From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
البشير في القضارف وعلي عثمان في الخرطوم:عطاءات مفتوحة في مزاد أوكامبو /صديق محمد عثمان:
By
Dec 22, 2010, 05:09

البشير في القضارف وعلي عثمان في الخرطوم:

عطاءات مفتوحة في مزاد أوكامبو

صديق محمد عثمان:

بتاريخ الجمعة 17/12/2010 كشفت صحيفة الغارديان البريطانية ضمن وثائق ويكيليكس، أن الرئيس البشير يمتلك حسابات بنكية سرية تبلغ قيمة المبالغ المودعة فيها 9 مليارات دولار، وأشارت الصحيفة إلى أن السيد لويس مورنيو أوكامبو مدعي المحكمة الجنائية الدولية يعتقد بان بنك لويدز البريطاني ربما يكون البنك الذي توجد فيه المبالغ أو على علم بمكانها.

أوكامبو أدلى بهذه المعلومات إلى كل من السيدة سوزان رايس رئيسة بعثة الولايات المتحدة الامريكية إلى الامم المتحدة، بحضور نائبها في حينه السفير اليجاندرو دانيال وولف، في مارس 2009، وأشارت رسالة السفير وولف إلى الخارجية الأمريكية إلى أن أوكامبو وصف الرئيس البشير بانه " مثل سمك قرش جريح محاط بمجموعة أسماك قرش أخرى لا ولاء لها ولا دافع سوى الجشع والتنافس على السلطة".

خبثاء السياسة السودانية شبهوا معلومات أوكامبو بتصريحات أدلى بها الشيخ الترابي في العام 1999 حول نسبة الفساد في جهاز الحكم التي حددها ببضع، وفسرها حسب اللغة العربية بأن البضع بين 1% إلى 9% ، فصارت مجالس المدينة تتندر بأن الشيخ الترابي يقصد 91% ، هذه المرة عادت المجالس تتحدث بأن أوكامبو يقصد 90 مليار دولار وليس 9 مليارات، ويستشهدون بالنكتة الدولية المشهورة Who’s gona build the bridge? والتي تحكي بان مسؤلين في دولة أفريقية طلبوا من بنك دولي قرضا بمبلغ 50 مليون دولار حينها لبناء كبري على نهر صغير جدا، ولكن البنك انتدب شركة هندسية دولية لمطابقة الدراسة الهندسية للكوبري المعني مع المواصفات الفعلية على أرض المشروع، وكان أن أوصت الشركة بأن المبلغ المطلوب لبناء الكبري يتجاوز أضعاف التكلفة الفعلية للمشروع، وفي اجتماع بين مسوؤلي الدولة الافريقية وإدارة البنك رفض البنك تمويل المشروع حفاظا على سمعته، وعللوا رفضهم بان اي شخص يمكنه تقدير تكلفة بناء الكبري حال الإنتهاء منه وأن الأمر سينكشف بأن البنك مول الكوبري باضعاف قيمته الحقيقية، ولكن المسؤلين الأفارقة نظروا إلى بعضهم بعضا وانفجروا ضاحكين قبل أن يسألوا السؤال الإستنكاري أعلاه:

Who’s gona build the Bridge?!!

أي أن الكوبري أصلا لن يتم بنيانه وبالتالي لن يكون في امكان احد أن يقدر قيمته الحقيقية.

على أي حال فان الوقائع السابقة تكشف بجلاء الفروقات الثقافية بين أوكامبو ورايس والسفير وولف وبين المسئولين في بلادنا، فاوكامبو وشيعته يبدو لهم مبلغ 9 مليارات من الدولارات مبلغا مهولا، وفي أذهانهم النظم المحاسبية في بلدانهم التي ربما تغض الطرف عن منفعة يصيبها بعض المسئولين بسبب مناصبهم الرسمية، او يجنيها بعضهم بعد تقاعده لقاء تقديمه خدمات استشارية لجهات تجارية في مجال وظيفته السابقة، كما هو الحال مع رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير الذي أصبح مستشارا لشركات وبنوك امريكية بعد تنحيه عن منصب رئاسة الوزراء في يونيو 2007، ولكنها بالقطع لا تسمح لرئيس او رئيس وزراء باستقطاع مبالغ من المال العام بالإستفادة من منصبه.

وحسب مذكرة السفير وولف فإن السيد أوكامبو أشار إلى أنه قد يكون من المفيد طمأنة الصين إلى أن حقها في الوصول إلى النفط السوداني لن يتأثر، وقال بان الصين ستكون أكثر تجاوبا مع مقترح إبعاد البشير إذا اقتنعت بأنه صار مهدد للإستقرار واطمأنت إلى أن بديله سوف يضمن مصالحها الإقتصادية.

وكما هو متوقع فقد حاولت الخرطوم الإستفادة من تسريب المذكرة لتتدليل على أن أكامبو يتآمر ويتبع أساليب سياسية لتنفذ مذكرة الإعتقال القانونية بحق الرئيس البشير، مما يعزز دفوعها بتسييس المحكمة الجنائية الدولية. ولكن الخرطوم التي لم تكن على قلب رجل واحد عجزت عن صرف الأنظار الحصيفة عن قراءة دلالات حديث اوكامبو الذي صادف كثير من الوجاهة لجهة تحليل وضع السلطة الداخلي في الخرطوم وموقف النظام الدولي، فاوكامبو وان سقط في اختبار الأرقام باتفاق الجميع – الذين يرون أن مبلغ 9 مليار ما هو إلا قمة جبل الفساد، والآخرين الذين يرون انه غالى في تقدير المبالغ- إلا أنه أصاب كبد الحقيقة في تحليله لطبيعة المجموعة التي تلتف حول الرئيس البشير حين وصفهم باسماك القرش التي تتحلق حول سمك قرش جريح تنتظر اول سانحة للإنقضاض عليه، ففي أعماق المحيطات لا مكان للولاء حتى الموت بل البقاء للأسرع في إغتنام الفرص، اما تحليل اوكامبو لموقف الصين فهوعين الحقيقة، فالصين يهمها ضمان استمرار مصالحها الإقتصادية غض النظر عن استمرار البشير او ذهابه، بل إن كان في وجود البشير تهديد للإستقرار فان الصين لن تتوانى في التعاون مع اي كان للتأكد من ذهاب الرجل.

والخرطوم صدقت قول أوكامبو فعلا حين انطلق الرئيس البشير في احتفالات الحصاد بولاية القضارف يتوعد بدولة عربية اسلامية صرفة بعد الإستفتاء، بينما نائبه الأستاذ على عثمان محمد طه كان في مؤتمره الصحفي بمناسبة الإستقلال بالخرطوم  يظهر الحزم والتشدد مع المعارضين ويرسل إشارات ذكية بأن جميع الأديان ستكون حريات مكفولة بعد الإسستفتاء وإنفصال جنوب السودان، فالبشير الذي بدا عليه التوتر كان يظن انه يخاطب العواطف الإسلامية لأهل الشمال وبالذات قطاعات عريضة من الإسلاميين، بينما نائبه كان يخاطب نفس الجهات التي يدرك أنها تعكف على حديث اوكامبو بالتحليل والتشريح الذي يساعدها في بناء استراتيجية تعاملها مع الرئيس البشير والبديل الذي اقترحع اوكامبو، لذلك فهو يرسل إشارة إلى أنه ليس أقل قدرة من البشير على حفظ الامن والإستقرار اللازمين لضمان المصالح، وأنه على عكس الرئيس البشير سيفعل ذلك بحقوق الأقليات الدينية او الإثنية.

الرجلان قرأ ما بين سطور الرسالة المعنية، فأما الرئيس البشير فزادته غضبا على غضب خاصة وانها اتت في أعقاب حادثتين في الأسابيع القليلة الماضية عمقتا شعوره بالعزلة وجرحت كرامته، الأولى رفض ليبيا حضوره اجتماعات القمة الأوروبية الأفريقية الثالثة التي انعقدت في طرابلس في 30 نوفمبر الماضي، والثانية إضطراره إلى العدول عن زيارة دولة زامبيا للمشاركة في قمة البحيرات التي انعقدت في لوساكا في 15ديسمبر الجاري بعد أن تعرضت الحكومة الزامبية إلى ضغوط كبيرة من قبل جمعيات حقوق الإنسان خاصة وأن قمة البحيرات خصصت لمناقشة التجارة غير المشروعة التي تمول النزاعات الإقليمية بينما الرئيس البشير متهم بشأن جرائم ارتكبت في أكبر نزاع إقليمي حالي، لذلك فان الرسالة المعنية صبت الزيت على نيران فضب الرئيس البشير ووضعت الملح على جروح كرامته، خاصة وصفها اياه بسمك القرش الجريح وتوصيفها للأوضاع الداخلية لنظامه بما يشي بان أوكامبو بنى تحليلاته على معلومات من مقربين للنظام والرئيس وهو امر لن يفوت على حصافة الرئيس البشير وإن إختار التظاهر بتجاهله.

أما نائب الرئيس علي عثمان محمد طه فقد وفرت عليه الرسالة وقتا وجهدا بإعلانها ما بات جليا لكل ذي عينين، فالرئيس البشير قد أصبح عبأ يخصم من رصيد السلطة المتضائل أصلا، وإذا أفصح مدعي المحكمة الدولية في لقاء مع ممثلة القوى الأعظم عن عدم استهدافه للنظام، وبأنه لا يمانع في بقاء النظام تحت قيادة بديل مقبول، وفي نقل السيدة سوزان رايس محتوى رسالة اوكامبو إلى حكومتها إشارة إلى إمكانية قبول الإدارة الأمريكية بفرضية اوكامبو بضرورة البحث عن بديل مناسب، وهو الأمر الذي يعلم القاصي قبل الداني أن نائب الرئيس البشير يبني عليه استراتيجيته منذ زمن طويل، لذلك جاءت كلماته في المؤتمر الصحفي ليظهر بمظهر رجل الدولة القادر على حفظ النظام والإستقرار وفي ذات الوقت الحفاظ على حقوق الأقليات.    



© Copyright by sudaneseonline.com