From sudaneseonline.com

تقارير
إستقلال بطعم ماسخ!!
By
Dec 22, 2010, 18:19

                                     إستقلال بطعم ماسخ!! 

فتح الرحمن شبارقة

من داخل البرلمان أو من خارجه، لم يعد للإحتفال بالإستقلال ذلك الطعم الذي كان، فقد أصبح بسبب الإنفصال الراجح وقوعه، ماسخاً فيما يبدو حتى قبل أن تُنتقص من المليون ميل مربع مئات الملايين من الأميال، ومثل ذلك من الفرحة الموسمية التي درج المواطنون على إقتسامها وسط شعور شبيه بالإعتزاز يغمرهم.

المفارقة الموجعة أنه في الوقت الذي تحتفل فيه البلاد هذه الأيام بالإستقلال، كل البلاد، يرتب جزءٌ غالٍ منها للإحتفال بـ (إستقلاله) من الوطن الأم المستقل أصلاً، بل أن الترتيب في الجنوب للإحتفال بالإنفصال، يجري ليكون لائقاً بميلاد وطن جديد. وليس سراً أن قادة الإنفصال في الحركة وحكومة الجنوب يُنظر إليهم هناك كَما كَان يُنظر في الخمسينات للزعيم إسماعيل الأزهري ومحمد أحمد المحجوب، بل إن (الإنفصال) نفسه تَغيّر وأصبح بَعد لَي عنق في الجنوب هو (إستقلال) كامل يستوجب العَلَم والنشيد.

ما جعل طعم الإستقلال حامضاً هذه المرة، إنه مثلما أُعلن من داخل البرلمان في 19 ديسمبر من العام 1955م، فقد ظلّت قيادات جنوبية نافذة تهدد بإعلانه من داخل البرلمان على قرار ما فعل روّاد الإستقلال الذين حَرّروا البلاد من المستعمر، وما دروا أن البعض سيضعهم في سلة واحدة معه.

فالإستقلال هناك، ليس ذاك الذي رفع عَلَمه الأزهري ذات أول من يناير، وإنما ذلك الذي سيرفع عَلَمه على الأرجح سلفا كير في التاسع من يوليو المقبل رغم الفروق الجوهرية في طبيعة العلاقة بين شمالي البلاد وجنوبها، وبين تلك التي كانت بين السودان والإستعمار الثنائي.

إلى جانب ذلك، فإنّ مظاهر الإستقلال في البلاد والسيادة نفسها ظلت آخذةً في تناقص مستمر رغم محاولات التصدي التي أفلحت في إبطال مفعول كثير من محاولات الإحتواء. فيما افلحت مُحاولات أخرى في إحداث شروخ على حواف الصحن الصيني الذي قال الزعيم الأزهري إنهم جاءوا بالإستقلال مثله.. (لا شَق ولا طَق).

سَبب إضَافي يجعلك تشعر بشئٍ من عدم الإرتياح وأنت تتابع ترتيبات الإحتفال الخجول بالإستقلال هذا العام، إن قادة الشمال والجنوب ذهبوا للتأكيد عند توقيع إتفاقية نيفاشا إلى أنها الإستقلال الثاني، وفي رواية مكملة للإستقلال الأول، إن لم تكن الإستقلال نفسه.. كان ذلك مع إرتفاع سقوفات الآمال بعد التوقيع في أن تُفضي الإتفاقية إلى وحدة طوعية، قبل أن يتضح في النهاية أنها ليست كذلك، بل ربما كانت خاصماً إضافياً من رصيد الإستقلال في السودان الشمالي على الأقل.

المقارنة التي تحملك إلى نقيض الإبتسام هي أن عدد جنود المستعمر التي تم إجلاؤها مع الإستقلال، كانت نحو خمسة آلاف جندي وِفق أكثر الإحصاءات سخاءً، في وقتٍ نجد فيه عدد القوات الأجنبية المنتشرة في جنوب البلاد وغربها وحتى في الخرطوم يلامس العشرين ألفاً، أو يزيد. فيما تجرى المحاولات للزج بأخرى على الحدود بين شمال السودان والدولة الوليدة لتفادي الإحتكاك والحريق.

مهما يكن من أمر، فإن ما سبق ليس تقليلاً من قيمة إنجاز الإستقلال التاريخي، فذلك فعل لا يجرؤ عاقل على الإتيان به، ولكنه محاولة ربما للتنفيس في (الورق الطلق) بسبب رحيل جزءٍ من الوطن كان سيبقى ان أعلى الجميع الإستراتيجي من قضايا الوطن، على التكتيكي من قضايا الحزب.

سيمضي الجنوب إذاً بما يوازي حجمه من فرحة الإستقلال، ويبقى الشعور بالإنتماء للوطن، والإحتفاء بما تبقى من إستقلاله على ما تبقى من أرضه، غير قابل للتزحزح وإن أفسدت النيران الصديقة طعمة لبعض الوقت.



© Copyright by sudaneseonline.com