From sudaneseonline.com

زفرات حرى بقلم : الطيب مصطفى
المؤتمر الوطني ومسؤوليات ما بعد الانفصال!!/الطيب مصطفى
By
Dec 23, 2010, 09:04

زفرات حرى

الطيب مصطفى

المؤتمر الوطني ومسؤوليات ما بعد الانفصال!!

إذا كنا قد تحدثنا في مقال الأمس عن زئير البشير في القضارف حول انتهاء عهد «الكلام المدغمس» وانتقال السودان الشمالي بعد الانفصال إلى عهد الشريعة الحقة وإلى سيادة اللغة العربية التي باتت اللهجات المحلية المنقرضة تنازعُها وتناطحُها فإن الأستاذ علي عثمان قد ذكّرنا بعهد الجهاد والاستشهاد خلال كلمته بمناسبة ذكرى الاستقلال حين قال: «إن السودان لن يُذل ولن يُهان، ونقول للذين يتربصون بالسودان إن أمةً قدمت الشهداء قادرة على أن تقدم الشهداء أرتالاً وأن تدافع عن تاريخها وشرفها وعن حاضرها ومستقبلها الذي ستكتبه بإرادتها».

أما نافع فقد قال خلال اجتماع للمؤتمر الوطني متحدثاً عن الحركة الشعبية التي تتربص بالشمال وتتعاون مع أعدائه.. قال: «نأمل ألا تظن الحركة الشعبية أن لها خيراً في غير العلاقة الطبيعية والأخوية مع الشمال» وقال محذراً: «البيتو من قزاز ما يجدع بالطوب»!!

وردت هذه العبارات القوية بين يدي التحرشات التي تبدر عن الحركة الشعبية وطبول الحرب التي تقرعها من حين لآخر مما سأشير إلى بعضه.

فها هو مدير مكتب الحركة الشعبية بالقاهرة يقول: إن الحركة ستبيد العرب بعد الانفصال، وها هو الجنرال جبريال جوك ياك قائد الفرقة العاشرة بقوات جنوب السودان التي تعسكر على الحدود بين الشمال والجنوب يقول لصحيفة «ميامي هيرالد» الأمريكية إنهم سيغزون الخرطوم، ويضيف: «نقدر على إسقاط الخرطوم ثم نصير جزءاً من تحالف جديد يحكم السودان»!! وأضاف: «نحن نتوقع دورة جديدة من الحرب مع العدو غير المأمون في الشمال إن عاجلاً أم آجلاً.. سوف يحاولون عرقلة استقلالنا قبل وبعد الاستفتاء.. لا تستغربوا إذا حدث هذا»! وقال: «سنتعاون مع متمردي دارفور ومع قوات تابعة للمناطق المهمَّشة في الولايات المجاورة» وأشار إلى علاقات وثيقة تربطهم مع قوات جنوبية ظلت تعسكر في الشمال ولم  تنزح جنوباً استجابةً لاتفاقية الخرطوم للسلام كما أشار إلى علاقات وثيقة مع الفريق مالك عقار حاكم ولاية النيل الأزرق ونائب رئيس الحركة الشعبية الذي يحكم تلك الولاية الشمالية بالرغم من أن الانفصال يتم بين الشمال والجنوب بمرجعية حدود عام 6591م المصادف لاستقلال السودان!!

دعونا ننطلق من هذه النقطة الأخيرة لنعلق على حديث آخر أدلى به رجل أمريكا في الحركة الشعبية باقان أموم الأمين العام للحركة ووزير السلام في حكومة الجنوب فقد قال الرجل: «إذا اختار الجنوبيون الانفصال فإن الحركة ستجد نفسها في دولتين وستوفق أوضاعها لتكوين حزب في دولتين مثل الحركة الإسلامية التي تعمل في أكثر من دولة»!! حديث باقان الأخير قاله خلال حوار مع الصحفي بهرام عبدالمنعم الذي سبق أن رافقه في زيارته إلى أزرق طيبة بالجزيرة والتي خلع أزرق طيبة الذي تواترت الروايات حول علاقته بالحركة الشعبية والحزب الشيوعي السوداني خلع وشاح الطريقة السمانية وألبسه للشيخ باقان الذي طاف بالحيران ورقص مع المريدين بالرغم من أنه غير مسلم بل عدو للإسلام!!

نتجاوز هذه النقطة لنقول إن حديث باقان ردده في أكثر من مناسبة وفي عدة حوارات صحفية وبالرغم من ضعف الاستدلال الذي أراد باقان أن يوهم به الناس بمقارنته بين الحركة الإسلامية والحركة الشعبية حيث إن ولاء الأفراد في الحركة الإسلامية لا يكون إلا للاسلام كمعتقد ونظام حكم بينما الحركة الشعبية عبارة عن ولاء لدولة جنوب السودان بالرغم من ذلك فإن حديث الرجل يجد له سنداً من حقيقة أن الحركة الشعبية توجد الآن خارج أرض الجنوب ومرشحة للانتشار في مناطق وولايات شمالية بالقرب من الحدود الجنوبية وهذا هو عين ما عناه قرنق قديماً حين تحدث عن الجنوب الجغرافي الذي مُنح للحركة بموجب نيفاشا والجنوب المحارب الذي قال إنه خارج حدود الجنوب الجغرافي!!

لعل ذلك مما يكشف السبب الذي جعل الحركة تتباطأ في عملية ترسيم الحدود وترفض اشتراط الترسيم مهراً للاستفتاء فالحركة تمددت بالفعل خارج الجنوب وتسعى من خلال طرح قضايا الجنسية المزدوجة والحريات الأربع إلى إيجاد موطئ قدم لها في الشمال وأحصنة طروادة تعينها في مخططها لاحتلال السودان الشمالي ولعل ذلك يقدم أكبر الشواهد على أخطاء نيفاشا التي سلمت الحركة الجنوب ثم باتت الحركة تطمع في أرض الشمال من خلال الوجود الفعلي للجيش الشعبي بموجب بروتكول الترتيبات الأمنية في أرض الشمال ومن خلال الوجود الفعلي كذلك للحركة الشعبية في المركز من خلال بروتوكول السلطة!!

إن ذلك يعتبر القضية الكبرى الأكثر أهمية التي ينبغي أن يوليها المؤتمر الوطني اهتماماً خاصاً ذلك أن المسؤولية عن الانفصال لا ينبغي أن تشكِّل أيَّ همّ للمؤتمر الوطني أولاً لأن جميع القوى السياسية اتفقت على تقرير المصير ويفوقها المؤتمر الوطني بذلاً في الدفاع عن نفسه كونه قدم ما لا ينبغي أن يقدمه من تنازلات في سبيل جعل الوحدة جاذبة للجنوبيين وثانياً لأنه ينبغي أن يفخر بما قدم كونه حقق الاستقلال للشمال والجنوب وحل المشكلة التي أعيت الطبيب المداويا.

لكن المسؤولية التاريخية التي سيُسأل عنها المؤتمر الوطني دون غيره هي التفريط في أرض الشمال الذي ظل يمثله في مائدة التفاوض والذي ظل يحكمه وسيظل يحكمه بعد الانفصال... هذا هو التحدي الذي يتعيَّن على المؤتمر الوطني أن يتصدى له.

كذلك فإن على الحكومة أو المؤتمر الوطني أن يُعِد العدة لاسترجاع ولاية النيل الأزرق إلى حظيرة الشمال بما يجعل الولاية تحت سلطة أحد التنظيمات السياسية الشمالية حتى نقضي على أحلام الحركة بالتمدد شمالاً ذلك أن الحركة تحمل مشروعاً فكرياً وعقدياً يختلف عن المشروع الإسلامي السائد في الشمال ومما يعطينا بعض الأمل في اقتلاع تلك الولاية الشمالية العزيزة من براثن الحركة الشعبية ومشروعها العنصري المعادي لهُوية الشمال أن المجلس التشريعي لا يقع تحت قبضة الحركة وأن المؤتمر الوطني يسيطر على 92 مقعداً من جملة المقاعد البالغة 84 مقعداً، كما أن المركز يستطيع أن يقبض بخناق الولاية من خلال حجب الدعم المالي بالرغم من احتمال حصول الوالي على المال من خزينة الحركة.

كذلك على الحكومة أن تتعظ من تقصيرها الذي أفقدنا ولاية النيل الأزرق، وأن تستميت في الدفاع عن أراضي الشمال بما في ذلك جنوب كردفان وأبيي والمناطق الحدودية المتنازع عليها، كما ينبغي لها أن تقنع الحركة من خلال استعراض القوة والإمساك بالأوراق الكثيرة المتاحة لها بأن تحرص هي أكثر من حكومة الشمال والمؤتمر الوطني على ترسيم الحدود، ولا أرى سبباً ـ وقد خلعت الحكومة عنها رداء المسكنة ـ لعدم إعمال مبدأ المعاملة بالمثل فكما يقوم مناوي من داخل جنوب السودان بقيادة حركته المتمردة التي تروِّع المواطنين الآمنين اليوم فإن على الحكومة أن تستقبل وعلى رؤوس الأشهاد الحركات الجنوبية المتمردة وتُعمل مبدأ العين بالعين والسن بالسن.

لقد صدق د. نافع حين تحدث عن بيت الزجاج الذي تنطلق منه سهام لحركة فهلاَّ أتبع القول بالعمل وردّ الصاع صاعين وجعل الحركة تتخلى عن أطماعها التوسعية في أرض الشمال!!



© Copyright by sudaneseonline.com