From sudaneseonline.com

بقلم : سارة عيسي
الجنوبيين بين جزرة البترول و عصا الشريعة الإسلامية/سارة عيسي
By
Dec 20, 2010, 19:47

الجنوبيين بين جزرة البترول و عصا الشريعة الإسلامية

 

         هذه القصة حدث في شمال العراقي وهي تحكي عن قسيس  أضنى رعيته بطلب التبرعات ، ففي كل صلاة يوم أحد  كان يطلب منهم التبرع بالمال لترميم مبنى الكنيسة ، هذا الإلحاح المتواصل  دفعهم للتحول إلى الإسلام هروباً من الدفع  ، وهذا حدث  بسبب إصرار هذا الكاهن على جمع التبرعات ، فجأةً وجد هذا الكاهن نفسه  بلا رعية أو أموال ، لكن هذه الرعية المنكوبة تفاجأت عندما تحول هذا الكاهن للإسلام ايضاً  ، والأدهى من ذلك  أنه خطب فيهم في منبر  صلاة الجمعة و  طلب منهم دفع الأموال لترميم المساجد  ، المغزى من هذه القصة إن المسألة لا تتعلق بالمبدأ أو التحول  بل هي  تتعلق بالجانب المادي أو الأجندة الخفية  ، ولا ننسى أنه في عهد دولة الشريعة – وفي السودان -  صوّت الناخبون للقس قبريال رورج ، فقد حصد ما يقارب سبعة عشر ألف صوت وفاز على العقيد دكتور محمد الأمين خليفة الذي لم ينل أكثر من الف وثلاثمائة صوت ، وكلنا نعرف محمد الأمين خليفة ، عضو مجلس قيادة الثورة وأحد منفذي إنقلاب يونيو 89 ورئيس المجلس الوطني السابق ، أنها مثل قصة كاهن الموصل ولكن بطريقة معكوسة ، ففي خطابه لأهل القضارف توعد الرئيس البشير الجنوبيين بتطبيق الشريعة الإسلامية وفرض اللغة العربية ، بل أنه هدد بإدراج ذلك في الدستور ، وهذا دستور كتبه الرئيس البشير في الهواء الطلق ، ولا ننسى أن دستور 98 كتبه الدكتور الترابي وحده في مدة شهر واحد ، لكن لا أظن أن الرئيس البشير يقصد ما يعنيه ، فهو كان في حاجة لهذه الضجة لتجاوز الغسيل الذي نشره موقع ويكليكس ، وما يؤكد ذلك أن الرئيس البشير بدأ غاضباً ومنفعلاً ، وقد وجه خطابه لأهل الجنوب ولم يدري أن هذا الخطاب سوف يفاقم نقمة شرق وغرب السودان ، فليس كل المسلمين في العالم يتكلمون اللغة العربية ، والسيد/علي خامنئي في غيران وهو مرجع الشيعة في العالم  قادر عن طريق الفتوى إجبار كل الإيرانيين على تكلم اللغة العربية ، لكنه لم يفعل ذلك ، فالمسألة هي خيار الناس وحرياتهم وإحترام ثقافاتهم ، فالمسلمين في الهند وباكستان وأفغانستان يدرسون القرآن بالأردو ولغة البشتو ولكن هذا لا ينقص من إيمانهم ، لكن يبدو أن المعين الفكري للمشروع الحضاري قد نضب ، فبعد عشرين عاماً من الحكم لم يقدموا للناس سوى الكرباج والتعريب ،هذه أدوات لا تكلفهم جهدأ ، و هذه السياسة أفرزت إنفصال الجنوب وجعلت الكثيرون يعتقدون أن الدين الإسلامي واللغة العربية هما  من أدوات الهيمنة .

     فالرئيس البشير وهو في أعلى جهاز في الدولة قد  أنضم لاحقاً  إلى المؤيدين لجلد تلك الفتاة المسكينة ، وحسب كما قال لو كانت الجريمة حدية فلا داع لتكوين لجنة تحقيق ، إذاً طبيعة التهمة تعني عدم الإلتزام قواعد العدالة ،  هكذا يسارعون إلى جلد هذه الفتاة في كل ليلة ونهار وهم يتخطون حدود القانون  ، بل أن جلد هذه الفتاة صار من الثوابت الوطنية مثلها ومثل المشروع الحضاري والسيادة الوطنية وتسليم البشير لأوكامبو  ، لكن هل يستطيع الرئيس البشير أن يحكم ما تبقى من السودان وهو يستخدم هذه النبرة من العنصرية والتعالي ؟؟ منذ عام 89 إلى عام 2005 والسودان قد حسم خياره الحضاري عن طريق التوجه نحو العروبة والإسلام ، لكن حصاد هذه الفترة جلب للسودانيين  نيفاشا وجلب أزمة دارفور والشرق ، فهناك من زعم أن رفع هذه الشعارات سوف يزيد من شعبية الرئيس البشير بين السودانيين  ، ونحن نعلم أن صناعة الجماهير وفبركتها أصبحت ضرباً من الفنون ، و تجربة الرئيس النميري جعلتنا لا نتفق مع هذا الإتجاه ، ولا تجربة إسماعيل هنية في قطاع غزة ، فلا زال الأوربيون هم الذين يطعمون الشعب المسلم في غزة ، ولا زالت إسرائيل هي التي تمدهم بالكهرباء والمياه ، في كل هذه الأزمات الرئيس البشير يبحث عن مصيره الشخصي واين سيكون موقعه بعد العاشر من يناير ، فهو يريد إختطاف الجنوبيين في الشمال وإستخدامهم كرهائن لمساومة المجتمع الدولي  حتى ينفذ ، وحتى هذا البترول الجديد والذي أطلق عليه الرئيس البشير " بترول الشمال فهو في واقع الحال بترول جنوب دولة  شمال السودان ، فحقوله تقع في جنوب دارفور وكردفان ، وسكان هذه المناطق لا يستهويهم المشروع الحضاري بكافة تقلباته مداً وجزراً ، بل هم يريدون التنمية ومحاربة الأوبئة والتعليم والمشاركة في السلطة ، ولا أعتقد أن شمال السودان سوف يكون هادئاً بعد اليوم الموعود ، صحيح أن الإنقاذ قلصت دور الأحزاب السياسية ولكنها  زادت من حملة البنادق واصحاب الثورات المسلحة ، ولا أعتقد أن المجتمع الدولي سوف يقف متفرجاً على سياسات التمييز والعنصرية ولا حتى القادة الأفارقة الذين خاطروا بإستقبال الرئيس البشير في بلادهم سوف يقبلون بهذا النهج العنصري الذي يعامل الشعب إما مسلماً أو عربياً ، من الآن وحتى موعد إجراء الإستفتاء سوف نسمع المزيد من دوي القنابل والحقن ، لكن كلها بالونات إختبار في وجه الحقائق.

سارة عيسي



© Copyright by sudaneseonline.com