From sudaneseonline.com

مقالات و تحليلات
حق اللجوء لسكان شمال السودان
By
Dec 21, 2010, 19:49

حق اللجوء لسكان شمال السودان

علي إبراهيم

 

«الشرق الأوسط»

خطاب الرئيس السوداني الذي تعهد فيه بتغيير الدستور وعدم الاعتراف بالتعددية أو التنوع الثقافي إذا اختار جنوب السودان الانفصال في الاستفتاء المقرر قريبا يحمل في طياته بوادر أزمة، ستكون هذه المرة في الشمال نفسه الذي لا يملك أهله الكثير من الخيارات إلا لو منحوا حق اللجوء إلى الجنوب هربا مما ينتظرهم.

فانفصال جنوب السودان وولادة دولة جديدة أصبح أمرا حتميا إذا لم تحدث مفاجآت غير متوقعة، كل الشواهد تدل على ذلك وتصريحات كبار المسؤولين السودانيين في الخرطوم تعكس هذه الحقيقة بما في ذلك الخطاب الأخير للرئيس السوداني عمر البشير. والجميع - دوليا وإقليميا - يستعد للوضع الجديد ويتعامل معه من زاوية مصالحه وبحرص على تجنب حروب أو أعمال عنف جديدة تجر الجميع إلى وضع متوتر ينعكس إقليميا على الجميع.

ولأن الجميع أمام وضع وكيان جديد سيظهر على الخريطة فإنه لا أحد يعرف كيف ستجري العملية وهل ستتم بسلاسة أو بمشكلات وصعوبات، وإن كانت الدولة الجديدة - التي سيتعين عليها أن تختار اسمها وعلمها - لديها المقومات الأساسية منذ سنوات طويلة، فهناك مؤسسات حكم قائمة في جنوب السودان بعيدا عن سيطرة الخرطوم وهناك جيش وعلاقات دولية، وموارد أهمها عائدات النفط التي ستسهل للدولة الجديدة استكمال المقومات الأساسية للسيادة.

ولا بد من التسليم بأن الاستفتاء الذي سيجري وخيار الانفصال الواضح أن نتيجته ستكون هي نهاية مشوار طويل من الأزمة بين الشمال والجنوب ليس وليد اليوم ولكن بذرته كانت موجودة مند استقلال السودان نفسه. وفشلت حكومات بعد حكومات في خلق هوية وطنية واحدة وربط الشمال والجنوب، وسرعت حكومة «الإنقاذ» التي جاءت بعد الانقلاب من الاتجاه نحو الانفصال بالحروب التي شنت ومحاولة فرض قوانين الشريعة على الجنوب غير المسلم.

كما أنه لا بد من الاعتراف بأن الحكم في الخرطوم حاول خلال العامين الأخيرين، خاصة عندما شعر أن الأمور تتجه بسرعة نحو الانفصال، تقديم مغريات إلى الجنوب والحركة الشعبية على وجه الخصوص من أجل جعل خيار الوحدة جذابا حسب المصطلح الذي جرى تداوله، وعرضت الخرطوم في الأيام الأخيرة حتى أن يحتفظ الجنوب بعائدات النفط إذا اختار البقاء في السودان الموحد، لكن كل هذا كان أشبه بجهود الساعة الحادية عشرة قبل أن ينتصف الليل بينما أضعنا النهار والمساء كله في العبث.

لقد اختار الجنوب طريقه أو في طريقه إلى اختياره، وعلينا الانتظار لنرى كيف ستجري الأمور، لكن مشكلة الشمال نفسه لم تنته، وكما قلنا فإن الخطاب الذي قدمه البشير وتعهد فيه بتغيير الدستور نحو تطبيق صارم لمفهوم معين لتطبيق الشريعة ودفاعه عن عملية جلد الفتاة التي ظهرت في شريط فيديو على «يوتيوب»، والتأكيد على عدم الاعتراف بالتنوع أو التعدد يعني أن هناك مشكلة أخرى قادمة في الشمال نفسه، فالحديث اقتصر على العقوبات ورسائل تهديد ووعيد بالويل والثبور وعظائم الأمور بينما لم يتحدث أحد من أركان الحكم الشمالي عن حل المشكلات الاقتصادية والارتفاع بمستوى المعيشة وكيفية الحفاظ على بقية أجزاء الدولة حتى لا نرى دارفور تنفصل هي الأخرى بعد سنوات قليلة، وكيفية تحسين العلاقات إقليميا ودوليا وإزالة الشكوك، على العكس فالخطاب يعني العودة إلى سياسات «الإنقاذ» في سنواتها الأولى التي قادت السودان إلى المشكلات والصدام مع دول الجوار والحرب، وجعل سكانه رهينة مغامرات سابقة جعلت السودان على قائمة الإرهاب.



© Copyright by sudaneseonline.com