السودان

جون قرنق يموت فجأة ويربك الجميع

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
8/1/2005 9:23 م

بقلم: عمر العمر


ما من قامة سودانية يمكن أن تملأ الفراغ الهيولي الذي خلفه الدكتور جون قرنق نائب الرئيس السوداني وزعيم الحركة الشعبية برحيله الفجائي التراجيدي عند هذا المنعطف المشبع بالحساسية في مسار السلام الطري. المباغتة هي هوايته المحببة في الحرب والسلام، عليها نسج حرب العصابات التي قادها وعليها كتب اتفاقات السلام.


بمصرعه المباغت كعادته يربك قرنق الحركة الشعبية بصفة خاصة، ذلك أنه ما من قائد يتمتع بالقدرات الاستثنائية التي تشكل نسيج شخصيته قائداً عسكرياً وزعيماً سياسياً. كل القادة في الحركة كانوا رجال قرنق، وجميعهم أنداد يتكاملون دون أن يجرؤ أحدهم على الانفراد بالزعامة على طريق قرنق أو على خط موازٍ.في قيادة الحركة قادة عسكريون أبرزوا مهارات إبان حرب العصابات وبينهم ساسة محترفون أظهروا براعة في الفصاحة الإعلامية والتفاوض، ومنهم أكاديميون معززون بشهادات رفيعة تؤهلهم لحسن التفكير والتدبير.


غير أن شخصية قرنق كانت نسيجاً من كل ذلك وجميع أولئك، وله أكثر من ذلك الكاريزما الطاغية التي تفعل فعل السحر في الخصوم والأنصار وله الحضور الذي يفرض به منطقه وعنده ذلك المرح المطبوع الذي ينتزع به محبة الآخرين.وبرحيله المباغت كعادته يربك قرنق كل قبائل الجنوب التي نجح في احتواء خلافاتها الفطرية والمكتسبة فاغمد خناجر اصحاب الطموحات المشروعة وغير المشروعة منهم واستنفرهم من أجل النضال الصبور والدؤوب في سبيل كرامتهم وانسانيتهم.


ليلة مصرع قرنق هي بالتأكيد ليلة اصحاب السكاكين الطويلة في احراش الجنوب بأيدي اولئك الذين اجبرهم قرنق على ادخالها في اغمادها وأولئك الذين يلوحون بها ويخشون هيبته وكان قادراً على احتوائهم.من يخلف قرنق في قيادة الحركة سيواجه حتما تلك السكاكين الطويلة التي تشرع جهرا في وجهه او خلسة من وراء ظهره. الامساك بأشجار الجنوب داخل سور واحد يمثل التحدي الحقيقي امام خليفة قرنق.


بممارسته هوايته المفضلة في المباغتة يربك قرنق كل قادة وقواعد الحركات المسلحة في المناطق المهمشة في جبال النوبة ودارفور وشرق السودان، فلم يكن قرنق مجرد انموذج لقيادة يغرى بالاقتداء والمحاكاة بل هو حليف وفي سخي تبدله المواقع ولا يستبدل قناعاته مع الأيام.


* إرباك المعارضة والنظام


رحيل قرنق المباغت يربك القوى السياسية المعارضة التي تخوض بداية معارك مع النظام في سبيل تثبيت التحول الديمقراطي غير ان «التجمع الديمقراطي» هو أكثر المعارضين تضرراً وارتباكاً برحيل قرنق. فقد كان الرجل الركن الأساسي في هيكله والوزن الاكثر ثقلاً واثبت أنه الأكثر مصداقية اذ ظل يؤكد حرصه على اشراك المعارضة في عملية إحداث التحول الديمقراطي ومؤسسات المرحلة الانتقالية. وظل هو الجواد الذي تراهن عليه فصائل التجمع من أجل اللحاق بعملية التغيير الذي بدأه السودان بعد بدء تطبيق اتفاقات «نيفاشا».


رحيل قرنق المباغت يربك النظام على حد سواء إذ هو الشريك الذي يثبت التزامه بالثوابت على قدر ما يبرهن على براعته في المناورة السياسية في تفكيك الأزمات العارضة وتجاوز المعطيات المفاجئة واثبتت التجربة الفقيرة من عمر الشراكة حاجة النظام لقدرات قرنق القيادية وعلاقاته الحميمة مع المعارضة. ليس النظام وحده بل كل الشمال كان يراهن على قرنق من أجل ضمان جنوب مستقر.


رحيل قرنق المباغت يربك النظام الذي التبس خطابه الاعلامي على نحو فاضح ليلة الكارثة فافتقد المصداقية وفضح عجز أجهزة الدولة من خلال تخلف البيانات الرسمية المرتبطة باعلان نبأ الفاجعة كما بان ارتباك النظام في القصور الذي فضحه الانفلات الأمني. الخسائر الفادحة التي شهدتها الخرطوم صباح الأمس لم تكن نتيجة عجز أمني بل ارتباك سياسي، مع ان التحذير من حدوث الاعتداءات التي وقعت لم يكن بعيداً عن مخيلة العديد من الساسة والمراقبين والمواطنين كذلك مثلما أنه لم يكن غريباً عن الذاكرة الجمعية للعاصمة إلا أن القصور في التدبير ساهم في استنساخ تجربة «الأحد الأسود» في طبعة جديدة. مع البون الشاسع بين المحورين الجنوبيين في التجربتين.


* صاحب السهل الممتنع


ما من قامة سودانية تستطيع ان تملأ الفراغ المهول الذي ظهر على المسرح السياسي برحيل جون قرنق إذ ليس ثمة رجل يقبض على معظم ـ ان لم يكن كل ـ خيوط اللعبة السياسية السودانية مثل ما هو قرنق، وليس هناك من تمتع بالقدرة على أداء أدوار مثيرة بأوراق اللعبة السياسية السودانية على ذلك النحو السهل الممتنع الذي دأب عليه قرنق، وليس ثمة شخصية بين الساسة السودانيين تحظى بالاحترام الذي حظي به قرنق من قبل كل ـ تقول معظم عمداً ـ القيادات الحزبية فهو على مسافات متوازية مع الجميع مثلما هي فريته من الكل.


لا أحد بين القيادات السودانية استطاع ان ينسج شبكة من العلاقات مع قادة دول الجوار على نحو يتجاوز المنوال السياسي التقليدي ليطبعها بصيغة شخصية بالغة الحميمية، وليس بين القادة السودانيين من تمكن مثل قرنق استقطاب دعم إقليمي ودولي لقضية داخلية كما نجح قرنق.


* المهدي: مايسترو قوي


في هذا السياق قال الصادق المهدي زعيم حزب الأمة ورئيس الوزراء السابق كان قرنق مايسترو قوياً في النضال المسلح والتفاوض استطاع ان يحقق الكثير من المكاسب لأبناء الجنوب غير ان هذا الجهد ينبغي الا يغّيب عناصر أخرى ساهمت في هذا الانجاز فهناك عناصر عديدة في الوعي الشمالي لدعم تحقيق تلك المكاسب والقناعة بضرورة التراضي على حلول مقنعة ومرضية للجميع بالإضافة إلى الدعم الدولي.


وعزا المهدي مظاهر الانفلات في الخرطوم إلى إحساس في أوساط الجنوبيين يربط تحقيق تلك المكاسب بشخصية قرنق وحده ومن ثم تولد لديهم شعور بالإحباط واختلط هذا الإحباط بإحساس بوجود مؤامرة وراء الكارثة. وقال المهدي ان قرنق ذهب في مرحلة مفصلية صعبة خلف تبعاتها لقادة الحركة تتمثل في التعديلات الأخيرة التي أجراها في قيادة الحركة والتي نجم عنها استقطاب داخل القيادة بالإضافة إلى استقطاب آخر بين الحركة والجنوبيين الآخرين خارجها وهناك الموقف بينه وبين الحكومة إزاء منطقة ابيي وقد وصل الموقف إلى جدار.


ونصح المهدي قادة الحركة بالعمل على تجاوز هذه القضايا الثلاث من أجل الحفاظ على مكاسبها ومكاسب الجنوبيين وحذر من أن تفتت صفوف الحركة سيفضي إلى إضاعة تلك المصالح ودعا القيادات الشمالية للمساهمة في إعانة قيادة الحركة على التمسك بوحدتهم باعتبار أن تلك هي خطوة أساسية للحفاظ على جنوب مستقر منبها إلى أن تفكك الجنوب وعدم استقراره ليس في مصلحة الوطن.


* محمد إبراهيم نقد: طراز فريد


أكد محمد إبراهيم نقد سكرتير الحزب الشيوعي على أهمية تسريع قيادة الحركة لاختيار النائب الأول لرئيس الجمهورية وتعجيل الإجراءات الدستورية لتنصيبه. وقال من شأن ذلك استئناف عجلتي الدولة والحركة السياسية لدورانهما الطبيعي.وقال نقد إن قرنق طراز فريد من القيادات تشكل في مدرسة سياسية وعسكرية في ظروف إقليمية ودولية صفية وعبر أكثر من منعطف سياسي وتجاوز أكثر من انشقاق داخلي بنجاح.


وهو في كل ذلك لم يتغير ولم يتراجع عن خيار الوحدة ولذلك كان استقباله في الخرطوم على نحو غير مسبوق ولن يتكرر إذ كان عفوياً وبعيداً عن آليات الأنظمة الشمولية لحشد الجماهير.كما أن قرنق يعد أحد القيادات الجنوبية النادرة التي تعاملت مع كل القوى السياسية السودانية فأصبح التعامل معه سهلاً كالجار أو الصديق إذ نجح من خلال هذه التجربة في إزاحة الحواجز سواء في حالة الاختلاف أو الاتفاق واكتسب في الوقت نفسه وزنا في أفريقيا والأوساط الدولية.


وأضاف نقد قائلاً إن هذا هو احساس الشارع السوداني الذي احتفى به وافتقده كشخص أليف وليس قائداً سياسياً أو عسكرياً بل دون ألقاب ومناصب فهو يردد «قرنق» أو «جون».وعبر نقد عن أسفه لضياع فرصة لقاء بينهما في «رومبيك» كان قرنق حريصاً عليه بعيداً عن الخرطوم بعيداً عن الضغوط وقال فقد افتقدت بالفعل فرصة نقاش سياسي فكري لا يعوض.


وأعرب سكرتير الحزب الشيوعي عن أسفه لعدم حرص الدول العربية على استقباله والسماع له مع أنه لم يكن طالب حال مثل العديد من القادة الأفارقة الذين يطرقون العواصم العربية بل كان داعياً لفكرة الوحدة.وقال نقد لا تستطيع العناصر المعارضة لقرنق والمختلفة معه بتجريح تاريخه أو تقليل شأنه.


وقال نقد ما حدث في العاصمة من انفلات ما كان له أن يحدث ذلك أنه كان متوقعاً وربما لم يكن الأمر يستدعي فرض حالة الطوارئ بل مجرد تواجد محسوس من قبل الشرطة في الشارع ربما كان كافياً على الأقل لتقليل حجم الخسائر.وأضاف نقد ان كارثة من هذا النوع كانت مرئية في عيون قطاع عريض من الذين شهدوا أحداث 6 يناير 1965 خاصة وأن العاصمة أصبحت حالياً محاطة بحزام من البؤساء ومثقلة بازدحام شديد وكلاهما يفرخان استعداداته للتخريب.


* منصور خالد: زعيم له رؤية وقدرة


اعتبر الدكتور منصور خالد أحد مستشاري قرنق مصرع الرجل بمثابة كارثة للسودان بأسره وقال ان د. جون أثبت عبر زعامته للحركة وبالتجربة أنه زعيم وطني يملك الرؤية والقدرة على توحيد السودان وعلى أسس وطن جديد يحقق الاستقرار الذي ظل السودان ينشده.وقال لا أفتقد في قرنق قائداً سياسياً فقط بل صديقاً عظيماً تأثرت بصداقته في أكثر من مجال وأشاد بنضاله من أجل كل أهل الجنوب في سبيل تحسين أوضاعهم وإحلالهم في المكانة التي يستحقونها.وأضاف خالد أنه رغم أن مصرع قرنق في هذا التوقيت يمثل كارثة إلا أنني لا أعتقد أن غيابه سيعطل عملية السلام ذلك أن القيادة التي ستتولى أمر الحركة ستكون حريصة على إكمال المشوار وفق ما تقرر في اتفاق السلام.


* أبو عيسى: شخصية كارازماتية


وقال فاروق أبو عيسى مساعد رئيس التجمع المعارض للشؤون القانونية إن مصرع قرنق خسارة كبيرة يمكن أن تعرض السودان لهزة غير محمودة ويتطلب ملء الفراغ وتجاوز المحنة الكثير من الجهد والصبر في ضوء رجاحة عقل قرنق وبعد بصره وشخصيته الكارازماتية والتزامه الكامل بالسلام والوحدة والتزامه بتصحيح أوضاع المهمشين والفقراء.


وأعرب أبو عيسى عن أمله في أن تنجح قيادة الحركة في تجاوز هذه الأزمة وحضهم على مزيد من الوحدة والتمسك بالمنهج الذي طرحه قرنق من أجل سودان جديد ديمقراطي مدني موحد وحدة طوعية بإرادة أبنائه.وقال إن الحكومة مطالبة بمزيد من الالتزام في شأن تنفيذ اتفاقات السلام وإغلاق الثغرات ذلك أن موضوع الاجماع الوطني أصبح ضرورة لأهل السودان وعليها اثبات نكران الذات واتخاذ خطوات أكثر اتساعاً وجرأة تجاه القوى المعارضة والتعامل بجدية مع مطالب هذه القوى في سبيل تحقيق الوحدة الوطنية وحماية الوطن من المخاطر.وطالب الشعب بالصبر وتحمل الكارثة والتمسك بالتسامح والاستقرار.


* حاتم السر: ضامن السلام والديمقراطية


وأكد الناطق الرسمي باسم التجمع حاتم السر أن غياب قرنق في هذه المرحلة خسارة كبيرة في استكمال عملية السلام والتحول الديمقراطي، فقد كان الضامن الذي عمل من أجل دفع الحكومة للوفاء باستحقاقات المرحلة هو الذي كان وارء دخول التجمع في مفوضية الدستور، وكان في الوقت نفسه يشكل أملاً لأبناء الشرق والغرب من أجل تحقيق مطالبهم والحصول على حقوقهم.


وقال السر إن غياب قرنق تهديد لعملية السلام. وحذّر الحكومة من أي تعنت ربما يعيد الأزمة للمربع الأول، وطالبها بإعادة النظر في تعاملها مع المعارضة، وقال إن قرنق كان يتمتع بعلاقات حميمة مع كل المعارضة، خاصة الحركات المسلحة في الشرق والغرب، وأن تلك العلاقة لم تكن مبنية على الحركة كمؤسسة وإنما بفضل صلاته الشخصية وشخصيته القيادية، وهذا ما لن يتم التعويض عنه.


* الميرغني: شريك نضال


ووصف محمد عثمان الميرغني زعيم التجمع قرنق بأنه رفيق الدرب وشريك النضال، وقال: فقد السودان فيه قائداً مكافحاً ومناضلاً جسوراً بذل حياته لتحقيق تطلعات الشعب السوداني في السلام والوحدة والأمن والاستقرار والحكم الرشيد.وأضاف الميرغني في بيان عرفناه بالعقل الراجح والحكمة في تناول الشأن الوطني ونحن نعمل سوياً في حلف استراتيجي امتد 16 سنة قام على الصدق في التعامل والالتزام بالمواثيق والعهود.


وأعرب الميرغني عن ثقته في قدرة الحركة الشعبية على تجاوز محنته واستكمال عملية السلام والتحول الديمقراطي والوحدة.وهاتف الميرغني سيلفا كير معلناً تضامنه مع الحركة، ومذكراً بالتحالف بين الحزب الاتحادي الديمقراطي والحركة. وأوفد الميرغني ثلاثة أعضاء من المكتب السياسي إلى نيوسايد لتقديم العزاء.



اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر العام| دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |English Forum| مكتبة الاستاذ محمود محمد طه | مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
SudaneseOnline.Com All rights reserved