From sudaneseonline.com

بقلم: الصادق حمدين
صاحب الزفرات الحرى وخلط الأوراق/الصادق حمدين
By
Dec 18, 2010, 19:49

                                        صاحب الزفرات الحرى وخلط الأوراق/الصادق حمدين

  كتب الطيب مصطفي بصحيفته الإنتباهه مقالا ناريا حمل أكثر من وجه بعنوان "بين حزب الأمة والفتاة اللعوب!!" المنشور بسودانيز أون لاين صفحة المقالات والتحليلات وضمنه من رسائل مفخخة ومتداخلة لو قيل له أعد ترتيبها مرة أخرى لتشابهت عليه بقر عناوينها.

   أصحاب تلك الرسائل الذين انتاشتهم سهامه هم الأجدر بالتصدي له والدفاع عن مواقفهم. أما ما يهمنا أمره من تلك الرسائل هي صحيفة الاتهامات المطولة التي سردها في جزم تجاوز مرحلة كل شك معقول لتنتهي بإدانة تلك الفتاة سليبة الحيلة التي وصفها "بالفتاة اللعوب" وكال لها من سيئ الصفات وكأنه يُبيت لها ثأرا قديما.

  وقبل الخوض في تلك التهم التي تشكل في حد ذاتها جريمة قذف وتشهير تستوجب المساءلة والعقاب بموجب كل القوانين الزجرية والعقابية سماوية كانت أم أرضية، إذا كنا فعلا لا قولا في دولة تحترم القوانين التي قيل عنها زورا وبهتانا بأنها جاءت لربط قيم الأرض بالسماء حتى لا تكون أعراض الناس وسيرتهم عرضة لكل صاحب غرض دافعه المرض.

   هذه الفتاة يا صاحب رقائق الجمعة التي وصفتها بتلك الصفات وأنت تعلم بأنها لا تستطيع الرد عليك لتدفع عن نفسها بالحجة تلك التهم التي نسبتها إليها وأنت تتقوى وتتمترس خلف سلطة تترك كل من هو "شريف" وتبطش بكل من هو ضعيف. رميتها بكل سوء وأنت تمتلك كل الأسلحة وهي غائبة حتى عن ساحة هذه المعركة التي تعنيها في سمعتها وشرفها.

   لأن من يدعو إلي الفضيلة عليه أن يكون فاضلا، ومن يدعو للعدل عليه أن يكون عادلا، ومن يعتمد في حكمه وينسب يقينا مثل هذه التهم الخطيرة بحق غيره عليه بمراجعة إيمانه قبل أن يبشر به بين الناس، فالحد تدرأه الشبهة والشك ينفي الجريمة. أين هي الحقيقة التي اعتمدت عليها في حكمك هذا في ظل كل هذا التضارب المربك؟، هل مصدرك هو واليك الجاهل بإمور دينه والذي لا يعرف الفرق بين الجرائم الحدية والجرائم التعزيرية؟، أم مصدرك هو ضابط الشرطة "العاجب" الذي لم يعجب تبريره الفطير أحد، والذي يخاف من تشويه صورة السودان في الخارج (وهو الذي لم يستطع أن يحافظ علي أصل الصورة في الداخل من غير تشويه) كما قالت بذلك أخت كريمة.               

   من خلال مشاهدة مقطع الفيلم الذي ظهرت فيه تلك الفتاة وهي تُنحر بسياط الذل والإرهاب يمكن تقدير عمرها بين منتصف العشرينات إلي نهايتها مما يعني أنها نشأت تحت ظل دولة "الطهر والعفاف" التي شكلت طفولتها، ومراهقتها، وشبابها، لأن ما تشاهده هذه الفتاة في طفولتها هي القناة التلفزيونية التي عُرفت "بالطاهرة"، عندما كنت أنت حادي ركبها والمسؤول الأول فيها قبل أن ينطبق عليك القول "لو دامت لغيرك ما آلت إليك" وما تعلمته من معارف دينية ودنيوية وفي خلال مراحلها الدراسية وهي مراهقة، ثم وهي شابة، تم كل ذلك علي أيدي معلمين رساليين لا يأتيهم الباطل من أمامهم أو خلفهم، وهم من الذلل والخطأ معصومون، أليسوا هم حماة الشريعة وسدنتها والقيمين علي صحيح تطبيقها؟.

   أين الخلل إذن؟، ومن أين تعلمت تلك الفتاة كل تلك الموبقات بفرض صحة نسبتها إليها؟، وإذا كانت هي تبيع الأفيون والهيروين فمن هم المشترون؟ وإذا كانت هي تدير منزلا للدعارة فمن هم الداعرون الآخرون؟، وإذا كانت هي نفسها تبيع جسدها حتى لا تقف يدها عن فمها لماذا لم يترك لها ولاة الأمر الأطهار شيئا آخرا غير جسدها لتبيعه؟، ألم يُقال أن الإنسان ابن بيئته؟، ففي أي البيئات نشأت تلك الفتاة ونشأ معها الذين يشاركونها تجارتها بشقيها "المزاجي" منها والجسدي؟، ولماذا تقاصر عنها وعنهم ظل المشروع الحضاري ولم يشملهم بصلاحه وعفته؟. أليست هذه الاتهامات التي صغتها بحق هذه الفتاة دليل فشلك الشخصي وأنت الشاهد الحي عليه لأنك نصبت نفسك حامي حمي الدين والفضيلة، وصاحب مشروع حضاري ومسيرة قاصدة؟، ولماذا هذا الدفاع الأعمى عن نظامك الفاسد وكأنك تسيء إليه رغم كل سوءاته التي لا تخفي علي أحد. فالجريمة كالفضيلة سواء بسواء فهي لا تنشأ إلا في بيئتها فمن الذي هيأ لها تلك البيئة؟.

  وكيف لفتاة جامعية لم تتعد العقد الثالث من عمرها استطاعت أن تتفوق علي نفسها لتهزم نظرية التخصص وتقسيم العمل لتمارس باعتياد إجرامي كل تلك الجرائم مجتمعة من ممارسة دعارة، "وقوادة"، وتوزيع مخدرات كيميائية من هيروين، وأفيون وغيرها؟، ومن الذي قال أن الجريمة لا تحتاج ممارسة ومران حتى يتقنها المجرم ويعتمد عليها في معيشته، لنأخذ النشال مثالا، فنشال الحافلات لا يستطيع أن يغير اختصاصه المكاني ليصبح نشالا في القطارات، والذي يُعرف في غابر الأزمان "بقطاع المحافض" يعجز عن الاقتراب من أصحاب "الجزالين" وفوق كل ذلك هل سمع الطيب مصطفي يوما بأن هناك نشالا جمع بين النشل وكسر المنازل وهل هناك "ربًاط" استطاع الجمع بين "ربط الدرب" وجريمة التزوير؟. ومن حكمته يا الطيب مصطفي، كل خُلق لما هو ميسر له حتى عالم الجريمة في هذه ليس استثناء. فقولك بحكم طبائع الأمور أن هذه الفتاة يمكنها أن ترتكب كل هذه الجرائم مردود عليك.

  كعادتك يا الطيب مصطفي لقد قمت بخلط أوراق كثيرة في مقالك هذا حتى يتفرق دم هذه الفتاة الذبيحة بين قبائل لم تكن طرفا في هذه الحرب ولم تكن معنية بها، فالحرب منذ بدايتها كانت واضحة وجلية فهي ضد القوانين المهينة التي تحط من كرامة المرأة والرجل علي حد سواء، وليست هذه القوانين الجائرة هي الشريعة بأي حال من الأحوال، فالشريعة الصحيحة التي نعرفها تقبع بين دفتي الكتاب الكريم، وفي متون السنن المطهرة، وفي صدور الأتقياء من الرجال، والتقيات من النساء، ولو طُبقت هذه الشريعة حقا لما احتفظت أنت بكفك اليمني وربما قدمك اليسرى لأنك تسعي صباحا ومساء بالفتنة بين الناس.

  أين هي الشريعة التي تدافع عنها وتبيح دم كل من يعارضها؟، وتصف في ترهيب واضح لا يخفي علي أحد كل من نادي بإلغائها بأنه ضد الدين ويدعو إلي الإباحية والفسق والتحلل من القيم الفاضلة والفجور هل تعني بالشريعة تلك النصوص المعيبة شكلا وموضوعا التي صاغها في عجالة الثلاثي بدرية، وعوض الجيد، وأبو قرون والتي نُسبت إلي شهر افرنجي وتم اختزالها في كتيب العقوبات لسنة 83 الذي تم تعديله إلي الأسوأ منه سنة 91 حتى قال عنها الإمام الصادق المهدي إنها لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت به وهو كان بصدد إلغائها ؟.

   أم إنك تقصد بالشريعة المادتين 152، و154، اللتين تم الإبقاء عليهما لغرض سياسي القصد منه إذلال الخصوم السياسيين وترهيبهم وليس لغرض ديني يبتغي مرضاة وجه الله تعالي ورسوله الكريم بأي حال من الأحوال؟، وإلا أين هو حد السرقة، وحد الرجم، وحد القطع من خلاف؟، ولماذا تم تعليق هذه الحدود إذا كنت تتكلم عن الشريعة والتي هي كُل متكامل أول مقاصدها أن رحمتها تسبق عذابها؟، إذا أن الحدود هي أحد أوجهها وليست هي الشريعة، كما تحاول إيهام الناس وتغبيش وعيهم. أم إنك تخاف علي تشويه الصورة في الخارج؟.

  ليعلم الطيب مصطفي أن اللغط والجدل الدائر حول هاتين المادتين 152، و154، والمطالبة بإلغائهما ليس جديدا، فهذه المطالبة بالإلغاء لم تبدأ بثورة الأستاذة لبني حسين التي جأرت بصوت عال ضد القهر والتسلط بحق المرأة باسم الدين فلم تستطع كل آلات القهر والإرهاب إسكاته فلها التحية أينما كانت، بل بدأت بشكل متصاعد بين حماة القانون من قضاء واقف وبعض الشرفاء من القضاء الجالس لما وجدوه من حرج في التطبيق العملي لهاتين المادتين لأنهما تقومان علي الاجتهاد والترجيح والإحتمال وهذا يتعارض مع قاعدة لا اجتهاد مع وجود نص.

  هؤلاء الذين يصفهم الطيب مصطفي في تشفي مغرض ببني علمان وقبائل اليسار والملحدين ويتهمهم بأنهم سعوا لتدويل قضية الفتاة سياسيا هؤلاء لهم دور كاشفا لجرائم نظامه التي يحاول جاهدا بأن تظل في الظلام وليس لهم دور منشأ لها، ويكفي هؤلاء شرفا بأن أيا منهم لم يحاول إلصاق تهمة الدعارة ببنات بلده كما فعل د. خالد المبارك خبير المسرح الذي كنا نتوقع منه أن يعطينا أمة فعل ذلك في انكسار مهين أمام تلك الفتاة التي تقاصر دونها هامة وهي تدافع عن عزة وشرف بنات بلدها من خلال أوسع القنوات التلفزيونية انتشارا ومشاهدة، التحية والتجلة للمناضلة شادية عبد المنعم والخزي والعار لكل من لم يجد شيئا ليبيعه غير مبادئه ومواقفه.

  بنو علمان وقبائل اليسار والعلمانيين من السودانيين الذين تهاجمهم ليل نهار ليسوا ضد الدين يا الطيب مصطفي كما تحاول أن توهم غيرك بذلك، فهؤلاء يتزوجون بالدين، ويسرحون نسائهم بإحسان ومعروف بالدين، ويدفنون موتاهم بالدين، ويقسمون ميراثهم بالدين، ويفشون بينهم السلام بالدين، ويشاركون أهلهم الأفراح والأتراح بالدين، ويتعبدون بالدين، وفوق كل ذلك هم لا يكذبون، ولا يقتلون، ولا يعذبون باسم هذا الدين، ولا يجعلون من هذا الدين سلعة لتدر عليهم ريعا دنيويا ليكون الدليل والشاهد عليهم السامقات من العمارات، والفارهات من السيارات، والزواج مثني وثلاث دون مقتضى شرعيا. أسأل عنهم الشعب السوداني الذي بت تتكلم باسمه سوف يجيبك بأن أياديهم بيضاء من ماله، وإنهم يسعون معهم في الأسواق ويأكلون طعامهم ويمشون معهم في الطرقات ويقاسمونهم الجلوس علي هذه "الجابرة"، وأن لسانهم عفيف لم يسئ إليهم، وأن صفحتهم الوطنية وضيئة لم تطاردهم العدالة الدولية بتهمة ارتكاب جرائم ضد شعبهم.

  علي من تزايد باسم الدين يا الطيب مصطفي؟، أترك الدين الشعبي في حاله، فالدين ليس في حاجة إليك لتحميه، يكفي إنك وغيرك من المتأسلمين كنتم السبب المباشر في هز قدسية هذا الدين في نفوس شعوب هم مؤمنون علي اختلاف دياناتهم ومعتقداتهم بالفطرة، وقبل مجيئكم إذا أمرت المحكمة صاحب حق أن يحلف اليمين الحاسمة ليأخذ حقه فإنه يرفض ذلك رهبة وهيبة من هذا الكتاب الكريم، واليوم أذهب إلي أي محكمة لتري بأم عينك كيف أصبحت اليمين غموسا، وكيف صارت الذمم خربة بعد أن جعلتم من  هذا الشعب السوداني مجرد شعب يتسول حقه، وحتى ينال أوقية سكر لابد أن يؤدي القسم فأي امتهان لقدسية الدين أكثر من ذلك.

  جاء في صلب مقال الطيب مصطفي عندما قال (إذن فإن رباح الصادق المهدي تقول بأن القرآن بل إن الله تعالي يذل المرأة وتطالب بالغاء العقوبة القرآنية في حق الفتاة صاحبة بيت الدعارة التي يعلم الله وحده كم أفسدت من حرائر السودان الشمالي) انتهي الاقتباس.

  هو قولها ولم تقل، ولست هنا في مقام الدفاع عن رباح الصادق المهدي لأن ليس كل عمل يقوم به الفضولي تتم إجازته بواسطة رب العمل، فرباح الصادق المهدي صاحبة قلم ورؤى وفكر وهي الأقدر للدفاع عن نفسها فلها مني كل تقدير.

   حتى الجريمة يا الطيب مصطفي صرفت لها من مكنون عنصريتك البغيضة الذي لا ينضب،  فعنصرتها، لأنك بقولك هذا قد لخصت كل مشاعر الحقد علي كل من تحس بأنه لا ينتمي إليك عنصرا، كنا نعتقد أن كراهيتك للجنوبيين ينبع من اختلافك معهم في الدين ولكنك أكدت بما لا يدع مجالا للشك الحقيقة التي وصل إليها المرحوم يحي داود بولاد عندما قال (اليوم عرفت أن العرق أقوى من الدين)، وقبل كل ذلك ما فائدة مشروعك الحضاري إذا عجز عن حماية حرائر السودان الشمالي من الانزلاق إلي مهاوي الدعارة والرذيلة. وفي الختام دعني أهمس في أذنك أن آباء وأمهات هؤلاء الفتيات اللائى لا ينتمين إلي السودان الشمالي ولا يصنفن من حرائره هم أيضا يربون أبنائهم وبناتهم علي الفضيلة فهل بمثل هذا الخطاب الذي تكتب به تربي أبنائك علي الفضائل.

الصادق حمدين ـ هولندا  

 



© Copyright by sudaneseonline.com