From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
فقه المقاصد ووحدة السودان/ د. جمال ادريس الكنين
By
Dec 27, 2010, 18:06

                                 فقه المقاصد ووحدة السودان

هل كتب علينا الاستسلام التام لامر الانفصال بانه واقع لا محالة,؟ فانسدت المسالك وانبهمت السبل لايجاد اي طريقه للحفاظ على وحدة السودان ! ام هنالك امكانيه للاجتهاد واعمال العقل والمنطق وتوخي المصلحه ودفع الضرر .  فما بين الممكن والمستحيل  تكمن إرادة الانسان .إن تظاهر المؤتمر الوطني بالحرص علي الوحدة لايجدي وهذيان الاعلام الحكومي ومخاطبته لنفسه بأمر الوحدة لا يفيد . فالزبد يذهب جفاء ويمكث في الارض ما ينفع الناس .

وما ينفع الناس هو التفكير والعمل بصدق وجدية ومسئولية للحفاظ علي وحدة السودان وتلافي الانشطار والتفتيت .وعواقب الانفصال.ان أي مواطن راشد وعاقل لا يري في الانفصال الا ضررا كبيرا ومفسدة خطيرة علي حياة الناس .فقيادة المؤتمر الوطني تخادع الناس حينما تدعي ان السودان سيكون بخير ولن يحدث انهيار بل سيكون افضل. وما يخدعون الا انفسهم . وماهو هذا الانهيار غير  شقاء الناس في معاشهم وتعاسة حياتهم , فالبلد معظم مواردها الحالية ,وربع مواردها البشرية  وثلث مواردها الطبيعية ذاهبة, فكيف يكون الانهيار وكيف تكون الكارثة ؟.وهل يمكن إنكار ضوء الشمس من رمد, أومحاولة تغطيتها بأصبع.

كل الشعب السوداني سيشقي بهذا الامر, وهنالك أكثر من عشرة مليون سوداني في المناطق الحدودية سيتاثرون مباشرة بهذا الانشطار الكبير والخطير علي حياتهم ,

إن المؤتمر الوطني هو المسئول الاول والاخير عن هذه الكارثة ولن يفيده شئ مهما حاول ان يتحدث عن مؤامرات من شركائه في الداخل أو أطراف خارجية تسعي لفصل جنوب السودان .

 فكل الساعين لانفصال الجنوب داخل الحركة الشعبية وخارجها ما إمتلأت أشرعتهم إلا بسياسات المؤتمر الوطني وقوانينه وبرنامجه الذي يسير عليه وسلوكه بعد إتفاقية السلام .

إن أول مداميك الانفصال تم وضعها حينما أصر المؤتمر الوطني علي برنامجه وسياساته التي يدعي فيها تطبيق الشريعة ورفض حلول الايقاد الداعية الي إقامة نظام ديمقراطي تعددي في إطار دستور مدني ديمقراطي يتمتع فيه كل السودانيين بحقوق مواطنة متساوية وكاملة .

لكن مع إصرار المؤتمر الوطني وغفلته ثم تمرير الاجندة الانفصالية بما سمي حل النظامين في دولة واحدة, وجاء أهل المؤتمر الوطني فرحين ومهللين بأنهم إحتفظوا بالشريعة في الشمال . أين هي الشريعة؟؟ إن ما يحدث من عشرين عام لاعلاقة له  بالشريعة ولا بالدين ولا بالاخلاق ولا بالوطنية .

كان من نتيجة تطبيق  النظامين في دولة واحدة إرتحال البنوك السودانية من الجنوب بدعوي أنها لا تعمل بالفائدة وتركت الجنوب للبنوك الاجنبية. وضاعت دعوات الحادبين علي وحدة السودان ادراج الرياح حينما طالبوا المؤتمر الوطني علي الاقل بان يكون النظام المصرفي بنافذتين , نافذة بنظام الفائدة ونافذة بدون فائدة حتي يتم الحفاظ علي جانب مهم من موجبات الوحدة, وهو وحدة النظام المصرفي والمالي .

                                                 1

 كذلك القوانين التي وضعها المؤتمر الوطني كلها تتعارض مع الدستور ومع المواثيق الدولية وكان للقانون الجنائي وقانون النظام العام القدح المعلي في مطاردة المواطنين وإهانتهم وإزلالهم وخاصة النساء منهم . هذه القوانين نفرت الناس ووسعت الفجوة بين المواطنين وإحساسهم بالمواطنة . وتشوهت صورة الاسلام  وخسر الشمال ثقة الجنوب .  إن الانفصاليين في الجنوب وجدوا في كل هذه الامور المبرر الموضوعي للإقتناع وإقناع الآخرين بأن يصوتوا لصالح الانفصال ليكونوا مواطنين درجة أولي بدلاً من أن يكونوا مواطنين من الدرجة الثانية في دولة المؤتمر الوطني.

 بالرغم من يأس أهل المؤتمر الوطني واستسلامهم لامر الانفصال, نقدم نصيحتنا بمنعرج اللوي ونرجوا أن يستبينوا النصح قبل ضحي الغد.

 إننا نري ضوءاً آخر النفق لو تحلي أهل المؤتمر الوطني  بالشجاعة والمسئولية وندعوا الرئيس شخصياً ليتفكر ويتدبر هذا الامر لأنه المسئول الاول أمام الله والشعب وأمام التاريخ . فالذات فانية لا محاله ويبقي منها العمل الصالح للناس .فالاوطان باقية إلي أن يرث الله الارض وما عليها, أما الأفراد فزائلون وذاهبون إلي حساب يوم فيه  لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه "

إننا اذ نؤكد رفضنا ومعارضتنا لحكم المؤتمر الوطني وبرنامجه السياسي وسياسته الاقتصاديه وتصوراته وفهمه للشريعه وتطبيقاتها.  نود أن نخاطبه بمرجعيته التي يدعي فيها تطبيق الشريعة ان كان بالحق أو بالباطل  .

اننا ندعوهم أن يستنطقوا عقولهم,يتأملوا و يتفكروا فيما حولهم ويتدبروا أمرهم ليروا اين صلاح البلد واين فسادها " من  عمل  صالحا من ذكر اوانثي وهو مؤمن ,فلنحيينه حياة طيبة, ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون " النحل 96.

فقه المقاصد:

إننا ندعوكم يا أهل المؤتمر الوطني لإعمال العقل في فقه المقاصد. وفقه المقاصد هو العلم الذي وضعه العلماء  ليوفقوا بين الاحكام ومقاصدها, حتي لا ينشغل الناس بالاحكام, وينسوا المقاصد والغايات من وضع الاحكام نفسها .ولمراعاة الاولويات وقياس الامور بنتائجها, والتمييز بين الكليات والجزءيات. أي الاهتمام بالنظرة الكلية وليس النظرة الجزئية والناقصه . ان فقه المقاصد هو منهج للاستنباط .

تعريف المقاصد :

المقاصد في اللغه جمع مقصد وهو الطلب أو ارادة تحقيق الشئ. زكر ابوحامد الغزالي ان القصد والنيه والاراده معناها واحد . والمقاصد هنا معني بها مقاصد الشريعة.

*والمقاصد عند الغزالي: تعني المصلحه والمحافظه على مقصود الشرع في الخلق ان يحفظ عليهم دينهم ونفسهم وعقلهم ونسلهم ومالهم .

                                               2

*وعند الشيخ ابن عاشور: ان الاحكام ليست هي المقاصد ,بل المقاصد هي العلل الغائيه وهي اسبق من كل شئ عداها .ويجب التفريق بين المقاصد والعلل والاحكام . ولا معني لأحكام ان لم تسوق الي غاياتها أي مقاصدها.

*عرف الدكتور احمد الريسوني: المقاصد بانها الغايات التي وضعت الشريعه لاجل تحقيقها لمصلحة العباد سواء كان ذلك بجلب المنفعه او دفع مفسده فمقاصد الشارع هي تحقيق المصالح ودفع المفاسد ونفي الضرر ورفعه وقطعه .

*ابن القيم: يقول(الشريعه مبناها واساسها على مصالح العباد في المعاش والمعاد .وهي عدل كلها, رحمة كلها, حكمة كلها, ومصالح كلها .

اجمع العلماء ان مقاصد الشريعه المراد منها::

1/الكليات الشرعيه الخمس (حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال).

2/نفي الضرر ورفعه وقطعه.

3/علل الاحكام الفقهيه.

4/مطلق المصلحه سواء كانت جلب منفعه او درء مفسده.

انواع المقاصد::

قسم العلماء المقاصد الى مقاصد عامه ومقاصد خاصه ومقاصد جزئيه

1/المقاصد العامه.: هي المقاصد من قبل الشرع في جميع ماورد من احكام مثل حفظ الضرورات الخمس (الكليات الشرعيه الخمس)ورعاية المصالح واقامة العدل بين الناس واحترام الكرامه الانسانيه والحرية والسماحة والتيسير.

 ذكر علال الفاسي : -ان المقصد العام للشريعه هو عمارة الارض وحفظ نظام التعايش واستمرار صلاحها بصلاح المستخلفين وقيامهم بما كلفوا به من عدل واستقامه ومن صلاح في العقل وفي العمل, واصلاح الارض واستنباط خيراتها وتدبير منافع الناس .

وعند ابن عاشور: ان المقاصد العامه للشريعه, حفظ النظام وجلب المصالح ودرء المفاسد واقامة المساواة بين الناس .

2/المقاصد الخاصه :- لاحكام الاسره(الاحوال الاشخصية )، احكام المال والتجارة ، أحكام العقوبات .

3/ المقاصد الجزئية:مقصد الشارع من احكام الافراد مثل الحج والصوم والصلاه والوضوء.

                                                 3

انواع المقاصد من حيث الحاجه:

1/المقاصد الضروريه وهي الكليات او الضرورات الخمس.

2/ المقاصد الحاجية , للتوسع.

3/المقاصد التحسينيه, للتيسير ورفع الحرج.

 الضروريات والحاجيات والتحسينات يمكن التوسع فيها حسب المكان والزمان .لان اثر المقاصد يظهر في تنزيل الاحكام على الواقع حيث تتغير بتغير الزمان والمكان ولولا المقاصد ما تغير الحكم لتغير المكان والزمان. وشدد العلماء على ضرورة ربط الاحكام بالمقاصد لان الشارع ربط العله  بالمعلول. ومقصد الشرع يعرف بالملاحظه والتفكير, والموازنات وترتيب الاولويات والقياسات. يقول الجويني :(لا ابتدع ولا اخترع شيئا بل الاحظ وضع الشرع واستثير معنى ما اراه واتحراه).ان المقاصد امر مقطوع به عند اهل العلم لتحقيق مصالح العباد في الدنيا والاخره.

الشيخ يوسف القرضاوي:-

يعرف الشيخ القرضاوي فقه المقاصد بانه: فقه جديد يقوم على ترتيب المسببات على اسبابها  والمعلولات علي علاتها. ويشمل الفقه الجديد :

1/ فقه المقاصد:( مقاصد الشريعه واهدافها من احكامها الجزئيه .

2/ فقه المآلات:  يعنى بالأثار والنتائج التي ترتبت على الاحكام الجزئيه .

3/فقه  الموازنه: يعنى بالموازنه بين الحسنات والسيئات او بين الوصالح والمفاسد..بين المصالح بعضها وبعض. وبين المفاسد بعضها  ببعض. وبين المصالح والمفاسد اذا تعارضت .

4/ فقه الاولويات :وضع كل تكليف شرعي موضعه ومنزلته فلا يصغر الكبير ولايكبر الصغير, ولا يؤخر المقدم ولا يقدم المتأخر .

5/  فقه الاختلاف : بحيث تتعدد الاراء وتختلف الاجتهادات .

دعا الشيخ القرضاوي  للتوسع في المقاصد, فبالاضافة للمقاصد الكلية الخمس  يمكن استنباط مقاصد أوسع من خلال الآتي:

1.     تنبع النصوص في القران والسنه لنعرف منها مقاصد الاسلام واهدافه .

2.     إستقراء الاحكام الجزئية وتتبعها للوصول للمقاصد الكلية كما عند الغزالي والشاطبي والقرافي والامام مالك الذي توسع فيها أكثر .

 

                                    4

 

بداية فقه المقاصد :.

مسيرة فقه المقاصد بدأت خطواتها بعد وفاة الرسول "ص" بالقياس والرأي والاجتهاد. فأول واشهر من توسع في القياس والاجتهاد هو عمر الفاروق, فقد اعتبر" ان النصوص التشريعية معلولة بعلل مقصودة, فإذا ذالت منها  هذه العلل اقتضي ذلك ذوال حكمها " حدث ذلك حينما منع حق المؤلفة قلوبهم من أموال الفي والغنيمة. وتعطيله لحد السرقة في عام الرمادة "

إن عمليتي القياس والرأي أثمرتا ما دعاه ابوحنيفة " الاستحسان " ثم تطور الاستحسان لدي المالكية الي المصالح المرسلة, فالامام مالك أكثر من توسع في مفهوم المقاصد والمصالح المرسلة وسد الزرائع .ثم ابتدع وأسس الامام الشاطبي فقه المقاصد, اذ هو عنده الوجه الثاني و المعني الآخر للمصالح المرسلة, والاجماع ينعقد علي أن مقاصد الشرع هي تحقيق مصالح العباد في الدارين.

·        الامام الشاطبي :.

 تأسس علم فقه المقاصد علي يدي الامام الشاطبي في كتابه " الموافقات " الذي وضعه لتبيان توافق التكاليف والاحكام الشرعية مع المصالح و المقاصد.  

·        تعريف الشاطبي للمقاصد :- هو ما تحفظ به مصلحة الانسان في  الدين والدنيا .

·        مفهوم المصلحة عند الشاطبي :: يأخذ مفهوم المصلحة موقع المركز في نظرية المقاصد إذ يعتبر" وضع  الشرائع "  إنما هو لمصالح العباد  في العاجل والآجل . وهذه الدعوة لابد من قيام البرهان عليها صحة وفساد ا .والشاطبي عرف المصلحة ب" أعني بالمصالح مايرجع الي قيام حياة الانسان وتمام عيشه ونيله ما تقتضيه أوصافه الشهوانية والعقلية علي الاطلاق حتي يكون منعماً علي الاطلاق ".  وجاء في حديث الشاطبي ايضاً "إتفقت الامة بل سائر الملل علي أن الشريعة وضعت للمحافظة علي الضروريات الخمسة وهي الدين والنفس والعقل والمال والنسل وعلمها عند الامة كالضروري ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه,  بل علمت ملاءمتها الشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد "

وترجع تكاليف الشريعة الي حفظ مقاصدها في الخلق وهذه المقاصد لا تعدو ثلاثة أقسام :.

1/ ضرورية  2/ حاجية   3/ تحسينية

 ولابد من اعتبار الموافقة لقصد الشارع لأن المصالح إنما اعتبرت مصالح من حيث وضعها الشارع كذلك.

                                                5

 والشاطبي قسم المصالح إلي ثلاثة درجات ::: " التحسينية مكملة للحاجية ولا تعود عليها بالابطال,  والحاجية مكملة للضرورية ولا تعود عليها بالابطال, لأن المحافظة علي الاصل أولي من المحافظة علي التكملة "

القواعد العامة للمقاصد عند الامام الشاطبي ::

1.     الاحكام والشرائع لمصالح العباد في العاجل والآجل .

2.     الضروريات تقوم بها مصالح الدين والدنيا, بحيث لو فقدت لم تكن مصالح الدنيا علي استقامة, وفي الآخرة خسران مبين .

3.     كلما عظمت المفسدة يكون التوسع في سد زريعتها .

4.      أعظم المصالح جريان الامور الضرورية, وأعظم المفاسد ما يجر الي الاخلال بها .

5.     درء المفاسد أولي من جلب المصالح .

6.     حاكمية المقاصد وحاكمية النص. ( تكاليف الشرع ترجع إلي حفظ مقاصدها التي هي مصالح العباد, بالاستنباط والاستقراء المعنوي والنظر في أدلة الشريعة الكلية والجزئية)

7.     خلق الدنيا مبني علي بذل النعم للعباد وليشكروا الله عليها .

8.     الاصل في الاحكام الشرعية الاعتدال  والتوسط .

9.     فردية المقاصد- فالشاطبي يري مقصد الشرع في حفظ الضرورات والكليات الخمس علي اساس فردي, لأن الحساب علي اساس فردي .

الكشف عن المقاصد :

كيف يعرف ما هو مقصد مما ليس بمقصد؟

عامة الفقهاء عرفوا المسالك للكشف علي المقاصد

أ‌.        الإعتماد علي ظواهر النص وحدها .

ب‌.   منهج التأويل .

ت‌.   منهج يوازي بين النص والمعني.

الاسس التي يستند عليها الشاطبي في الكشف عن المقاصد .

1/ معرفة المقصد الالهي من مجرد الامر والنهي  الوارد في النص .

2/ العلة في الامر والنهي ,

3/ التمييز بين المقاصد الاصلية والمقاصد التابعة, إذ لكل حكم مقصد أصل ومقصد تابع .

4/ التمييز بين المقاصد الضرورية والحاجية والتحسينية .

5/ التمييز بين المقاصد العامة والخاصة والجزئية.

                                               6

تجدر الاشارة أن الامام الشاطبي كان في الاندلس حين وضع كتابه "الموافقات " وكانت الاندلس تعيش أزمتها التاريخية وتعاني من الانهيار والتفكك الوشيك .وكان بوضعه للكتاب يرجوا من اهل زمانه وخاصة الحكام الاهتمام بجوهر مقاصد الشريعة بدل التمسك الشكلي بالأحكام والتكاليف ومفارقة المقاصد ..

بعد هذا الشرح المطول نتقدم بنصيحتنا للمؤتمر الوطني ونرجوا الا تكون الاذن صماء والقلوب غلفاء ونأمل أن تلقى نصيحتنا اذن صاغيه وعقول واعيه,ان كان في العقل بقية. ماذال بالامكان برغم رفع الرايه البيضاء من قبل المؤتمر الوطني, العثور على مخرج لو توفرت الارادة والشجاعة والمسوؤلية . فما بين الممكن والمستحيل تكمن ارادة الانسان.

 اننا ندعو ببساطه الى اعمال العقل بمنهج فقه المقاصد’ لنتحرى المصلحة ونجلبها والمفسدة وندرئها والضرر لنفيه ورفعه. ويتم اعمال فقه المقاصد في كل منافع تعود على الناس بخير متحقق ضمن وسائل مشروعه ومقبولة. وتعطي المقاصد مجالا رحبا لعمارة الارض التى كلف الله عباده بعمارتها بالصالح العام والخير ونفع الناس ونشر الايمان والعدل والاحسان. اننا ندعوا للاهتمام والتركيز على  المقاصد العامه والكليه وتحقيقها ورفع ماهو جزئي وتركه لما هو كلي وعام . فمثلا القانون الجنائي وقانون النظام العام فيهماعقوبات يظن اهل المؤتمر الوطني انها الشريعة. ونحن نقول أنها احكام عقوبات قد تصنف في المقاصد الخاصة فمن اجل المصلحة ورفع الضرر الذي سيعود على البلد بالانفصال,يجب تقديم المقصد العام والضروري والمصلحة العامة في حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل علي المقصد الخاص لأحكام العقوبات.  فالقوانبن وتطبيقاتها هي التي تشعر المواطنين بانهم مواطنين من الدرجه التانيه والثالثة فالمشكله الاساسيه هنا. وليست في نصيب البترول .

اننا ندعوا كل من يخاف الله حقيقة, ويبتغي مرضاته سبحانه وتعالي ويتظاهر بالتمسك بالشريعه كما يتصورها ان يتوخاها في النظر الى مايصلح الناس باتباع المقاصد العامه للشريعه الاسلاميه ويتامل النصوص والمقصود منها .

" ان الله يأمر بالعدل والاحسان وايتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "  هذا النص من الاصول ومن الايات المحكمات فيها امرا قاطعا باعظم القيم والمبادئ في الاسلام وهي العدل والاحسان وبذل المال والانفاق وكذلك النهي القاطع عن كل ماهو فاحش من عمل وقول وثراء وكل منكر وبغي. والبغي هو الظلم والتعدي على حقوق الناس .و العدل والاحسان من اسس الاجتماع الانساني .

هذا النص وغيره من النصوص الاخرى من الادله الشرعيه البينه على المقاصد العامه والكليه التي يجب التوسع فيها والاهتمام بها لو كان هنالك من يتقي الله حقا في هذا الشعب ويرجوا وينتظر مرضات الله.

 "ان الله يأمركم ان تؤدوا الامانات الى اهلها واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل" النساء( 5)    

                                         7

ان الامر هنا واضح بان نؤدي الامانات الى اهلها ان كانت في الحكم بالرجوع والنزول الى رغبة الناس بالاختيار الحر والنزيه ورد الامانات الى اهلها بحفظ المال العام وقضاء حوائج الناس من ضرورات الحياه ولوازمها فالامانات هنا تشمل الافراد والجماعات. والحكم بالعدل بين الناس من اوجب مقاصد واهداف الشرع.

محاربة الفساد والمفسدين من اوجب مقاصد واهداف الشريعة" واذا قيل لهم لاتفسدوا في الارض قالوا انما نحن مصلحون, الا انهم هم المفسدون ولكن  لا يشعرون. " البقرة11,12 ان الفاسدين يصفهم الله سبحانه وتعالى ب "اولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا  مهتدين " البقرة16." واذا تولى سعى في الارض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل, والله لا يحب الفساد .واذا قيل له اتقي الله اخذته العزة بالاثم, فحسبه جهنم ولبئس المهاد"البقرة205,206

ويأمرنا الله بان لا ناكل اموالنا بيننا بالباطل"ولا تاكلوا اموالكم بينكم بالباطل " البقره(188) وامر الله بتوزيع الثروة بين الناس بالعدل وان لا يكون المال عند قلة من الاغنياء "كي لا يكون دولة بين الاغنياء منكم " الحشر(6)ان من اهم مقاصد الشرع توزيع الثروه بالعدل وتوفير الاجور الكافيه والمجزيه والخدمات الاساسيه من مياه وتعليم وصحه وامن .

ان تحقيق الكفايه وسد حاجات الناس اولى من وضع القوانبن العقابيه فلنتأسي بعمر ابن الخطاب حينما سأل احد ولاته "ماذا تفعل لو جاءك سارق؟ فقال الوالي اقطع يده ,قال عمر ان جائني منهم جائع او متعطل فسوف اقطع يدك , ان الله سبحانه وتعالى استخلفنا على عباده لنسد جوعتهم ونستر عورتهم ونأمن حرفتهم فاذا اعطيناهم هذه النعم تقاضيناهم  شكرها.. ياهذا ان الله خلق الايدي لتعمل فان لم تجد في الطاعة عملا التمست في المعصيه اعمالا, فاشغلها بالطاعه قبل ان تشغلك بالمعصيه ".

 "في اموالهم حق معلوم للسائل والمحروم " المعارج(4).دعوة لتوزيع الثروات . ان الكرامه الانسانيه والحفاظ عليها جاءت في نصوص واضحه " ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم ممن خلقنا تفضيلا" الاسراء (70) وذكر الله من صفات المؤمنين " والذين هم لاماناتهم وعهدهم راعون " المؤمنون(8). تأملوا هذه النصوص اليست اولى بالاتباع لكل من يرجوا لقاء الله بقلب سليم .

 ان مقاصد الشرع التيسير والتوسط والاعتدال والنهي عن التسلط على رقاب الناس بدعوي الحفاظ على الدين او تمكين الدين " ولو شاء ربك لآمن من في الارض كلهم جميعا افأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين, وما كان لنفس ان تؤمن الا باذن الله"يونس99,100  ." لااكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ".البقرة256. "أفلم ييأس الذين آمنو أن لويشاءالله لهدى الناس جميعا"الرعد31. "يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات" فاطر (8). "ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء " البقره (272) " انك لا تهدي من احببت ولكن الله يهدي من يشاء" القصص (56) " فانما عليك البلاغ وعلينا الحساب"الرعد40.                      8

 

هذه نصوص وادلة من الشارع تنهي عن التنطع والتشدد والتسلط, وتدعو الى الترفق على

 الناس ودعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة والقدوة الحسنه "ولتكن منكم امة يدعون الى الخير يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر". "وادعوا الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة "

خلاصه هذا الحديث ان المنادين بالشريعه عليهم النظر في مقا صدها العامة والكلية لوكانوا صادقين في دعوتهم. وليهتموا بتحقيق هذه المقاصد  في  حياة الناس بتطبيق مبادئ العدل والحريه والاحسان واحترام الكرامه الانسانيه ومحاربة الفساد والتوزيع العادل للثروات والسهر على سد حاجات الناس واعمار حياتهم وتطويرها ومحاربة الفقر من اجل المحافظه على ضرورات الشريعه الخمسه في حفظ الدين والنفس والعقل والمال والنسل.  بدل ان تكون شريعتهم مجرد وضع قوانين حديه وعقابيه تتحول الى مجردايدلوجيا سياسيه فاشيه لقمع واذلال الناس .وبدل مخافة الله وابتغاء مرضاته, يسود المنكر والبغي والعدوان والظلم واكل اموال الناس بالباطل, والثراء الحرام والمشبوه وافقار الناس,وانهيار القيم وتخريب الزمم,وتدمير الاقتصاد وتفتيت البلد .

فمن الشريعة أن تردوا الامانات الي أهلها من العمال والمزارعين والموظفين والمعاشيين وكل المتعاقدين معهم, وليس من الشريعة ان يتمتع مئات الدستوريين وكبار الموظفين بعشرات الملايين في الشهرلكل واحد منهم مخصصات وامتيازات "وحاجات تانية".

ومن الشريعة أن تعفو المساجد من قيمة الكهرباء بدل أن تطاردوا النساء والمستضعفين.

ومن الشريعة توفير الحاجات الضرورية للناس بأسعار معقولة بدل هذا الغلاء الطاحن.

 لذلك نؤكد ان المحافظه على وحدة السودان من اوجب واجبات الحفاظ على مقاصد الشريعه في ضروراتها الخمسه لان حفظ الدنيا شرط لحفظ الدين. جاء في "الاقتصاد والاعتقاد" لابو حامد الغزالي " ان نظام الدين لا يحصل الا بنظام الدنيا. فنظام الدين بالمعرفه والعباده لا يتوصل اليهما الا بمعرفة البدن وبقاء الحياة وسلامة قدر الحاجات من الكسوة والمسكن والاقوات والامن, فلا ينتظم الدين الا بتحقيق الامن على هذه المهمات الضرورية. والا  فمن كان جميع اوقاته مستغرقا بحراسة نفسه من سيوف الظلمه وطلب قوته من وجوه الغلبه متي يتفرغ للعلم والعمل وهما وسيلتان الي سعادة الاخرة. فأذن إن نظام الدنيا,, أعني مقادير الحاجة,, شرط لنظام الدين ..

بالانفصال سينفرط نظام الدنيا لملايين البشر وهنلك احتمال كبير لقيام نزاعات وحروب .والضرر واقع لا محالة والمفسدة كبيرة.. لذلك من أجل نفي الضرر ومنعه ودرء المفسدة وسد الذرائع والحفاظ علي المصالح المرسلة ندعوا الرئيس بحكم مسؤليته أمام الله وأمام الشعب وامام التاريخ ان يدعوا الحركة الشعبية وتقديم عرض حقيقي لتسوية تاريخية او تصحيح لمسار الاتفاقية  نتلافي بها الانفصال وهي تقوم بالاتفاق علي الاتي :

                                           9

1.     مراجعة فكرة النظامين في دولة واحدة وجعله نظام واحد لدولة واحدة بتوحيد القوانين ورفع العقوبات الحدية بتعديل القانون الجنائي وإلغاء قانون النظام العام .

2.     النظام المصرفي والمالي توحيده وقيام نظام النافذتين في المصارف وترك الحرية للبنوك وللعملاء لاختيار نظام الفائدة  او بدون فائدة... ففي السعودية ارض الحرمين الشريفين هنالك بنوك عديدة تعمل بنظام النافذتين .

ان السبب الذي جعلكم تقبلون بقروض خارجية فيها فوائد(ربا كما تزعمون) وتقبلون بفوائد أموال الحكومة في بنوك عالمية وتسموها بالمال الخبيث. وتقبلون بدفع فوائد الديون(وتسمونها في الميزانية بتمويل أو تكلفة الديون). لهوأولي من كل هذا ليجعلكم تحاولوا الحفاظ علي وحدة البلد, بتقديم هذا العرض.

هذا الاقتراح ليس بتنازل عن الشريعة كما يتخرص المنافقين والمتنطعين والمتمسحين بالسلطة بل هي دعوة لمنهجية ومقاربة جديدة للشريعة كما تتصورونها الي نظرة اخري من خلال مقاصدها لعل ذلك يحفظ لكم وحدة السودان إن كنتم حقاً حريصين عليها وفي ذلك ايضاً فائدة للشريعة وللاسلام ولحفظ الدين في الارض لو حافظتم عليها موحدة. عسي الله أن يهدي علي أيديكم جزء من البشر الذين هم عليها ان كنتم حقا تهتدون بهدي الدين.. كما ندعوكم ان تتاملوا في نموزج الاسلام الحضاري المتمدن الذي يغري الآخر المتساكن معكم للدخول فيه اذا شاهد اتباعكم حقيقة لمقاصد الاسلام ومبادئه في العدل والانصاف والرحمه والاحسان واحترام الكرامه الانسانيه والصدق والامانه والاستقامه والوفاء بالعهد والاخلاص وسد حاجة الناس الضروريه .

فبدل عن هذه الزهنية البدوية الجاهلة لأمر الدين التي ستفتت السودان. عليكم بتأمل تجربة الاسلام الحضاري المتمدن كما في تركيا وماليزيا وقطر فهي قطعا تعجبكم.

 ولتحفظوا الدين والنفس والنسل والعقل والمال, بالتنميه  والعداله والحريه ومحاربة الفقر وزيادة ميزانية التعليم والصحه والخدمات الاساسيه واحترام الكرامه الانسانيه .ومساواة الناس واحترام آدميتهم وحقوقهم.

انكم تخادعون الله والذين آمنوا وما تخدعون الا انفسكم لو تظنون ان الذي يجري في السودان من عشرين سنه هو شريعه أومقاصدها.. ان حالكم بعد الانفصال سيكون" كالمنبت لا ظهرا ابقى ولا ارضا قطع"  فلم تحققوا أي مقصد للشريعة ولم تحافظوا علي وحدة السودان.

نصحناكم بمنعرج اللوي عسى ان تستبينوا النصح قبل ضحى الغد..

 

 

                                                      د. جمال ادريس الكنين  

                                                      10

   



© Copyright by sudaneseonline.com