From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
القضية النوبية والمشورة الشعبية(4) في بنية البرتكول .... مفهوم المشورة/قــاســـــم نــســـيــم حــمـــــاد حـــربــة
By
Dec 25, 2010, 18:44


بسم الله الرحمن الرحيم

القضية النوبية والمشورة الشعبية(4)

في بنية البرتكول .... مفهوم المشورة

قــاســـــم نــســـيــم حــمـــــاد حـــربــة

       في ديباجته أمَّن برتكول جنوب كردفان/جبال النوبة على التنوع الثقافي والاجتماعي والمواطنة والمساواة والعدالة والرفاه الاجتماعي، وجملة من أمثال هذه المفردات الجميلة الحالمة، مفردات النفاق السياسي التي لا نراها إلى وهي تسوِّد صفحات أي اتفاق في قوالب منحوتة، ولا يحتاج المرء للتدليل على عدم تنزيل تلك المفاهيم التي تظل حبيسة لسطورها معتقلة فيها، والناس في الولاية يجهدون لبلوغ الكفاف في المعاش حفظاً للحياة فضلا عن الرفاه الاجتماعي .

       في المبادئ العامة تحدثت البنود عن تطوير التراث الثقافي المتنوع واللغات المحلية وبالطبع لم يتم في ذلك شئ. والمادة (1-3) تقول (أن تنمية الموارد البشرية والبنية التحتية هو الهدف الرئيسي للولاية وينبغي تحقيقها لتلبية الاحتياجات الإنسانية وفقا لأفضل الممارسات المعروفة للتنمية المستدامة في إطار من الشفافية والخضوع) انتهى ، نقول إن كان هذا هو الهدف الرئيس لنضالات الشعب النوبي فعلى كل من يحلم بتحقيق أحلام شعب جبال النوبة عبر هذه الاتفاقية أن يصمت وعلى كل من زهقت روحه أو أفنى عمره في النضال أن يحتسب ما قدمه لله إزاء هذا الاختزال للقضية، ثم نقول وحتى هذا لم يتم فهل ما تم ردمه من شوارع تم وفقا لأفضل الممارسات المعروفة للتنمية !!! ثم أين برامج التنمية وأين البنية التحتية في ولاية منتجة للبترول ؟؟؟. في المادة (2) من المبادئ العامة تحت عنوان تعريف المنطقتين (2-1) (حدود جنوب كردفان/جبال النوبة هي نفسها الحدود السابقة لمديرية جنوب كردفان حين تقسيم كردفان الكبرى إلى ولايتين) انتهى ، نقول لقد كان مطلب أبناء جبال النوبة قيام ولاية جبال النوبة وفق حدودها المعروفة من سنة 1913 والتي تشمل ولاية جنوب كردفان السابقة مضافا إليها لقاوة والحجيرات وجبل الداير في شمال كردفان جاء ذلك في كل المراحل النضالية وكل الأوراق وكل المبادرات والمفاوضات والاتفاقيات والمؤتمرات التي ذكرتها في هذه السلسلة من المقالات وفصلت، كان هذا مطلب شعب جبال النوبة فنفاجأ بتذويب كل ولاية غرب كردفان ذات الثقل العربي فتموج قضايانا الثقافية وتضيع للأبد ،وقد طالب أيضا شعب المسيرية في غرب كردفان بارجاع ولايتهم لأن كلا الشعبين له أشواقه في حكم نفسه وتمكين ثقافته ،وهو شوق متاح ولتستقيم مفاهيم الهوية الثقافية الخاصة بكل شعب التي تجد متنزلا في حال وجود ولايتين وتصطرع في ظل ولاية واحدة كلا الشعبين فيها من حقه تنزيل رؤيته الثقافية والمجاهدة في ذلك دون حرج، ولقد ناضل شعب المسيرية أجل استرداد ولايتهم المستحقة أيما نضال، فقابل شباب المسيرية الوالي حينذاك بالمظاهرات حين زيارته في مايو 2005 واحتل الشباب المنصة لمنعه من التحدث ثم قامت حركة شمم تطالب بحقوق شعبها ثم نفذت عصيانا في الفولة في 16 ديسمبر 2006 تحت شعار يوم الحداد وقد قادوا ضغطا على المركز وطالبوا بلقاء الرئيس وقد استجاب في يونيو 2007 واستجاب لكثير من مطالبهم وقد انضم للحركة شباب من مختلف الكيانات السياسية وقد أصبحت تشكل جسما للمطالبة بحقوق شعبها وقد نجحت في اجبار الحكومة على القيام بتنمية المنطقة من بناء للطرق واستجرار مياه الشرب وبناء محطات الطاقة ولشعب المسيرية قدرة ظاهرة على التفاوض مع الحكومة بقوة في مشاكله وحقوقه دون أن تؤثر على ذلك الانتماءات السياسية لديهم ، لكن هذا مفقود عند النوبة مع الاسف الشديد، فقد ظلت الانتماءات السياسية تؤثر على وحدة النوبة وتتغلب عليها فلم يتخذوا أي موقف بشأن ضم غرب كردفان لولايتهم مثلا ظهر ذلك عند المسيرية وإن كانت تساوقت أفعالهم مع المسيرية لكان الناتج خيرا، وعلى إثر هذا الضم لم يتثنى لأبناء النوبة في المؤتمر الوطني من حكم ولايتهم أبدا بعد نيفاشا فكل ولاة المؤتمر الوطني الذين تعاقبوا على حكم الولاية ليسوا من النوبة ، والمؤتمر الوطني بذلك يعبر عن نفسيته العروبية أو يخشى بأس المسيرية الذي أظهروه، فإن من النوبة من هم بالمؤتمر الوطني ولهم سبق في العمل الاسلامي وجاهدوا في جبال النوبة وكانوا قادة لمليشيات كونوها من أهلهم وقاتلوا بها أهلهم في الحركة الشعبية وكانوا غصة في حلق الحركة الشعبية وسببا في تعطيلها وبالتالي في تعطيل انجاز قضية النوبة ومع الأسف ينشطون في قول أن الاتفاقية لم تعطهم شيئا ولا أدري بماذا كانوا يطالبون، لكن المؤتمر الوطني لم يولِّهم على أرضهم وهم مؤهلين لذلك بل منهم من تولى الولاية قبلا ،هم مؤهلين إذا اللهم إلا من شرط أهلية الأمامة الكبرى والوسطى وكذلك نراهم لا يتولون الوزارات الاتحادية من بعد نيفاشا أبداً إلا وزراء دولة، لكن أخوانهم من غرب كردفان يتولون أيضا الوزارات الاتحادية وإخوانهم من جنوب كردفان من غير أثنيتهم يتولون كبرى الوزارات الاتحادية كذلك، أما الحركة الشعبية فقد ولَّت كل ولاتها على الولاية من أبناء النوبة وأعطتهم وزارات اتحادية ولم تحيل كبار ضباطهم إلى المعاش حتى الآن ، ولا أعرف أي رسالة يريد المؤتمر الوطني إرسالها لقادة النوبة عبر هذه الممارسات . إن مطلب قيام ولاية جبال النوبة مطلب استراتيجي لا يمكن التنازل عنه ، وإن سياسات الاسترقاق والتفريغ والإبادة لشعب جبال النوبة منذ دخول العرب السودان ظلت مضطردة حتى أحالونا إلى تلك الكهوف نلوذ بها وأصبح تعداد هذا الشعب الذي غرا به ترهاقا أرض فارس بأكثر من 200 ألف مقاتل أصبح جزءً من ولاية ،فبعد أن كنا نحكم هذا البلد أفلا يتصدقوا علينا بأن نحكم هذه الكهوف والتلال أهي كثيرة علينا .

لكن هناك أمر في غاية الأهمية يجعل تذويب ولاية غرب كردفان أمر فيه كيد سياسي بالغ لا يصب في صالح النوبة ولا المسيرية بل يغبش لهما قضاياهما ولا يجنون وراء ذلك إلا الخسار، ولا يقبضون إلا الريح ، فقضية شعب المسيرية تختلف عن قضية شعب النوبة رغم أنهما في التهميش كركبتي البعير الأجرم ، فبهذا التذويب أقحمت غرب كردفان في شأن المشورة الشعبية وهو أمر غير منطقي فلا يحق لسكان جنوب كردفان مثلا التصويت في قضية أبيي القضية المركزية لشعب غرب كردفان لأنها قضية تختص بأرضهم وسعيتهم وطرق عيشهم، وسكان غرب كردفان غير معنيين بالقضية الثقافية مثلا لشعب جبال النوبة القضية المركزية له، فكيف يدخلون في أمر المشورة التي قاتل من أجل قضاياها شعب جبال النوبة ضد الدولة وهم غير معنيين بها بل أن أشواق النوبة في هذه المسائل والثقافية منها تكون عكس أشواق المسيرية الثقافية العربية وبالتالي سيقفون حتما ضد أي شوق نوبي أفريقي كما أن النوبة سيقفون ضد أي شوق عربي بداهة وما في ذلك حرج ،وبالتالي صنع المركز بيننا أزمة نحن غير محتاجين لها بضم الولايتين ،وانما نحن محتاجين لتنسيق المواقف والتآزر في معركة انتزاع حقوق كلينا وهذه الوضعية تضعف قوة التآزر وفرصه حتما وهذا هو ما يريد المركز كي لا يكون هناك فرص تحالف للهامش أجل قضاياه الكبرى وينصرف عنها نحو الاصطراع في القضايا الانصرافية التي أوجدها المركز معنىً، لن يتم تمرير أي شوق نوبي عبر المشورة  للتعاكس الثقافي الكبير بين المكونين الكبيرين في الولاية الجديدة ،أي أن الاتفاقية قد أعطتنا سيف مكسور .

       هذا التذويب لم يقصد به شئ سوى اجهاض المشورة الشعبية في تصورتها الكبرى، هذه المشورة التي اتفق عليها الناس أنه لم تعطينا شيئاً ، هذا اللاشئ ذاته يودون عدم اعطائه لنا كذلك ، فقد تم تذويب الولاية لكن بعاصمتين كادقلي والفولة ، تجتمع الحكومة هنا ويجتمع المجلس التشريعي هناك ، ولاية واحدة وفيها صندوق تنمية لغرب كردفان دون باقي أجزاء الولاية ، وفيها اتفاقية لقسمة البترول بين شعب دينكا نوق وشعب المسيرية دون بقية شعوب الولاية وفيها مشاريع خاصة بشعب غرب كردفان دون بقية شعوب الولاية ، وفيها برتكولان واحد يشارك فيه سكان غرب كردفان خاصة دون جنوب كردفان والثاني يشارك فيه جميع سكان جنوب كردفان عامة، فكيف هو التذويب والضم إذن ،هذا ليس تذويبا حقيقيا وإلا لاستوى الأمر في كل شئ . العاقلون يقفون هاهنا فهذه هي الصخرة التي ستتكسر فيها كل أحلامنا ،النتيجة بائنة خاصة أن رأيت التعداد السكاني الغريب كم عدد الدوائر في مناطق النوبة وعدد الدوائر في المناطق غير النوبية ، ، إننا نحرث في البحر، هذا غير أن المناطق النوبية ذاتها تنقسم فيها الولاءات ما بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية ولا توجد رؤية موحدة للنوبة بصرف النظر عن التوجهات السياسية، ولا نزال نتشاكس بل إن عداءنا لبعض أشد من عدائنا للآخر !!! فكيف السبيل .

       لقد ورد في الهامش (سوف يتم حسم تسمية الولاية قبل التوصل الى عقد اتفاقية السلام بواسطة لجنة مشكلة من جانب الطرفين تمثل الولاية ، وقد تم التوصل لاتفاق السلام ولا شئ والحقيقة لا يمكن هذا في ظل وجود ولاية غرب كردفان فالأولى معالجة قضية الولاية ثم النظر في هذا .

       يأتي بعد البند السابق مباشرة بند المشورة الشعبية ، دعك من التعاريف الكثيرة التي زحمونا بها والتي لم تزد القضية إلا تعقيدا، فالمشورة الشعبية هي حق لتأكيد وجهة نظر مواطني الولايتين بشأن الاتفاقية هل هذه الاتفاقية قد لبت طموحهم وأشواقهم أم لا ثم إن كانت الاجابة بلا فما هي طموح وأشواق هذا الشعب كي تتأكد نظرتهم، هذا هو مفهوم المشورة ليس سواه أي أنه اتفاق غير نهائي يعاد فيه النظر ، لماذا لم يكن نهائي شأن اتفاق الجنوب ، لأن الإرادة النوبية فيه لم تتوحد عبر الممثلين المفاوضين، فلاضطراب النوبة في شأن مفوضيهم ، ولأن اتفاق نيفاشا قام على اعلان مبادئ الايقاد التي وقعت عام 1994 والتي تحدثت عن قضية جنوب السودان الموسوم بخط 1/1/1956 ، وكان يمكن تخطي ذلك السقف بوحدة الارادة النوبية لكن تلك الارادة لم تلتئم فقد أصبحت قضية النوبة لها مفاوضان ، مفوضان على طرفي نقيض لشعب واحد له قضية واحدة ،الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني وذلك عبر مؤتمر كاودا ومؤتمر كادقلي كما أبنا في الحلقة السابقة فاضطرب الوسيط فأرجئت القضية إلى ما بعد الفترة الانتقالية حتى تتوحد رؤية الشعب النوبي حيال قضيتهم ويفاوضون ، والاضطراب الكبير في تفسير خيارات المشورة من تبعية المنطقة شمالا أم جنوبا أم ولاية مستقلة هذا الاضطراب سببه أيضا أن كل هذه الخيارات كانت مطروحة ولم تحسم وإنما أرجأت كذلك لذا برزت هذه الخيارات أيضا، فكل من يقول بأي قول مما ذكرنا أو لم نذكر فهو لا ينطق عن هوى، أنما له مأول يؤول إليه ، وكل من يقيد المشورة بقيد ويختزلها في تصور محدد يكون غير صادق مع نفسه ويمارس التجهيل على شعبه، فكيف يقيد واسعا، فالمشورة تسع كل شئ فأن تأكدت وجهة شعب جبال النوبة نحو الانفصال مثلا فأين النص الذي يمنع ذلك ، كل ما في النص أنها تخضع لإرادة الشعب وليس المركز وليس الأحزاب، إن الاحتراز الذي يسوقه القائلون بأن المشورة تعني هذا ولا تعني ذاك احتراز مرفوض فلا يمكن أن تقول لي مثلا أن جملة (هذا رجل) لا تعني الرجل الأسود بل تعني الرجل الأبيض والأحمر فقط فمن أين أتيت بهذا الاحتراز ، نعم الاتفاقية لم تقر صراحة على اعطاء حق تقرير المصير للشعبين لكن كذلك لم تمنعهم ، وشاهد آخر يؤيد قولي الذي لا يحتاج إلى شهادة وهي اللجنة الفنية التي طوفت بعدد من البلدان التي مورست فيها المشورة الشعبية فقد قالت اللجنة انها لا تعني أمرا واحدا فقد مورست لأمور مختلفة في بلدان شتى منها كينيا وجوتيمالا واندونسيا والعراق لأسباب مختلفة. ولكن ليس هناك حجة أكبر من الوثيقة التي كتبها القائدان يوسف كوة مكي وملك عقار يوضحان فيها اتفاقية السلام ورد فيها الاتي نصه: (البند (6) إن الخيار الافضل لمواطني جبال النوبة و النيل الازرق هو وحدة السودان . ويتمتع مواطنو جبال النوبة والنيل الأزرق بالحكم الذاتي من خلال نظام الحكم اللامركزي كما هو الحال بالنسبة لقرارات الحركة الشعبية لتحرير السودان في الأتفاقية الاولي عام 1994م  للتركيبة الاقليمية ( لاحقاً المشورة الشعبية ).وفي الفقرة (8) ب في الحالة التي يختار فيها مواطنو جنوب السودان الإنفصال في ممارسة حقهم في تقرير المصير فأن جبال النوبة و النيل الأزرق سيكون لهم أحد الخيارات :

1 ) أن يختاروا أن يكونوا جزء من جنوب السودان

2) أن يختاروا أن يكونوا من دولة شمال السودان

3) أن يختاروا أن يستقلوا بدولتهم ) . نواصل


--
قاسم نسيم حماد حربة
[email protected]



© Copyright by sudaneseonline.com