From sudaneseonline.com

بقلم: الصادق حمدين
الأفارقة قرود ـ ليس حبا في رائحة الجنوبيين هكذا تكلم عبد الحليم قنديل/ الصادق حمدين
By
Dec 10, 2010, 20:40

الأفارقة قرود ـ ليس حبا في رائحة الجنوبيين هكذا تكلم عبد الحليم قنديل/ الصادق حمدين

  شاهدت بالأمس الثلاثاء 07/12/2010 علي قناة الجزيرة الإخبارية برنامج الاتجاه المعاكس وهو البرنامج الحواري الأشهر في الوطن العربي من تقديم الدكتور فيصل القاسم. وكان ضيفيه كل من الأستاذ عبد الحليم قنديل من مصر ـ المنسق العام للحركة المصرية من أجل التغيير والتي تعرف اختصارا بحركة "كفاية"، والدكتورة تربة بنت عمار من موريتانيا المحاضرة لمادة التاريخ بجامعة نواكشوط.

   كان موضوع الحلقة يدور حول الأزمة السودانية فيما يتعلق بجدلية الوحدة والانفصال وموقف الدول العربية منها. وقدم كل من المتحاورين دفوعه التي تدعم حجته منطلقا من الزاوية التي ينظر منها إلي الموضوع محل الحوار. وسارت الحلقة هادئة عكس ما اعتاد عليه المشاهد من أصوات أوبرالية "سبرانو" تضيع معها الحقائق كلما ضعفت حجة أحد المتحاورين.

  لست بصدد تناول ما دار في الحلقة من حوار لأن الأمر الذي كانا فيه يستفتيان قد قُضي، ولا تستطيع الدول العربية إن اجتمعت أو تفرقت أن تغيير من واقع أمره شيئا، استحضار التأريخ، وتجميل الواقع، ووعود المستقبل كلها مجتمعة لن تستطع مسح الدموع علي لبن الوحدة السودانية المسكوب، رُفعت الأقلام وجفت الصحف.

  تناول الأستاذ عبد الحليم قنديل سلبية وتقاعس الدول العربية في مد يد العون والمساعدة المالية والسياسية إلي الدولة السودانية الأمر الذي جعل ظهرها مكشوفا أمام مؤامرات إسرائيل ومن خلفها أمريكا حسب زعمه متجاهلا ذكر العامل الداخلي الذي جعل من التدخل الإسرائيلي والأمريكي في الشأن السوداني ممكنا، وفي اعتقاده الراسخ أن الأسانيد التي قدمها تدعم حجته وتؤكد قوله، وعندما تطرق إلي ليبيا ودورها السلبي في مساعدة الدولة السودانية في تجاوز محنتها.

   قال بالحرف الواحد (العقيد معمر القذافي صرف مليارات الدولارات علي "قرود إفريقيا" حتى يتم تنصيبه ملكا لملوكهم). هكذا قالها وبعنجهية واستعلاء وكأن ما قاله يعتبر من المسلمات أو أحد ثوابت الكون، تقيأ تلك الكلمة التي تحط من قدر الإنسان عندما يتم تشبيهه بها دون أن يرمش له طرف فسقط عنه عبء لقب الأستاذية الذي كان يحمله وكشف عن وجهه الباشوي العنصري القميء. وسقطت معه الراية التي كان يرفعها من أجل التغيير لأن من يتصدى للدفاع عن قضايا مواطنيه ضد الديكتاتورية والشمولية ويرفع شعار أن من حق هذا المواطن أن يعيش حرا كريما يكون كاذبا آشرا فيما يدعيه من نقاء ثوري إذا وصف غيره من البشر الذين كرمهم الله بالقرود.

  يعلم عبد الحليم قنديل أن الملوك القبليين والقادة الأفارقة الذين وصفهم بالقرود واستخسر فيهم مليارات العقيد إن كان ما قاله صحيحا عن هذه الأرقام المهولة من الدولارات التي ذكرها، هم أول من وقفوا مع العقيد وشعب ليبيا في محنتهم جراء تداعيات حادثة "لوكربي" وكسروا عنهم الحصار الدولي الخانق عندما تخلي عنهم في تخاذل مهين اخوة العقيدة والدم. بل أين كنت أنت يا حامل لواء التغيير وحقوق الإنسان، والإنسان المعني هنا كلمة مجردة تشمل كل البشرية بما فيهم الأفارقة الذين وصفتهم بالقرود دون إحساس حتى بأدنى حرج من عشرات الآلاف بل المئات إن لم يكن الملايين وهم يستمعون إليك وأنت تسقط بطوعك واختيارك في مستنقع العنصرية الآسن.

  تأتي خطورة ما قاله عبد الحليم قنديل من عنصرية ألجمت لسان كل من سمعه ليس لأنه ظاهرة صوتية ونجم ساطع في الشاشات البلورية تنافح الديكتاتورية والشمولية في بلده، بل لأنه قيادي في حركة كفاية ومن المؤسسين لها وواضعي برنامجها الذي ينادي بالتغيير، لا ندري التغيير من ماذا ولماذا؟، إذا كان من ينادي بهذا التغيير ويتصدى له محتملا السجن، والتعذيب، والترهيب غير مؤتمن علي الثقة التي حمًلها له الفقراء، والجياع، والمقهورون الذين يعنيهم هذا التغيير بالأساس، فكيف يأمنون لؤمه إذا بلغ السلطة؟، لأن من يصف غيره بالقرود دون داع أو مسوغ يبرران له ذلك الوصف سيجد حتما من ذميم الصفات ليرمي بها من يختلفون معه.

  وقبل أن يرجع حاجب الدهشة المنعقد إلي مكانه الطبيعي قذف "القنديل" حمم أخرى من جوفه المليء بعبارات التمييز والعنصرية وقال ودم إهداره لقيمة إنسان إفريقيا ممثلا في ملوكه القبليين ووصفه لهم بالقرود ما زال يخرج مع رزاز أنفاسه ( المساعدات التي تقدمها أمريكا وإسرائيل ليس حبا في رائحة الجنوبيين إنما الجغرافيا هي الدافع لتلك المساعدات) قال هذا ولم يأتي علي ذكر المعونات السنوية التي تقدمها أمريكا إلي دولته هل لها علاقة بالروائح أم بماذا؟، ووصف دولة الجنوب إن قُدر لها أن تقوم بأنها ستكون دولة إسرائيلية ثانية.

  لا ندري ماذا يقصد هذا القنديل "برائحة الجنوبيين" هل النتانة هي في رائحة تعصبه هو؟، أم في رائحة الجنوبيين؟، وماذا تعنيه رائحتهم إذا كانت ذكية أو غير ذلك؟، وهل سال هذا القنديل الجنوبيين يوما عن رأيهم في رائحته هو؟، وكيف يأتي كلام مثل هذا من شخص بدأ حياته طبيبا وهو يعلم بحكم دراسته أن لكل عرق من أعراق البشرية له رائحة تميزه عن غيره، ولم تكن يوما من الأيام هذه الرائحة مسبة تميز قوما عن آخرين. ورائحة الجنوبيين إن كنت لا تعرفها وأنت الفلاح بن الفلاح هي رائحة أرضهم.. ونيلهم.. رائحة أبقارهم ومزارعهم.. رائحة أسماكهم وشمسهم الساطعة، مالك أنت ورائحة الجنوبيين دعهم في شأنهم، فرائحتهم أذكي من كل العطور الباريسية التي سمحت لك ظروفك بشرائها.

  لا ندري لماذا صب هذا القنديل جام غضبه علي الجنوبيين ووصفهم بما لا يليق، هل هم سبب في إنشاء الدولة القطرية التي وأدت حلمه "كقومجي" عربي؟، وهل فشل حلم هذا القنديل كما فشل من قبله حلم نابليون في تحقيق القومية الأوروبية ومن بعده هتلر حامل لواء الشعوبية ومن بعدها القومية النازية كان الجنوبيون السودانيون سببا فيه؟.

   وهل ما زال يحلم هذا القنديل في أن يتحقق حلمه بعد أن أقر أحد كبار المفكرين القوميين وهو الدكتور محمد عابد الجابري عندما قال "كل تفكير في الوحدة العربية اليوم أو غدا لا ينطلق من واقع الدولة القطرية العربية الراهنة هو تفكير ينتمي إلي مرحلة مضت وانتهت، تفكير لم تعد له إطلاقا أية وظيفة ولا أية مهمة". فهل بعد كل هذا يحدثنا قنديل عن القومية؟. وتجربة سوريا ما زالت حاضرة في الأذهان. وهل قيمة القومية علي حساب الحاجات الأساسية للإنسان باعتباره إنسان لا تتناقض مع ما يدعو إليه من شعار للتغيير من داخل مصر وهي دولة قطرية لها مصالحها قد تتعارض مع قوميته التي يدعو إليها؟،

  وهل بعد كل الذي سمعناه في حلقة الأمس الحوارية من رجل لا يمثل نفسه بل يمثل تيارات ومناهج كثيرة منها ما خفي وما ظهر، هناك من يرفع عقيرته بالصياح ويدعو إلي الوحدة الكاملة مع مصر يقولون هذا وهم لا يدرون بأنهم يقدمون بكامل حريتهم واختيارهم قيود العبودية والإذلال إلي شعوبهم لتتحد مع حكومات شعب لا يري في بلادهم إلا جغرافيا دون بشر.

  كرر أكثر من مرة هذا القنديل بأن دولة الجنوب ستكون إسرائيل ثانية. لم يصنع من إسرائيل بعبعا يخيف إلا أمثال هؤلاء بجعجعتهم التي لا يُري لها طحينا. والسؤال موجه إلي من يرتعب من إسرائيل ثانية في دولة الجنوب، هل سمع يوما من الشهيد جون قرنق دي موبيور، أو سلفا كير ميارديت أو أي من قيادات الحركة الشعبية بأن حدود دولة الجنوب تنتهي حيث تصل جنازير دباباتهم؟، كما قال بن غوريون ومن بعده موشي ديان وتركت تصريحاتهم عبر التاريخ كل هذا الرعب، أم أن مجرد النية في إقامة علاقات دبلوماسية مع دولة إسرائيل تدعو إلي كل هذا الخوف وما هو رأي "القومجي" العربي بأن هناك (في العمارة سفارة)؟.

الصادق حمدين ـ هولندا   



© Copyright by sudaneseonline.com