From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
«الرامبو» السوداني /حسين شبكشي
By
Dec 27, 2010, 20:40

«الرامبو» السوداني!

حسين شبكشي

 

"الشرق الأوسط"

عندما ظهرت شخصية «رامبو» على شاشات السينما في هوليوود كان ذلك بمثابة إعلان عن فكرة بطل أسطوري خارق يوظف سياسيا في فترة ريغان الرئيس الأميركي الأسبق في حربه على الشيوعية والسوفيات. ويبدو أن هذه الشخصية قد تركت الأثر الكبير على الكثيرين حول العالم، وقد يكون السودان مكانا للبعض منهم. الساسة في السودان يحاولون أن يكونوا ذلك «الرامبو» المنشود. فمنذ وصول الرئيس السوداني للحكم وهو يحاول أن يكون تلك الشخصية المنقذة القوية أمام مصر وليبيا وتشاد وإريتريا وإثيوبيا وأوغندا، يصارع على كل الجبهات مغفلا الجبهة الداخلية التي كانت تزداد تعقيدا وتتفتت، وكان يروج للعالم عموما وللسودانيين تحديدا أنه هو المقصود بكل هذه الحملات وأنه هو السودان والسودان هو، «فشخصن» المسألة وتغاضى عن الأهم وهو مشروع الوحدة الوطنية، وكذلك كان حسن الترابي «رامبو» الأسلمة بآرائه الغريبة وتبريراته الأغرب وتحول رفيق درب الأمس وصانع الحكم إلى عدو اليوم ولم يعد له مكان ويستمر في محاولة إيجاد دور لفكره ولكن بعد فوات الأوان.

حتى زعيم الحراك الجنوبي والمطالب بالانفصال عن السودان نائب الرئيس الحالي سيلفا كير هو الآخر تحول إلى «رامبو» جديد؛ فهو الآن يصرح علنا بالانفصال ويعد له العدة (وهو مطلب لم يعلن عنه قط من قبل «أبو الجنوب» جون قرنق، الذي كان دوما يطالب بحقوق الجنوبيين ولكن ضمن دولة واحدة) وهو بذلك يخرج عن فكر زعيمه ويشذ عنه. ودارفور وحركة العدل والمساواة هي الأخرى لها رامبو وكذلك الحراك في شرق السودان والنوبة، كل له «رامبو» الخاص به، جميعهم انفتحت شهيتهم فجأة. حتى الجارة الكبرى مصر اليوم تجد نفسها في حرج بالغ، فهي التي في يوم من الأيام أقرت ووافقت على قرار فصل السودان عنها وباركت استقلاله تواجه اليوم موقفا مشابها وهي ترى نفس المطالبة من أبناء الجنوب دون أن تؤيدها لنفس الأسباب.

الديمقراطية السودانية التي كان من المفترض أن تولد من رحم فترة الاستقلال بقيادة بطل الفترة الرئيس «الأزهري» تحولت إلى كوابيس متتالية مع حكم العسكر الذي كرس الاستبداد والطبقية واللعب بأوراق الحكم بالشريعة الإسلامية (كما صرح مؤخرا الرئيس البشير بأنه سيحكم بالشريعة في حالة التصويت بالانفصال وكأن الشريعة والحكم بها تحولت إلى سلاح تهديد!). فجوة هائلة تصف تاريخ السودان الحديث من الأزهري بطل الاستقلال إلى البشير رمز الانفصال.

كثيرون كانوا يبحثون عن البطولات وعن الأمجاد الشخصية وقليلون كانوا حريصين على السودان ككتلة واحدة. ولعل عنوان كتاب وزير خارجية السودان الأسبق أيام حكم الرئيس النميري والذي تحول إلى مستشار سياسي للحراك الجنوبي بزعامة جون قرنق، الدكتور منصور خالد «النفق المظلم» يصف بدقة حال السودان اليوم. السودان الذي أنجب أدباء عمالقة بحجم الطيب صالح والهادي آدم في الشعر وفنانين مثل سيد خليفة والبلابل ومحمد وردي وإبراهيم خان وسعيد حامد ورياضيين بارعين أمثال علي قاقارين ومصطفى النقر ومعتمد خوجلي ورجال أعمال بقامة محمد إبراهيم الذي أطلق جائزة مهمة للحكم الرشيد لقادة أفريقيا مستفيدا من ثروته التي جناها من عمله المتألق في مجال الاتصالات.

اليوم لم يعد السودان قادرا على إنجاب مواهب وأمثلة من هذا الوزن، فقط حفنة من الرامبوهات التي لم يجن منها السودان إلا البلاء والخراب. السودان بلد خير وأهله قد يكونون أطيب العرب بلا جدال لما عرف عنهم من دماثة الخلق والرضا والأمانة، إلا أن ظاهرة الرامبو السياسي دمرت السودان أمناً وجغرافيا!



© Copyright by sudaneseonline.com