From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
الـ سي اَي إيه تدرب عناصر من الأمن السوداني/الدكتورة اَمال جبر الله سيد أحمد
By
Dec 26, 2010, 18:45

الإنقاذ سجل مخزي من إهدار السيادة الوطنية

الـ سي اَي إيه تدرب عناصر من الأمن السوداني

الدكتورة اَمال جبر الله سيد أحمد

بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 خرجت علينا إدارة الرئيس الأمريكي السابق بوش بمصطلح الحرب “ضد الإرهاب” الذي ارتبط ومنذ الوهلة الأولى باستخدام العنف بما فيها التدخل العسكري لتنفيذ سياسات الإدارة الأمريكية وحلفائها في حلف الناتو، وذلك كجزء من سياسات العولمة التي تهدف إلى السيطرة على الموارد الاقتصادية الهامة وإعادة توزيع الاسواق في العام بين أمريكا وحلفائها مما يستدعي وجود الجيوش وأجهزة القهر المختلفة وإقامة القواعد العسكرية حيثما استدعت الضرورة. وقد استغلت الإدارة الأمريكية وجود وزيادة حدة التوتر في بعض مناطق العالم لتبرير تدخلها السافر في تلك المناطق تحت دعاوي إنسانية أحياناً واستعادة الأمن والديمقراطية في أحياناً أخرى. وما الأوضاع المأساوية والحرب المدمرة والمستمرة في العراق وافغانستان إلا دليل على أن أمريكا وحلفائها يمارسون الإرهاب باسم “مكافحة الإرهاب”. وتقف الشواهد مثل معتقل جوانتنامو وأبو غريب رمزاً للإرهاب الأمريكي. وباسم مكافحة الإرهاب تتواصل محاصرة كوبا وتهديد فنزويلا وايران والتدخل العسكري في الصومال واثيوبيا.

ولا غرابة أن وجدت الإدارة الامريكية ضالتها في نظام الإنقاذ الذي حاصرته العزلة داخلياً وخارجياً بسبب الانتهاكات الجسيمة لحقوق الانسان واستمرار الحرب في دارفور وفشله في التصدي للمشاكل الأساسية التي تواجهه وافقار الشعب. هذا وقد مارست الإدارة الأمريكية مختلف أشكال الضغوط على نظام الإنقاذ المعزول طوال السنوات الأخيرة حتى ركع لها تماماً. فسيطرت مؤسسات الرأسمالية العالمية ممثلة في البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على مقاليد الاقتصاد السوداني ونفذت سياسات الخصخصة وبيع مؤسسات القطاع العام بما فيها مشروع الجزيرة العتيق ورفع يد الدولة عن الخدمات بما فيها الصحة والتعليم وخدمات البيئة. وفتحت كل المنافذ للرأسمالية المحلية والعالمية لنهب موارد البلاد التي لم ينعم بها شعب السودان. بل وأجبرت نظام الإنقاذ على الاستمرار في نهج التبعية الاقتصادية بعد أن عجز السودان عن تسديد ديونه الخارجية والتي تفاقمت بسبب الأرباح العالية والانهيار الاقتصادي. وتقود أمريكا وحلفائها منافسة حادة مع الصين والدول الآسيوية الأخرى حول الاستثمار في السودان وموارده التي يسيل لها لعاب الرأسمالية بكل فئاتها ومسمياتها الإسلامية وغيرها. إلا أنّ الاحتكارات الرأسمالية لا تكتفي بهذه الاستثمارات والأسواق بل تعمل على حماية مصالحها في السودان وتسعى للتوسع في المنطقة مستخدمة في ذلك كل الوسائل الممكنة بما فيها التدخل السياسي والعسكري. وتواصلت جهود الإدارة الأمريكية مع نظام الإنقاذ مستخدمة كل أساليب (الإرهاب والكباب) أو (العصا والجزرة) كما يسميها البعض. وتوالت الاجتماعات المعلنة والخفية بين الطرفين والتي أدت إلى مزيد من التنازلات من الجانب الإنقاذي وتوجت بإعلان مسؤول الاستخبارات الأول صلاح قوش عن التعاون الأمني بين الجانبين الأمريكي والسوداني. مثل ذلك خطوة مهمة ضمنت بها الإدارة الأمريكية نظام الإنقاذ وابقته تحت إبطها وقدم قادته كل المعلومات عن “المجاهدين” والاخوة السابقين أمثال أسامة بن لادن وجماعته قدموها على طبق من ذهب للمخابرات الأمريكية. وبذلك انتهت الحرب الإعلامية بين الجانبين ليبدأ عهد جديد. وأصبحت رحلات قادة الإنقاذ فيما عدا رئيسها إلى واشنطن ونيويورك عادية كما هو وجود جراشن وجون كيري وغيرهم من المسؤولين الأمريكيين في الخرطوم وتدخلهم المباشر في السياسة السودانية.

في هذا الجو من الخنوع والخضوع التام من قبل نظام الإنقاذ وجدت الدعوة التي قادتها مجموعة من الشركات والبيوت المالية الأمريكية وخبراء السي اَي إيه إلى دعم النظام الحاكم في السودان والعمل على توسيع الاستثمارات الأمريكية في السودان بدلاً من تركها للصين والدول الآسيوية، بحجة إنّ ذلك سيؤدي إلى استقرار المنطقة ويضمن تحقيق مصالح امريكا أكثر من محاكمة الرئيس البشير في المحكمة الدولية، وجدت هذه الدعوة استجابة واسعة داخل الإدارة الأمريكية. وفي تبريرها لتغيير السياسة الأمريكية تجاه نظام الإنقاذ اعتبرت هذه المجموعة أنّ قضية دارفور قضية داخلية نتيجة الجفاف وانعدام الموارد اللازمة. وبذلك تراجعت حكومة اوباما عن سياساتها المعلنة تجاه السودان باعتبار إنهاء الحرب في دارفور من أولوياتها. وهكذا تحولت أمريكا التي “دنا عذابها” إلى حامية لنظام الإنقاذ منفذ سياساتها ومدخلها للمنطقة بأسرها.

وفي هذا الإطار قدمت الإدارة الأمريكية وحلفائها مقترحاتها الأخيرة بحجة ضمان تنفيذ اتفاق السلام الشامل وإجراء الاستفتاء في موعده. والهدف الحقيقي هو الابقاء على نظام الحكم في السودان خاضعاً وتابعاً لها سواء كان دولة واحدة أو دولتين أو أكثر، فموضوع وحدة السودان لا يهم الإدارة الأمريكية في شيء. بالمقابل وعدت الإدارة الأمريكية بمقايضة قضية دارفور بانفصال الجنوب ومحاولة مخارجة الرئيس المطلوب من ورطة المحكمة الجنائية والعمل علي أعفاء ديون السودان الخارجية وشطب اسم السودان من قائمة الدول الراعية الإرهاب. وتمّ الاتفاق على أن تقوم المخابرات الأمريكية بتدريب عناصر من الأمن السوداني في الحرب “ضد الإرهاب”.

إنّ الإرهاب الذي يخشاه نظام الإنقاذ هو غضب شعب السودان الذي يقاوم سياسته بما فيها إهدار السيادة الوطنية وتسليم السودان لقمة سائغة لأمريكا وحلفائها. إنّ الإدارة الأمريكية بإتفاقها على تدريب عناصر الأمن السوداني تهدف إلى حماية نظام الإنقاذ ناسية أن أجهزة الأمن بكل جبروتها وعتادها لم تنجح في حماية الأنظمة الفاشية والنازية على مدى التاريخ. وإنّ شعب السودان الذي صمد أمام ماكينة التعذيب الإنقاذية وفضح جرائم بيوت الأشباح وجلد واغتصاب النساء لقادر علي هزيمة أي وسائل أخرى تهدف لإخضاعه. إنّ نقل الخبرات الأمنية الأمريكية من أبوغريب وجوايتنامو ووسائل التعذيب الحديثة مثل الإغراق المائي وإجراء التجارب المعملية على المعتقلين لن تجدي في حماية نظام الإنقاذ.

إن هزيمة هذا المخطط تتطلب تضافر كل القوي السياسية الوطنية وفضح المخطط الأمريكي – الإنقاذي وتأثيره على المنطقة وجلب التضامن لنضال شعب السودان من أجل استرداد سيادته الوطنية.

الميدان


© Copyright by sudaneseonline.com