From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
دولة الجنوب.. في إنتظار «السماية»!! /فتح الرحمن شبارقة
By
Dec 27, 2010, 00:20

                   دولة الجنوب.. في إنتظار «السماية»!! 

فتح الرحمن شبارقة

رغم خلوها من المغازلة، إلاَّ أن العلاقة المتشاكسة بين المؤتمرالوطني والحركة الشعبية أفضت في نهاية الأمر، إلى احتمالات بميلاد دولة جديدة ستبصر النور - على الأرجح- بعد أن تكمل «التسعة أيام» من الشهر المقبل.

على خلفية ذلك فيما يبدو، تجري هذه الأيام على ذمة مسؤولين كبار في الحركة الشعبية مشاورات مكثفة لإختيار اسم الدولة الوليدة بعد أن إكتمل نموها الداخلي طوال السنوات الخمس الماضية ولم يتبق أمامها سوى «السماية» بعد الخروج إلى العلن.. خروج لن تصرخ المولودة ساعته كما كل المواليد، وإنما سيتقاسمه إنابة عنها الشريكان، وإن لم يكن للسبب ذاته. فمن المؤكد أن الحركة ستطلق صرخات الفرح بمولدها الذي جعلته شرعياً بعد  ان وقع لها الوطني بحضور الشهود على «قسيمة نيفاشا»، بينما سيصرخ الوطني الذي أراد السلام، ولم يرد الإنفصال، ندماً ربما عندما ينظر إلى الدولة الوليدة دونما ملامح واضحة في الجنوب وهو لا يدري ماذا يفعل إزاء ذلك الوضع «أيعترف بها، أم لا؟».

في الجامعة منذ زمان مضى، والى حين قريب، كان بعض الطلاب وبمجرد أن يدخلوا في قصص حب مع زميلاتهم ينخرطون في نقاشات مطولة حول أسماء الأولاد ولون الجدران وغير ذلك من القضايا التي تنتهي - كأغلب العلاقات الجامعية- بإنتهاء مراسم التخريج.

لكن وعي الحركة الشعبية بأهمية إختيار الاسم بعد الإنفصال، أي اسم، لم يكن باكرا كوعي أولئك الطلاب فيما يبدو. فقد إنشغلت عن هذه القضية بقضايا أخرى أهم، أو هكذا كان يعتقد البعض قبل أن يُفصح د. لوكا بيونق وزير رئاسة مجلس الوزراء والقيادي في الحركة إلى أن إختيار اسم للجنوب بعد الإنفصال يمثل إحدى التحديات الموجودة على طاولة الدولة الجديدة.

واعتبر لوكا قضايا العلم واسم الدولة وتغيير اسم الجيش الشعبي واسم الحركة ونظام الحكم، تحديات ستواجه الدولة الجديدة، ونوه إلى أن هنالك تيارات تنادي بحذف اسم السودان نهائياً عن الدولة الجديدة، واقترحت تسميات جديدة كدولة النيل، كوش، اماتونج، وأوضح لوكا حسبما نقلته صحف الخرطوم صبيحة الإثنين الماضي، ان ذلك الخيار يطالب به المتعصبون من الجنوبيين، بينما هناك تيار آخر يرى المواصلة باسم السودان واقترح اسم السودان الجديد وجنوب السودان وتوقع ان تختار الدولة الجديدة اسم جنوب السودان باعتباره توفيقيا ويرضي كل الاطراف.

بعد إختيار النشيد الوطني لدولة الجنوب، فإن خطوة إختيار اسم للدولة الجديدة، تعد متقدمة -على تأخرها- في إتجاه ترتيب أوضاع  ما بعد الإنفصال وتجئ متماشية مع خطوات أخرى أوضح فرزاً «للعيشة» بين شمالي البلاد وجنوبها وهو ما تطلب إطلاق العديد من المسميات الجديدة، مسميات لم يسلم منها حتى لفظ (الإنفصال) نفسه بعد أن تم تغييره على نحو عرفي في الجنوب ليصبح (الإستقلال)!!.

ويرى البعض في إنفصال الجنوب، سانحة يجب إقتناصها لتغيير اسم «السودان» نفسه باسم جديد حتى وإن إختارت الدولة الوليدة أن تسمي نفسها بجنوب السودان، فقد طُرح هذا الأمر في منابر عديدة، دار في بعضها نقاش جاد، فيما تم إبتذال النقاش في أحايين أخرى عندما قيل إن كل ما سيخسره السودان إن عمد إلى تغيير اسمه، هو بعض الأغاني من قبيل «أنا سوداني» وأوراق رسمية، وأخرى مروسة ستنتهي مدة صلاحيتها مع نهاية صلاحية تلك الإغاني ثم تجدد بالاسم الجديد.

الملاحظ أن فكرة البحث على الأقل في إختيار اسم للسودان طرحت في وقت سابق ولم ترتبط حتى بالإنفصال، فيما ربط منتقدوها كل من يتحدث حول هذا الأمر بتجاوز الخطوط الوطنية الحمراء، وربما التشكيك في إنتمائه للسودان الذي يعني اسمه الكثير - ككيانه تماماً بعد أن جرى فيهم مجرى الدم فأصبح لا فكاك منه، وحتى إن أُختير اسم جديد فسيضطر الناس على تعريف أكثر، بالسودان سابقاً.

قريباً من ذلك، كنت قد تحدثت صبيحة أمس الأول الجمعة مع حرم الدكتور حسن الترابي السيدة وصال المهدي لعلمي المسبق بأن لها رأياً مختلفاً نوعاً ما في هذه القضية. وقتها، قالت وصال إن جدها الإمام المهدي لم تكن لديه فكرة عن السودان وحدوده التي رسمها المستعمر فيما بعد، فقد كان يقال إن المهدي حرر الأمة الإسلامية، وأنها كانت تحتج على اسم السودان منذ وقتٍ طويل.

وبعد أن أكدت أنها لا ترحب بالإنفصال، دعت وصال لإغتنام سانحته للجلوس والتفكير في اسم جديد للسودان. وزادت في حديثها لـ «الرأي العام» : (إذا انفصل الجنوب فلابد أن يكون لدينا اسم جديد غير السودان، فنحن عندنا ثقافة عربية إسلامية زنجية ولا نريد أن يصبح اللون الأسود هوية لنا يا ولدي، فبيننا قبائل أِشد عروبة من تلك الموجودة في الجزيرة العربية)!!.

الناظر إلى تاريخ العديد من الدول يلحظ تغيير أسمائها حتى أن مناهج الجغرافيا التي تُدرس في المدارس الأولية كانت متضمنة أسماء دول إنقرضت الآن، أو بالأحرى، إنقرض اسمها ومارست مسيرتها باسم جديد. من ذلك بلاد فارس التي تحولت إلى إيران، فولتا العليا  التي تحولت إلى بوركينا فاسو، ورودسيا الشمالية إلى زامبيا، ورودسيا الجنوبية إلى زيمبابوي  وداهومي إلى بنين وسيام إلى تايلاند وسيلان إلى سيرلانكا وساحل الذهب إلى غانا، والسودان الفرنسي إلى مالي.

تجدر الإشارة هنا، إلى حقيقة يتقاسم التأكيد عليها المؤرخون وعلماء الإجتماع حيث عبر عنها الروائي السوداني العالمي الطيب صالح بهذه الكلمات: «إن هذا الاسم موروث من العهد الإستعماري، فقد أطلق المستعمرون هذا الاسم على كل الرقعة الممتدة من حدود الحبشة شرقاً لغاية بلاد السنغال غرباً، وبقينا نحن نحمل هذه التركة الإستعمارية الجوفاء».

وما ذهب إليه الطيب صالح، إلى جانب دفوعات أخرى، جعلت الدكتور بهاء الدين مكاوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة النيلين فيما يبدو يدعو لإختيار اسم للبلاد يتجاوز الألوان والأشكال ليعبر عن المضامين والقيم والتجارب التاريخية للشعب.

ولم يقترح مكاوي في حديث سابق مع «الرأي العام» اسماً بعينه ليكون بديلاً لاسم السودان المحلي، فقد فضل ترك هذا الأمر للجنة تتكون من علماء في التاريخ وعلم الإجتماع والآثار والسياسة تقوم بإجراء دراسة مستفيضة تؤدي في النهاية لتقديم اسم بعيداً عن الأوصاف التي لا تُقدم ولا توخر - برأيه.

مهما يكن من أمر، فإن فكرة إيجاد اسم جديد لدولة الجنوب يبدو مهضوماً بشيء من العسر في الشمال. لكن تغيير اسم ما تبقى من السودان بعد إنفصال الجنوب يظل مرفوضاً مبدئياً لدى الكثيرين رغم معرفتهم بأن البلاد لا تنسب إلى لون ساكنيها، وأن لا بلاد في العالم  اسمها «البيضان» نسبة إلى بشرة قاطنيها البيض، إلا أن الغالبية فيما يبدو يحبون اسم بلادهم دونما تحفظ، فألفه، ولامه، وسينه وواوه، وداله، وألفه، ونونه تعني الكثير. حتى أنني عندما حاولت النقاش مع أحد السياسيين المثقفين الكبار حول الأمر، قال بكثير من الإقتضاب، ومثل ذلك من الغضب «اسم السودان عاجبنا، وجاري في دمنا، وما بنغيرو، والما عاجبو وعايز ليهو اسم جديد، ممكن يمشي الجنوب»!!.



© Copyright by sudaneseonline.com