From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
ملاحظات على رواية"آخر يهود الإسكندرية"/أحمد حمزة أحمد
By
Dec 22, 2010, 18:21

 

 

 

ملاحظات على رواية"آخر يهود الإسكندرية"

 

 

لست بناقدٍ –ولا علم لي بالنقد الأدبي أو الروائي – بل مجرد قارئ أجبرني كاتب الرواية  على أن أسجل هذه الملاحظات وهو أمر مشروع لحد الواجب!.

 

() تدور أحداث رواية "آخر يهود الإسكندرية"(2008م) للكاتب المصري معتز فتيحة- بين الإسكندرية التي دارت فيها معظم أحداث الراوية،وبين براغ ولويلن ببولندا، وتتلخص أحداثها في ما لقيه اليهود من إضطهاد على يد النازية قبيل الحرب العالمية الثانية،جنباً إلى جنب العلاقات الإنسانية معبراً عنها بعلاقات الحب التي نشأت بين أبطال الرواية والتي وقف الدين حائلاً لنجاحها، حيث هربت أخت "يوسف" "اريتا" مع حبيبها ذو الأصول الإسبانية"أوجستين" بعد أن مارسا الحب وفقدت عزريتها،وحب "بارا" و"فرانز" ،ولكن تحتل قصة حب "يوسف"–الذي ينحدر من أسرة يهودية إسكندرانية ميسورة الحال ومتمسكة بيهوديتها حد النشاط،والطرف الآخر "سارة" مسلمة من عائيلة مصرية ذات أصول إنجليزية ،وهي أيضاً أسرة ميسورة و تعيش في نفس الحي  الذي يسكنه"يوسف" ويقف إختلاف الدين سبباً في رفض أسرة "سارة" لإرتباطها "بيوسف"،ويتخذ المؤلف من حرمان العاشقين من الوصول للنهاية المأمولة سبباً لإثارة أمرعلو الإنسانية على الإنتماء الديني، وذلك في تساؤل شاعري على لسان "يوسف": عندما يقول" لماذا وجد هو وهي على أديان مختلفة وما فكرة الاله الأوحد في تعدد الاديان ،قد تكون الرسالة واحدة،مثلما هو الجمال واحد ولكن الرؤية البشرية المختلفة للامور المطلقة، جعلت للصراعات الانسانية مبرراً مع إشتراك النهاية للجميع ... الموت القادم"- ص (305) من الرواية. إن معتقدنا  -وكتب الأنبياء المبرأة - يقرر أن الرسالة بالفعل واحدة، فالمسلمون يؤمنون بابراهيم واسماعيل واسحاق ويعقوب وموسى وعيسى والنبيون جميهم دون تفريق لأن رسالتهم جميعاً هي التسليم لله الواحد الأحد. ولكن هوى الآخرين ساقهم إلى الإنكار ..وهكذا جرت سنة الله في خلقه......... وفي هذا فإن إدانة الكاتب للتعصب أو الفوارق القائمة على أساس ديني،هي إدانة إنتقائية،وإلا فكيف نفسر توظيف الدين من قِبل الحركة الصهيونية لتحقيق الوطن الموعود!...لهذا جاءت فرحة "بارا" بحملها وعبرت عنه قائلة " بأن الله ربما أراد أن يؤخر حملها لتضع طفلها الأول في الأرض المنتظرة المختارة للشعب اليهودي"،فكيف في وجود هذا التعصب الذاتي والقائم على الذات أن يوجد الجمال الذي يحلم به المؤلف،وقد تأسست قناعات الحركات العنصرية على نفي الآخر وتجريده من أرضه وإنتهاك مقدساته!!.

......................

........................

عند ابداء مشاعرها الفياضة تجاه "يوسف" تقول "سارة" –وهي تحاور نفسها)) فهو افضل من عاملها ...اكثر من حاول فهم من هي....حاول مساعدتها بشكل دائم....ما الفائدة إذا من أن ترتبط عاطفياً على أساس ديني فالحياة مجموعة من الخيارات....))، وضعف الحوار الذاتي الذي أجراه الكاتب داخل "سارة" ينشأ من أنه يضع الإختيار على أساس وحدة الدين في مواجهة كل ما هو جميل وملبي لأشواق النفس وخلجاتها،وهذا أساس واهِ للمفاضلة،فكم هي قصص الحب التي نشأت بين من يتماثلون في المعتقد الديني وترعرعت وتوجت بأجمل ما يشبع هوى النفس. هذا فضلاً عن أن "سارة" لم يكن لديها علاقات أو تجارب مع آخرين سوى "يوسف" لهذا فعقد المقارنة تكون في فضاء غير مطروق بالنسبة لها.ولا يفوت أن نشير هنا أن المعتقدات الدينية لها قدسيتها فمنع المسلمة من زواج غير المسلم له قدسيته وقيمة لا يمكن يتعامل معها بتجريدها من  عمقها العقدي المحفور داخل الوجدان الفردي والجمعي، فهذا مما أصبح جزء من نسيج الفرد المسلم ومجتمعه،مما لا يمكن إخضاعه لشعور فردي جامح.

 

..............................

 .............................

في محاولة تعلية مكانة "يوسف" لدى "سارة" لجأ الكاتب لطريقة مختصرة و سطحية،وهي تبخيسه من شأن زوجها "عاصم" فهو سادي و يهتم بسهراته المتعددة ،وخارج المنزل بسبب عمله العسكري ....وهو تدخل مباشر من الكاتب لا توجد أحداث داخل الرواية تقود القارئ لهذه القناعة. مع العلم ان تحقير "عاصم" تم حتى بعد مات في حرب (1967) وهو يدافع عن وطنه كضابط...فهذا ليس مهم ....بل المهم هو أن يظل موضع إزدراء. كما أن حيلة قتل عاصم كانت ضرورية لكي يصبح لقائها "بيوسف" مبرراً متحررة من زوج عاشت معه وانجبت منه ومات مستشهداً في سبيل وطنه......

........................

.......................

من مواضع الضعف التي نرصدها هي "دودي"،والتي ظلت بدون دور- إلا ما جعلنا الكاتب نشك في انها هي التي فضحت لقاءات "سارة" بيوسف وسربت صورها إلى والد سارة. ولكن هذا كان من الممكن أن يتم بأي طريقة دون خلق شخصيات لا موقع لها في أحداث الرواية ،خاصة أن مرافقتها "لسارة" عندما ذهبتا لمقهى "كريستال" للإحتفال بعيد ميلادها مع "يوسف" غير مبرر وخارج عن السياق،فما الذي يجعل "دودي" ترافق محبوبة ذاهبة لمقابلة حبيبها وهي ليس لديها من سوف تلتقيه!!.

..........................

.........................

ارتباط "سارة" واستمرار "يوسف" في حبه المقدس لها حتى بعد أن بلغا السبعين من العمر ،هو شبيه بقصص الحب الاسطورية، وهو ما لا يعبر عن ما اتسمت به الرواية من ارتباط بالواقع وبما يتمتع به البشر من قدرة التكيف مع الواقع،فالشعور الإنساني مهما كان عاصفاً جارفاً،فالسنين كفيلة بأن تنعم عليه بنسيان الحزن مهما كان غائرةً جراحه،وكذا مشاعر الحب مهما حفرت لها في النفس دروباً فهي سوف تفسح للمشاعر المتجددة كوة ينسرب منها شعاع عاطفة أخرى ..... وهذا ما يؤكده نسيان "بارا" لحبيبها "فرانز" على الرغم حبهما الجارف الذي جسده مشهد فراقهما على صفحتي (156-157) فهو يزلزل الصخر !وعلى الرغم من ذلك فبعد ما لايتجاوز السنتين إنطوت قصة حبهما بقوة لا دخل لهما فيها والخلاصة أن النسيان طوى ذكرى "فرانز" وتزوجت "بارا" "ايزاك" وأصبح محبوبها وحملت منه .......فإن اراد الكاتب أن يبقي على حب "سارة – يوسف"رمزاً للمصالحة بين الإنسانية دون التفات لما يفرق،فهو أيضاً يتجاهل عمق العقيدة وحب المعتقِد لعقيدته، خاصة وان طرفاً يمارس جبروت القوة وسطوة السيطرة.

..................................

..................................

() أسرف الكاتب في وصف تفاصيل أحداث الممارسة الجنسية خاصة بين العشاق" اريتا – أوجستين" وبارا- فرانز"، بل "أريتا" تبرر لنفسها بعد أن فقدت عزريتها مع "أوجستين" بأن ما تمارسه هو "تكامل جسدي" وانها شريفة وليست عاهرة يستبيح جسدها الرجال بل تتساءل عن عن معنى الخطيئة طالما في الأمر تكامل!،والمهم هو أن السايق لم يفرض معالجات جنسية بهذه التفاصيل الأمر الذي جعلها مفتعلة.

.............................

.............................

استنكر "يوسف" أن يخيره الأمن بين أن يختار مغادرة الإسكندرية- بعد التفجيرات التي نفذتها خلية يهودية و سلّم "ايزاك" نفسه- وبين أن يبقى بالاسكندرية ولكنه سوف يكون محل اشتباه. وتساءل "يوسف" –وهو محق- كيف يوضع  بين خيارين وهو مواطن مصري لا شأن له بما ترتكبه الطائفة. هنا نجد ان هذا الموقف يكثف درجة التعاطف مع "يوسف"، ولكن سياق الأحداث جعل اليهود جميعهم يتخلون عن هويتهم الوطنية ويلوزون بالحركة الصهيونية، "فايزاك" هو الاخ الأكبر "ليوسف" وكادر منتمي للحركة الصهيونية بل اشترك في أعمال تفجيرات بالقاهرة، وبالفعل كان من الضروري أن يسلط الكاتب ضوء على الصراع بين الهوية الوطنية لكل يهودي وبين الإنتماء للحركة الصهيونية وقد كان هذا ممكناً من داخل أحداث الرواية و شخوصها،ولكنه لم يجري أي حوار –سواء بين شخصيات الرواية أو حوار ذاتي داخل أي من أبطاله،الأمر الذي أضاع مادة كان من الممكن أن ترفد الراوية ببعد إنساني عميق وجدي يجرد الأهداف من طائفيتها وغرقها في العاطفية.

............................

............................

() يتمتع الكاتب بقدرة عالية على وصف الأمكان والأشخاص مورداً تفاصيل تنقل القارئ إلى الزمان والمكان الذي يريده الكاتب دون أن يتسرب الملل للقارئ–الذي يكون عادة متشوقاً للحدث والفعل أكثر من الوصف الخارجي للأماكن.كما أن الكاتب اتبع أسلوب "الفلاش باك" في تنقله بين مشاهد الرواية وهو بذلك تقلب على التقيد الذي يفرضه تواصل المراحل من قيود وأيضاً يطفي مفاجأة تشد القارئ. كذلك فإننا نجد استدعاء وقائع التاريخ –بقدر جيد- ووظفها بما يخدم محور الصراع الأساسي للرواية وهو الأوجاع الإنسانية في تجربة إضطهاد اليهود التي من خلالها تنداح المأساة لتعم الإنسانية حسب أحداث الرواية ورؤية الكاتب،وذلك من خلال علاقات الحب التي نشأت بين شخوص الرواية والتي كانت علاقة يوسف وسارة أكثرها رومانسة لحد الأسطورة. كل ذلك في أسلوب مفعم بعنصر التشويق . وهنا نشير إلى أن الكاتب اعتمد على طريقة السرد التي تتم على لسان الكاتب الأمر الذي يتطلب مهارة فائقة تلزم الكاتب بأن يفرق بين قناعاته الشخصية و تحليلاته الخاصة وتلك التي تنشأ بتلقائية من داخل الحدث الذي يفرضه منطق التطور الدرامي لا الرؤية الخارجية للكاتب. واعتقد أن الكاتب في كثير من المواقع قد إختل لديه هذا الميزان الصارم.

فكثيراً ما نجد أن الكاتب يضعنا أما رأيه الخاص باسلوب خطابي مباشر ينتقص كثيراً من حيادية الكاتب بما يؤدي إلى ضمور وتضاءل دور أحداث الرواية في التأثير على المتلقي. ونسوق مثلاً لهذ المباشرة والخطابية السياسية عند الكاتب، فعند تحدثه عن ظلم قوانين محكمة " نيورمبرج" الالمانية المسماة بقوانين حماية الدم والشرف الالماني التي منعت الإختلاط الجنسي بين الألمان واليهود...نجد الكاتب على صفحة (78) يضع القارئ مباشرة أمام تقيمه الشخصي قائلاً :"فأي قانون هذا لأي نوع من الشرف؟،ومتعة العمل الفني أن يترك الكاتب للقارئ أن يستنتج إدانة هذا القانون من أحداث الرواية لا أن ينصب الكاتب نفسه واعظاً أو داعية للمدح أو الإدانة.وهذا الضعف سوف نجده في مواقع أخرى من الرواية التي حفلت بأحداث حقبة تاريخية مؤثرة. الأمر الآخر هو أن إنحياز الكاتب المباشر لأحداث محددة قاده ،أحياناً،إلى أن يورد الوقائع التاريخية منقوصة أومبتورة، فقوانين محكمة " نيورمبرج" المشار إليها، لم تمنع الإختلاط الجنسي بين الألمان واليهود حصراً،بل منعت الإختلاط  الجنسي بين الألمان والاعراق غير الراقية ومقصود بهم: السلاف والغجر والاقزام واليهود والملونيين ،وهكذا نجد أن كثافة التركيز العاطفي على مأساة اليهود،قاد الكاتب إلى غض الطرف عن الإضطهاد الذي مارسته النازية على الإجناس الأخرى.

....................................

 ..................................

() في سياق حماس الكاتب نجده يتعرض لأمور تاريخية بطريقة تخالف وقائع التاريخ،فنجده على صفحة (241) من الرواية يقول (( في بداية عهد الصهيونية وبعد وعد "بلفور" لم تكن تتعارض الصهيونية مع العمل الوطني)) !! بل يسير إلى أبعد من ذلك في السطور اللاحقة لينتقل من (عدم تعارض الصهيونية مع العمل المصري الوطني إلى وصف الشعور المصري تجاه الصهيونية بالتعاطف!! هكذا !!. فهل الكاتب ليس على دراية بوقائع تاريخ الحركة الصهيونية و أهدافها؟ فهي حركة تاريخها معلوم وأحداثه ماثلة فمؤتمرها الأول ببازل (أغسطس 1897)  هرتزل حدد في خطاب الافتتاح أن هدف المؤتمر هو وضع حجر الأساس لوطن قومي لليهود، وأكد أن المسألة اليهودية لا يمكن حلها من خلال التوطن البطيء أو التسلل، وقد حدد المؤتمر ثلاثة أساليب مترابطة لتحقيق الهدف الصهيوني، وهي: تنمية استيطان فلسطين بالعمال الزراعيين، وتقوية وتنمية الوعي القومي اليهودي والثقافة اليهودية، ثم أخيراً اتخاذ إجراءات تمهيدية للحصول على الموافقة الدولية على تنفيذ المشروع الصهيوني. والمؤتمر الثاني:  بازل، أغسطس 1898 *. عُقد برئاسة هرتزل ولجأت قيادة المؤتمر إلى تنمية روح التعصب الجماعي والتضامن مع المستوطنين اليهود في فلسطين بالمبالغة في تصوير سوء أحوالهم، وهو ما بدا واضحاً في تقرير موتزكين الذي كان قد أُوفد إلى فلسطين لاستقصاء أحوال مستوطنيها من اليهود**..الخ. فكيف يريد مؤلف الرواية أن يجعل من أهداف الصهيونية أهدافاً لا تتعارض من العمل الوطني المصري فحسب بل – في رأيه أنها أهداف لقيت التعاطف المصري؟ والغريب الذي يلفت الإنتباه أن المؤلف يؤرخ للتعاطف الوطني المصري المزعوم بأنه كان حتى بعد وعد "بلفور" !! أي حتى بعد أن تحول الحلم الصهيوني إلى واقع واقتطع أرض فلسطين للدولة الصهيونية على حدود مصر!!. الذي لا شك فيه أن الكاتب يحتاج لمراجعة سريعة كفيلة بأن تجعله يعيد النظر فيما قاله في هذه الجزئية.

............................

وفي سبيل هذا الهدف مارست الحركة الصهيونية العنف لإجبار السكان العرب على مغادرة أرضهم،فقد تم إنشاءالتنظيـمات الصهيونية العسـكرية قـبل مايـو 1948 " فكانت بعض التنظيمات توجه عملياتها العسكرية ضد السكان العرب الفلسطينيين أصحاب البلاد، وكان البعض الآخر يُوظِّف نفسه في خدمة الدولة الإمبريالية الراعية وصراعاتها الممتدة إلى خارج المنطقة"**. ومن المنظمات التي أسِّست لخدمة الهجوم على العرب نجد منظمة بارجيورا، ثم منظمة الحارس (الهاشومير) التي أسِّست عام 1909، ثم النوطريم التي أسستها سلطات الانتداب البريطاني بالتعاون مع الهاجاناه للمساعدة في قمع الانتفاضات الفلسطينية العربية التي قامت في فلسطين في الفترة من 1936 وحتى 1939. ومنها أيضاً منظمة إتسل التي قامت في فلسطين عام 1931 انطلاقاً من أفكار فلاديمير جابوتنسكي***.

 

وأما المنظمات التي تم تأسيسها للمشاركة في تدفُّق المجهود الحربي الاستعماري فنجد منها منظمة الحارس نفسها، ثم فرقة البغالة الصهيونية والكتائب 38 و39 و40 التي شكلت الفيلق اليهودي في الحرب العالمية الأولى، إضافة إلى الهاجاناه والبالماخ واللواء اليهودي الذي تم تشكيله بقرار من الحكومة البريطانية عام 1944. هذا بالإضافة إلى منظمة ليحي (شتيرن) التي طرحت فكرة الوقوف إلى جانب ألمانيا النازية للتخلص من الاحتلال البريطاني لفلسطين، ومن ثم إقامة الدولة اليهودية.***

 

وفي عام 1948 كان التجمُّع الصهيوني الاستيطاني في فلسطين يضم ثلاثة تنظيمات عسكرية هي: الهاجاناه وهي كبرى التنظيمات الثلاثة وكانت خاضعة للوكالة اليهودية، ومنظمة إتسل المنبثقة عن أفكار جابوتنسكي التنقيحية وكانت آنذاك بزعامة مناحم بيجين، ومنظمة ليحي وهي أصغر المنظمات وكانت قد اشتهرت باسم قائدها أبراهام شتيرن*** . هذه هي الفترة التي تم فيها بناء جيش الحركة الصهيونية على الاسس الاستعمارية ولكن لغرض استيطاني ولنفي شعب من أرضه.فمن أين يتأتى للمصريين أن يتعاطفوا مع أهداف صهيونية تبلورت منذ نهايات القرن التاسع عشر؟

 

() على صفحة (243) عند إزدياد الصراع العربي الصهيوني مع استعداد الإستعمار البريطاني على الإنسحاب ،وفي الفقرة السابقة على الصحفة (242) يذهب المؤلف وبأسلوبه التقريري العاطفي إلى القول أنه "مع زيادة الاضطهاد النازي لليهود الأوربيين زاد التعاطف العربي مع اليهود بشكل عام". ولا ندري هل يرمي الكاتب للثناء على إنسانية العرب في مقابلة وحشية النازية،وإن أدى ذلك إلى تجاهل وعد "بلفور"( 1917م)!،والأسلوب التقريري للكاتب لا يضمن بالطبع أي أحداث من خلالها يفهم المتلقي أوجه التعاطف العربي مع اليهود. ولكن هل التعاطف مع مأساة ملة من الملل تعني تعاطفاً يهدر حق المتعاطفين!،أم أن القصد هو التأسيس  لتمييع الصراع ؟

على ذات الصفحة يشير الكاتب إلى قرار التقسيم (1947م)،ولكنه يصمت عن مأساة العرب الذين أجبروا على ترك أرضهم،فكم هي الأسر و العوائل التي تمزقت وتشتت،وكم من حبيبة فارقت حبيبة و كم من أرملة بكت الزوج  وكم من أم ثكلت بفقد الولد والمأوى وكم من فلاح بكى الزرع والضرع والأرض وكم هم الذين حرموا من مهد صباهم وحضن مزراعهم؟ ألم تكن هذه مأساة إنسانية ؟ ربما تولد هذه المأساة –في يوم من الأيام مادة لرواية قادمة للمؤلف،فهو ذو وجدان إنساني تحركة مأساة الناس. ولكن الكاتب يصدمنا في الفقرة الثانية من ذات الصفحة بعبارة )كانت السعادة الغامرة تعم "ايزاك" بعد معرفته بخبر التقسيم)- و"ايزاك" هو أحد شخصيات الرواية اليهودية النشطة-،كأنما أن إسعاد طرف أو أمة أو ملة يجب أن يكون بخلق مأساة آخرين، فنقاء الجنس الآري هدف يسعد القيادة النازية وإن جاء على جماجم الأبرياء من يهود وغيرهم،وفرحة وسعادة "ايزاك" لا سبيل لتحققها إلا على أشلاء أصحاب أرض فلسطين! هكذا المقابلة تفرض نفسها.فعلى صفحة (296) تتواصل إنتصارات "ايزاك" منتشياً:( وبعد قرار الهدنة وانتصار اسرائيل الكاسح،وقرار وقف اطلاق النار وهزيمة العرب والعودة احس ان تضحياته المقدرة ماليا لم تكن بلا داع،فالوطن قد خلق وسيظل ليبقى)،ونشوة "ايزاك" بالنصر تفتقر إلى القيم العدلية الإنسانية التي سعى الكاتب لجعلها موضوعاً للرواية ،فإجلاء سكان الأرض لا يهم –بل هو ضروري لنشوة الإنتصار وتشريد السكان من دورهم وقراهم وشتلات زيتونهم، هو حتمي لنشوة "ايزاك" وحاسم لبقاء الوطن الوليد. فهل هذا سوف يغرس غرساً للإنسانية التي نادى بها المؤلف في الرواية في ظل مطالبة إسرائيل بأن تكون دولة يهودية-أي لا مكان –ولا مجال –للحديث عن إنسانية بل عن "دولة يهودية"من لا يدين لليهودية بالولاء لا مكان له،وهكذا فإن عرب (1948م) إما أن يتحولوا بالولاء لليهودية أو يغادروا ...كل هذا يفرح ويسعد "ايزاك" لأنه الهدف وثمرة تضحيات اليهود!!.

................................

() لا يخفي الكاتب رؤياه السياسية باسلوب خطابي ،وخطابيته ليست المأخذ الرئيسي –فهذا شأن إبداعي- ولكن أن تتضمن هذه الخطابية مخالفة وقائع التاريخ أو تحليل هذه الوقائع بما يخدم الرؤية السياسية للكاتب ،فهنا الكاتب يجبر القارئ على مراجعة أحداث التاريخ المعاصر والأحداث الماثلة، ونورد هنا بعض ما أورده المؤلف : في صفحة (294) على لسان "إيزاك" يقول(( فبعد قرار الامم المتحدة بتقسيم فلسطين لم يكن يتخيل احد حتى المصريين أنفسهم أن تتدخل مصر بحرب نظامية...))،-لاحظ هنا "إيزاك" يخرج نفسه من زمرة المصريين –أي يهوديته هي التي تسود عما سواها،وهذا المفهوم العنصرى لمعنى الوطن و الوطنية طبع الكيان الصهيوني. ولكن أن تعتري "ايزاك" الدهشة جراء دخول مصر الحرب ضد التقسيم،فهذا لإنحصار أفقه الذي يختزل الوطن في الفكر الصهيوني الناشئ في سياق التطور الإستعمار و الإمبريالي العالمي،ولا يتخطاه للمعاني التي انطلق منها الجيش المصري صوب فلسطين والتي منها الشعور القومي والقناعة بمناصر الحق الإنساني لأصحاب الأرض، كما حدود فلسطين التي سيطر عليها الصهاينة هي حدود مصر وأمنها لهذا كانت الحروب، وقد ساق المؤلف أفكار "ايزاك" دون أن يجعلها تصطدم بما يناقضها –سواء على مستوى الوقائع أو الوعي!!.

() في سياق حشد المؤلف  لقناعته "لتطبيع" الشعور العربي تجاه الدولة اليهودية، نجده على صفحة (319) –وفي حديثه عن ثورة 23 يوليو 1952م( المؤلف يصفها بأنها إنقلاب عسكري –وهذا غير مهم) المهم هو ما ذهب إليه من (( أن الجميع قد ظن أن الحكم العسكري بقيادة اللواء محمد نجيب قد يقبل وجود اسرائيل والتعامل معها بسلام)) .. ويمضي متحسراً في نهاية الصفحة (( ولكنها العادة البشرية في البحث عما هو غير موجود بدافع أنه الأفضل للجميع)). السؤال الأول هو أن المؤلف أقحم نفسه في جزئية لم يدري كيف يخرج منها،فهو قد طمس هدف من أهداف ثورة الضباط الاحرار في مصر (1952م)، التي من جاء في بيانها الأول الذي قرأه "محمد نجيب" ما يلي:-

" أجتازت مصر فترة عصيبة في تاريخها الأخير من الرشوة والفساد وعدم استقرار الحكم، وقد كان لكل هذه العوامل تأثير كبير على الجيش، وقد تسبب المرتشون والمغرضون في هزيمتنا في حرب فلسطين.." – أي أن فلسطين وهزيمة 1948م كانت أحد محركات الضباط لتسلم السلطة ،فمن أين جاء المؤلف بأن "الجميع" كانوا يظنون بقبول مصر دولة اسرائيل،ما هي المؤشرات التي تجعلنا نؤيد الكاتب في هذا الظن.. والظن لا يغني عن الحق شيئا... فهنالك وقائع على لسان محمد نجيب تمدنا بما هو يقين، ومن المعلوم للكافة أن حرب

يونيه 1948 تمكن فيها الجيش المصري من إفشال الهجوم المضاد الإسرائيلي الثالث على "أسدود"-وهذا ليس المهم- بل حاصر المحتلون لواء مصريا كان يخدم فيه الرئيس المصري الراحل" جمال عبد الناصر" رحمه الله ولكن اللواء صمد حتى شباط 1949 لحين توقيع اتفاقية الهدنة بين مصر واسرائيل حيث سلمت الفلوجة بموجب الهدنة الى المحتلين ليهجروا سكانها منها في نيسان سنة 1949 . وبعد هذا هل بالإمكان الأخذ بالظن بأن مصر كان يمكنها القبول بالوجود الصهيوني!! وقادتها المؤثرين شاركوا في القتال وخبروا مرارة الهزيمة في مواجهة هذا العدو؟

في تعرضه لوقائع التاريخ، نجد المؤلف يتحول إلى السرد التاريخي الذي يتوفر كمادة سياسية في أي مطبوعة أو كتاب،وهو ما  يحرف العمل الروائي عن أدواته الإبداعية ذات الخيال الذي يجعل من حقائق التاريخ والجغرافيا لوحة خلفية مغطاة يدركها القارئ من خلال أحداث الرواية في تصاعدها المشوق درامياً وفي دلالات الحدث وما يتركه من أثر قيمي على المتلقي.... والأسلوب التقريري  يشكل مأخذاً جدياً على الرواية.

 

() عطفاً على ما أشرت إليه من  أن طرفاً يمارس جبروت القوة وسطوة السيطرة،ولما للكاتب من وجدان فياض بالإنسانية ،نهدية جزء من دماء تسيل على مفرق العلاقات التي لن يجبرها إلا عدل مطلق:-

***العنف والرؤية الصهيونية للواقع والتاريخ  = العنف الصهيوني وتحديث الشخصية اليهودية = الإرهاب الصهيوني : تعريف = الإرهاب الصهيوني حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية : تاريخ  = الإرهاب الصهيوني منذ عام 1954 وحتى إعـلان الدولة الصهيونية: تاريخ = الإرهاب الصهيونى ضد حكومة الانتداب البريطانى وأعضاء الجماعات اليهودية = المذابـح الصهيونية بين عامي 1947و1948 :-  مذبحة دير ياسين = مذبحة اللد

    : الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي منذ عام 1948 ****

الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي حتى عام 1967 : تاريخ المذابح الصهيونية/الإسرائيلية حتى عام 1967  = مذبحة قلـقيلية

مذبـحة قبية  = مذبحـة غزة الأولى = مذبـحة كفر قاسـم

الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي منذ عام 1967 حتى الثمانينيات : تاريخ

المنظمات الإرهابية الصهيونية/الإسرائيلية في الثمانينيات  = جوش إيمونيم

منظمة كاخ الصهيونية/الإسرائيلية = الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي والانتفاضة

المذابح الصهيونية/الإسرائيلية بعد عام 1967 = مذبحة صابرا وشاتيل

مذبحة الحرم الإبراهيمي = مذبحة قانا = الإرهاب الصهيوني/الإسرائيلي بعد أوسلو ...والمجاز تتواصل بتواصل العنصرية التي يقوم عليها الكيان الصهيوني.

أحمد حمزة أحمد

جدة- ديسمبر 2010م

 

 

 

 

 

 

 

 

 

** ** جميع المعلومات عن اليهود والحركة الصهيونية وجرائمها مأخوذ من الموسوعة "اليهود واليهودية و الصهيونية" للدكتور عبدالوهاب المسيري من موقعه الإلكتروني.



© Copyright by sudaneseonline.com