From sudaneseonline.com

بقلم :الدكتور نائل اليعقوبابي
رجم القبيلة بشراسته ومضى..!/ بقلم: الدكتور نائل اليعقوبابي
By
Dec 13, 2010, 20:03

                   رجم القبيلة بشراسته ومضى..!

  بقلم: الدكتور نائل اليعقوبابي

    *( هل ابتسمتَ حين سمعت طرقاً

على الباب؟

     إن كان الموت دائماً .. فهو يأتي

تالياً..

     الحرية أبداً هي الأولى!

              الشاعر اليوناني

-          يانيس ريتسوس -

        .. حرى بنا. في هذا العصر. أن نتكىء على الزوبعة.

     حرى بنا أن نقول للذين سقطوا سهواً عن ظهور الملائكة لكم تاريخكم ولنا تاريخنا، وليس في الوقت متسع لمزيد من البكاء، ليس في الوقت متسع لمزيد من الثرثرة... الصحراء صحراؤنا، والهواء هواؤنا، وأنتم الغرباء.

       وها هو ذا الشنفري عمر بن مالك الأزدي (554م) كأي إنسان أصيل أراد أن يبتكر شكلاً جديداً للرفض.

       أراد أن يكون الرفض كرة مطاطية تتدحرج أمام عتبة (النص)، أو ثوباً بالياً لا يتسع لقصيدة رشيقة القوام، أو أفعى سامة ترفض التنازلات.

       أراد له أن ينتشر في الهواء كأي سلاح جرثومي، ولكن شهوة الحياة دفعته إلى النوم قرب شواطىء هونولولو فنام قبل أن تلتئم جراح الصحراء. وحين استيقظ وجد الرمال قد تحولت إلى أبنية شاهقة وناطحات سحاب ونفط ومومسات ومواخير.. ودولارات.

      ولأن الشنفري لم يكن يعرف طعم الموت رجم القبيلة بشراسته ومضى.

         أعلن عصيانه، أعلن تمرده، أعلن غضبه... وهمس في أذن القبيلة:

          ولي دونَكمْ أهلونَ سيدٌِ عملَّسٌ

                        وأرقطُ زهلولٌ وعرفاءُ جيألُ

       وحين أحس بالضجر اقترح ذات لحظة ماجنة معنى جديداً للموت، وطلب من اللغة أن تتبناه، واقترح على القلب الملوث بالهذيان أن يضمد جراح التراب فأبى، ولأن الوقت غير قابل للزيادة أو للنقصان استل سيفه وطعن التراب وكتب وصيته الأخيرة بالضوء:

          ولا تَقبروني إن دَفني محَرّمٌ

                        عليكمْ ولكنْ أبشري أمَّ عامر ِ

         هكذا هو الشنفري، يرفضَ أن تحتفي بجثته هوام الأرض، لأنه يريد أن تحرسه النجوم ببريقها كي لا يجف. يرفض أن يرفع قبعته احتراماً للغرباء، لأنه غير قابل للانحناء، يرفض أن يمتثل لأوامر الذين أصيبوا بلوثة الكمال، يرفض الوقوف في العتمة، في الظل، لأنه يعشق أشعة الشمس الحارقة، ويهوى هزيم الرعد والزلازل المباغتة.

        ولأن القبيلة لم تكن تعرف نواياه، فسخت العقد الذي يربطها به، وتركت له حرية ابتلاع الأسئلة غير المهذبة، تركت له حرية البكاء فوق أرصفة التعب.

        ولأن البكاء كمين لا يقع فيه إلا الرجال الجوف، فقد اتخذ فدافد الأرض موئلاً له، ومكاناً آمناً يحتمي به من الحظ العاثر والشبهات والخطر، وظل شامخاً كالهواء في وجه الجهلة وصانعي البؤس والفوضى.

            فهَاأنذا كالليثِ يَحمي عَرينَه

                         وإن كنتُ عانٍ في وثاقي مصفَدُ

        فيا صديقي، أيها المتخم بالأنين، أيها الملوث بالكبرياء!

        لا تمد حبالك للذين يتقنون القفز فوق الحبال، اشحذ سكينك بالأناشيد والشرفات، واملأ أناملك بالطلقات والزوابع، قبل أن يسدلوا الستارة بغتة. فالقناصة حولك منتشرون، يريدون أن يغتالوا ظلك العالي، يريدون أن ينثروا حماقاتهم في طريق قيامتك المنتظرة، يريدون أن يصوبوا نحوك قهقهاتهم كي يوقعوك في الأسر.

       وأنت كأي إنسان أصيل لا تليق بك الزنازين، لا تليق بك القضبان، ولا تليق بك بيوت الأشباح ،لا تليق بك السياط وأسلاك الكهرباء والكلاب.

       نعم أيها الطاعن بالغضب، أنت محاصر بالصحراء فاصعد الريح، قبل أن ينكرك الرعد. أنت محاصر بالأحجار النفيسة والأرائك المعدة سلفاً لاستقبال الوفود غير الرسمية، فاصعد السحاب قبل أن ينكرك المطر، أنت محاصر بالثيران ورجال ( الجنجويد ) ورجال (الكاوبوي) فاصعد إلى تخوم الشرف قبل أن تنكرك الفضيلة، فلغيرك قد أعدوا ما أعدوا من النساء والموسيقا والفاكهة، لغيرك قد أعدوا ما أعدوا من الموائد المستديرة والذهب، ولك قد أعدوا ما أعدوا من الأنقاض والترهات والسياط والاغتيالات والسجون والمعتقلات.

        وها أنذا أيها الممسك بزمام الصخب والضجيج، أسترخي جوارك لأحصي عذاباتك، فلا تمنع بقدميك الريح من القلق، الطغاة وحدهم يدركون حقيقة دهشتنا، الطغاة وحدهم يزرعون الغابات بالزهور لقطعان ضلت السبيل، الطغاة وحدهم يسطون على الأبراج والأزمنة والمفردات اللزجة والأخلاق المضادة للفرح.

         ها أنذا أيها المنتشر في أحشاء القبور أتساءل: كم من الوقت يلزمنا لنرث الينابيع والطمأنينة والياسمين! كم من اللعنات يلزمنا لنصمد في وجه أحلامنا الآثمة! كم من الجدران نحتاج لنهرب من وجع المسافات ونستريح!.

   [email protected]



© Copyright by sudaneseonline.com