From sudaneseonline.com

تقارير
شاندي يعيد السبكي الى الأخبار...حقوق الإنسان في السودان .. ما زال السؤال قائماً ..؟!!
By
Dec 19, 2010, 20:40

شاندي يعيد السبكي الى الأخبار

حقوق الإنسان في السودان .. ما زال السؤال قائماً ..؟!!

تقرير: التقي محمد عثمان

غاب السبكي عن صالة تحرير صحيفة الصحافة لمدة تقارب الشهرين،ولم يكن ذلك ليحدث لولا الشديد القوي، فهو من الصحفيين الذين لا يسمحون لخبر في حقل تخصصهم أن يفوتهم، وحتى لا يفوته خبر كان يضحي بوقته الخاص فتجده صبيحة الجمعة يجلس وحده في الصالة الفسيحة مكباً على حاسوبه ويده على الهاتف يتابع الأخبار ويتحرّاها في مظانها، بينما الآخرون يتخذون لانفسهم قيلولة هادئة قرب صغارهم، غاب جعفر السبكي بفعل فاعل منذ ظهيرة الثالث من نوفمبر الماضي ولم يعد يكتب أخبار دارفور، حقله الأثير منذ التحق بالصحافة، فقد اقتادته قوات الأمن الى مكاتبها بتهمة التخابر مع جهات اجنبية، وهذه الجهات هي راديو دبنقا غير المصرح له بالعمل داخل السودان وان كان يبث برامجه على امتداد ارض دارفور وفي كل مسام الشبكة العنكبوتية.

ومنذ اقتياده وحتى اللحظة انقطعت اخباره بعد أن صار هو نفسه خبرا يحتاج لمن يلتقطه ويذيعه، فلم تورد الجهات الامنية التي أخذته سوى توضيح يتيم تبرعت به في الخامس من نوفمبر فحواه ان التهمة التي يقبع تحت طائلتها ليست متعلقة بالنشر، وأوضحها لاحقا الأمين العام للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات الصحافية، العبيد أحمد مروح، حين تحدث بين يدي تسلمه مذكرة احتجاجية تقدم بها صحافيون (انهم أُبلغوا من قبل جهاز الأمن بأن التهم الموجهة إليه ليست لها علاقة بقضايا النشر الصحفي، وانما تتصل بالعمل في مؤسسة اعلامية غير مرخص لها «راديو دبنقا» وان التهمة الثانية سياسية متعلقة بحركات التمرد في دارفور).

ولم تزد الجهات السياسية عن القول انها ستقدم السبكي والعشر الآخرين معه للمحاكمة وقالت على لسان الدكتور أمين حسن عمر انه سيتم التعامل معهم وفق القانون مؤكدا في حوار اجرته معه الصحافة عقب الاعتقال بأيام ان الحكومة ستقدم كل الذين إعتقلوا للمحاكمة، ولكن هذا لم يحدث حتى اللحظة.

ولم ترد أخبار أخرى عن المخبر الا ما تم تداوله في السادس عشر من الشهر الجاري باحالته الى نيابة أمن الدولة، والخبر الذي أورده ذات الراديو المحظور على موقعه الالكتروني يقول ان الاجهزة الأمنية احالت الصحفي جعفر السبكي المحرر في جريدة الصحافة ومعه آخر، للنيابة، وفقاً لافادات مسؤولين في الشرطة لهيئة الدفاع عن المعتقلين من ابناء دارفور.

الجديد في الأمر ان غياب السبكي لم يعد يعني غياب أخبار دارفور الحية عن الصفحة الأولى بجريدة الصحافة وانما صار يعني غياب حقوق الانسان، فما يعيد السبكي ورفقاء حبسه الآن الى صدارة الأخبار، وبشكل لن ينقطع، ما تقدم به الخبير المستقل لحقوق الانسان من بلاغ للعالم من تردي اوضاع حقوق الانسان بالنظر الى حالة الدارفوريين الموقوفين على ذمة قضية راديو دبنقا، اذ قال خبير الأمم المتحدة المستقل المعني بأوضاع حقوق الإنسان في السودان محمد شاندي عثمان، ان نشطاء حقوق الانسان في السودان يواجهون وضعا يزداد صعوبة مع اقتراب الاستفتاء على انفصال الجنوب المقرر في يناير المقبل، وقال في بيان له صدر قبل يومين (أخشى من أن اعتقال واحتجاز هؤلاء الاشخاص الاحد عشر ربما يكون مرتبطا بأنشطتهم المشروعة في الدفاع عن حقوق الانسان ودعا المحقق التابع للامم المتحدة السودان الى محاكمة أو الافراج عن المحتجزين منذ اعتقالهم قبل نحو ستة أسابيع، وقال شاندي (لم تحدد الحكومة التهم الموجهة ضدهم .. ولم تسمح لهم بالوصول الى مستشارين قانونيين أو تعرضهم على قاض لمراجعة الوضع القانوني لاحتجازهم ويقول القاضي في محكمة الاستئناف التنزانية الذي يعمل بصفة مستقلة في منصبه ويرفع تقارير الى مجلس حقوق الانسان بجنيف، يقول انه ما يزال قلقا بشأن (وضع المدافعين عن حقوق الانسان الذي يزداد صعوبة في أنحاء البلاد لاسيما في هذه الفترة الحرجة مع استعداد السودان للاستفتاء التاريخي).

وقد يكون قول الخبير المستقل مقدمة لمواجهة جديدة بين الحكومة ومجلس حقوق الانسان الذي طالما كانت قاعاته في جنيف ساحة لمنازلات بين الطرفين آخرها كان التجديد لشاندي الذي تم بعد معركة شرسة بموافقة 25 صوتا ومعارضة 19 وامتناع ثلاثة حيث يبلغ عدد الدول الاعضاء في المجلس 47 دولة، في استمرار لمسيرة وصفها مراقبون بصراع «داحس والغبراء» بين حكومة الخرطوم والمجتمع الدولي حول اوضاع حقوق الانسان في البلاد، منذ ان عكف المجتمع الدولي على ملاحقتها بالادانات المتواصلة في هذا الخصوص، ويشير الراصدون الى ان الانقاذ منذ وصولها للحكم وجدت نفسها محاصرة بملف عدم احترامها لحقوق الانسان على كافة المستويات والجبهات بينما كانت هي ترفض الانصياع للمطالب الدولية بحجة اختلاف المفاهيم مع منطلقات الغربيين في رؤيتهم لحقوق الانسان. وقد اسفر هذا الجدل بين الطرفين عن وضع الامم المتحدة السودان تحت ولاية مقرر خاص لاوضاع حقوق الانسان فيه في التسعينات من القرن الماضي هو كاسبر بيرو الذي ادت تقاريره التي كان يرفعها للجمعية العامة للامم المتحدة الى ايقاع العقوبات على السودان. وقد خلفه بعد حين مقرر آخر كان هو جيرهارد ياوم الذي لم يخلُ التعامل بينه والحكومة من قدر من الخشونة حتى استطاع السودان أن يرفع عنه ولاية المقرر الخاص لسنوات قليلة ولكن بعد انفجار الاوضاع في دارفور (كما يرصدها الزميل ابو زيد صبي كلو) عاودت الدول الغربية الكرة لارجاع ولاية المقرر الخاص على السودان مجددا ووضعه تحت البند التاسع. وكان ان شهدت اروقة اللجنة بجنيف قبل ثلاث سنوات معركة حامية بين هذه الدول والسودان استطاع فيها الأخير ان يوظف الافارقة للوقوف معه ضد قرار وضعه تحت البند التاسع فتمت التسوية ووضع على اثرها تحت البند التاسع عشر الذي يتحدث عن التعاون الفني ولكن بدلا من ايفاد خبير تم ارسال مقرر خاص هي الافغانية سيما سمر التي خلفها أخيرا الخبير شاندي وأستمر في مهمته بالتجديد الذي كانت ترفضه الحكومة في اكتوبر الماضي.

وتقابل الحكومة بيانه الأخير بالرفض ايضا، حيث قال مقرر المجلس الاستشاري لحقوق الانسان بوزارة العدل أحمد ادريس ان شاندي ينتمي الى منظمات عدائية تعمل ضد مصالح السودان، وقال في تصريح صحفي أمس ان المتهمين على ذمة قضية راديو دبنقا يواجهون تهما لا علاقة لها بحقوق الانسان، والأمر كما يوضحه أمين حسن عمر في حواره ذاك، أنهم (المعتقلون) عبارة عن مجموعة معارضة تتخذ من هولندا مقرا لها وتتعاون مع مجموعات داخلية وتخدم أغراضها الخاصة، ويقول بخصوص راديو دبنقا الذي يعمل فيه هؤلاء ان هذا الراديو يهدد الأمن الداخلي ويعمل على بث التحريض ويتسبب في الفتنة، ويقول انه هيئه إذاعية غير مسموح لها وأغراضها مناقضه لأسباب الإستقرار الإجتماعي والسلام، ويقول (هم يدركون انه غير مرخص لهم العمل من داخل السودان لذا تدثروا بأسماء منظمات إنسانية)، الا ان خبراء قانونيين ومختصين في حقوق الانسان لا يوافقون الحكومة في رأيها ويقول الخبير صالح محمود ان شاندي يشير هنا الى اسوأ انواع الاعتقالات التي يكون فيها المعتقل محروما من مقابلة ذويه ومحاميه ويقول في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس ان هذا النوع من الاعتقال يثير القلق على صحة المعتقل من الناحيتين الطبيعية والنفسية ويدفع الى التساؤل حول ما اذا كان المعتقل على قيد الحياة أم لا (وهو اسوأ انواع القلق) مما يضع الأسرة في وضع مزعج، ويقول ان وضع الناس رهن الاعتقال لمدد طويلة وحرمانهم من ابسط حقوقهم المكفولة بموجب احكام الدستور والقانون يسبب الكثير من المتاعب بمختلف انواعها، ويشير محمود الى ان تقرير شاندي هو لفت نظر الى خطورة هذا الوضع وتنبيه للمجتمع الدولي وللمنظمات العاملة في مجال حقوق الانسان للاستدراك على هذا الوضع الحرج.

وتعضد اسرة السبكي ما ذهب اليه صالح محمود ويقول شقيقه أحمد السبكي ابراهيم في حديثه لـ الصحافة عبر الهاتف أمس، انهم لم يتمكنوا من مقابلة ابنهم غير مرة واحدة قبل ثلاثة اسابيع وتحت حراسة مشددة ولم يسمح لهم بعدها بمقابلته، ويقول انهم يعيشون في حالة قلق دائم لكونهم لم يجدوا ردا على الطلبات التي تقدموا بها لمقابلته، مشيرا الى انهم حتى الآن لا يعرفون التهم الموجهة اليه وما سمعوه عن اتهامه بالتخابر لجهات اجنبية وعمله في اذاعة دبنقا جاءهم عبر وسائل الاعلام ولم يقدم لهم بصفة رسمية، ويقول ان المقابلة الوحيدة كانت للاسرة (زوجته واولاده وأخوته) ولم يسمح لمحاميه بمقابلته حتى بعد ان تم اخطارهم قبل ايام بتحويله الى النيابة. 

وفي تقدير مراقبين، يقع بيان شاندي كمقدمة لحملة قادمة من أجل نصرة المعتقلين تقودها جهات محددة، ويقولون ان حديث الرجل ما هو الا رأس جبل الجليد، وبقية الجبل في الأسفل تنتظر الفراغ من استفتاء تقرير مصير الجنوب للتفرغ لقضايا دارفور وما يرتبط بها، ويدعو صالح الحكومة الى تكوين مفوضية حقوق الانسان التي نصت عليها تفاقية السلام الشامل حتى تتحاشى الدخول في معركة تبدو خاسرة هذه المرة أكثر من أي وقت مضى، ويقول ان على الحكومة ان تلتفت فعلا لوضع حقوق الانسان وان تنفذ التزاماتها المنصوص عليها في الاتفاقية لاغلاق هذا الباب لأن البلد في غنى عنه، ويقول ان المفوضية اذا انشئت يمكن ان تضيف فوجودها كآلية ومؤسسة وطنية تتصدى لرعاية حقوق الانسان وفقا للمواثيق الدولية بواسطة خبراء وطنيين أفيد للجميع، ولكنه يعود ويقول (من الواضح ان الحكومة ليس لديها حماس في هذا الصدد وغير راغبة في انشاء المفوضية وعطلت قيامها لست سنوات بحجب التمويل وانشاء المجلس الاستشاري لحقوق الانسان) مؤكدا ان غياب المفوضية فاقم من تأزم أوضاع حقوق الانسان في السودان

© Copyright by sudaneseonline.com