بها، بما لم تأت به أكثر المبادرات لا منطقيةً ونزوعاً الي منطق أكل الكيكة والاحتفاظ بها في آنٍ معاً. فقد جاءت مبادرة عرمان مثلاً ومن ورائه حركته بعرضٍ في إطار الدولة الواحدة لا تفكيكها ثم إعادة تركيبها، أي إن الحركة التي هي من أرباب الفك والتركيب في مجمل الشأن السوداني اليوم أو غداً، لم تدَّع أنها قادرة علي أو تملك حق الفك والتركيب الذي تقترحه مبادرة أبونا ( آدم ) هذه، كما لم يتطاول الحلو ولم يتحالى وهو يقدم مطالبه وليس مبادرته، في إطار ما يتبقى من السودان بعد انفصال الجنوب الذي وصل في رأيه مرحلة اللا عودة.

 

مبادرة ( آدم ) تدعي أنها تحيي وتميت أو تنفخ الروح في ( آدمها ) بعد أن يكون قد مات وشبع موت، فهي تقترح فصل الجنوب دون إضاعة الزمن في انتظار الاستفتاء ربما لظنها أن الفصل لا محالة حاصل، ثم تقترح إعادة اتحاد الدولتين المنفصلتين بشروط تتعامل مع ذلك الاتحاد الجديد بين الدولتين وكأنه تعديلات دستورية أو وزارية أو تغيير عملة في إطار دولة واحدة لم تعرف الانفصال في حياتها يوماً. وبذلك لم تخرج هذه المبادرة من إطار سلة المبادرات والعروض المتهافتة التي عج بها المسرح السياسي مؤخراً والتي تطالب السماح للجنوب بالانفصال مع معاملته من قبل الدولة المنفصل عنها وكأن الانفصال لم يحدث البتة، أي بمنطق المثل الانجليزي أكل الكيكة والاحتفاظ بها في ذات الوقت، هذا المثل الذي يضرب علي استحالة القضاء علي الشيء مع الإبقاء عليه، أو التهامه، ابتلاعه، ازدراده مع الاحتفاظ به كاملاً سالماً من كل شرٍّ وبلية. ولعمري ذاك أمرٌ في القياس بديع كما يقول الشاعر العربي. علي أن المبادرة الآدمية تفوقت في عبثيتها ولا منطقيتها علي سائر العروض والمبادرات بأنها طالبت بنفس مطالب المبادرات الكيكية ( نسبة الي الكيكة المأكولة ) ولكن بعد تفكيك الدولة، مع أن المنطق البسيط يقول: يا ترى كيف ننجح في وصل ما انفصل ونحن لم ننجح في ترقيع الموصول والإبقاء عليه موصولاً، وتحضرني في هذا المقام طرفة العالم النحوي الذي جرى به حصانه من غير إرادته فأراد أن يفرمله بلغة حصين هذا الزمان أو يكبحه بلغة ذلك العصر، فأمسك بعرفه، فإذا بتلاميذه يصيحون عليه بأن يمسك باللجام لا العرف، فأجابهم ببداهته النحوية: ( أمسكت بالمتصل فلم يقف، فكيف بالمنفصل!! )، ويبدو أن تسارع الزمن بسرعة أكثر من قوة أربعين حصاناً امريكياً وزلزال الجنوب قد أذهل المبادرين بهذه المبادرة عن كل منطق، فجعلهم لا يعرفون بم يكبحون حصان الأحداث ويهدؤون من سرعته الي درجة أنهم آثروا إطلاق العنان للحصان حتي يلقي بهم وبنفسه في البحر ثم يتفاوضان، هم والحصان، في كيفية الخروج من أعماق البحر، سباحةً، أم صياحاً في طلب النجدة، أم تعلقاً بقشة قد تصادفهما أو لا تصادفهما، ويحلهم الحلاَّل!!!. لذلك يبدو أن المطالبين بإبقاء حقوق المواطنة للمواطنين في كلا الدولتين مع التسليم بالانفصال أمر غاية في المنطق ويمكن الأخذ منه والرد عليه، وهو بالذات من أشد الأمور إلحاحاً علي جدول أعمال الدولتين بعد الانفصال، حيث لابد لهما ولا مناص من البحث عن كل ما يوطد أفضل علاقات الجوار بينهما وبالتالي التعامل بالحريات الأربع والجنسية المزدوجة بينهما تعاملاً جاذباً، قد يؤدي في نهاية المطاف وعند ارتفاع مستوى الوعي لدى شعبي أو حكومتي البلدين الي إعادة الاتحاد بينهما، إن وجد لذلك الاتحاد مكان في جنة ( آدم ) التي تأمر المبادرة كلا الطرفين بالهبوط منها اضطرارياً قبل حلول موعد الهبوط الطبيعي والسلس ( السوفت لاندنغ ) عند الاستفتاء.

 



© Copyright by sudaneseonline.com