From sudaneseonline.com

بقلم :صلاح شكوكو
العقل السليم/صلاح شكوكو
By
Dec 28, 2010, 00:38

العقل السليم

                 (صلاح شكوكو)

 

كانت الرياضة في حياة الناس نوعا من اللهو البريء كما أنها تمارس للتقوية والمرونة والخلق القويم.. خاصة الرياضة التنافسية التي تعمل على تهذيب النفس عند النصر والخسارة.. إدراكا بأن النصر والهزيمة محطات تدور في الرياضة في تواليات ودورات مستمرة.

 

وقديما قيل أن (العقل السليم في الجسم السليم) وكأن الرياضة كانت أصلا من أجل تقوية الجسوم وللمحافظة على سلوك قويم متوازن وعقل أكثر سلامة وتوقدا.. لكن الرياضة قد تحولت من ممارسة لكل الناس الى رياضة تنافسية يكون المناصرين فيها أكثر عددا من الممارسين لها.

 

حيث حول التنافس فيها الناس الى جماعات (متطرفة) في المناصرة وهم في فجاج بلد واحد.. فبدلا من المحبة والوئام نجد البغضاء والخصام.. وأصبح  الناس فرقانا وجماعات وألوانا وكلٌ يغني على ليلاه.

 

لا ضير في أن يكون لكل شخص لون يناصره ويحبه، لكن أن تحب ناديا معينا يجب أن لا يكون مدعاة لكراهية الآخر لمجرد أنه ينافسك في المجال الرياضي.. بينما المنطق يقول أن النادي الذي أناصره لا يكون قويا إلا بقوة خصمي.

 

وحتى وإن انتصرت عليه فإن هذا النصر يكون نصرا معنويا.. وبناءا على ذلك سيمنح النادي الفائز (كأسا) ربما تكون من (مادة لا قيمة لها) لكن القيمة الحقيقية تكمن في التفوق المعنوي والصدارة.. والتي هي  في خاتمة المطاف تكون قيمة نسبية وليست مطلقة.

 

لأن البطل في بلد معين قد لا يكون بقوة بطل آخر في بلد آخر.. وقد لا يقوى هذا البطل على تحقيق نتيجة مقنعة في أي تنافس خارجي رغم أننا نتقاتل ونتحزّب ونتطرف في مناصرته.. بل أننا في أحايين كثيرة نستعين بكل عبارات السباب والشتم والتبخيس ورمي الآخرين بالباطل وننسج الأقاويل والأباطيل والأكاذيب للطرف الآخر بقصد التقليل من مكانته وشأنه.

 

كما أننا يمكن أن نجد أيضا مثل هؤلاء حتى بين الذين يعيشون خارج أحضان الوطن باعتبار أن هذا اللون من المناصرة يحقق لهم نوعا من التوازن النفسي الذي يعانون منه في أحضان غربتهم.. بل تعتبر هذه المناصرة بعض سلوى لهم ليجدوا فيها شيئا من الانتماء المفقود.

 

لكن المتتبع لهذا الأمر بنوع من الحذاقة والتبصرة والتأمل الواعي يجد أن الكثيرين من هؤلاء (المتطرفين) وغيرهم هم في حقيقة الأمر قوم تحركهم أدوات الإعلام المختلفة.. يميلون معها نحو اليمين تارة ونحو اليسار تارة أخرى تماما كالدمى.. وهم لا يملكون من الأمر شيئا بل لا يشعرون لأنهم مغيبون في غيبوبة الوهم.

 

ولو أنهم عقلوا الأمر وأدركوا أن الأمر كله نوع من اللهو البريء الذي لا يتطلب هذه الحمية والمشقة والعنت الذي هم فيه.. لتقبلوا الأمر ببساطة وجه وأدركوا كنه الرياضة وأهدافها السامية التي تقوم على المحبة وسماحة النفس وإشاعة الوئام.

 

ولعلنا نجد في المقولة الشهيرة (خلي روحك رياضية) أبلغ إشارات لقيم الرياضة وما تدعو إليه من المحبة والسمو.. حيث أن هذه المقولة يمكن أن تكون ميزانا يقيس مدى بعدنا عن الأهداف والمرامي التى حاد الكثيرون عنها.

 

لكننا ورغم كل ما قلناه فإننا لا ندعوا الى الحجر على ميول الناس لأن الميل نوع من الاختيار الواعي.. وهو نوع من المزاج الإنساني العام  والتذوق الوجداني الجميل.

 

لكننا في ذات الأوان لا نريد أن يستغرق هذا الوضع بؤرة تفكير الجماعة والفرد وأن يتحول الناس من رياضيين الى جماعة من الغوغاء تنعق عند كل محفل بمجرد أن يكون الصراع صراعا للألوان.

 

لأن هذا الصراع الواهم مهما كان لونه فهو صراع بين الأشقاء الذين هم في بلد واحد وما يجمع بينهم أكبر بكثير مما يمكن أن يفرق بينهم وأن الرياضة بأي حال من الأحوال لا يمكن أن تكون سببا لهذه الحمية التي تقود الى هذه الفرقة وهذا العداء والكم الهائل من البغضاء.

 

والغريب أن هذه الحمية وهذا التطرف الرياضي قد حجب الأعين في أحايين كثيرة عن الهم الوطني الأكبر بإعتبار أن الوطن هو الهم الكبير الذي كان ينبغي أن تذوب فيه الولاءات الضيقة ليصبح الولاء للوطن أولا.

 

صحيح أن هذه الحمية موجودة في كثير من الدول حولنا.. لكن وجودها في أماكن أخرى لا يجعلها سلوكا قويما.. أو فعلا يمكن تبريره.. حتى هذه الدول التي نستشهد بها في أحايين كثيرة هي دول يموت فيها الولاء الضيق أمام الهم الوطني الكبير.

 

لكن التصويب نحو التعصب يعالج أمر الوطنية بصورة تلقائية لأن (التعصب الأعمى) يحجب عنا رؤية المعاني الرياضية السامية بأهدافها ومراميها التي تدعوا لتقديم الوطن وإشاعة المحبة والإخاء.. والتي أضحت قضية أخلاق وسلوك.. وفي ذلك يقول الشاعر :-

 

صلاحُ أمرك  للأخلاق مرجعه..  فـقوّم النفس بالأخلاق تستقم

 

لكن المسؤولية الحقيقية تقع على عاتق بعض الإعلاميين الذين شوهوا الممارسة وأفرغوها من مضمونها بقصد أو دنما قصد وحولوها الى لون من الهوس المحموم الذي إنتهى الى بروز جيل من المهجنين عدائيا، ليمارسوا لونا من البغضاء والكره وضيق الأفق.. فأفسدوا البيئة والممارسة .

............
ملء السنابل تنحني ببتواضع ... والفارغات رؤوسهن شوامخ
............
صلاح محمد عبدالدائم ( شكوكو(

[email protected]

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com