الـهـــاويـة/عبدالله علقم

From sudaneseonline.com

كلام عابر بقلم : عبدالله علقم
الـهـــاويـة/عبدالله علقم
By
Dec 17, 2010, 08:29

(كلام عابر)

الـهـــاويـة

شريط الفيديو الذي بثته قناة الجزيرة وقناة العربية الفضائيتين ومواقع إسفيرية وقنوات فضائية عالمية أخرى والذي يصور عساكر الشرطة وهم ينكلون بفتاة تعيسة وينهالون عليها ضربا بالسياط في وحشية وتلذذ ، هو أمر مسيء من جميع الأوجه. مسيء لكل الشعب السوداني وليس للنظام الحاكم، وأكثر من يحس بأثر هذا الفيديو ومبلغ إساءته هم السودانيون الذين يعيشون خارج السودان ويواجهون المجتمعات التي شاهدت الشريط، فالوطن في البداية والنهاية للجميع الحاكم والمحكوم والمؤيد والمعارض. هل أستطيع أنا المقيم في سعودية منذ ربع قرن ،أو هل يستطيع غيري، أن أقنع من يستفسرني من المشاهدين السعوديين والخليجيين، علي سبيل المثال، بأن تعذيب تلك الفتاة الذي شاهده على شاشة التلفزيون هو إنفاذ لحدود الله ؟

المشاهد التي جسدها الفيديو لا بد وأن تدفع العقلاء للنظر في لب المشكلة وليس تداعياتها، ولب المشكلة يكمن في القوانين التي تبيح مثل هذه الممارسات وتجعل من عسكري الشرطة ضابطا وشاكيا وشاهدا ومدعيا، وقانون النظام العام أو قانون العقوبات ليست نصوصا محكمة منزلة ولكنها اجتهادات بشرية قابلة للصواب بمثلما هي قابلة للخطأ، وأسوأ ما في الخطأ هو الإصرار عليه.

تعليق السيد نافع لقناة الجزيرة الفضائية على واقعة تعذيب تلك الفتاة جاء متسرعا، والتسرع عادة ظلت ملازمة للسيد نافع، فقد فال "أخشى لو علمت بجرمها أن تتمنى لو أنها قتلت" ثم قال "طالما أنها جلدت فيعني أنها فتاة غير محترمة" ، وكان بوسعه أن يقول كرجل دولة أن الواقعة التي يظهرها الشريط قبيحة ولكن المعلومات ليست متوفرة لديه في الوقت الحالي ولا يستطيع الحكم حتى يلم بأبعاد وخلفيات القضية، فذلك سيكون أكثر منطقية وأكثر قبولا للمشاهد ،وأكثر عدلا لأن الفتاة المنكوبة والقاضي الذي أصدر الحكم عليها والعساكر الذين قاموا بتعذيبها كلهم رعايا السيد نافع رجل الدولة بوصفهم مواطنين سودانيين ، المخطيء منهم والمصيب ، الضحية منهم والجلاد، كلهم مواطنوه وكلهم رعاياه، وكان يجب أن يقف على مسافة واحدة منهم جميعا حتي يتجلى الخيط الأبيض من الخيط الأسود.

بيان قيادة الشرطة جانبه التوفيق هو الآخر حينما ركز على البحث والتحري عن هوية الجهة التي أطلقت الشريط في الفضائيات والدوافع وراء ذلك الفعل ولم يركز كثيرا على الفعل السيء نفسه الذي صوره الشريط. أما والي الخرطوم السيد عبدالرحمن الخضر فقد قدم محاضرة فقهية طويلة في قناة النيل الأزرق ثم ألقى باللوم على المتآمرين الذين بثوا الشريط في هذا الوقت بالذات المتزامن مع مناسبة دولية لحقوق الانسان وأكد أن الواقعة قديمة عمرها عشرة أشهر وقم تم التحقيق فيها واتخذت إجراءات وعقوبات ضد رجال الشرطة الذين حرص على تمييزهم بأنهم شرطة المحاكم كما اتخذت نفس الاجراءات والعقوبات في حق القاضي الذي كان حاضرا في الشريط، لكن ما ذكره السيد والي الخرطوم ، الذي حذر على الهواء من محاولة استغلال الواقعة، يتناقض مع ما ذكرته السلطة القضائية التي صرح المتحدث باسمها بأنه سيجري تحقيق في واقعة تنفيذ حكم الجلد للتيقن من تنفيذه وفق الضوابط المقررة أم لا، بمعنى أن التحقيق لم يتم بعد.

تصرفات وتعليقات من ظهروا في فيديو الفتاة المنكوبة تثبت جليا بالصوت والصورة الحاجة لإعادة التأهيل المعرفي والأخلاقي لمن يقومون بتطبيق القوانين ، فقد كثرت الشكاوى من ممارسات بعض رجال الشرطة ، آخرها تجربة الأستاذ راشد عبدالرحيم ، الصحافي المعروف ، غير الحميدة مع بعض رجال الشرطة والتي بدأت من أمام داره، وذكر تفاصيلها في عموده المقروء ، ويكتسب ما يكتبه الأستاذ راشد عبدالرحيم أهمية كبيرة لعدة اعتبارات، ونرجو أن نتاول ذلك في مرة قادمة.

واقعة فتاة الفيديو في مجملها محزنة ومخزية، لم يحسنوا التعامل معها، وتخصم من رصيد سمعتنا المتآكل.

قبل الختام:

يرى بصري من لا أود لقاءه وتسمع أذني ما تعاف من اللحن

(عبدالله علقم)

[email protected]