From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ضغوط أوروبا وأمنها يواجه دُوَلنِا المنشطره/محجوب التجاني
By
Dec 22, 2010, 18:26

ضغوط أوروبا وأمنها يواجه دُوَلنِا المنشطره

 

محجوب التجاني*

 

تصّدر وطننا شيئا من بنود القمة الإفريقية-الأوروبية (طرابلس: نوفمبر 2010). غاب وفده الرسمي مغضوبا عليه. فتحدث آخرون عنه. وجددت قارتنا أحزانها عندما واجه قادتها ضغوط أوروبا الخبيرة الباحثة عن أسرع المخارج – لا إنتظار مُعجزة – لأزمات ماليتها المِعّجزة بضمان تجارتها الرائجة وتوسيع رقعة أمنها ديدنها في عهود الإستعمار وما بعد الإستقلال والقمة الأوروبية-الإفريقية الأولي (القاهرة 2000)، والقمة الثانية (لشبونه-البرتغال 2007)، وإتفاقية "تعاونها الإقتصادي" مع بلدان شرق إفريقيا القائم علي طلب تخلي الأفارقة عن 80% من تعريفتهم الجمركية [مصدر إنفاقهم علي تعليم شعوبهم وصحتها] علي الواردات الأوربية في 15 عاما من تاريخ التوقيع عليها المتوقع قريبا. وفي غضبٍ، أدلي ألفا عمار كوناري رئيس المفوضية الإفريقية للتنمية بحديث يرفض فيه "الإنصياع."

وللقارة العجوز هلعٌ برغم حجم تجارتها الأول مع قارتنا والبالغ 200 مليار أورو في العام من الصين المحتلة للمركز الثالث ب 43 مليار أورو فقط، مع قيام الصين بتنازلاتٍ معتبرة عن ديونها المستحقة علي إفريقيا في موتمرها مع الأفارقة (بجين 2009)، ووعدٍ بمساهمةٍ كبيرة في التنمية الإفريقية بشروطٍ ميسرة. وهو إتجاه حميدٌ متي أتبعته الصين بتحسين عوائد التجارة للأفارقة وبإحترام إرادة القوي الوطنية الديمقراطية علي حد السواء مع حكوماتنا المستبدة في أقطارنا النامية، وآمنت كما آمن ماو المؤسس بحقوق مزارعيها وعمالها المسحوقين.

جاءت إذاً أجندة القمة الثالثة مدبجة ًبمطالب اوروبا الصناعية وفي عقلها منافسها الصاعد، تشترط ومن ورائها البنك الدولي والصناديق الراسمالية من مختلف الأشكال والألوان، تحرير العملات الوطنية (فيما يفعل بنك السودان حاليا)، وفتح أبواب القارة للمصنوع الغربي مقابل المزروع الإفريقي وخاماته الثمينة الأخري. وعلي ما أبدته القمة الثانية من هم ٍكبير ٍبدارفور وعناءٍ بحقوق إنسانها الجريح في الوطن الواحد، أبدت القمة الثالثة هذه المرة تعاطفاً بّينا مع حق جنوبنا في تقرير المصير، ولم تلق بالاً لحق شمالنا في وحدة الوطن الطوعية، البند الرئيس في إتفاقية السلام الشامل، مع تشديدها علي تطبيق كل عناصر الإتفاقية بالكامل "في أسلوب وافي التوقيت، سلمي، ومعتمدا عليه."  والكل يعلم أن سنوات الإتفاقية لم تشرك أحدا غير طرفيها. من ثم، ما أحسنت القمة الحديث عن وطننا. نركز في مقالنا هذا الأسبوع علي بعض قضاياها الموضوعية، ونحاول تفهم المطالب الأوروبية-الإفريقية المشترك منها والمتناقض، وانعكاسها علي الإستفتاء القادم في جنوبنا السوداني.

 

الجنوب علي حبل الإستفتاء

نشرت ٍAfrique en Ligne [أنباء أفريقيا] مقالا بتاريخ 2 ديسمبر 2010 بعنوان "جنوب السودان يمشي علي الحبل في مرمي إستفتاء يناير." ورد بالمقال أن الإستفتاء علي استقلالية الجنوب الذي يحوي أكثر من 80 مجتمعا إثنيا، يُري في بعض الدوائرعلي أنه الدافع الذي يحتاجه الإقليم المتشظي ليعاود النزاع، لكنه في هذه المرة سيصير حربا أهلية بلا شراكةٍ مباشرة مع الشمال، تقول تقارير صدرت هنا [في نيروبي] موخرا.

موقف الجنوب الحساس مصدرٌ متعاظم القلق للولايات المتحدة التي دعمت الإقليم بغالبيته الإفريقية السوداء طوال حرب العشرين عاما التي وضعت أوزارها عام 2005 في مواجهة الشمال. وبالرغم من قلة التفاصيل، كان الإستفتاء الذي ستُلقي تبعته المالية علي برنامج الأمم المتحدة للتنمية، موضوعا لإجتماع ٍعُقد منذ وقت قريب في نيروبي بين نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس الجنوب سلفا كير ميارديت. مع هذا، بوضع إهتمام الرئيس باراك أوباما في نزاعات السودان المركبة – في غرب دارفور، جنوب كردفان، والجنوب – ما من شكٍ أن واشنطن تؤيد خروج الجنوب كوسيلةٍ لإزالة مظالم تاريخية. 

الإستفتاء واحد من ثلاثة ستجري في الإقليم، بالرغم من إنه مغايرا لإستفتاءات زنزبار وكينيا في يوليو وأغسطس بالتتالي، يُعّد الإستفتاء السوداني الأكبر إنطواءا علي مضامين الأمن الإقليمي والإستقرار السياسي. وتبين آخر تقارير كرايسيس قروب، بيت الخبرة الغربي المتخصص في حل النزاعات، أن الإستفتاء المحدد في ينايرمن العام القادم، سيؤثر تأثيرا بالغا في كينيا، وجمهورية الكنغو الديمقراطية، ويوغندا، وجمهورية إفريقيا الوسطي، ومصر.

"وإذا، فيما هو جائز، قرر جنوب السودان أن ينفصل عن الشمال في الإستفتاء علي حق تقرير مصيره في يناير2011، فإنه سيحتاج تعاضدا من جيرة السودان يُؤكّد به أن القرار معترف به، وأن تجدد النزاع ممنوع" تقول كرايسيس. يرجع السبب في ذلك، نحو ما يقال، إلي "أن الدول الحدودية تورطت في حروبه الأهلية، أو أنها عانت منها، وسوف تعاني كل منها مباشرة بحدوث إنفصال سلمي أو بتجدد النزاع." وبالرغم من أن الرئيس عمر البشير، بفوزه في الإنتخابات الرئاسية، تعهد بالعمل علي وحدة الجنوب والشمال، يتجه مقود مؤسسات الدولة إلي أي ناتج يتمخضُ.

بسؤاله للتعقيب، صرح مدير عام قوات الشرطة السودانية، الفريق هاشم عثمان الحسين سعد، لوكالة PANA  بأن الشماليين مستعدون لأي ناتج ولسوف يلتزمون به. وقال "إن تقرير المصير مكفولٌ بإتفاقية السلام الشامل. الإستفتاء للجنوب، لا للشمال. وعلي الجنوبيين أن يقرروا من يودون الإنتماء إليه. لقد كانت إنتخابات أبريل القومية هي الشأن الأكبر مقارنة بالإستفتاء. ومن ناحيتنا، فإننا ملتزمون بإتفاقية السلام." 

الإستفتاء محصلة لإتفاقية السلام الشامل الموقع عليها في نيفاشا 2005، وقد أنهت 20 عاما من الحرب الضارية بين الشمال والجنوب. إنتهت الحرب الأهلية بالتوقيع علي الإتفاقية من قوتي البلد السائدتين، حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية المؤسسة في الجنوب. "فإن لم تسر العملية طبقا للخطة (أ) [أي ماجاء بالإتفاقية] بوجهٍ خاص، وحاولت الخرطوم أن تستغل أو تعيق العملية أو نتائجها، فالواجب علي الدول والمؤسسات الإقليمية أن تنظر في أفضل الطرق للرد، حتي تؤكد إحترام حق تقرير المصير وتفادي وقوع نزاع جديد"، يقول زاك فرتين الباحث بمجموعة كرايسيس. معني هذا أن دول الجيرة ينبغي أن تكون مستعدة لشغل الخرطوم وجوبا بمفردات الإستفتاء والتطبيق السلمي لنتائجه.

ومع هذا، فإن رئيس الشرطة مقتنعٌ بأن مثل هذه المخاوف ليس لها أساس: "التركيب النفسي للشعب السوداني يدل علي أنه مدركٌ لمسئولياته. إن سلبيات الحرب وعدم الإستقرار من عمل المنظمات الأجنبية بما تستثمر من مصالح ٍ في القطر. وتشمل هذه التجربة أقطارا إفريقية أخري مثل كينيا وزمبابوي، ولكن علينا نحن الأفارقة أن نبّين صورتنا بصّد التدخل الأجنبي في الشئون الإفريقية" يقول رئيس الشرطة.

ومما يراه تقرير جديد إستجمعه معهد الولايات المتحدة للسلام بعنوان "سيناريوهات للسودان: العنف السياسي خلال 2011" الحقيقة القائلة بأن الحاجة الماسة للعمالة الماهرة سوف تلقي بظلال ٍسالبة علي أداء الخدمات": يفتقر الجنوب للقدرة علي سد الخدمات الضرورية، بما فيها التخصيص المتساوي للمصادر الأساسية (مثالا الطرق، والماء، والغذاء). إن الجنوب بدلا من هذا ينفق معظم عوائده النفطية علي منصرفاته العسكرية والأمنية في جهدٍ لحفظ النظام وتوفير قوة رادعة إزاء الشمال والفساد الذي تتصاعد وتائره.

"وسواء أعلن الإستقلال أم لم يُعلن، الإستفتاء نفسه "قاسمٌ سلمي" غير كاف. والتوقعات بتحسن الأحوال المعيشية لا يمكن أن تؤجل لأجل ٍغير مسمي"، يقول تقرير المعهد الذي يموله الكونغرس الأمريكي. العودة للنزاع يمكن إبطاؤها أو تجنبها، وفقا لكرايسيس. "فأعضاء الإيقاد من المحتمل أن يكونوا أول من يرفع أي توصياتٍ تتعلق بوضع جنوب السودان ما بعد الإستفتاء، ولكن تأكيد مشاركة الإتحاد الإفريقي ودعمه المطلق لتلك السياسة حيويٌ للغاية إن كان لجنوبٍ مستقل أن يُؤّمن أعلي شرعية."

 

إستقلال علي نقطة إنفجار

30 نوفمبر 2010: كتب علي شعيب وكريستيان لوُ تحليلا خبريا لرويتر عن "مناشدة الإتحاد الأوروبي وإفريقيا إجراء إستفتاء سلمي في السودان." قال المقال إن الإتحاد الأوروبي والدول الإفريقية حثوا حكومة السودان في الثلاثاء لتقبل نتائج الإستفتاء العام القادم فيما إذا كان علي جنوب القطر المنتج للنفط أن ينفصل عنه. إن إستفتاء 9 يناير، وهو جزء من إتفاقيةٍ للسلام وضعت حدا لحقبٍ من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، يحتمل أن يخلص إلي تصويت في صالح الإستقلال، يقول دبلوماسيون ومحللون. ولكنه أيضا ربما يصبح نقطة إنفجار لنزاع متجدد.

إنعكست الهموم حول الإستفتاء في إعلان ٍتبناه مؤتمر قمة دول الإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي في ليبيا: "في شأن السودان، نؤكد علي استعجال وأهمية التأكيد علي أن كل عناصر إتفاقية السلام الشامل مطبقة في أسلوب وافي التوقيت، سلمي، ومعتمدا عليه، وبخاصة الإستفتاء في جنوب السودان الذي ينبغي للجميع تقبل نتائجه."

مؤتمر القمة الأوروبية-الإفريقية، الأول منذ ثلاثة سنين [بعد قمة 2007]، هدف إلي إخراج مداخل مشتركة بين الكتلتين في مواضيع مثل الآيدز، والتجارة، والأمن، والهجرة. وتضمن البيان الختامي الإتفاق علي أن الإتحاد الأوروبي وإفريقيا "يدينان بحزم كافة التغييرات اللادستورية للحكومات وهو، إلي جانب الحكم السيئ، واحد من المسببات الرئيسة لعدم الإستقرار." كان هذا إشارة لسلسلة من الإنقلابات التي اختبرت إتفاق القادة الأفارقة علي إنهاء ممارسة الإستيلاء علي السلطة بالقوة من عسكريين أقوياء.

دارت مسودة البيان الختامي حول موضوع المحكمة الجنائية الدولية واتهامها للرئيس السوداني عمر حسن البشير بجرائم الحرب وارتكاب الإبادة. الإتحاد الأوروبي وبعض الدول الإفريقية يؤيدون القبض عليه، ولكن أخرون يقولون إن المحكمة استعْمِلت أداة سلسة للغرب, وقال السودان إنه قاطع الموتمر إعتراضا علي ضغط الإتحاد الأوروبي علي البشير ليبتعد عنه. جاء بالوثيقة إن الإتحاد الأوروبي وافريقيا متحدان في وقفتهما ضد الحصانة، وإنهما يعترفان بالحاجة لمحاكمة أكثر الجرائم خطورة. ولكن الوثيقة لم تذكر المحكمة نفسها. من ناحيته، أخطر جان بينق، أعلي دبلوماسيي الإتحاد الإفريقي: "لسنا ضد المحكمة الجنائية الدولية. إننا ضد العدالة بمكيالين، يُساق سارقو الدجاج إلي العدالة، ويُطلق عتاة الإجرام."

أوروبا وإفريقيا ملتزمان بالخلوص إلي إتفاقات الشراكة الإقتصادية، حزمة ًمن الصفقات التجارية. الصفقات لم تبلغ مداها لأن بعض البلدان الإفريقية تحس بأن الإتحاد الأوروبي يطلب منهم إزالة الحواجز عن التجارة، بينما لا يفعل ما فيه الكفاية ليعينهم علي تنمية إقتصادهم." كان هناك إلتزام واضح لتسريع عملنا في هذا الأمر"، بلغ جوزيه مانويل باروسو، رئيس المفوضية الأوروبية، مؤتمرا صحفيا: "والحقيقة أنني بالإنابة عن الإتحاد الأوروبي ملتزم بإستخدام مرونتنا لمخاطبة المخاوف التي أثارها الجانب الإفريقي."

 

تفاؤل الأفارقة بالإستفتاء

أنشأ فريق أنباء إفريقيا بالتعاون مع رويتر مقالا (1 ديسمبر 2010) حول تفاؤل الإتحاد الإفريقي بشأن إستفتاء السودان. كتبوا في مقالهم إن مفوض السلم والأمن في الإتحاد الإفريقي قال إنه لا يري حاجة للتشاؤم بالنسبة لإستفتاء يناير الذي قد يُقسم السودان إلي شطرين، بالرغم من مخاوف تحوله إلي العنف. فالإستفتاء، جزءا من إتفاقية سلام أنهت حقبا من الحرب الأهلية، يُحتمل أن يأتِ بتصويتٍ يُفضل إستقلال جنوب السودان."إننا سائرون علي طريق الإجراء والدعم لما تم إكماله من الأطراف... ولذا ليست لدينا اسباب معينة يزداد بها التشاؤم"، كما رأي رامتان لامامرا. "نشاطر الأطراف السودانية عزمها علي بذل كل ما في وسعها لتحقيق ذلك الميعاد"، أفاد رويتر في مقابلةٍ معه في العاصمة الليبية.

كان لامامرا يتحدث بعد أن تم تنوير مجلس السلم والأمن بالإتحاد الإفريقي من ثابو أمبيكي، رئيس جنوب إفريقيا السابق الذي يترأس لجنة ًمن "حكماء" إفريقيا تحاول تذليل مصاعب الإختلاف بين جماعاتٍ متحاربة في السودان. وعلي الأمم المتحدة أن ترفع عدد موظفيها العاملين علي حفظ السلام في السودان تحضيرا للإستفتاء. حكومة الخرطوم لا تريد للجنوب منتج النفط أن ينفصل، وقد تجادل الجانبان كيف سيتم إجراء التصويت. ويري محللون أن العنف يمكن أن يلتهب إذا تأجل الإستفتاء أو عُبث به.

صدّقت قمة الإتحاد الأوروبي والإتحاد الإفريقي في طرابلس بالثلاثاء علي قرار يُهيب بكل الأطراف قبول نتائج الأستفتاء. وقال لامامرا أيضا إن الإتحاد الإفريقي طلب من الأمم المتحدة أن تجعل دفع الفدية إلي الجماعات المحاربة أمراً غير قانوني في كل أنحاء العالم. وفي رأي محللين أمنيين أن هذه الدفعيات تستعمل لتمويل عنف الجماعات. وقد اشاروا علي وجه الخصوص لدفعيات سُددت في الماضي لفك غربيين من أسر جناح القاعدة في شمال إفريقيا. إن الجماعة تحتفظ الآن بسبعة رهائن، من بينهم خمسة فرنسيين، إختطفوا في النيجر. ثم طلب الإتحاد الإفريقي من مجلس الأمن في الأمم المتحدة أن ينظر في تعديل عهدٍ دولي في شأن أخذ الرهائن ليحّرم دفع الفدية لآسريهم: "الكرة الآن في مرميm  الأمم المتحدة،" يقول لامامرا: " ومثل هذه الأشياء مقدماتٍ في النظام القانوني الدولي. وهي مرغوبة، وممكنة. ولكنها تحتاج إجماعا دوليا."

 

تعليق

تظاهرت في القمة قبضة أوروبا الحديدية من جديد في تاريخ علاقات ما بعد التحرر الوطني للقارة الأم. واكتفت بمفوض إتحادهم العريض ومتحدث آخر بإسم البلجيك، مشطرو الكنغو بعرض القارة ما قبل التحرير، يفاوضان شروطا قاسية علي طريق ترويض ٍجديد لدول ٍيتسابق بعض قادتها لإرضائهم قبل عنائهم بحق الشعوب علي الرئاسة وسلطاتها. وأبدي الأوروبيون تعاطفا مشروعا مع حق جنوبنا في تقريرمصيره، ولم يلقوا بالا مطلوبا لحق شمالنا في وحدة الوطن الطوعية، البند الرئيس في إتفاقية السلام الشامل، وزبدة الإتفاقية للتحول الديمقراطي الصحيح في أرض المليون ميلا. بذا، تخلت أوروبا التجارية عن حدب أوروبا الديمقراطية السابق علي دمقرطة القارة كأقوي إستراتيجية سياسية وإقتصادية لإصلاح إتفاقاتها المالية مع "الشركاء الأفارقة"، وضمان إسترداد ديونها الفادحة في القارة علي المدي البعيد، إذ لن تتمكن من الحصول عليها من أنظمة الديكتاتورية والإستبداد ما لم تنتكص علي أعقابها، وتقطع كل حبل علنيا كان أم سريا مع الديمقراطية والحريات والحقوق، لتذيق الشعوب وقواها المنتجة إستعمارا باهظا مستجدا. "فكأننا يا زيد لا رحنا ولا جئنا"، قالت العرب.

 

المخاوف تظلل القمة

الإتحاد الأوروبي وإفريقيا "يدينان بحزم كافة التغييرات اللادستورية للحكومات وهي، إلي جانب الحكم السيئ، واحدة من المسببات الرئيسة لعدم الإستقرار." هذه إدانة قوية مستحقة. ولا نري أن رأي رئيس الشرطة السودانية القائل بأن "سلبيات الحرب وعدم الإستقرار من عمل المنظمات الأجنبية بما تستثمر من مصالح في القطر" مساويا علي الأقل من الناحية النظرية لعظم مقدار ما يسببه "الحكم السيئ" للشعوب والأوطان من "مسببات الحرب وعدم الإستقرار"، وهو العامل الجوهري المدان في القمة الأوروبية-الإفريقية من قادة القارتين ومن ورائهما العالم بأسره. ومن الخطورة بمكان أن تمضي حكومة الخرطوم في تصعيد العداء مع منظمات الإغاثة الأوروبية التي لا تملك الدولة لها بديلا لسياستها الغافلة عن حقوق منكوبيها وحرياتهم من جهة، وعداواتها الحمقاء مع المانح الخارجي من جهة أخري. وما من حاجة لإدانة التجني الحكومي الدائم علي منظمات المجتمع المدني المستقل.

ألقت مخاوف أوروبا علي أمان أبنائها ومصالح تجارها بأثقالها علي القمة، تطالب القارة بكفالة الأمن والضرب علي مختطفي أهلها بأيدٍ من حديد، والإستنجاد بمجلس الأمن الدولي لتضييق الخناق علي جماعات الخطف بتحريم أي تعامل ٍمالي معهم لافتداء ضحاياهم. ونقول إن حق الأسري في الحرية والأمن حق اصيل لا مرآء فيه، وإن حقوق الناس وحرياتهم المرعية لا يختلف عليها حقوقي، ولا يجب أن يعاكسها إنسان، وكل إضافة في القانون الدولي مطلوبة في هذا الإتجاه. علي أن لامامرا مفوض سلم إفريقيا وأمنها لم يهتم في مرافقته صنوه الأوروبي بتفريز جماعات القارة المحاربة وفقا لأجندتها المشروعة لمناهضة "الحكم السيئ"، المسبب الرئيس لظهورها في الساحة، وسعيها ضمن الحركة الجماهيرية الديمقراطية العريضة لقسر "الحكم السيئ" علي احترام إرادة الشعوب و"إجراء كافة التغييرات الدستورية" الحقيقية لتأسيس دولة ديمقراطية مستقرة لكل الشعب.

أجمل المفوضان عصابات "القاعدة" الأجنبية الإرهابية مع حركات وطنية إفريقية تسعي لفرض تسويات عادلة مستحقة علي حكومات إستبدادية متجبرة. ولم يذكرا لما تثور"جماعات القارة المحاربة" علي سلطات بلادها وتلجأ في عملياتها - خطأ مريعا لا شك في ذلك - لأسر زوار آمنين أو رجال أعمال أجانب. ولعل القمة أودعت لقاءاتها السرية شيئا من الرغبة في تسوية نزاعات حكامها الأساسية مع مواطنيهم قبل أن تنصاع لضغط دائنيها علي سياداتهم، فلم يأت "المراقبون والمحللون" علي هذه الأجندة الخفية ذكرا، وما وجدوا لها في البيان الختامي غير تثريب.

وما أوسع الشقة بين جماعاتٍ وطنيةٍ تود من حكوماتها الإلتفات الجاد لمطالب شعوبها بإحترام كرامتهم وتأمين مصالحهم الحيوية في ديارهم، وإنهاء فقرهم بما رزقهم الله من خيرات في أرضهم "واللهُ خيرُ الرَازقين"، وتحديث البني التحتية والفوقية وتوفير التعليم والصحة، وإيفاء الحقوق السياسية والمدنية والثقافية والإجتماعية الأخري للمحرومين من جهة، وتلك العصابات المترفة الإرهابية التي أذاقت المدنيين الآمنين الرعب الهائل بإسم الإسلام النقي الطاهر، والقاعدة وإنقلابيو التنظيمات العقائدية المتخلفة والمتربصة بالديمقراطية في القارة وخارجها علي رأسها.

أكد جان بينق، أعلي دبلوماسيي الإتحاد الإفريقي: "إننا ضد العدالة بمكيالين، يُساق سارقو الدجاج إلي العدالة، ويُطلق عتاة الإجرام." وهذه يا صاحبي بيت القصيد في الولوج إلي عقدة الصراع المسلح في قارتنا الفتية؛ ولو نظر كثير من القادة الغائبين منهم والحاضرين إلي مكانتهم من شعوبهم لأدركوا مدي ما يفصل "الحكم السيئ" بينهم وبين شعوبهم المقهورة وجماعاتها المحاربة من مساحات واسعة. ولن يدين مقهورٌ في الأرض مَنْ يناضل في ثباتٍ لإستعادة حقه المهدور، حكمة علي مدي التاريخ أشهرها الأنبياء والنبلاء في وجه الجبابرة والطغاة، ورددها في إفريقيا قادتها الأنقياء نكروما ولوممبا ومانديلا وكنياتا وناصر وسيكوتوري ونايريري وعشرات غيرهم من زعماء حركة التحرر الوطني العظيم.

فمن قال أن السودانيين الذين لم تكف عقولهم النيرة وتنظيماتهم الجماهيرية المستقلة في يوم من الأيام عن إحتضان حركة التحريرالوطنية الديمقراطية يصح أن يدينوا بمثل هذا التراث الرائع نضالات أبنائهم في الحركة الوطنية السودانية – من إعترف به "الحكم السيئ" فشاركه الحكم – ومن أنكر عليه "الحكم السيئ" حق الدفاع المشروع عن مصالح ملايين المشردين المظلومين قهرا وعدوانا آثما بأيدي سلطة جائرة؟! لن ينسي السودانيون إستباحة وطننا السوداني أرضا ودولة لإقامة معسكرات الإرهاب في غفلة إنقلابيي الجبهة القومية الإسلامية عن مصالح السودان العليا، وشبقهم للسلطة والمال بتخريب نضالات شعبنا الوطنية والدولية المجيدة وسيرته الراقية في صداقة الدول والشعوب، والإهمال المتعمد لرعاية مصالحه إلتزاما بالشرعية الدولية، وهو الشعب الذي علم في القارة كيف تنتفض الجماهير لإزالة الإستبداد، وكيف تقام الأنظمة الديمقراطية المنتخبة فوق زرائب الإنقلابات، وتدافع عن حق الصين الجحودة في الإنضمام إلي الأسرة الدولية.

 

إفريقيا تتمسك بوحدتها

"يتجه مقود مؤسسات الدولة إلي أي ناتج يتمخض." قالت تقارير الغرب الرقيبة. ونقول: أبمثل هذا "التعويم" تحقق أمة وحدتها؟ كم ذا يسجل التاريخ للحكام إهدار أوطانهم! وقالت أنباء إفريقيا لصيقة الصلة بالفرنجة إنه"بوضع اهتمام الرئيس باراك أوباما في نزاعات السودان المركبة... ما من شكٍ أن واشنطن تؤيد خروج الجنوب كوسيلةٍ لإزالة مظالم تاريخية." وفي تفكير كرايسيس قروب "الواجب علي الدول والمؤسسات الإقليمية أن تنظر في أفضل الطرق للرد، حتي تؤكد إحترام حق تقرير المصير وتفادي وقوع نزاع جديد... معني هذا أن دول الجيرة ينبغي أن تكون مستعدة لشغل الخرطوم وجوبا بمفردات الإستفتاء والتطبيق السلمي لناتجه."

وتعليقنا هنا يشدد علي أن "إزالة المظالم التاريخية" لا يعني بالضرورة "خروج الجنوب" من جسد أمته السودانية وهو "مضمومٌ في ضلوعها" في كلمات عبدالحي الحية وغناء أحمد المصطفي البديع، وإلا كان من الممكن تصور شرق السودان مُسرع الخطي للخروج مع ولايات الشمال وإقليم دارفوروكردفان جنوبها وشمالها. فكل هذه الضلوع السودانية الفريدة اسيرة "مظالم تاريخية" ضخمة يعود بعضها إلي عهودٍ فرعونية قبل آلاف السنين، وإلي الإستعمار التركي والأوروبي وما تبقي من آثاره السقيمة ضد الحقوق والحريات في ظل وارثيه أنظمة الديكتاتورية والإستبداد الماثلة بعنف السلطة لا غير إلي اليوم. ثم نتساءل، وهل فصلت أوروبا أو الولايات المتحدة "ضلعا" من ضلوعها عن بقية جسدها "لمظالم ٍتاريخية"؟! "مالكم كيف تحكمون".

أما أهل السودان الاقربين في دول الإيقاد المحيطة بالجنوب والشرق، وجيرة الشمال والغرب مصر وليبيا وإفريقيا الوسطي وتشاد، فلهم فضلٌ لا ينكر في مخاطبة السلطة السودانية – أيا كانت – بعين الوداد؛ لا يدفعون وحدة وطننا في وُهدة الإنفصال؛ يخشون علي جنوبه من"تبدد عوائد النفط في المنصرفات العسكرية علي حساب الخدمات الضرورية"، ومن "النزاعات الجديدة" بفتحها "باب جهنم" الذي ردد عبدالله دينق وداك بيشوب ضمن قادة جنوبيين وشماليين عديدين تخوفهم من انفتاحه في إقليم ٍيضم "أكثر من 80 مجتمعا إثنيا"، والولاء فيه للقبيلة. حقا، هناك تفاؤلٌ جميلٌ من الحركة الشعبية والإتحاد الإفريقي. وهناك أيضا محاذيرٌ هامة من قوي الإجماع الوطني المهمومة من آثار نهب حزب المؤتمر الوطني الحكومي للإنتخابات القومية ومردودها علي استفتاءٍ تدق في الاسماع مخاوف غربيين من "نشوب حربٍ أهليةٍ به"، وقلق ساسةٌٍ جنوبيين من إنفراد السلطة بنتائجه وثمراتها المتوقعة، بمثلما تضغط أخطار الإنفصال علي المعنيين من العشيرة والجيرة والقارة والغرب والمجتمع الدولي علي السواء.

__________________

*الأيام: المقال الأسبوعي، ديسمبر 2010




 



© Copyright by sudaneseonline.com