From sudaneseonline.com

مقالات , تحليلات او راي
نتائج التعداد السكاني الخامس في السودان.. هل أعدت سلفاً؟/عرمان محمد احمد
By [unknown placeholder $article.art_field1$]
Apr 27, 2009 - 8:57:46 AM

نتائج التعداد السكاني الخامس في السودان.. هل أعدت سلفاً؟


عرمان محمد احمد

 

 

كتب هذا المقال يوم9 ‏/05‏ العام الماضي2008، وقد ظهرت نتائج التعداد اليوم،لتؤكد صحة ما توقعناه من ان   نتائج التعداد معدة سلفاً، وتجئ وفقاً لمخطط المؤتمر الوطني، سواء بالنسبة لعدد السكان او توزيع الدوائر الجغرافية، حيث ان هذه النتائج ستكون هي الموجه والمحدد، لنتائج الإنتخابات ( الكلبتوقراطية) المعد لها و  المعدة سلفاً، بواسطة جماعة المؤتمر الوطني. وقد قال المشير البشير في اللقاء الذي اجرته معه قناة الجزيرة واعادت بثه امس الاحد ‏26‏/04‏/ 2009 ان (الديمقراطية الحقيقية) في السودان ستتحقق بعد عشرين عاماً، اي انه يبشر السودانيين بعشرين عاماً اخري من الديكتاتورية تحت قبضت جماعته الفاسدة، برغم قرار المحكمة الجنائية الدولية بالقبض عليه في تهم تتعلق بأرتكاب جرائم حرب وجرائم ضد   الإنسانية، كما كشف عن موقفه من الديمقراطية، بقوله ان الحاكم مهما كان ظلمه يجب عدم الخروج عليه (الا لكفر بواح او لترك الصلاة)  وعندما ذكره المذيع بأنه هو نفسه خرج علي الحاكم، و نفذ انقلابا عسكرياً علي الحكم الديمقراطي القائم عام 1989 اسقط في يده وعجز بصورة فاضحة عن الإجابة. ان التحول الديمقراطي المنتظر علي ايدي جماعة (الإنقاذ) هو   مجرد وهم واكذوبة كبري، وبقاء هذه الجماعة علي سدة الحكم سيؤخر عقارب ساعة التحول الديمقراطي   الي الوراء،  وهل يمكن لعاقل انت ينتظر ( ديمقراطية) علي ايدي هؤلاء الإنقلابيين الفاشيين والمزورين؟

 

 فالي متن  المقال، الذي نعيد نشره اليوم  تعميماً لفائدة:  


التقديرات السياسية لقادة الجماعة الحاكمة، تقول بأن عدد السكان في السودان يقترب اويزيد عن 40 مليون نسمة. لكن في عام 2007 اصدر الجهاز المركزي للإحصاء، كتاباً بعنوان: الكتاب الإحصائي السنوي- 2006، تزامن مع موعد التعداد، المنصوص عنه في الإتفاقية، قدر فيه عدد السكان في السودان لسنوات قادمه. فمثلاً في منتصف عام 2008، موعد التعداد السكاني الخامس، قدر جهاز الإحصاء عدد سكان السودان، سلفاً، بـ 38.193 مليون نسمة. وقسم هذا الرقم بين سكان ولايات الشمال، و قدر عددهم الكلي بـ 32.493 مليون نسمة. و سكان ولايات الجنوب و قدر عددهم بـ 5.700 ملايين نسمة. و عن طريق الإسقاطات تم توزيع السكان في جميع الولايات كالأتي:


الشمالية 667 الف- نهر النيل 1.045 مليون - البحر الأحمر 743 الف- كسلا 1.796 مليون- القضارف 1.902 مليون- الخرطوم 6.430 مليون- الجزيرة 4.244 مليون- سنار 1.439 مليون – النيل الأبيض 1.805 مليون - النيل الأزرق 805 الف - شمال كردفان 1.677مليون- غرب كردفان 1.285 مليون - جنوب كردفان 1.241 مليون - شمال دارفور 1.878 مليون - غرب دارفور 1.906 مليون- جنوب دارفور 3.634 مليون- إقليم أعالي النيل 1.554 مليون – إقليم بحر الغزال 2.796 مليون - الإستوائية 1.350 مليون.



توزيع دوائر الإنتخابات الجغرافية


إذا اعتمد توزيع دوائر الإنتخابات الجغرافية، علي الكثافة السكانية لكل ولاية، حسب نسب السكان لعام 2008، الواردة في التقديرات الفنية، للجهاز المركزي للإحصاء، يمكن ان نتبين ملامح السناريو المعد سلفاً، من قبل الجماعة الحاكمة، لتوزيع الدوائر الجغرافية، كالأتي:


الخرطوم 44 دائرة، الجزيرة 30 دائرة، جنوب دارفور 25 دائرة، بحر الغزال 19 دائرة، شمال كردفان 18 دائرة، غرب دارفور 14 دائرة، القضارف 14 دائرة، كسلا 13 دائرة، النيل الأبيض13 دائرة، شمال دارفور 13 دائرة، جنوب كردفان 12دائرة، أعالي النيل 11دائرة، الإستوائية 10 دوائر - سنار 10دوائر- نهر النيل 8 دوائر - النيل الأزرق 6 دوائر الشمالية 5 دوائر، البحر الأحمر 5 دوائر.


إنتخابات حرة ام محاصصة مفبركة ؟



سناريوهات الجماعة الحاكمة في الخرطوم، ومخططاتها الرامية لفبركة نتائج التعداد السكاني، وتزييف الديمقراطية و تزويرالإنتخابات، يحسن معرفتها وفهمها وفحصها منذ الآن، ثم التعامل معها بالحكمة القائلة : لست بالخب ولا الخب يخدعني!


من المستبعد ان يفوز حزب المؤتمر الوطني، في أية إنتخابات ديمقراطية حرة في السودان. الا ان إصرار الجماعة الحاكمة علي تمرير إقتراحاتها الواردة في مسودة قانون الإنتخابات المثيرة للجدل، يشير الي انها بصدد فبركة محاصصة، مع بعض الأحزاب الأخري، لإقتسام السلطة، وتكريس ديكتاتورية مدنية غاشمة، بدلاً عن الديكتاتورية العسكرية الحالية. وذلك عن طريق تغليف المحاصصة، بغلاف الإنتخابات الديمقراطية.


وعلي ضوء إصرار الجماعة الحاكمة، علي تمرير مسودة قانون الإنتخابات، يمكن التكهن منذ الآن بسناريوهات المحاصصة، الإنتخابية، المرتقبة. فمثلاً إذا جاءت نتائج التعداد السكاني، بصورة مقاربة او مطابقة، للأرقام التي تقدم ذكرها، و قسمت الدوائرة الجغرافية بناء عليها، يمكن فهم سناريو المحاصصة، وتصوره علي النحو الأتي:


• يسعي المؤتمر الوطني للحصول علي نسبة %52 من مقاعد السلطة، وقد قسمت مسودة قانون الإنتخابات مقاعد السلطة التشريعية القومية، الي مقاعد دوائر جغرافية، عددها 270 مقعداً، ومقاعد تمثيل نسبي خاص بالنساء عددها 112 مقعداً، ومقاعد تمثيل نسبي للأحزاب عددها 68 مقعداً.



• لكي يحصل المؤتمر الوطني علي النسبة الـ % 52 المشار اليها يلزمه الحصول علي 234 مقعداً في البرلمان القومي(المجلس الوطني) من مجموع المقاعد البالغ 450 مقعداً، و تستطيع الجماعة الحاكمة تحقيق ذلك، عن طرق إدعائها الحصول علي 122 مقعداً في إنتخابات الدوائر الجغرافية، وادعاء الفوز في كل مقاعد التمثيل النسبي المخصصة للمرأة البالغ عددها 112 مقعداً.


• أذا سارت الأمور علي هذا النحو فأن محاصصة الدوائر الجغرافية، بالنسبة لبقية الأحزاب، يمكن ان تأتي كالأتي: حزب الأمة 54 مقعداً، الإتحادي الديمقراطي 46 مقعداً، الحركة الشعبية 28 مقعداً، احزاب جنوبية وشمالية أخري 20 مقعداً.

• بقية الأحزاب يمكن محاصصتها ضمن الـ 68 مقعد، المخصصة لدوائر التمثيل النسبي للأحزاب.


بطبيعة الحال يمكن ان تتعدل هذه الأرقام بالزيادة او النقصان، هنا وهناك، ويعاد توزيعها بصورة او أخري، لكن نتيجة إنتخابات السلطة التشريعية القومية، التي تعد لها الجماعة الحاكمة، غالباً ماستقترب من هذا السناريو . كما ستسير محاصصة مقاعد المجالس التشريعية الولائية، علي نفس المنوال، وفقاً للظروف الخاصة بكل ولاية، بطبيعة الحال. ولكي تتمكن جماعة المؤتمر الوطني من الفوز في انتخابات المجلس التشريعي القومي، ومجالس الولايات، و في انتخابات حكام الولايات (الولاة) و إنتخابات رئيس الجمهورية، ستسعي الي تفصيل السجل الإنتخابي وفقاً لأجندة خاصة بها، من بينها تقليل نسبة تسجيل المواطنين في السجل الإنتخابي. ومن اجل ذلك نصت مسودة قانون الإنتخابات، التي تصر علي تمريرها الجماعة الحاكمة، علي ان يكون التسجيل للإنتخابات اختيارياً، اي ان عبء تسجيل أسماء المواطنين في السجل الإنتخابي، يقع علي عاتق المواطنين، وليس الحكومة.


جماعة المؤتمر الوطني الحاكمة لاتؤمن بالشراكة السياسية، بمعني الإسهام في إتخاذ القرارفي الدولة، وانما ترغب في إختزال مشاركة القوي السياسية الأخري معها، في نوع من المشاركة الصورية الديكورية أو الطرطورية، وذلك بمنح مناصب حكومية، لبعض الطامعين والطامحين، في بعض الأحزاب السياسية، كما هي الحال الحاضرة، حيث يتم تعين الوزراء، وكبار المسئولين، والنواب البرلمانيين،بمرتبات ومخصصات مالية كبيرة، و لكن بلا سلطات او صلاحيات حقيقية، إذ تتولي كوادر الجماعة الحاكمة إدارة جميع اجهزة الحكم، من الباطن، و تقوم بتحويل كبار المسئولين التنفيذيين، والنواب المعينين من ثم، الي موظفي علاقات عامة، وعمال ديكور سياسي، وأرجوزات، مهمتهم الأساسية تزيين أخطاء النظام الحاكم، و محاولة تحسين صورته، عن طريق التضليل السياسي والإعلامي المنظم.


التعداد والتنوع الثقافي والعرقي


التنوع الثقافي والعرقي، من عناصر القوة في الدولة، ومن أجل ذلك لجأت بعض الدول مثل الولايات المتحدة، الي صناعة التنوع الثقافي والعرقي، صناعة، عن طريق استجلاب المهاجرين، من كل انحاء العالم، فيما يعرف باللوتري. و التنوع الثقافي والعرقي في السودان، نعمة من نعم الله التي تستحق الشكر، مع النعم الطبيعية الكثيرة،التي يحظي بها هذا البلد الواسع الكبير. و إحصاء المجموعات العرقية والثقافية المختلفة في التعداد السكاني، خاصة الجماعات التي تشكو من التهميش و هضم وانتقاص حقوقها المشروعة، يجب ان يتم بهدف انصاف هذه المجموعات، وتحقيق العدالة، و ضمان تكافؤ الفرص، بين جميع المواطنين. لكن رئيس الجهاز المركزي للإحصاء في السودان،قال في البيان الذي اصدره إبان أزمة التعداد بين حكومة الجنوب، وجماعة المؤتمر الوطني، الحاكمة بالفعل: ليس من اغراض التعداد الواردة في اتفاقية السلام حسم اكثرية المسلمين او المسحيين في الجنوب. وذلك في الرد علي مطلب الحركة الشعبية، التي تشارك في حكومة الوحدة الوطنية، بتضمين اسئلة الدين والعرق، في إستمارة التعداد السكاني الخامس.


من الواضح ان رئيس الجهاز المركزي للإحصاء كان يتحدث باسم جماعة المؤتمر الوطني،التي سيست الخدمة المدنية، عن طريق سيطرة كوادرها علي إجهزة الدولة المختلفة. وعلي الرغم مما قاله رئيس جهاز الإحصاء، تضمن كتاب جهازه المشار اليه انفاً، والصادر في عام 2007 معلومات تفصيلة، عن التقسيمات العرقية والقبيلية والدينية في السودان. و شملت جداول التقسيمات الدينية، جميع ولايات السودان، ماعدا الولايات الجنوبية، رغم الحرب الجهادية، التي دارت رحاها هناك، لاكثر من عشرين عاماً. فعلي سبيل المثال تم تقسيم السكان في ولاية الخرطوم، حسب ديانتهم كالأتي:


• مسلمون، إناث 1467536 ، ذكور 1689869، كلا الجنسين 3157405 ، عدد الأسر 510830


• مسيحيون: 161313 ، ذكور223 189 ، كلا الجنسي536 350 ، عدد الأسر 57025


• ديانات أخري: اناث 1276 ، ذكور1387، كلا الجنسين 2663 ، عدد الأسر 506


• غير مبين: إناث 410 ، ذكور1131 ، كلا الجنسين 1540، عدد الأسر 53


التقسيمات القبلية


كتاب جهاز الإحصاء الذي صدر في عام 2007 متزامناً مع موعد التعداد الخامس، المنصوص عنه في الإتفاقية، والذي تأخر بسبب الخلاف علي تضمين اسئلة الدين والعرق في إستمارة التعداد، أحصي كذلك القبائل السودانية كالأتي:


بقارة : العدد الكلي 1895600 - دار حامد : العدد الكلي 420844 - بديرية: العدد الكلي 532125 - جعليين: العدد الكلي 2950540 - جهينة: العدد الكلي 1804462 - قبائل عربية أخري- الأوسط : العدد الكلي 615 1138 - قبائل عربية اخري - شمالية : العدد الكلي 574 1213 - قبائل عربية اخري – شرقية: العدد الكلي 345078 - قبائل عربية أخري : العدد الكلي 292606- عربية أخري: العدد الكلي 413821 - نوبة شمال شرق: العدد الكلي 14038 - نوبة شمال غرب: العدد الكلي190777 - نوبة جنوب غرب: العدد الكلي 224969 - نوبة جنوب شرق: العدد الكلي 88937 - نوبة اخري: العدد الكلي 503452 - امارار: العدد الكلي- 76940 - بشاريين: العدد الكلي 76970 - هدندوة :العدد الكلي-316 485 - بني عامر: العدد الكلي 385735 - بجا أخري: العدد الكلي271718 - نوبة :العدد الكلي859713 - دينكا: العدد الكلي441253 - فونج: العدد الكلي244447 - نوير: العدد الكلي33001 - قبائل نيلية أخري: العدد الكلي62860 - متحدثي الباريا: العدد الكلي 36015 - متحدثي اللاتوكا: العدد الكلي 10053 - متحدثي اللغة الدنكاوية: العدد الكلي 1629 - شمال شرق أخري: العدد الكلي 1218 - وسط مورو: العدد الكلي 6727 - بوركوباكا : العدد الكلي9970 - نولوجسير : العدد الكلي3754 -زاندي : العدد الكلي 13761 - اخري شمالية شرقية: العدد الكلي 23762 - قبائل شرق دارفور: العدد الكلي4250510 - قبائل نيجيرية : العدد الكلي1431338- قبائل غير مبينة: العدد الكلي128942 - غير سودانيين : العدد الكلي381574

تقسيمات الجهاز المركزي للإحصاء، الذي تسيطر عليه الجماعة الحاكمة، للقبائل الواردة بعاليه تثير، بطبيعة الحال، الكثير من التساؤلات. فعلي سبيل المثال، اغفل جهاز الإحصاء، تفاصيل تقسيمات القبائل في دارفور. كما أشار الي تواجد قبائل في السودان سماها (قبائل نيجيرية) يصل عددها الي 1.4 مليون! و التساؤل الطبيعي الذي يثور هنا اذا كانت هذه القبائل سودانية، كيف ولماذا اسماها جهاز الإحصاء الرسمي قبائل نيجيرية؟ واذا كانت غير سودانية، فلماذا لم تضم للقبائل غير السودانية التي قدر جهاز الإحصاء عدد افرادها بحوالي 400 الف نسمة؟ ثم لماذا اصدر الجهاز المركزي هذه الإحصائيات اصلاً، في حين رفضت جماعة رئيسه، الحاكمة، تضمين اسئلة عن القبائل في إستمارات التعداد الفعلي للسكان؟

لقد انتهي الآن الموعد المحدد للتعداد السكاني الخامس، وترددت أقوال بأن عدد كبير من المواطنين، في مدن وقري الولايات السودانية المختلفة، لم يشاهدوا فرق العدادين، و لم يتم عدهم بالفعل. فهل يعني ذلك ان نتائج التعداد الخامس معدة سلفاً ؟ وهل كان الزخم الإعلامي الذي صاحب تعداد وإحصاء السكان والمساكن الخامس في السودان،مضيعة للوقت؟ كما صرف علي هذا التعداد اكثر من مائة مليون دولار، ذهب معظمها لشركات خاصة لها علاقة بالجماعة الحاكمة..هل ستخضع بنود صرف هذه الأموال، للمراجعة القانونية، بواسطة المراجع العام؟


http://omdurmaninternet.forumotion.net/montada-f33/topic-t239.htm


عرمان محمد احمد


09‏/05‏/2008

 

 

 

الشفافية و عبثية التعداد السكاني الخامس في السودان

 

 

عرمان محمد احمد

 

 



تجري الحكومات الديمقراطية الرشيدة، التعداد والإحصاء السكاني، بهدف التخطيط الإستراتيجي، ومعرفة نسب توزيع السكان في الدولة، و الكثافة السكانية في كل إقليم، وتقدير حجم الحراك الديموغرافي، و قياس معدلات الهجرة، و بهدف الإستخدام الأمثل للموارد، وعمل التقسيمات الإدارية، و توزيع الخدمات الصحية والتعليمية والأمنية، و خدمات الرعاية الإجتماعية، والامومة والطفولة، وترقية القدرات البشرية للرجال والنساء الخ. فهل حقاً يهدف تعداد السكان والمساكن الخامس،الي تحقيق مصالح عليا للشعب السوداني، مثل العدالة، والتنمية الإقتصادية الإجتماعية؟ ام انه تعداد مسيس، يهدف فقط الي إعادة رسم الخارطة السياسية في السودان، وفقاً لأجندة واهداف جماعة المؤتمر الوطني، العقائدية العسكرية الحاكمة؟

انعدام الثقة في الجماعة الحاكمة لم يأت من فراغ


يحتوي التعداد السكاني، علي إستمارة قصيرة من عشرة اسئلة، تحتوي علي الأسئلة التقليدية، مثل العمر وعدد أفراد الأسرة والنوع من ذكر وأنثي،الخ كما يحتوي علي إستمارة طويلة تشمل اربعة واربعين سؤالاً ، تجيب عليها عينات مختارة من السكان، و تحتوي علي أسئلة عن المسكن والنشاطات الإقتصادية والإجتماعية والمهن الأساسية للسكان. فهل سيتعاون المواطنون في الإدلاء بمعلومات دقيقة عن هذه الأسئلة؟

ليس من شك ان ثقة أهل السودان، في شفافية وصدقية جماعة المؤتمر الوطني الحاكمة، متدنية للغاية. وقد أحضرت هذه الجماعة الديكتاتورية من الخارج مراقبين، ينتمي كثيرون منهم، لدول تعاني من فجوة كبيرة في الديمقراطية والشفافية ، فهل يمكن ان يأتي هذا التعداد معبراً عن الواقع، ام انه سيعبرعن خيالات الجماعة الحاكمة، ورغباتها واغراضها الخفية، في إعادة توزيع الثروة والسلطة، و تزوير الإنتخابات القادمة؟

من الطبيعي ان انعدام الثقة في الجماعة الحاكمة،من جانب المواطن ومن جانب حلفائها وشركائها في الحركة الشعبية، سيؤثر سلباً علي التعامل مع اسئلة التعداد خاصة في الإستمارة الطويلة. يقولون ان معلومات التعداد سرية، وان العدادين قد ادوا القسم، بالحفاظ علي سرية المعلومات. لكن العدادين سيسلموا المعلومات في النهاية للجماعة الحاكمة، التي اقسم قادتها للمواطنين، قبل ايام، بعدم السماح للقوات الدولية، بدخول السودان ثم حنثوا بالقسم!


بالطبع سيتردد البعض في الإجابة علي الأسئلة، والإدلاء بمعلومات صحيحة، في الإستمارة الطويلة، فللمواطنين السودانيين، تجارب مؤلمة مع جماعة (الإنقاذ)التي ظلت حتي وقت قريب تطارد أبنائهم من الشباب،بهدف تجنيدهم في الدفاع الشعبي أو الخدمة الإلزامية، ثم أرسالهم بعد ذلك الي السماء للزواج من (بنات الحور) بينما يستمتع قادة الجماعة الحاكمة بالزيجات الأرضية، مثني وثلاث ورباع، وبالعمارات والعربات الفارهة، ويقومون بتبديد المال العام، في إستيراد اثاثات المكاتب الوثيرة من الخارج، علي حساب امس حاجات المواطن، ويرتعون في الثروات التي جري تكوينها من الفساد.


و لن يصدق عامة المواطنين، بطبيعة الحال، اقوال الجماعة الحاكمة بأن الضرائب لا دخل لها بالتعداد، فكل الضرائب في السودان يجري تحصيلها الآن بدون تمثيل ديمقراطي حقيقي، للمواطن، في أجهزة الحكم، علي عكس القاعدة المعروفة (لا ضرائب بدون تمثيل) . ليس ذلك فحسب، وانما تقوم الجماعة الفوضوية الحاكمة احياناً بجباية الضرائب بدون قانون، ومعروف ان جباية الضرائب، بدون قانون، هي جريمة في حق المواطن، يعاقب عليها القانون، في كل الدول ، الا في دولة (الإنقاذ الوطني) والتوجه الحضاري! كما ان الأجهزة القانونية القائمة، في دولة (الإنقاذ) لا تدري ما الفرق بين (الإشتراكات) والضرائب، ففي قضية الرسوم علي الأدوية التي جري تحصيلها بالملايين من المواطنين الفقراء، خلصت تحقيقات النيابة العامة،الخاضعة لسيطرة الجماعة الحاكمة، الي ان تلك (الضرائب) كانت مجرد (إشتراكات) تدفع لإتحاد الصيادلة! والحق ان جريمة كهذه من الممكن ان تؤدي الي إنتفاضة شعبية تطيح بالديكتاتورية الحاكمة !!

ليس هناك ما يعصم الجماعة الحاكمة، من إستخدام معلومات التعداد، و السجل المدني وغيرها، لأغراض أمنية ضد المواطنين، لاسيما و أن أجهزة امن الجماعة الحاكمة، لاتزال تمارس التقتيل والتعذيب والإضطهاد للمواطنين، كما تمارس الرقابة علي الصحف وتصادرالرأي والحريات، فعقب ليلة الإسناد الزمني لبداية التعداد، الذي تم تعديل موعده، في اللحظات الأخيرة، جاء في الأخبار ان جهاز الأمن ألزم إدارة صحيفة ( أجراس الحرية) بتسليم الصحيفة لمباني جهاز الأمن (لمراجعتها قبل طباعتها في المطبعة إلا أنهم رفضوا هذا الأمر لمخالفته لكل الدساتير ولمساسه بالكرامة الصحفية) لكن جهاز الأمن اصر علي قراره (إمعانا في الإذلال)!! فهل يعقل ان تلتزم بالدستور جماعة كذبت علي الشعب السوداني، و انقلبت عسكرياً علي الديمقراطية؟ و هل صحيح ان التعداد يجئ من اجل مجد الأمة، كما يتردد في الأناشيد التافهة التي تبثها اجهزة اعلام الجماعة ؟ ام ان التعداد مجرد مسرحية عبثية جديدة، تهدف لإستمرار وبقاء الجماعة الدكتاتورية الحاكمة في السلطة، ولا شئ غير ذلك؟

فقدان الثقة، في جماعة المؤتمر الوطني الحاكمة الآن في السودان، لم يأت من فراغ، فقد علق بالأذهانمنذ اليوم الأول لإنقلابها علي الحكومة المنتخبة عام 1989، ان هذه الجماعة العقائدية قد انتحلت اسم القوات المسلحة، واستولت علي الحكم لمصلحة حزب سياسي عقائدي، بينه و الديمقراطية بعد المشرقين. و أستهلت هذه الجماعة انتهاكاتها المبكرة لحقوق الإنسان، بدفن المتهمين في المحاولة الإنقلابية في عام 1989 أحياء بعد ان اعطوهم (الأمان) في شهر رمضان!! كما شردت وفصلت العاملين في الخدمة العامة، واحلت كوادرها الفاسدة محلهم، وهي كوادر أشارت الي عدم امانتها تقارير المراجع العام الأخيرة، واثبتت مدي فسادها وجهلها بأبسط النظم والإجرات واللوائح المالية. و أخيراً و ضمن مسرحية الخدع الإنتخابية، تمت إعادة عدد قليل جداً من المفصولين للخدمة بعد 18 عاماً بشروط ظالمة ومجحفة، ولم تستح الجماعة الحاكمة ، من القول بأن قضية المفصولين من الخدمة، ليست قضية سياسية! فأذا كان إنتهاك احد أهم حقوق الإنسان والمواطن الدستورية والقانونية والإنسانية ( حق العمل) الذي لا يسقط بالتقادم ولا يمكن التنازل عنه، قضية غير سياسية، فما هي إذن القضايا السياسية في نظر هؤلاء القوم الظالمين؟

العرق والدين في التعداد السكاني


لقد ظلت الجماعة الحاكمة تدعي بأن (الأمة السودانية) قد حسمت خيارها الحضاري واختارت الشريعة الإسلامية، وبرغم التوقيع علي إتفاقيات مشاكوس ونيفاشا، التي بنيت علي اساس المواطنة، ظلت جماعة المؤتمر الوطني، تكرس للولاءات القبلية، و لا تتورع عن تحويل كلمات التهليل والتكبير الي مجرد هتافات سياسية، وهي لا تعبأ بوعيد الحق (كذبتم لستم بها صادقين) !! عندما تنطلق حناجر كوادرها السياسية المهووسة، بالتهليل والتكبير، الموجه لأغراض السياسة، ومتاع الدنيا!!

لم يكن رد جماعة المؤتمر الوطني، علي مطالب الحركة الشعبية بتضمين أسئلة العرق و الدين ضمن إستمارات التعداد السكاني، صادقاً و اميناً. فأدعاء الجماعة الحاكمة، انها تحكم في العاصمة بالشريعة، لأن الاغلبية هناك من المسلمين، يقتضي معرفة عدد هذه الأغلبية المسلمة. كما ان إعلان مبادئ الإيقاد الذي تمخض عن الغاء (الجهاد) و التوقيع علي ماسمي بأتفاقية السلام الشامل، وممارسة تقرير المصير في الجنوب، قد أنبني اساساً علي مسألة الدين والعرق، وهي القضية التي تم علي أساسها استثناء الجنوب من تطبيق الشريعة، فلماذا ترفض الجماعة الحاكمة ان يبين الإحصاء السكاني، عدد المسلمين وغير المسلمين، في السودان، بدقة؟ لاسيما وان هذه الجماعة تبالغ في تقدير عدد المسلمين في الجنوب، وكذلك عضوية المؤتمر الوطني هناك. ام ان هذه الجماعة تؤمن باننا كلنا سودانيين في التعداد فقط ؟ السنا جميعاً سودانيين، ولكنا لا نشارك في الإستفتاء علي تقرير المصير في الجنوب؟ ام انهم يلتزمون بعدم الحديث، عن الدين والعرق، عندما يتعلق الأمر بـ(ضرورة) تمرير أجندتهم الخفية ؟

ثم ان الجماعة الحاكمة تكرس للقبلية والعرقية، لدرجة ان بعض كوادرها ينتحل اسم قبيلة بكاملها، فتعلن الجماعة في أجهزة الإعلام الرسمية المضللة و المنحازة ، ان قبيلة كذا قد بايعت المؤتمر الوطني. وكل ذلك يتم بدون تفويض حقيقي من القبيلة المذكورة. اليس في هذا تزوير واضح لإرادة أهل القبيلة؟ ثم ان الناس لا يعرفون كم عدد افراد القبيلة الذين شاركوا في البيعة المزعومة، و في البيعة القبلية، تكريس للعرقية ومخالفة لمبادئ الديمقراطية، بطبيعة الحال. ف هل انبنت اهداف التعداد حقاً علي سياسة وطنية؟ ام أنها انبنت علي سياسة حزبية تخدم اغراض الجماعة الحاكمة ؟

ويزعم نائب رئيس جماعة المؤتمر الوطني، انهم حين يرفضون تضمين اسئلة العرق والقبيلة، في إستمارة التعداد، انما يلتزمون برغبة ( المجتمع الدولي) ودعوة الهيئات الدولية، الي عدم إثارة النعرات العرقية والدينية، فهل سيكون إلتزامهم بـرغبة (المجتمع الدولي) هذه في التعداد السكاني فقط؟ ام سيشمل هذا التعاون، الإلتزام بقرارات المحكمة الجنائية الدولية، التي تقوم بالتحقيق في جرائم القتل، والتعذيب، واغتصاب المسلمات في دارفور؟ وهل ستجئ نتيجة التعداد الخامس، بناء علي عد فعلي للسكان، ام علي مجرد تخمينات و تقديرات، اعدتها جماعة المؤتمر الوطني الحاكمة سلفاً؟ و هل القول بأحتمال تزوير الجماعة الحاكمة للإنتخابات، هو استباق للأحداث، ام انه قول تمليه الحكمة القائلة (لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين) .. هل سيمنع التنبؤ بالكارثة، قبل وقوعها،حدوث الكارثة، أو يساعد ،علي الأقل، في إنقاذ ما يمكن إنقاذه؟

 

عرمان محمد احمد

 

‏15‏/04‏/2008

 


نواصل...

http://omdurmaninternet.forumotion.net/montada-f33/topic-t31.htm

 

 

 

 

 

 

 

 

 

السودان بين الديمقراطية الحقيقية وكلبتوقراطية الجماعة الحاكمة



عرمان محمد أحمد

 

الكلبتوقراطية والديمقراطية نقيضان لا يجتمعان. فبينما تعرف الديمقراطية بأنها حكم الشعب، تعرف الكلبتوقراطية ( Cleptocracy ) بأنها حكم الحرامية ( Rule by thieves ). والكلبتوقراط نخبة من الساسة وكبار المسؤولين في الدولة، يستبيحون المال العام، ولا يؤمنون في قرارة أنفسهم بالديمقراطية، وان كان بعضهم يدعيها. والشعب من وجهة نظر الكلبتوقراط هو خادم الحكومة، بينما الديمقراطية الحقيقية تعني ان الحكومة هي خادمة الشعب. وفي ظل الديمقراطية الحقيقية لا تقتسم الثروة بين نخب وجماعات بعينها، وإنما تقتسم ثروات البلاد بصورة عادلة بين جميع المواطنين، ومن ثمة يكون لكل مواطن سهمه المستحق في الثروة الوطنية. كما تعني الديمقراطية الحقيقية، ان يكون المواطن المحكوم هو الحاكم الحقيقي. بمعني ان الحكام وكلاء واجراء واجبهم الأساسي خدمة مصالح المواطن، لأن المواطن هو الذي يعينهم ويحاسبهم ويعزلهم عن طريق الاستخدام الواعي والمستنير لورقة الاقتراع.


الفساد المالي والإداري


ومن أغرب مظاهر الكلبتوقراطية في السودان، ما ورد في تقرير المراجع العام الأخير، عن رفض القائمين علي عدد كبير من المؤسسات الرسمية، مراجعة حسابات هذه المؤسسات بواسطة المراجع العام، في تجاوز وتحد صارخ لأحكام قانون المراجع العام والمادة (205) من دستور نيفاشا الانتقالي التي تنص علي: يقوم ديوان المراجعة القومي بمراجعة حسابات الأجهزة التنفيذية القومية والهيئة التشريعية القومية والسلطة القضائية القومية، إلي جانب حسابات الولايات الشمالية والمؤسسات والهيئات والشركات العامة وأي مؤسسة أخري يحددها القانون . ولم تتخذ الحكومة حتي الآن الإجراءات القانونية اللازمة لمواجهة هذا الفساد الكبير والخطير. بيد انه من غير المستبعد تكوين لجنة تحقيق فيما بعد، بهدف تهدئة وتخدير الرأي العام، وصرف الأنظار عن مثل هذه القضايا. وربما تلجأ الجماعة الحاكمة، كما جرت العادة، إلي عقد مؤتمرات لمناقشة هذا الفساد الوبائي، تشكل علي أثرها بعض لجان تسويفية صورية، أو تؤسس بناء علي توصيات هذه المؤتمرات (مفوضية) جديدة، ومن بعد ذلك يوظف عدد من أباطرة الجماعة الحاكمة في (المفوضية) بمرتبات ومخصصات كبيرة، كي يعملوا علي معالجة هذا الفساد بمزيد من الفساد!
وإذا كانت سيادة حكم القانون هي أساس الديمقراطية، فإن الكلبتوقراطية تنبع أساساً من عدم احترام الدستور وتجاوز القوانين ومخالفتها وخرقها بواسطة من يفترض انهم حراس القانون. ولقد عم الفساد المالي والإداري الوبائي الآن كل المؤسسات التي تسيطر عليها الجماعة الحاكمة، مثل ديوان الزكاة، وصندوق المعاشات، وصندوق دعم الطلاب، ومؤسسة الاتصالات، ومؤسسة الأسواق الحرة، والمؤسسات الاستثمارية التابعة للجيش والشرطة والأجهزة الأمنية، وغيرها من المؤسسات. ويقدر حجم الفساد الناجم عن مخالفات النظام المصرفي بـنحو 1000000000000 جنيه (تريلون جنيه سوداني). وهذا الفساد الكبير والخطير، إنما هو محصلة طبيعية للفساد السياسي، ويقتضي شيئا واحدا، هو استقالة او إقالة المسؤولين في امبراطورية (الإنقاذ الوطني) من قمتهم إلي قاعدتهم، وتقديمهم للمساءلة والمحاسبة والمحاكمة العادلة.


النموء الإقتصادي والظلم الإجتماعي


عائدات البترول في السودان خلال العشر سنوات الماضية 1998 ـ 2008 كان من الممكن ان تبلغ اضعاف عائداته المعلن عنها في الوقت الحاضر، لولا الكلبتوقراطية في التعاقدات البترولية الحالية. كونها تعاقدات ابرمت في غياب الديمقراطية والشفافية، واكتنفها الكثير من الغموض والسرية. وعلي الرغم من ان النمو الاقتصادي بلغ 8.3% نسبة للزيادة العالمية في أسعار البترول، الا ان هذا النمو لم ينعكس علي حياة المواطن السوداني البسيط. ومن أبرز مظاهر الظلم الاجتماعي، إنفاق الجماعة الحاكمة اموال الشعب السوداني بغير حساب، علي الاحتفالات والمظاهر البذخية، وإقامة حفلات التكريم العجيب لكوادرها، في حين تتولي الكنائس ومنظمات الإغاثة الغربية إطعام بني جلدتهم، وأهل ملتهم من المسلمين وأطفالهم الجياع، في دارفور. حيث تشير تقارير منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونسيف) ومنظمة الزراعة والاغذية العالمية (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي، الصادرة في نهاية عام 2007 إلي ازدياد معاناة أطفال دارفور من سوء التغذية الحاد، وتعدي معدل سوء التغذية لهؤلاء الأطفال حد الطوارئ الذي تحدده منظمة الصحة العالمية بنحو 15% وتصل معدلات سوء التغذية في شمال دارفور إلي 20% مقارنة مع المناطق الأخري.


نظام الانتخابات المختلط


تحاول الجماعة الحاكمة في الخرطوم، ان تدعو هذه الأيام لمؤتمر جامع بعد تمرير مسودة قانون الانتخابات لسنة 2007 التي بنيت علي ما أسموه نظام الانتخابات (المختلط) كما تكثر هذه الجماعة من الحديث الماكر عن (الوفاق الوطني) بهدف استدراج القوي السياسية، كي لا تقاطع الانتخابات، وحتي تبدو الانتخابات وكأنها انتخابات حقيقية وشرعية، لأن مقاطعة الانتخابات ستفقد حكومة الإنقاذ (المنتخبة) شرعيتها الزائفة. ولذلك تحاول الجماعة الحاكمة جاهدة دفع بعض قادة الأحزاب الكبيرة لقبول فكرة الترشيح، في انتخابات رئاسة الجمهورية، فإذا ما وقعوا في هذا الفخ، استخدمت آليات وميكانيزمات قانون الانتخاب المقترح لهزيمتهم هزيمة قاسية. وفي سبيل هذا (الوفاق الوطني) درجت الجماعة الحاكمة علي تشكيل عدة لجان موسمية، مثل لجنة (جمع الصف الوطني) ولجنة (الحكماء) بزعمهم، وغيرها من اللجان التي يجري فيها تطعيم كوادر الجماعة القديمة بوجوه انتهازية، مع رشوة بعض أعضاء هذه اللجان بالأموال والمخصصات الكبيرة، وتحريكهم من حين إلي آخر، مثلما تحرك دمي الأطفال في مسرح العرائس.
وعلي الرغم من ان دستور نيفاشا الانتقالي، تضمن من الناحية النظرية، مواثيق حقوق الإنسان الدولية، ونص علي كفالة حريات وحقوق المواطن، الإ ان المواطنين السودانيين تعرضوا في ظل هذا الدستور إلي التقتيل والتعذيب، في قري دارفور والجنوب وفي امري وكجبار وبورتسودان والخرطوم وغيرها، كما تعرضوا وما زالوا يتعرضون إلي الاعتقالات المشفوعة بمسرحية إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، عن طريق العفو الرئاسي، بالإضافة إلي التعدي علي حرية الصحافة والصحافيين، وغير ذلك من صور خرق الدستور والقانون المشهودة خلال السنوات الماضية. ومسودة قانون الانتخابات تتيح الفرصة للجماعة الحاكمة، لاصطناع وفبركة الأسباب التي تؤدي لألغاء نتيجة الانتخابات كلياً او جزئياً، مثلما كانوا يفعلون في انتخابات النقابات والاتحادات. ووفقاً لأحكام مسودة القانون يمكن تأجيل الانتخابات بواسطة المفوضية، كما يمكن إلغاء نتيجة الانتخابات، بواسطة المحكمة العليا القومية، فماذا ينتظر من جماعة (الإنقاذ) ان يفعلوا إذا ما هزموا في انتخابات تجري في غياب استقلال القضاء وسيادة حكم القانون؟

 

المفوضية والسجل الانتخابي


مفوضية الانتخابات تعين بواسطة رئيس المؤتمر الوطني (رئيس الجمهورية) بموجب مسودة القانون المشار اليها، وتعين لجنة المفوضية أمانة عامة، تعمل مع رئيس المفوضية او بعض أعضائها لأداء وتنفيذ الكثير من المهام، كما تعين المفوضية اللجنة العليا وكبير ضباط الانتخابات في كل ولاية، وهذا الوضع يتيح لشيطان التفاصيل الكامن في سلطات المفوضية التقديرية الواسعة، وصلاحياتها في وضع القواعد، بموجب مسودة القانون، فرص التلاعب في نتيجة أية انتخابات. اما اشتراط مسودة القانون استقلال وحياد وشفافية وتجرد اعضاء المفوضية، وعدم انتمائهم للأحزاب، فلا عبرة به علي الإطلاق. وما ذاك الا لأن السودانيين قد خبروا (حياد) هذه الجماعة المجربة. ألم تتسربل فئة قليلة من الضباط، بثياب الحياد، وتتغلف بغلاف استقلالية القوات المسلحة عن العمل الحزبي، حين انقلبت الجماعة الحاكمة علي الحكم الديمقراطي عام 1989 ثم تبين بعد فوات الأوان، ان اولئك الضباط لم يكونوا سوي كوادر سرية تابعة لتنظيم الجبهة الإسلامية؟!


ان السجل الانتخابي يمكن استعماله كأداة لتزوير الانتخابات وتزييف إرادة المواطنين. ومن أجل ذلك فقد حرصت الدول الديمقراطية العريقة، علي ان يكون التسجيل للانتخابات إجبارياً، بينما تقع علي الدولة مسؤولية تسهيل وتيسير عملية إدراج كل المواطنين الذين يحق لهم التصويت في السجل الانتخابي. وذلك بتوفير استمارات التسجيل، وإلزام المواطن قانوناً بتقديم البيانات المطلوبة في السجل، ومراجعتها وتحديثها بصورة صحيحة، من وقت لآخر. اما التصويت والترشيح فعادة ما يكون اختيارياً. والتسجيل للانتخابات إنما هو من الخدمات الأساسية التي ينبغي ان تقدمها الدولة للمواطن، لضمان حقه الدستوري في الترشيح والتصويت. لكن مسودة قانون الانتخابات لسنة 2007 أعفت الدولة من مسؤوليتها في تسجيل المواطنين للانتخابات. ولحاجة في نفس يعقوب جعلت المسودة، مسؤولية التسجيل للانتخابات (مسؤولية فردية) تقع علي عاتق المواطن المغلوب علي امره. وحصرت المسودة دور مفوضية الانتخابات في قبول واستبعاد الناخبين من السجل الانتخابي، والنظر في الطعون ضد المرشحين والناخبين، واتخاذ إجراءات كثيرة في هذا الصدد يمكن ان تفتح باب التزوير علي مصراعيه.


تمثيل المرأة خدعة كبري


ان إجراء أية انتخابات في ظل الكلبتوقراطية الحاضرة، لا يعدو ان يكون تحصيل حاصل. والخدعة الكبري التي تحاول الجماعة الحاكمة تمريرها من خلال مسودة قانون انتخاباتها المقترح، هي تمثيل المرأة بنسبة 25 % ليصبح عدد المقاعد النسائية في المجلس التشريعي القومي 112 من اصل 450 مقعدا. وكل الشواهد تشير في الظروف الراهنة، إلي ان هذه النسبة مفصلة علي مقاس (الكادر النسائي) لجماعة المؤتمر الوطني. واذا كانت هذه الجماعة قد انقلبت ذات يوم، باسم الجيش السوداني، علي الديمقراطية نفسها، فانها تسعي الآن لتزييف الديمقراطية، وتكريس قبضتها الكلبتوقراطية علي السلطة، من جديد، باسم المرأة السودانية.
ومسودة قانون الانتخابات اشترطت كذلك تزكية المرشحين لمناصب رئيس الجمهورية، ورئيس حكومة الجنوب، والولاة، واعضاء المجالس التشريعية، بواسطة مئات الأشخاص من مختلف الولايات، كما اشترطت ان يدفع كل من يترشح لهذه المناصب غرامة مالية إذا لم يوفق في الحصول علي نسبة 10% من أصوات الناخبين. فما مدي ديمقراطية ودستورية مثل هذا التشريع؟


ثم ان تمثيل القوائم الحزبية في البرلمان بـنسبة 15 % حسبما جاء في مسودة القانون، يمكن الجماعة الحاكمة من صناعة احزاب (إسلامية) إضافة للأحزاب المتحالفة معها، وحشر أعضائها ضمن الـ 68 مقعدا التي وفرها النظام (المختلط) للقوائم الحزبية، بهدف الإبقاء علي الوضع الراهن كما هو. وقد اوكلت مسودة القانون للمفوضية صلاحية ترسيم الحدود الجغرافية، للدوائر الانتخابية بعد ان حددت عدد الدوائر الجغرافية بـ270 مقعدا. والغرض من إصرار الجماعة الحاكمة، علي إبقاء الطبخة التشريعية لقانون الانتخابات بالمقادير المذكورة، هو خصخصة نسبة 52% علي
الأقل من كعكة السلطة، لصالح جماعة المؤتمر الوطني، كما هي الحال الحاضرة، وكأننا يا بدر لا رحنا ولا جينا!

الديمقراطية الحقيقية والتمويل من الغيب!


وفيما يتعلق بالشفافية في تمويل الحملات الانتخابية، وتكافؤ الفرص في أجهزة الإعلام الرسمية بين المرشحين.. الخ. لا يعول بطبيعة الحال، علي النصوص النظرية الواردة في مسودة قانون الانتخابات. وقد أجري التلفزيون الخاضع لسيطرة الجماعة العقائدية الحاكمة، في إحدي حلقات برنامج (الخط الساخن) مقابلة مع نائب رئيس المؤتمر الوطني للشؤون السياسية والتنظيمية، سئل فيها عن مصادر تمويل حزب المؤتمر الوطني، فقال بصلف: ان الله رزق المؤتمر الوطني مثلما رزق (مريم) وتلا من سورة آل عمران قوله تعالي (كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا. قال يا مريم أني لك هذا قالت هو من عند الله إنّ الله يرزق من يشاء بغير حساب)، وهي إجابة تتحدث عن نفسها، بالطبع، وتكشف عن مدي (شفافية) امراء جماعة المؤتمر الوطني، كما تؤكد أن التحول المرتجي علي ايدي هؤلاء لا علاقة له بالديمقراطية لا من قريب ولا من بعيد. والا فمن يصدق زعم هذا المسؤول الثيوقراطي، بان تمويل جماعته الغارقة في مستنقع الفساد يأتي من الغيب، بغير حساب؟! ان الدين براء، بطبيعة الحال، من هذا الهوس. وما ذكر عن خرق الدستور والقانون، وتبني الأفكار والشعارات البراقة، بهدف تزييفها وافراغها من محتواها، مدعاة للتشكيك والطعن في نزاهة أية انتخابات، تجري علي أيدي هذه الجماعة العقائدية. وبالطبع لا يمكن ان تحصل هذه الجماعة علي ثقة المواطن السوداني، في اية انتخابات ديمقراطية نزيهة، تجري بواسطة أداة حكم مستنيرة وعادلة.
خلاصة القول هي ان سوابق الجماعة الحاكمة، في تزوير الانتخابات، وخرق القانون والنظام العام، والعنف بالخصوم السياسيين، والانقلاب علي الديمقراطية، وانتهاك حقوق الانسان، تدعو للشك وتثير التساؤلات حول جدوي أية انتخابات، تجري علي أيدي هؤلاء الكلبتوقراط. فإذا قيل ان تنفيذ اتفاقيات منتجعات مشاكوس ونيفاشا، يقتضي إجراء انتخابات باي حال، قلنا ان ما تشهده كينيا نفسها اليوم، من عنف واقتتال واضطرابات وعدم استقرار، بسبب التلاعب والتزوير في الانتخابات، يقف شاهداً علي عدم جدوي مثل هذه الانتخابات، حتي لو تمت تحت مراقبة دولية!!

عرمان محمد أحمد


فبراير2008

 

http://omdurmaninternet.forumotion.net/montada-f33/topic-t31.htm

 

 

 



© Copyright by sudaneseonline.com