اخر الاخبار من السودان لشهر ينائر 2006
أخر الاخبار من السودان

مناظرة وجهاً لوجه الطيب مصطفي وياسر عرمان: الإنفصاليون والوحديون من يكسب الرهان؟ (1-2

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
28/2/2006 7:12 ص


مناظرة وجهاً لوجه الطيب مصطفي وياسر عرمان: الإنفصاليون والوحديون من يكسب
الرهان؟ (1-2
ياسر عرمان: نسعي لوحدة تقوم على أسس جديدة

الطيب مصطفي: لماذا نظل أسرى لوحدة كلفتنا خمسين عاماً من الدمار

ياسر عرمان: الدمار لم تسببه الحرب بل السياسات القديمة

الطيب مصطفي: نرحب بياسر عرمان إذا حدث الإنفصال

ياسر عرمان: الإحباط الذي أصاب النخب القديمة سبب دعوتها الإنفصالية

الطيب مصطفي: الشمالي في الجنوب ليس مواطناً

نظم القسم السياسي بـ (الرأي العام) ضمن فعاليات المنتدى السياسي الأربعاء
الماضي مناظرة بعنوان (الإنفصاليون والوحدويون من يكسب الرهان؟) تناظر فيها
رئيس منبر السلام العادل المهندس الطيب مصطفي، ورئيس الكتلة البرلمانية لنواب
الحركة الشعبية ياسر سعيد عرمان، والرجلان يتبنيان موقفين متضادين من قضية وحدة
السودان وانفصال الجنوب، فبينما يقف عرمان مستنداً على طروحات السودان الجديد
مع خيار الوحدة الجاذبة، يناظره مصطفي الذي يقول كفى قد مللنا، وصار إنفصال
الجنوب حتمياً، بل ويذهب أبعد ويؤسس منبراً يتبنى دعوة إنفصالية تأتي من
الشمال!

قدم للندوة رئيس التحرير كمال حسن بخيت وأدارها رئيس القسم السياسي ضياء الدين
بلال بمشاركة واسعة من المهتمين وحضور كثيف ضاقت به قاعة الرأي العام، ولأهمية
الندوة التي نقلتها فضائية الجزيرة مباشرة تقوم (الرأي العام) بتقديمها في
حلقات لتعميم الفائدة، ولفتح الجروح المتقيحة في الجسد الوطني حتى تبرأ.

اعداد: القسم السياسي

* عرمان حضارات وادي النيل صنعها السود

مدير الندوة: سنبتدر الحوار بسؤال مركزي وأساسي لماذا يرى ياسر عرمان الوحدة
خياراً جاذباً؟

ـ ياسر عرمان: قبل الإجابة على هذا السؤال سأدخل من خلال طرح رؤية دعاة السودان
الجديد لوحدة السودان، أنا لست من دعاة الوحدة القديمة التي استمرت منذ العام
1956م وحتى الآن، الوحدة بهذا المنظور القديم لا تمثل تطلعاتي، ولم أسع لها،
ولم اتفق معها في يوم من الأيام، نحن نسعى لوحدة تقوم على أسس جديدة لم يختبرها
شعبنا من قبل، لذلك لا يمكننا الحكم عليها من خلال تجربة الوحدة القديمة،
وللإجابة لسؤال لماذا الوحدة، فإن أفريقيا والعالم الثالث والعالم الإسلامي
جاءت كل دوله الوطنية بعد رحيل الإستعمار، كانت في بعض هذه البلدان حركات تحرر
وطني وضعت برنامجاً للبناء الوطني، وكلها كبلدان تتكون من مجموعات إثنية ودينية
مختلفة، استطاعت برامج البناء الوطني النجاح في بعض البلدان، وفي هذا نذكر
الراحل والعالم جوليوس نايريري الذي وحد بين تنجانيقا وزنزبار رغم أنه كان
مسيحياً، ومن دعاة الإشتراكية الإفريقية، لكن حين رحل من السلطة وهو في قمة
حيويته ترك السلطة لعلي بيومي وهو مسلم.

وفي آسيا وحد المهاتما غاندي الهند وكان يتمنى لها مستقبلاً أفضل، لكنه مات حين
انفصلت باكستان، هذه روايات معروفة، لكنا في السودان ـ للأسف ـ لم يرتبط برنامج
التحرر الوطني ببرنامج للبناء الوطني، فشعارات تحرير لا تعمير التي كانت سائدة
لم تلتفت للقضايا الداخلية.

جاء برنامج السودان الجديد ورائده الكبير الدكتور جون قرنق عبر مسلمات بسيطة،
تتمثل في أن السودانيين قبل أن يكونوا شماليين أو جنوبيين، مسيحيين أو مسلمين،
عرباً أو أفارقة، يجب أن يكونوا سودانيين أولاً، فالصيغة التي طرحها علي عبد
اللطيف في 1924م في إحدي خلافاته مع سليمان كشة الذي أهداه كتاباً تحمل مقدمته
(أيها الشعب العربي الكريم)، رد عليه عبد اللطيف أن الشعب السوداني ليس كله
عرباً لذلك يجب أن نكتفي بـ (الشعب السوداني الكريم) لنخاطب كل الشعب.

بالسودان تنوع معاصر وتنوع تاريخي، لأنه بلد قديم لم ينشأ اليوم وهو جزء من
حضارات وادي النيل القديمة التي صنعها الإنسان الأسود ـ تلفت عرمان في القاعة
وقال كلنا سود في هذه القاعة ـ الحضارات التي صنعها الإنسان الأسود يمكن
إكتشافها بسهولة بالتجول في ميدان التحرير في القاهرة، سيجد المتجول أن كل
المومياوات الفرعونية تشبه السودانيين تماماً، فالسودانيون هم من بدأوا بناء
الإهرامات في الحضارات المروية.

دخلت المسيحية السودان بعد (38) سنة من نزولها في فلسطين وقامت فيه دول مسيحية
كبرى، بينما انتشر الإسلام في السودان خلال (900) عام من إتفاقية البقط في
(641م)، ونشأت فيه أول دولة إسلامية عام (1505م) وكان إسمها السلطنة الزرقاء،
وكان الناس (الزرق) هم الطبقة العليا وقتها، لقد استغرق انتشار الإسلام في شمال
السودان (900) عام وكان قد انتشر من خلال (الفروة، والرايات المطرزة).

لقد تسببت التنمية غير المتوازنة في كل ما وصلت إليه بلادنا من مشاكل، وبسبب
التهميش السياسي والإقتصادي لمجموعات كبيرة من المواطنين كانت الحرب، التي
تسببت فيها الإحباطات الكبيرة التي أصابت البناء الوطني.

وينطلق برنامج السودان الجديد من التنوع المعاصر، فالسودان يضم أكثر من (571)
قبيلة وأكثر من (100) لغة، كل هذا التنوع يشكل السودان الحديث الذي يمثل
نموذجاً مصغراً للقارة السوداء إفريقيا، وتطرح الحركة الشعبية كل هذه القضايا
في برنامج السودان الجديد الذي يفضي لديموقراطية السلطة وإعادة هيكلتها، وإلى
إعادة توزيع الثروة على أسس عادلة.

* الطيب مصطفي يدافع عن فكرته

مدير المناظرة: نحيل السؤال للباشمهندس الطيب مصطفى، لماذا يرى الإنفصال خياراً
جاذباً للسودانيين؟

ـ الطيب مصطفى: أبدأ بالقول لماذا نظل أسرى لوحدة كلفتنا خمسين عاماً من الدمار
والقتل، لماذا لا نفكر في طريق جديد غير الطريق الذي سرنا فيه هذه الخمسين
عاماً ولم ننجح، من الذي قرر الوحدة علينا ألم يقررها الإنجليز في العام
(1926م)، فهم الذين قرروا ضم الجنوب إلى السودان ولم يقرره أبناء السودان؟

لماذا لا نفكر في طريق جربه غيرنا بنجاح تام فأوقف نزيف الدم، هل قيام
الإستفتاء يعني توقف الحرب، أنا لا أرى ذلك، أما لماذا فلأن توقف الحرب يتطلب
حزمة إجراءات يجب أن تتوفر لكي تتوقف الحرب نهائياً، جنوب السودان أصبح منفصلاً
ليس بإتفاقية السلام، بل بعد أن هاجر منه الشماليين بعد أحداث الإثنين الأسود،
وبعد أن تعرضوا للقتل ومصادرة الأموال والحرق، بل أن النائب الأول أكد بأن
الدخول إلي الجنوب يحتاج لأوراق ثبوتية، وأستطيع القول أن الوحدة غير ممكنة
فلماذا الإصرار عليها، الآن أصبح (التشاكس) غير قاصر على المستوى القاعدي وانما
بلغ مستوى القمة.

* اتهام بالفشل السياسي

مدير الندوة: السودان بين الخلع والطلاق؟

ـ ياسر عرمان: قبل أن أرد أود الإستمرار في تكملة ما بدأته .. ديموقراطية
الثقافة تعني الإعتراف بالآخرين، والإعتراف بحقهم في أن يكونوا آخرين، وأن نصل
في النهاية لخلق رابطة سياسية وثقافية واجتماعية جديدة بين السودانيين، وهو شئ
حدث في مناطق عديدة في العالم (الولايات المتحدة الأمريكية)، فالأمريكان عبارة
عن مجموعات عرقية ومجموعات دينية، ورغم ذلك أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية.

أنا أرى أن المشروع الوطني ناقص لأنه قام على بعدي العروبة والإسلام ورغم أنها
أبعاد مهمة وعزيزة لا ننكرها، لكن هناك آثاراً وتاريخاً يمتد عميقاً في تكوين
الشخصية السودانية تجاهلها المشروع الوطني.

ورداً علي المهندس الطيب مصطفي أقول ان الدمار لم يكن بسبب الوحدة انما كان
بسبب السياسات القديمة، وهي التي ولدت كل الدمار، ففي تجربة جنوب أفريقيا على
سبيل المثال، فهي دول فيها بيض وسود وقد حلت مشكلتها دون أن يطالب أحد الأطراف
بالإنفصال، وهي تستقر الآن على أسس جديدة، والسؤال الأساسي الذي يمكن توجيهه
بافتراض أن المطالبة بالإنفصال فرضية صحيحة، كيف سيكون الحال بالنسبة لجبال
النوبة، ولدارفور وشرق السودان والأنقسنا، من هم الشماليون الذين تتحدث عنهم
لان الشمال ليس وحدة جغرافية واحدة، فدارفور لم تكن جزءاً من السودان الحالي
حتى العام (1916م)، ما الذي يربط أهل دارفور بوسط السودان؟ أما إذا كان المعيار
هو المعيار العروبي الإسلامي فإن النتيجة حتما كانت ستقود لتمزق دول أثيوبيا
وتشاد نيجيريا، وستقوم حروب في كل هذه المنطقة، فالبجا في شمال السودان هم من
البجومي الذين عاصروا الفراعنة لهم لغتهم التي لم يعترف بها إلا في الدستور
الحالي، السؤال الأساسي ماهو الشمال الذي تتحدث عنه، هل هي دولة بين كريمة
والخرطوم، هل هذا هو الذي تقصده حين تتحدث عن الشمال وتسوق لنا الفكرة على
أساسه، هذا سؤال يواجه دعاة فكرة الإنفصال.

لقد سبق وقلت إننا قبل أن نكون عرباً أو أفارقة، مسلمين أو مسيحيين يجب أن نكون
سودانيين، نحن اصلاً ممتدون في إفريفيا إمتداداً عميقاً في التاريخ السحيق، ولن
نستطيع إنكار إفريقيتنا ولا نستطيع الخروج من جلودنا.

وبافتراض إنفصال الشمال يظل هنالك سؤال يحتاج لإجابة: كيف سنعالج مشاكل الشمال
وهي الأخرى قضايا تخلف وتهميش وقضايا تنمية غير متوازنة، وقضايا التعالي
الثقافي والعرقي، وبالتالي تصبح الإجابة على سؤال استمرار الحروب كامنة في
السياسات القديمة.

وإجابة على سؤال هل نحن أقرب للوحدة أم للإنفصال، فلا أحد يستطيع الإجابة
مستخدماً (ثيرموميتر) لمعرفة درجة الوحدة والإنفصال، فالوحدة تتحقق بالسياسات
وكذلك الإنفصال، المواطنون الجنوبيون يدعون للإنفصال لأنهم لا يرون أفقاً لوحدة
عادلة وقد قيل (إن العنصرية تولد ردة فعل عنصرية معاكسة، لكن ردة الفعل تعتبر
ردة فعل) فالذين رفعوا اللافتات في رومبيك أو غيرها إنما هو نتاج لردود أفعال
لسياسات الدولة السودانية.

الطيب مصطفي يقول (نريد، ونقرر)، لماذا لا يملك الجنوبيون هذا الحق وهم مواطنون
سودانيون، هنالك جنوبيون دعوا لوحدة السودان على أسس جديدة طوال الـ (22) سنة
الماضية فلماذا تقرر الوحدة والإنفصال هنا في الخرطوم؟ لقد أصاب الإحباط
المجموعات والنخب في الوسط من الوحدة التي حاولت فرضها بالقوة على مدى سنوات
طويلة، وهذه النخب لا تزال تحاول تحديد خيارات السودان، وحين بلغ إحباطها مداه
قالت فلينفصل الجنوب، وغداً تقول فلتفصل دارفور، ولتمضي جبال النوبة والنيل
الأزرق، وبهذا لن تبقى لهم قرية يقيمون فيها مشروعهم، أنا أرى أن التفكير
الإنفصالي تفكير غير سليم لأن السودان يستطيع أن يسع كل إفريقيا.

معيار العروبة والإسلام ليس كافياً كأساس للتوحيد، فالأكراد في العراق مسلمون
لكنهم مع ذلك يدعون لدولة كردية، إذاً القضية ليست قضية الإسلام انما قضية
سياسات، نحن نحتاج لسياسات جديدة، وحتي في حال إنفصال الجنوب نحن نحتاج لهذه
السياسات الجديدة داخل الجنوب، القضية ليست بهذه البساطة التي يتحدث بها الطيب
مصطفي، فهنالك المسيرية والرزيقات والمسيرية والحوازمة لهم مصالح فعلية في
الجنوب لذلك سيقفون ضد الإنفصال لأن ما يربطهم بالجنوب أكثر مما يربطهم
بالشمال.

* حق متاح للجنوبيين والآخرين محرومين منه

ـ الطيب مصطفى: تجربة إنفصال بنغلاديش عن باكستان كان بسبب الهند، وفي تاريخ
إنفصال الدول فإن أية دولة انفصلت كان هنالك سبب دعاها للإنفصال، لكني أريد أن
أسأل ياسر عرمان أنه قد قال أنه صرح من قبل أن أكثر من (90%) من الجنوبيين مع
الإنفصال، فلماذا تفرض قيادة الحركة الشعبية رأيها على أبناء الجنوب، لماذا لا
تتركهم يقررون بأنفسهم وهي تتحدث عن الديموقراطية، نعم الإتفاقية (الظالمة)
أعطت الجنوبيين الحق في أن يقرروا وأن يفرضوا علينا رأيهم لو كنا له كارهين.

أما الحديث عن جبال النوبة وغيرها من المناطق شمال حدود (1956م) فهي لم تطالب
بالإنفصال أو تقرير المصير، لذلك يجب ألا تقارن بينهم وبين الجنوب، أما متمردو
دارفور فماذا يشكلون ويمثلون من جملة سكان الإقليم، هل جرى استفتاء حتى نعرف
ذلك، ومع كل هذا فمتمردو دارفور لم يختاروا تقرير المصير، لأنه لو أجري استفتاء
لأختارت حتى تشاد الإنضمام لشمال السودان، المشكلة بين جنوب وشمال السودان
لماذا نظل ندفن رؤوسنا في الرمال؟

أما حديث ياسر عرمان عن أسباب إختيار الجنوب لتقرير المصير، فأنا لن أترك
الشريعة من أجل الوحدة لأن ديني مقدم على وطنيتي، وإذا كان ياسر يرى غير ذلك
فأنا متمسك بديني جداً، وأقدمه على كل شئ لأني سأسأل عنه يوم القيامة.

ـ ياسر عرمان: أولاً أنا لم أقل ان الجنوبيين عليهم الإنفصال، بل أن الإتفاقية
أعطتهم هذا الحق، لقد جاء حق تقرير المصير مقابل الإصرار على وضع قضية الدين
والدولة بالطريقة التي وضعها بها الطيب مصطفى، الجنوبيون سيقررون مصيرهم خلال
الست سنوات، ونحن قبل نهايتها نريد جعل الوحدة جاذبة، وهذا ما قالت به
الإتفاقية، لا نريد أن نحرض الناس ولا نريد إثارة مشاعرهم، وتلعب الدولة والنخب
دوراً كبيراً في جعل الوحدة جاذبة، لإبتدار طريق جديد.

صحيح قد قلت سابقاً أن (95%) من مواطني جنوب السودان أو أكثر ـ أقصد الأغلبية ـ
والذين التقيتهم لمدة سنوات طويلة مع الإنفصال، وقد قلت ان (99%) من الراغبين
في الإنفصال من الجنوبيين مع الإنفصال لأنهم لا يرون أفقاً لوحدة على أسس
جديدة، وبالتالي لو أن شروط حدوث وحدة على أسس جديدة توفرت لهم فإنهم سيصوتون
ضد الإنفصال، لكن بمثل الحديث الذي يقوله الطيب مصطفي فإنه يدفعهم دفعاً في
إتجاه الإنفصال، والسؤال عندهم في غاية البساطة: إذا كان بقاء السودان موحداً
يجعلهم مواطنين من الدرجة الثانية فمن الأفضل لهم الإنفصال بجنوب السودان
ليكونوا مواطنين درجة أولى، هي معادلة بسيطة ونحن نريدها لأنها عادلة.

أما موضوع الشريعة فلا يجب ان يكون محل مباراة بيننا فقد تجاوزته إتفاقية
السلام بشكل مرض لكل الأطراف، لكنه كان مكلفاً من عدة نواحي، وما اضر بالإسلام
في هذا البلد أكثر من محاولات فرضه من على ظهر دبابة أو مدفع.

لا يوجد مسوق منطقي يدفع شخصاً للذهاب للجنوب لفرض الإسلام وليقيم الدولة
الإسلامية ثم يأتي بعدها ليقول ان الجنوب عقبة في سبيل الإسلام فلنتركه يمضي.
لقد قلت ان الإسلام إنتشر في شمال السودان خلال (900) سنة فلماذا هذه العجلة
علي نشره في الجنوب، أنا أعتقد أننا وصلنا لإتفاقية عادلة مع المؤتمر الوطني
تعطي المسيحيين والمسلمين حقوقهم في هذا البلد وتؤدي بنا إلى حق تقرير المصير
.. ولكن ..

* الشماليون في الجنوب بلا وطن

مدير الندوة: الفرصة عند الطيب مصطفى

ـ الطيب مصطفى: سأتجاوز قضية الشريعة فكما قال ياسر فقد حسمت في الإتفاقية،
والعاصمة القومية أوجدت لها معادلة من خلال لجنة، ولن يحاكم الجنوبيون وفقها،
وأدعو ياسر عرمان هو ودينق ألور الذين قالوا ان الجنوبيين معظمهم يدعون
للإنفصال ليكونوا ديموقراطيين أن يكونوا ديموقراطيين وألا يقرروا عن شعب
الجنوب، أما قضية مواطنين درجة ثانية فــ ( والله قدّوا بيها أضانا) ـ قالها
بالدارجة ـ فإذا كان الجنوبيون في الشمال درجة ثانية فالشماليون في الجنوب
ليسوا مواطنين أصلاً، هم مجرد (موندوكورو، وجلابة)، وأن الجنوب للجنوبيين، فإذا
كانت المشكلة تحمل كل هذا الإبتزاز والطريقة العرجاء فلا بد أن تنصلح.

ـ ياسر عرمان: دينق ألور شخص رفيع الأخلاق أقول هذا بأمانة وصدق شديدين، وقد
قالها اللواء الهادي بشرى في أديس أبابا أيام المعارضة (لو وزعت أخلاق دينق
ألور على مدينة ما لصارت مدينة فاضلة)، دينق ألور لا يحمل حقداً في داخله البتة
رغم أن أمه أحرقت في نقطة شرطة بابنوسة، عرفت هذا الأمر بعد سنوات طويلة من
معرفتي به، وأكشف هذا الأمر كأمر إنساني محض.

أما حديثك عن الشماليين لا أظنه يشمل كل الشماليين، فهنالك الرزيقات والمسيرية
يتاجرون في الجنوب طوال العشرين سنة الماضية دون أن تواجههم أية مشكلات، أما
الحديث عن وجود كراهية للتجار الشماليين الموجودين في مدن الجنوب (الجلابة)،
فهذه حقيقة، نحن التقينا بهم ونصحناهم بأنه من المفيد أن نجلس معاً لأن في
الممارسة التجارية الشمالية في الجنوب ظلت عبر سنوات طويلة تمارس بطريقة خاطئة،
كل الأموال التي كسبتموها في الجنوب لم تسخروا جزءاً يسيراً منها لبناء مدرسة
واحدة، أو مستشفى واحداً، ولم تفعلوا غير تصدير عائد إستغلال أموال الجنوب
للشمال، والآن بعد كل هذه السنوات حدث تطور في الجنوب وظهرت طبقة من المتعلمين
الجنوبيين لديهم أحلامهم، الشئ الذي أفرز صراعاً حقيقياً حول السوق والتجارة،
وهذه قضايا فعلية تستحق المعالجة. يجب أن تحمل الرأسمالية الآتية للجنوب أفقاً
وسياسات جديدة لتستطيع أن تكون موجودة في جنوب السودان، وأرى أن هنالك عاملاً
موضوعياً لا يمكن إغفاله وهو الحرب التي استمرت لأكثر من عشرين عاماً وأثرها
النفسي، وليس من المعقول أن تكون المطالبات الأولى هي إسترداد الأموال كما طالب
التجار في نيفاشا، هنالك مليونان ماتوا في الحرب، فلنرجع النازحين واللاجئين
ولنعقد مصالحة وطنية حقيقية، ويجب ان يجلس التجار الشماليون مع الجنوبيين
لمناقشة تجربتهم السابقة للوصول لأفكار جديدة.

ورداً على سؤال ضياء الدين فإن الوحدة لتكون جاذبة لا تقوم بها الدولة وحدها،
وانما تقوم بها القبائل المختلفة، رجال الدين، التجار، العلاقات الشعبية،
منظمات المجتمع المدني بكافة أشكالها، هذه القوى هي التي تمهد طرقاً جديدة.
وسيكون الإنفصال جاذباً في حال استمرار الدولة في سياساتها التي بدأت منذ العام
(1956م) .

* ياسر عرمان جلابي بعد الإنفصال

مدير الندوة: متى ترى الوحدة خياراً جاذباً المهندس الطيب مصطفي؟

ـ ستكون الوحدة جاذبة كما قال ياسر عرمان حين يحدث التجانس بين الشعوب، عندما
تزول الكراهية الموجودة في نفوس أبناء الجنوب تجاه الشماليين، وهذه لا تقرر
بقرار حكومي، أنما بحدوث تغيير (ولا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)،
الجنوبيون يحتاجون لتغيير في أنفسهم، أما في الجانب الآخر فياسر يؤيد الإنفصال،
وأسأله أنت نفسك ستكون (جلابي) لو ذهبت إلى الجنوب بعد الإنفصال، ولا أدرى ماذا
سيحدث لك، لكنا نرحب بك هنا إذا حدث الإنفصال، أما الحديث عن سلوك التجار
الشماليين فأنا أعتقد أنه فرية كبيرة، هل قضية التجار الشماليين أم قضية
الكراهية، عندما حدثت أحداث (1955م) هل كان هنالك تجار شماليون بالجنوب، الذين
قتلوا في تلك الأحداث كانوا ضباطاً في القوات المسلحة والشرطة، الكراهية موجودة
ونعلم أسبابها، فقد صدر قانون المناطق المقفولة العام (1922م) ما أدي لفصل
الشمال عن الجنوب ومنع كل ما هو شمالي (الجلابية، والعصا، والعمامة، والإسلام)،
أنا لا أعتقد أن التجار الشماليين في الجنوب كانوا بهذا السوء، أما عن حديث
ياسر عن (حريق أم دينق ألور) فعلى ياسر عرمان عدم الحديث عن الحرائق فقد
شهدناها هنا في الخرطوم، ومع ذلك يطلب من الشماليين تغيير سلوكهم، العكس هو
المطلوب، وأقول لياسر، عندما اشتعلت الحرب في الجنوب إلى اين هاجر الجنوبيون،
وهل تعرض أي منهم إلى قتل أو سلب من قبل الشماليين، لكنا شاهدنا ما حدث الإثنين
الأسود، رغم أن الطائرة التي أقلت قرنق لم تكن سودانية ولم يكن طياروها سودانيي
ن، فماذا حدث؟ اشتعلت الخرطوم التي نزح إليها هؤلاء بحثاً عن الأمان، لذلك لا
يحق لك التحدث عن سلوك التجار الشماليين في الجنوب، بل يجب عليك التحدث عن
السلوك الآخر الذي فعل فعلته تلك في الخرطوم، وكل مدن السودان، وفي (سوبا) كذلك
أحرقوا (14) من رجال الشرطة داخل سياراتهم، لذلك أرى ان يكون الحديث عادلاً،
لأنه حينما يكون عن محاسبة الشماليين دون الجنوبيين لن يكون كذلك، بل يجب
(إستعدال هذه العلاقة العرجاء)، وحسب سؤال ضياء الدين فأنا لا أعتقد بوجود طريق
لوحدة جاذبة إلا إذا غيرنا هذه المشاعر، وهي لا يمكن تغييرها بين عشية وضحاها،
وهي المشاعر التي تحدث عنها القاضي توفيق قطران الذي حقق في أحداث توريت عام
(1955م) وها هو يتكرر في (2005م) لقد قال (إن الأشياء المشتركة بين الشماليين
والجنوبيين قليلة جدا .. كل العوامل السالفة لم تولد شعوراً مشتركاً مع
الشماليين، سواء كان الإحساس بالقومية أو الإحساس بالوطنية أو حب السودان كبلد
واحد، وظل ولاء الجنوبي العام دائماً منحصراً في قبيلته).

صاحب هذا القول ليس سودانياً وقد قال قولته هذه قبل خمسين سنة وللأسف لم يتغير
شئ حتى الآن، بل أن الحق قد زاد فهل يعقل أن تغير السنوات الست كل شئ؟

مدير المناظرة: آخر المحاور هو موقف ورؤى القوى الدولية من خيار الوحدة أو
الإنفصال كما يراها ياسر عرمان والطيب مصطفى مع التعقيب بعد تناول المحور؟

ـ ياسر عرمان: سأعقب اولاً، أقول بوضوح (مافي حاجة اسمها الشماليين)، لأن
الشماليين هم أهل دارفور وجبال النوبة والبجة، وهؤلاء الشماليون جزء من مجتمع
يحمل إتجاهات متعددة، وحين أتحدث عن الشماليين فأنا أعني المؤسسة الحاكمة التي
لا تجمعها علاقة بين إنسان الحاج يوسف أو مزارع الجزيرة، وهي مؤسسة أنشأتها
ظروف تاريخية محددة، ما جعلها تقوم على القهر والقوة والتسلط، لذلك تتحمل
مسؤولية هذه الحروب المستمرة، ولكل هذا فأنا لا أتحدث عن المواطنين الشماليين
مطلقاً، أما حديث الطيب مصطفى عن أنه سيرحب بي إذا حدث الإنفصال ـ بتهكم ـ فأنا
اشكره عليه رغم إني أعتقد بحقوقي المتساوية معه في كل السودان، وإذا حدث
الإنفصال تتساوى هذه الحقوق معه أيضاً، ولا اعتقد أن هذه هي القضية لأن المصائر
الشخصية لا معنى لها عند الحديث عن الأوطان، وقد قلت مراراً إن الشماليين يمكن
أن يعيشوا في الجنوب إذا انفصل، وسيكون هنالك جنوبيون في الشمال، بالضبط مثلما
هو الحال الذي يمكن السودانيين من العيش في أستراليا وأمريكا ومختلف بلاد
العالم، لكننا في هذا المقام نتحدث عن السودان البلد الكبير، وأكرر أنا لا
يهمني مصيري الشخصي لأن الأشخاص يمكن أن يفنوا في أي وقت، أقولها بتواضع شديد
للباشمهندس الطيب (لقد كان زعماء الجنوب سيما في حركة الأنانيا كانوا يقومون
بكسر جهاز الراديو لمن يستمع من الجنوبيين لراديو أم درمان حالهم حال زعمائنا
الكبار لأنهم يعتقدون أنها إذاعة العدو، لكن أثناء عملنا مع الدكتور جون قرنق
زعيم الحركة الشعبية وثق فينا وبادلناه الثقة، فحافظ علينا كما كنا نحافظ عليه
بأرواحنا لمدة عشرين عاماً، هذه ليست تجربتي الخاصة ضمن تاريخ السودان، فالإمام
المهدي ذهب إلى جبال النوبة وشوهد هناك وهو يحمل طفلاً صغيراً، وربما شيخاً
عجوزاً على كتفه، وحين وصل الى الملك آدم أم دبالو في جبال النوبة أهداه (بخسة)
سمن وأخرى عسل ولبن، فظنها خمراً فرد عليه هذه ليست خمراً فذقها، وهكذا كان
السمن واللبن والعسل عربون تحالف كان ثمنه أن ناصره النوبة وأهل الغرب وأتوا
معه إلى الخرطوم، وكان علي عبد اللطيف من أم من جبال النوبة وأب من جنوب
السودان، هذا هو تاريخ السودان، الذي يقول إن لكلٍ جد أو جدة من الجنوب أو من
جبال النوبة، فنحن من هؤلاء ومن أولئك، فالمهدي نفسه كان دنقلاوياً اختلط
بقبائل غرب السودان، ما أنتج أسراً تنحدر من صلب الخليفة عبد الله التعايشي ومن
صلب الإمام المهدي الدنقلاوي، هذا ما أحدثته الثورة المهدية، أما في الجنوب فإن
الأنانيا حتى انتهت كانت أنانيا بحر الغزال، وأعالي النيل، والإستوائية، لكن
جون قرنق وحد القادة في كل القبائل الجنوبية، وكان تدريبها والعمل السياسي فيها
يقوم على اللغة العربية، وهي ساعدت بقدر كبير في نشر اللغة العربية في الجنوب،
ما جعل الجنوبيين يستقبلون محمد وردي بشكل لم يستقبل به شخص مثله حتى الدكتور
جون قرنق، وهذا يثبت أنه لا عداء مع الثقافة العربية والجنوب.

ـ الطيب مصطفى: الكلام عن إستقبال محمد وردي في الجنوب لا يوصل للنتائج التي
وصلت إليها، فوردي يستقبل ذات الإستقبال في أرتيريا وأثيوبيا بأكثر مما يستقبل
به ملس زناوي وأفورقي، هذه قضية أخرى حري بنا ألا ندخلها هنا.

نحن نتكلم عن الواقع الحالي واقع الكراهية، وأحداث الإثنين الأسود مازالت
ماثلة، وتحولت (المشاكسة) لتصبح في كل المستويات، ولا توجد حكومة في العالم
بهذا القدر من التشاكس، الشريكان الاثنان يعملان ضد بعضهما البعض، وما نعلمه من
التصريحات أن أعضاء الحركة الشعبية هم الذين يتاجرون بالخلافات ويشتكون شريكهم
لأمريكا، القضية ليست بسيطة في تصوري فقد مرت خمسون سنة ونحن نتراجع للخلف، بل
أنتقلت الحرب التي كانت في الجنوب للخرطوم، أما الحديث عن المؤسسة التي قامت
على القهر فأعتقد أنه ليس كلاماً صحيحاً، لأنه لا ينبغي تبسيط الأمور بهذه
الصورة، واعتقد أن القهر الحقيقي سيأتي إذا تحققت أطروحة السودان الجديد، أنا
أعلم ماذا يريدون بالسودان الجديد، هم يقصدون سوداناً تتكرر فيه تجربة
(زنزبار)! وإن لم تكونوا تعلمون فإن مذابح زنزبار حدثت وجون قرنق كان هناك وقام
بحفظها جيداً، نحن لا ننكر أصولنا ولسنا عنصريين، لأني لو كنت عنصرياً فلن أكون
جهادياً مسلماً (دعوها فهي منتنة)، نحن نتحدث عن قضية سياسية نطالب فيها بأن
يحدث في السودان ما حدث في دول أخرى جربت طريقاً ونجحت فيه، فلماذا لا نجربه؟!

* مداخلات

ـ الفريق الرشيد إبراهيم الرشيد: أنا أتحدث عن تجربة عمل عمرها ثلاثين عاماً في
الجنوب، عاصرت الإتفاقية الأولى (أديس أبابا) وشاركت في توقيعها، وشاركت في
فترة الحرب الثانية، وما أود التنويه له أن نستفيد من كلام بعض عقلائنا، فقد
قال الدكتور فرانسيس دينق إذا أردنا وحدة مستدامة علينا أن نجرب الإنفصال، أما
بونا ملوال فقد قال إن مشكلة الحركة الشعبية أنها أخرجت مشكلة الجنوب من حدود
الجنوب، والقضية في تصوري ليست كسب الرهان فهي قد أصبحت قضية واضحة، لقد أصبح
الإنفصال واقعاً بكل المعطيات، وهو رغبة أهل الجنوب، واذا لم يحدث نكون قد
ظلمناهم كثيراً.

ـ ملوال مجوك، عضو الحركة الشعبية: قول الطيب مصطفى بعدم وجود تجار شماليين في
الجنوب قبل (1947م) غير صحيح، أما عن الحديث عن أحداث الاثنين الأسود فيجب أن
نذكر أعداد الجنوبيين الذين قتلوا بواسطة (الشرطة والشماليين) في العاصمة
القومية، والذين لم يتم الكشف عن اسمائهم بعد لأن الأمر تحتكره الحكومة، الوحدة
ستكون جاذبة عندما يتخلي الطيب مصطفى عن ردة الفعل الناجمة عن مقتل ابنه في
الجنوب، أما الإتفاقية فقد أحدثت نقلة كبيرة، لأن مثل هذه المنتدي (الرأي
العام) ما كان يمكن ان يناقش مثل هذه القضايا، ستكون الوحدة جاذبة عندما يكون
مثل هذا المنتدى مفتوحاً للجميع، أما التجار الشماليون في الجنوب وكراهية
الجنوبيون لهم فالتاريخ يثبت عكسها، هل تعلمون أن عثمان الطويل من الشماليين
وهو الذي تقلد مناصب كثيرة في الجنوب، وسؤال أخير إذا فصلنا الجنوب بمرور
الايام هل سيستغني الإسلاميون عن علي تميم فرتاك، وموسى المك كور؟

ـ العميد حسن بيومي: أبشر الجميع من موقعي الوحدوي أن وحدة السودان مضمونة لأن
الإنفصال والوحدة ليست قرارات سودانية بل قرارات أمريكية مصرية، فأمريكا عندما
إكتشفت البترول في السودان وسدت آباره كانت تفكر في مصلحتها، ومن هذه المصلحة
فهي تفكر في إمبراطورية في إفريقيا، وهذه الإمبراطورية سيلعب فيها السودان
دوراً محورياً، السودان الآن أحد دوائر الأمن القومي الأمريكي، وأمريكا لن
تستطيع ضمان مصالحها في حال إنفصال السودان، والسودان يمثل العمق القومي
والمائي للأمن المصري، لذلك لا يمكن أن يفكر المصريون في إنفصال السودان قبل
ضمان أمنهم القومي والمائي، والحكومة السودانية الحالية ليس لها إنجاز واحد،
وسيكون إنجازها المحافظة على وحدة السودان.

ـ إيد قبرت الجبهة الوطنية الإفريقية: يمكن أن تتحقق وحدة السودان وفق الأسس
الجديدة المطروحة، ولأننا جربنا الطريق القديم، دعونا نجرب السير في ذات الطريق
بأسس جديدة، بما يجعل خيار الطيب مصطفى خياراً ثالثاً ، فالمسار الأول هو
الوحدة القديمة، والثاني الوحدة على أسس جديدة.

أود أن أسأل الطيب مصطفى وهو قد قاتل بضراوة وفقد ابنه هناك من أجل وحدة
السودان متى تكونت لديه قناعة الإنفصال، وهل يمكن أن تنتقل قناعته هذه إلى
دارفور والشرق وجبال النوبة، ما يحدث للطيب مصطفى ردة فعل على فشل مشروعه
الحضاري الذي كان قد طرحه.

ـ محمد عبده محيى الدين مدير مركز تنمية الديمقراطية، أعتقد أن دولة الجنوب
بدأت تتشكل ونريدها أن تكتمل عبر الإستفتاء والديمقراطية، وتجري اليوم عملية
مخاض لحركة جديدة اسمها (حركة تحرير الخرطوم) تطالب بأن تكون الخرطوم
للخرطوميين، ربيكا في أمريكا قالت إنها عاشت مع قرنق وهو يعرف أنها إنفصالية،
والإهتمام الذي وجدته في أمريكا يؤكد أن هنالك عملاً لخلق قيادة جديدة منها فهل
سيتحول (أولاد جون قرنق) كما تطلق عليهم الصحافة إلى (أولاد ماما ربيكا)؟

ـ أبوذر أحمد محمد ـ صحيفة المحرر: هنالك قضيتان غائبتان عن هذه المحاضرة
الأولى، هي قضية الهوية، الناس يتنازعون حول الرؤية في وقت يسع فيه السودان
الجميع، الدولة الإسلامية حين قامت كانت بها قوميات متعددة جمع بينها الدين،
مثلما تجمع الديانة المسيحية هي الأخرى قوميات متنوعة، لذا فإن قضية الدين ليست
موضوعاً للنزاع في السودان.

ـ المعتز مصطفى أحمد ـ الحزب الإتحادي الديمقراطي: يجب أن نصفق لنجاح السياسة
الإستعمارية التي بدأت عام (1920م) بفصل السياسة التعليمية بين شمال وجنوب
السودان، وقانون المناطق المقفولة، فمن الواضح أنها نجحت نجاحاً باهراً بعد
خمسين سنة، فالأمم تسير إلى الأمام بينما نحن نتحدث عن الوحدة والإنفصال، هذا
يؤكد فشل النخب الحاكمة على مدار تاريخ السودان.

ـ أدينق ألور ـ جامعة جوبا: مشكلة السودان أن هنالك أقلية تحاول دائماً
الإستئثار بكل شئ، وعندما يلوح ما يمكن أن يؤدي إلي حرمانها من هذه الإمتيازات
تطالب بالإنفصال للمحافظة على إمتيازاتها الشخصية.

ـ سؤال: أنا أعتقد أن مثل هذا الحوار يعد لبنة من لبنات الوحدة، والسؤال لعرمان
كيف كان خطاب الحركة الشعبية إبان الحرب؟

ـ زينب محمود: يحاول الطيب مصطفى تأجيج مشاعر الشماليين تجاه الجنوبيين بتركيزه
على ما يولد الحقد والكراهية في النفوس، ويتجاهل الأسباب الموضوعية التي أدت
للأحداث، أحداث الاثنين قام بها المهمشون من أبناء الشعب السوداني، وأتساءل
لماذا يختزل مصطفى الحكومة في تصريحات الجنوبيين فقط، أليست هي حكومة الوحدة
الوطنية؟

ـ رشا عوض: أنا ضد رؤية الطيب مصطفى جملة وتفصيلاً، ويجب أن يتم الحديث عن
الإنفصال ضمن سياقه الموضوعي، وليس بالسرد التجريمي، الطيب مصطفى لدية
أيديولوجيا يريد أن يفرض بها وصاية على السودان، ويرى أن حجر العثرة الوحيد
أمام هذه الأيديولوجيا هو الجنوب، لذلك يريد أن يتخلص منه لينفرد بشمال السودان
ليطبق عليه مشروعه الحضاري.

ـ محمد خير البدوي: لقد ذكر الطيب مصطفى أن الدعوة الإنفصالية تجد دعماً
خارجياً فمن يدعم دعوته الإنفصالية، أنا لا استغرب وجود إنفصاليين قابلوا
الرئيس في رمبيك لكني أستغرب وجود إنفصاليين في الخرطوم، هذه الدعوة الإنفصالية
لا تهدد وحدة السودان فحسب بل تهدد حتى الأسر لما حدث من إختلاط وتمازج بين
السودانيين.

ـ أحمد يونس: سأقدم شهادات مهنية من خلال زيارة قمت بها للجنوب أخيراً، فمنذ أن
هبطت بي الطائرة وإلى أن عدت منها لم يسألني أحد عن هويتي الشخصية، وحتى بطاقتي
الصحفية لم يسألني عنها أحد، وفي جوبا قصدت الوصول للناس المعنيين بالحرب
والسلام فعلاً والذين يدفعون الثمن مراً، ولم أهتم كثيراً للحكومة والمكاتب،
ولم يمر بين هؤلاء البسطاء غير حديث الفقر والمرض والجوع وهجمات جيش الرب
والجنود المتبطلين، وهم لا يديرون حواراً مثل هذا الحوار الذي دار في القاعة،
فحوارهم الخاص يشغلهم عن كل شئ!

ياسر عرمان للتعقيب:

اريد ان اذهب مباشرة إلى بعض القضايا التي اثيرت، أولاً: ما تم اثناء الحرب،
فهناك اناس ذكروا للطيب مصطفى ابنه الذي استشهد في الجنوب، انا وبصدق ـ وهذا
ليس كلاماً سأقوله لأجل الطيب مصطفى ـ بل انا قلته منذ زمن بعيد في اجهزة
اعلامية عديدة، انني اعتبر ان ابن الطيب مصطفى هو ابننا جميعاً وهذا لا يدخل في
المزايدات السياسية، وانا طالما احترمت شخصاً مثل علي عبد الفتاح ومحمود شريف،
ولان شهداء الحركة الشعبية كبار وعظام والحرب الاهلية كانت حرباً طويلة وجرت
مآسى على اهلنا وشعبنا، ومن اللياقة والاحترام الا نتعامل معها بمثل هذا، وهذه
صفحة يجب ان تطوى بمراراتها العديدة اذا كنا نريد ان نحقق مجتمعاً متصالحاً مع
نفسه لذلك انا لا اذهب وراء هذا الاتجاه ولكن ايضاً بنفس المستوى اقول إلا اذا
اراد أحد الاسلاميين ان يجعل من شهدائهم الذين سقطوا في الجنوب، ان يتمسكوا
بوحدة السودان، ولا اعتقد ان الشهداء من جميع الاطراف ذهبوا الى هناك بمثل هذا
الفهم والا لما كانوا قد ذهبوا، وهناك حقيقة وهي ان هناك احباطاً في بعض اقسام
الحركة الاسلامية، واهم انجاز انجزته الحركة الاسلامية السودانية على الاطلاق
هو اتفاقية السلام لانها وضعت حداً لمرارات كثيرة عانى منها الشعب السوداني
ويجب ان تتقدم الى الامام.

الكلام عن التشاكس في الحكومة انا اقول ان الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني ليسا
حزباً واحداً وانما حزبان لديهما اطروحات مختلفة وطرق في الفهم، وهذه الاتفاقية
صعبة وجاءت نتيجة ظروف خارجية وموضوعية ادت الى هذا الاتفاق ويجب ان يحترم،
وهناك مصاعب كثيرة، والحديث عن عدم تنفيذ الاتفاق لا يعني عدم احترامه واختلاف
الرأى حتى في بريطانيا (توني بلير) واعضاء حزبه يختلفون معه في مشاريع عديدة
يطرحها في البرلمان ولذلك الحجج الصمدية والتوجه الى اننا (بقينا حزب واحد)
ويجب الا نختلف فهذا لا يتناسب مع التفكير السياسي السليم والرشيد.

الحديث عن الاثنين الاسود، الطيب مصطفى نفسه ذكر ان الجنوبيين عند اندلاع الحرب
جاءوا إلى شمال السودان، التوتسي والهوتو الا يذهبون الى مناطق بعض! ولكن نحن
لدينا علاقات قديمة ويجب ان تراجع طبقات ود ضيف الله، ومن اسباب هذه الدعوة
الرغبة في الحلول السريعة ويجب على اي انسان (يفرز عيشتو) الجنوب للجنوبيين
والشمال للشماليين، وهذه الدعوة لا تتطابق ايضاً مع مفهوم الاستاذ الطيب مصطفى،
وفي السودان هناك عامل التخلف، والقبائل الجنوبية نفسها لم يكن بينها تواصل
والمهدية خلقت علاقات جديدة بين القبائل وروابط اجتماعية وسياسية و غيرها في
الجنوب والشمال والغرب والشرق، وهذا البلد مشروع عظيم ومشروع ممتد لآلاف السنين
في الماضي والذاكرة النفسية والاجتماعية والشخصية السودانية كونها هذا الارث،
واذا اوجدت الطرق ووسائل الاتصال والمواصلات بمختلف الاشكال سيتغير واقع الحال
اليومي.

ما حدث يوم الاثنين والثلاثاء، نحن طالبنا بالتحقيق وحدث ايضاً في نيو أورليانز
الامريكية والطيب مصطفى يعرف هذا تقريباً، وهذه ليست مربوطة بالجنوبيين
والشماليين وانما هناك اناس معدمون، فوضى والأمن والبوليس كان من المفترض ان
يوجدوا للعمل على كبح هذه التفلتات، ولم يحدث هذا فحدث ما حدث، وهذا تقصير كبير
وفي اية منطقة يمكن ان يحدث هذا، والجنوبيون تضرروا والشماليون تضرروا ونحن في
الحركة الشعبية مع مصالح الجنوبيين والشماليين، عرب وافارقة وليست لدينا صيغة
عرقية او دينية.

هناك اشياء سأتجاوزها مثل الحديث عن اولاد ماما ربيكا، فجون قرنق شخص عظيم
ولولا التميزات العرقية لكان مقامه مقاماً آخر في الكون، واذا ظلمه البعض
فسينصفه التاريخ فهو داعية وحدة حقيقي، وقرنق شهد عصوراً زاهية في زنجبار
والتقى (ولتر وول) وكل الزعماء الذين التقى بهم كانوا يدعون لوحدة افريقيا
فلماذا يدعو قرنق لانفصال السودان؟ هذه الاسئلة الكبيرة التي ولدت الافكار
العظيمة التي اتى بها د. جون واعتقد ان جون قرنق كان أهم شخصية في القرن الماضي
وسيثبت التاريخ ذلك، الاستعمار مضى منذ خمسين سنة والذي يحدث لنا (عملناه)
لوحدنا بسياساتنا.

* الطيب مصطفى:

اعلم تماماً ان معظم الجنوبيين كما اعترف ياسر عرمان مع الانفصال ولكن برغم ذلك
كل الذين تحدثوا هنا من ابناء الجنوب كانوا مع الوحدة، فلماذا؟ اترك الاجابة
لكم، ولو كنت اعلم بحضورهم لاتيت بمائة من اعضاء منبر السلام العادل ولكني
تعاملت بحسن نية، وعلى كل اريد ان اقول إن الانفصال اصبح واقعاً كون ان الناس
يطالبون ان يأتي بجديد لكي يوقف هذه الحرب اللعينة، التاريخ يصنعه الخارجون على
القانون الذين يأتون بجديد، (خمسين سنة كفاية جداً) وتأكدوا ان هذه الخمسين سنة
ستتكرر لأنه في 1947م عندما زُور مؤتمر جوبا لأن (جيمس روبرتسون) قال في
مذكراته (إن الجنوبيين في اليوم الأول كانوا مع الانفصال وفي اليوم الثاني
صاروا مع الوحدة)، هل اوقفت الحرب؟ لا، اندلعت بعد ثماني سنوات، لذلك حتى
الاستفتاء زُور وتتدخل بعض الدول كما ذكر بيومي بالرغم من ان السودان لا تقرر
مصيره مصر ولا امريكا.

الوحدة لو حدثت ستكون مثل وحدة 1947م ولن توقف الحرب لأن المشاعر لم تتغير،
ونحن نريد ان نسير في طريق سار فيه غيرنا فلا توجد دولة واحدة حدث فيها انفصال
وتكررت فيها الحرب، وما حدث بين اثيوبيا واريتريا جاء نتيجة لتصرفات (اسياسي
افورقي) الذي دخل في نزاع مع كل جيرانه، وحربه استمرت لشهر واحد ولا يمكن ان
تقارن بينها وبين حرب امتدت ثلاثين واربعين عاماً، وكل الدول التي انفصلت عن
بعضها البعض توقفت فيها الحرب اما هنا فان الحرب لن تتوقف، وقد عقدت مقارنة بين
1955م و2005م وقلت لكم بأن الحرب والمشاعر قد تأججت اكثر مما كانت عليه،
والاستفتاء لن يغير من المشاعر، المشاعر التي عبر عنها بما حدث في جوبا وجنوب
السودان، ان الشماليين الآن ليسوا مواطنين في جنوب السودان فلماذا التعامي عن
هذه الحقائق؟

الناس قد ذكروا انني فقدت ابني لذلك اعبر عن هذه المرارات لكن صدقوني ـ وارجو
ان ترجعوا الى (أخبار اليوم) سنة 1997م ـ اجرى معي حوار وابرز في (أخبار
اليوم): «الطيب مصطفى: لن اذرف دمعة واحدة اذا انفصل جنوب السودان»، وفي ذلك
الوقت لم يستشهد ابني في الجنوب وهذا رأى قديم كونته، ونحن نريد رؤية جديدة،
وهذا الانفصال الذي سلقه الناس بألسنة حداد اتيح في الاتفاقية التي منحت
الجنوبيين الحق في ان يقرروا، وصدقوني ان الشماليين اذا منحوا الفرصة لكي
يقولوا رأيهم ـ خاصة بعدما حدث ـ فرأيهم اعلمه تماماً، وفي استبيان اجرى في
منطقة ام بدة كان اكثر من «80%» مع الانفصال، وفي استفتاء اجرى في جامعة
النيلين قبل سنوات كان اكثر من «70%» مع انفصال الشمال عن الجنوب.

اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


سودانيزاونلاين.كم | المنبر العام | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005 | أرشيف المنبر العام للنصف الثانى من عام 2005 |أرشيف المنبر العام للنصف الاول لعام 2004 | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | مكتبة الدراسات الجندرية | مكتبة د.جون قرنق | مكتبة ضحايا التعذيب |مكتبة الشاعر د.معز عمر بخيت |مكتبة الفساد |
اراء حرة و مقالات سودانية | مواقع سودانية | اغاني سودانية | مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد | دليل الخريجيين السودانيين | الاخبار اليومية عن السودان بالعربى|
جرائد سودانية |اجتماعيات سودانية |دليل الاصدقاء السودانى |مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان |الارشيف والمكتبات |


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved