مرحبا بكم فى مركز السودان للاخبار

صدور العدد 65 من الهــــدف جريدة حزب البعث العربي الاشتراكي -قيادة قطر السودان

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/4/2005 2:20 م

العربي الاشتراكي أمة عربية واحدة
قيادة قطر السودان ذات رسالة خالدة
الهــــدف
العدد 65 مارس 2005م الثمن 1000 ج
الهدف في الإنترنت : www.elhadaf.net
في هذا العدد :
في الذكرى الثانية لاحتلال بغداد .. أميركا تغوص عميقاً في وحل العراق .
اتفاقات نيروبي : سلام ناقص ، تفريط في استقلال السودان ووحدته الوطنية ..
حول السياسة الخارجية السودانية على ضوء اتفاقات السلام .
موازنة 2005 : توظيف للموارد أم هدر لها ؟ إزالة الفوارق الطبقية أم تعميقها ؟
ورقة منبر نساء الأحزاب حول موضوع المرأة والدستور .
سقوط العمارة .. سقوط الأقنعة .
مدبغة النيل الأبيض للصناعات الجلدية نموذج لمستقبل العاملين بالمؤسسات في ظل سياسات الخصخصة .
التحالف الوطني الطلابي في جامعة السودان يفضح حقيقة موقف المؤتمر الوطني وطلابه من الديمقراطية .
الجامعات السودانية : موجة جديدة من الإغلاق والاعتقالات .
خبر وتعليق ..
الأمير .. حرامي كبير .. !
في الذكرى الثانية لاحتلال بغداد ..
أميركا تغوص عميقاً في وحل العراق

لعله من الغريب حقاً في تجارب الاحتلالات عبر التاريخ الاستعماري .. أن تكون ذكرى احتلال بلد ما هي نفسها ذكرى انطلاق المقاومة فيه .. وهذا بالضبط ما حدث في العراق ، مما يؤكد أن عملية الاحتلال كانت مجرد مغامرة انتحارية في سياق معركة مفتوحة وغير محسومة بين المشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي من جهة والمشروع النهضوي العربي التحرري وقاعدته المحررة في العراق بقيادة حزبنا المناضل – حزب البعث العربي الاشتراكي من جهة أخرى .. بعد عامين كاملين من تاريخ 20/3/2003م من مغامرة الولايات المتحدة وحليفتها بريطانيا بعدوانهما الإجرامي على العراق واحتلاله تحت سيل من الأكاذيب المفضوحة .. ورغم اعتراضات أغلبية أعضاء مجلس الأمن الدولي وتظاهرات الرفض لملايين الشعوب في جميع أنحاء العالم بما في ذلك شعوب أميركا نفسها..
لم تكن عملية الاحتلال هي الفصل الأخير في مواجهة ممتدة بدأت صفحتها المباشرة في العدوان الثلاثيني عام 1991م واستمرت مع حصار جائر ولئيم امتد لمدى اثني عشر عاماً.. مواجهة غير متكافئة بالحسابات الفنية ولكنها بالحسابات التاريخية كانت هي " معادلة التاريخ " لأن تجربة البعث وشعب العراق البطل كانت عصية على التقويض من الداخل أو المساومة بخياراته المصيرية .. لذلك جاءت عملية الاحتلال كحالة فنية مؤقتة حيث فاجأتها المقاومة الشعبية الباسلة بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي منذ أن وطأت أقدامه النجسة أرض العراق الطاهرة وحتى يومنا هذا..
وبعملية جرد حسابي لحصاد العامين الماضيين تأتي نتيجة أهداف العدوان صفراً رغم ما حشده من إمكانات مادية وبشرية لتثبيت أقدامه في العراق .. فعلى الصعيد السياسي سقطت كل الذرائع والمسوقات والأكاذيب التي حاولت تبرير الاحتلال..
فإذا كان من النادر أن توجد ظروف يعرف فيها الشعب حقيقة الاستعمار، فقد كشفت المقاومة الباسلة في العراق ما هي حقيقة أميركا .. ولأنه عندما يكون نضال الشعب السائر في طريق التحرر ، واعياً وعميقاً وجريئاً ، فإنه يفرض على مستعمريه أن يخرقوا كل ستر ، وأن يفتضحوا تمام الافتضاح – لأن المساومة والنضال الرخو ، يبقى عليهم الخرافات الكثيرة ، ولا يظهرهم على حقيقتهم .. كذابين ، وقحين ومتخلفين ، رغم هالة التكنولوجيا وأوهام القوة والتفوق الفني العسكري ولأن البعث وبرؤيته التاريخية النافذة ، كان يدرك أن الأمة تعيش مرحلة انبعاث ، وإنها في تنام وصعود – رغم المظاهر التي تخدع بين الحين والآخر عن هذه الحقيقة " .. هذا ما عده القائد المؤسس عليه الرحمة " أثمن ما يمكن للمناضلين أن يتسلحوا به ، لأنه يضعهم في حركة التاريخ ، وفي انسجام مع معركة التاريخ .. قد لا تجنبهم هذه الرؤية ، الوقوع في الأخطاء الصغيرة .. ولكنها بالتأكيد تضمن لهم الانتصارات المهمة وفي الظروف الصعبة الحاسمة" .. لأن الإمبريالية .. جهد ما تستطيعه ، هو أن توظف علمها واختراعاتها لإعاقة سير الأمة العربية نحو أهدافها .. وقد يكون للإمبريالية عملاء في الداخل – لكن عمل الإمبريالية هو دوما من الخارج .. بينه وبين النضال العربي ، فرق نوعي ، يمثله حزب البعث الذي يناضل من الداخل .. بعمل حي ، عضوي ، إيجابي ، بناء. بينما العمل الاستعماري الصهيوني ، هو التخريب ، للإعاقة والتضليل .. وشتان ما بين العملين".
وبهذه الرؤية التاريخية كان البعث على يقين أيضاً بأنه " لا ربح بلا خسارة ولا ربح إلا على قدر الخسارة إلى حد أن الذي يقبل بأن يخسر كل شئ ، يستطيع وحده ، بأن يأمل في الربح الأكبر .. وإن أبعد الناس عن فهم الحياة هم الذين يعتقدون بإمكان التوفيق بين النقيضين".
هكذا تتجمع القوى التاريخية ، وتتفجر في وجه العوامل المهددة لمصير الأمم ، فتكون ظروف المحن ، عوامل إنضاج ، وتحضير لانبثاقها" .. وفي مسار المواجهة التاريخية ليس المهم النتيجة الآنية للصراع : وإنما المهم هو المحصلة التاريخية للفعل الإجمالي لصورة المقاومة .. أي النتيجة النهائية التي تقاس عليها القيم والمثل العليا والتي تتوق إليها وتتعلق بها الجماهير العربية"
بهذه الرؤية والإيمان الرسالي.. دشن البعث في العراق مرحلة تاريخية جديدة في الصراع مع التحالف الإمبريالي الصهيوني الرجعي .. واليوم لا تجد على امتداد الوطن العربي الكبير أملاً يرتجى أو محوراً تلتف حوله جهود المخلصين ، وجهود الجماهير العربية المنكوبة بأنظمتها العميلة .. تلتفت فلا تجد غير هذه الشعلة التي يمثلها ويحملها حزب البعث ومناضليه في العراق والوطن العربي..
إن ثقة البعث بالأمة وبجماهيرها لا تتزعزع قيد أنملة رغم المواقف المخزية التي تمثلها الأنظمة الحاكمة .. والتي تحولت إلى أدوات قمع وتنكيل للجماهير خدمة للمصالح الأمريكية ولضمان بقائها على كراسي الحكم.. ورغم انفضاح المؤامرة التي تستهدف الأمة كلها لصالح المشروع الإمبريالي الصهيوني العنصري ، وتبدد أوهام مشاريع السلام والتسوية السلمية للقضية الفلسطينية ، بل وبروز مشروع الشرق الأوسط الجديد والتطبيع كأولوية في حسابات الكيان الصهيوني .. والأغرب من ذلك أن هذه الأنظمة تدرك أن الحد الأدنى مما يحفظ ماء وجها أمام شعوبها لا يكفي أمام زحف المشروع الصهيوني .. خاصة بعد احتلال العراق.. وأسر قائد الأمة البطل صدام حسين ورفاقه وإزاحة أبو عمار ثم اغتياله.. وتتصاعد عمليات الالتفاف على سوريا العربية كوطن من بوابة لبنان ويستهدف السودان في هويته وكيانه الوطني من بوابة الجنوب والغرب .. رغم كل ذلك وغيره تتماهى الأنظمة الحاكمة مع المشروع الأمريكي الصهيوني، وتشدد قبضتها على الجماهير وتغييبها عن ساحة النضال والفعل للدفاع عن مصيرها.. بحجة مكافحة الإرهاب . وإرضاء للسيد الأمريكي.. رغم أن هذه الأنظمة في ذاتها أصبحت عقبة في طريق المشروع الأمريكي الصهيوني الرامي لإعادة صياغة المنطقة كلها لصالح سيادة الكيان الصهيوني العنصري ومشروعه التوراتي الخرافي.
إزاء هذا الوضع ليس أمام الجماهير العربية وطلائعها المناضلة غير التمسك برايات الوحدة والديمقراطية التي تطلق عقالها في وجه الإمبريالية ومشاريعها ، وهي تدرك بوعي زيف شعارات الديمقراطية الأمريكية وحقيقة أهدافها التي أسقطتها ضربات المقاومة الباسلة في العراق وفضائحها في أبي غريب والفلوجة وقوانتنامو .. وجرائم كيانها الصهيوني العنصري ضد شعبنا البطل في فلسطين العربية..
وفي الخضم الحالك الظلمة في الوطن العربي المنكوب بالإمبريالية والأنظمة العميلة تتبدى في نهاية النفق أشعة شمس الجماهير العربية كالمارد يخرج من قمقمه ، وذلك بفضل صمود المقاومة في فلسطين والعراق.. ولتقول " كفى زيفا ومهانة" ورغم محاولات الإمبريالية البائسة للالتفاف على هذا المخاض وتجييره لصالح شعاراتها الديمقراطية الزائفة.. لأن الديمقراطية الحقيقة لا يمكن فصلها عن الحرية بمعناها العميق وعن كرامة الشعب .. وأي شعب ناهيك عن أمة تتجدد رسالتها مع كل نكبة ومحنة .. إنها الأمة التي ولد من رحمها البعث.. ومن جملة أحداث المرحلة وصورة المواجهة التاريخية بين الأمة العربية وطليعتها المقاومة في فلسطين والعراق وبين المشروع الامبريالي الصهيوني العنصري .. وصورة تداعيات الواقع العربي الرسمي وما يكتنف هذه الصورة من حالات اليأس والإحباط والتماهي من بعض الرموز والقوى السياسية مع المشروع الاستعماري كمخلص من دكتاتورية الأنظمة الحاكمة..
وبعد عامين كاملين من احتلال العراق وتداعياته على المنطقة العربية برمتها يمكن أن نخلص إلى النتائج التالية:-
إن حالات التداعي الرسمي والنخبوي وتماهيه مع المخطط الاستعماري الصهيوني ليست من الأمة في شئ .. لأن الأمة موجودة في كل مكان يحمل فيه أبنائها السلاح وحيث يوجد نضال حقيقي كما هو الحال في العراق وفلسطين.
إن حالات التداعي في مثل هذه الظروف .. هي شئ طبيعي ولكنه ليس الصورة الحقيقية للأمة " لأن كل من لا يستطيع أن يجابه هذه الأوضاع مجابهة جدية.. ينحاز إليها " كما عبر القائد المؤسس ، وقد كشف هذه الحقيقة السيكولوجية من قبل العلامة ابن خلدون .. حينما قال: " إن المنهزم يعجب ويتشبث بكاسر شوكته".. لذلك فإن الجيل المنحط – كما وصفه عفلق – يحكم على الواقع ، حكم مؤرخ ، انه مفسر ، لا مؤثر ، يحول الأسباب إلى أعذار ، وقد يحول الأعذار إلى مبادئ فلسفية وقواعد أخلاقية" ..
رغم التعتيم الإعلامي والحصار المضروب على المقاومة في العراق وعدم اعتراف الأنظمة العميلة بها لصالح السلطة العميلة التي نصبها الاحتلال.. فان هذه المقاومة الباسلة تحظى بتعاطف ومتابعة وإعجاب الجماهير العربية في كل مكان .. لأنها تدرك أن ترك شعب العراق لوحده يواجه مصيره بنفسه، هذا لا يعني أن الأمة خذلته، بل تجسدت فيه .. فالمقاومة البطولية في العراق وفلسطين هي التعبير الحقيقي للامة وعظمتها .. وان الصراع الذي تقوده المقاومة مع الاحتلال هو صراع تاريخي لا تحسم نتائجه الحسابات والموازين الفنية الآنية وإنما هو صراع مفتوح .. وسيكون الظفر فيه كما كان على مر التاريخ للشعب المقاوم المتمسك بخياراته في الاستقلال والسيادة والحرية والوحدة..
إن محاولات تجريد المقاومة الوطنية في العراق من عمقها القومي بتجريم المتطوعين العرب في صفوفها على محدوديتهم – وتصاعد الموجات الشعوبية الفارسية المعادية للعرب ولعروبة العراق ، في حين تحشد قوات الاحتلال العملاء والمرتزقة من كل أصقاع الدنيا – عرب وعجم - لدعم احتلالها وسلطتها العميلة.. هذه المحاولات لن تؤثر في مسار الصراع .. ولا في حقيقة الشعب المقاوم بكل فئاته ومكوناته والمتمسك بهويته العربية الإسلامية.. التي شاد على أساسها تجربته العملاقة ، ولا خوف على العراق من هذه النزعات الشعوبية الفارسية الصهيونية الحاقدة على كل ما هو عربي فالعراق كما وصفه القائد المؤسس ذات مرة بأنه البلد الذي تدافع فيه العروبة عن نفسها منذ مئات السنين" ..
إن حصيلة العامين الماضيين من احتلال العراق تكشف حقيقة فشل المخطط الاستعماري في تركيع الأمة العربية وجماهيرها رغم هلع واستكانة الأنظمة العميلة وتكشف من جانب آخر أن المستقبل بكل تأكيد هو للبعث ولجماهير الأمة .
لقد جاءت انطلاقة المقاومة وبهذا الزخم والتصاعد والشمول لتؤكد على حيوية التجربة البعثية في العراق وقدرتها الخلاقة في التعبير عن أهداف ومبادئ البعث للتصدي للتحديات ، في كل المراحل والحالات ، وعلى عمقها الجماهيري .
هكذا علم البعث مناضليه بأن يعيشوا في صميم الوسط الذي يرون مفاسده في كل ناحية ، والذي صمموا على محاربته والظفر عليه دون أن يفقدوا الأمل بان يخرج من صميم هذا الوسط الفاسد .. نور الحياة العربية الجديدة .. هكذا يولد البعث ويتجدد.
· المجد والخلود لشهداء المقاومة وفي عليين ..
· تحية للرفيق المجاهد صدام حسين ورفاقه في أقفاص الأسر ولصمودهم العظيم والرسالي في وجه الجريمة..
· تحية لجماهير الأمة العربية وطلائعها المناضلة في كل مكان .. وعاشت فلسطين حرة عربية .. تحية حب وتقدير للمقاومة الباسلة في عراق البعث.
اتفاقات نيروبي : سلام ناقص ، تفريط في استقلال السودان
ووحدته الوطنية ..
تعتبر اتفاقية نيروبي الموقعة بين الحكومة والحركة الشعبية لتحرير السودان ، أبرز محصلة للتدخل الأمريكي في السودان ، والذي بدأ مع ما عرف بمهمة دانفورث ، والتي وضعت البلاد وتطورها طوع متطلبات المصالح الأمريكية ، وفق الرؤى التي انتهى إليها مركز الدراسات الاستراتيجية بواشنطن . وقد لعبت الولايات المتحدة الأمريكية ، مباشرةً وبشكل غير مباشر ، دوراً أساسياً في توجيه مفاوضات نيفاشا / مشاكوس ، ودفعت بها في اتجاه النتائج التي تجسدت في اتفاق نيروبي الموقع في التاسع من يناير من هذا العام .
فالولايات المتحدة التي ساندت الحرب الأهلية في جنوب البلاد ، وعرقلت جهود إنهائها ، خاصةً تلك التي بذلتها منظومة الإيقاد ، عملت على وقفها عندما اقتضت مصالحها ذلك . لقد أصبح السودان بسبب الحرب ومن ثم بسبب السلام الأمريكي ، واحداً من البلدان المستهدفة للنفوذ الأمريكي والذي يتقاطع مع استراتيجيات قوى دولية وإقليمية أخرى ، تسعى بدورها للهيمنة والنفوذ في المنطقة . ويقع السودان حالياً ، ورغم التوقيع على ما عرف باتفاق السلام ، ضمن دائرة الضغوط الأمريكية العالية ، والتي تشمل سوريا وإيران ولبنان وليبيا بعد أن استنفذت كل من الأولى والثانية دورهما في احتلال العراق الذي أدياه بدءاً من القادسية مروراً بأم المعارك وما تبعها من حصار وعدوانات على العراق . تلك الاستراتيجية التي تستهدف إعادة رسم خارطة جديدة للمنطقة العربية ، بعد أن بدأت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه بغزو العراق واحتلاله .
إن اتفاقية نيروبي ، لا يمكن عزلها عن ظروفها الدولية والإقليمية ، المتميزة بتصاعد الهيمنة الأمريكية ، خصوصاً بعد غزو العراق واحتلاله واستسلام ليبيا أمام الضغوط الأمريكية ، مما يجعل من الاتفاقية أداة من أدوات الهيمنة . تؤمن الاتفاقية وتقنن دوراً أمريكياً متزايداً في الشئون الداخلية للسودان باسم الإشراف على / ومتابعة تنفيذ الاتفاقية عبر العديد من الآليات ، بما في ذلك قوات حفظ السلام والمنظمات غير الحكومية ، وغير ذلك من أغطية الوجود الأجنبي والأمريكي خاصةً . وتتحدث الأوساط السياسية عن استعدادات النظام لاستقبال 10 آلاف من الجنود الأمريكيين والتي يمكن اعتبارها قوات احتلال غير معلن حيث تم بخضوع كامل للمطلوبات الأمريكية بأوهام الحصول على رضاء الولايات المتحدة .
وتؤسس الاتفاقية لنظام شمولي تابع ، وفق ما عرف بالشراكة بين الإنقاذ والحركة الشعبية ، وهي شراكة تقوم على إقصاء القوى السياسية الأخرى ، وتكريس هيمنة طرفي الاتفاق ، بضوء تقسيم ديني وطائفي للبلاد ، بعيداً عن أي منظور ديمقراطي . الأمر الذي يعكس نفسه في شكل نظام الحكم ، وما يتفرع منه من مفوضيات ولجان ، والذي يفتقر إلى أي مشاركة فعلية ترتكز على تعددية سياسية حقيقية وديمقراطية فعلاً .
فقد اتخذ الاتفاق ، كوليد لمفاوضات ثنائية ، شكل الصفقة بين طرفيه ، لتقاسم السلطة والثروة . وهو ما ينتفي معه أي توجه ديمقراطي ، في وقتٍ لا يستطيع فيه طرفا الاتفاق ، إدعاء التمثيل الحصري لشعب السودان . الأمر الذي يعبر عن نفسه في تنامي معارضة صيغة الاتفاق حتى داخل النظام الحاكم وداخل الحركة الشعبية ، وفي أوساط القوى السياسية الأخرى في الشمال والجنوب ، ويحمل الاتفاق عوامل موته في دخله المتمثل أهمها في كونه يجمع بين النقيضين آيديولوجياً ، وإرث شلالات الدماء التي سالت من اقتتالهما ، بجانب مفهوم الهوية المناقض لمفهومه لدى الطرف الآخر ، ونهج إقصاء الآخر والخصومة الفاجرة التي تعتبر السمة المشتركة للطرفين ، وآليات دموية أو قمعية لحسم الخلاف مع الآخر بمن في ذلك من كان ضمن تنظيم الطرف الشمالي أو الطرف الجنوبي للاتفاقية ، الأمر الذي ينذر بصراع أشد دموية في مقبل الأيام – إن كان للسودان أن يظل متحداً - ، كما أن اقتصار الاتفاق على معالجة مشكلة الجنوب ، ووفق رؤية الحركة الشعبية وحدها ، أدى إلى إغفال قضايا المناطق الأخرى الأقل حظاً في التنمية وبالتالي إلى تصاعد المطالبات الإقليمية والجهوية والقبلية بحظ من السلطة والثروة . وفي ظل تراجع الحركة السياسية بفعل القمع والكبت ، فإن الحركات ذات الطابع الإثني والقبلي والجهوي التي تقدمت الحركة المطلبية في الأقاليم ، أصبحت تشكل مهدداً لوحدة البلاد باسم الحق في تقرير المصير ، الذي قننته اتفاقية نيروبي . فالاتفاقية التي تضع الجنوب على طريق الانفصال بعد الفترة الانتقالية تشجع النزعات الانفصالية في مناطق أخرى من السودان ، مثل الشرق ودارفور ، حيث تدور حرب ثانية ، بدفع من القوى الإمبريالية والصهيونية ، ذاتها التي تدعي الحرص على تحقيق السلام في السودان . إن حرب دارفور ، وما يعتمل بشرق السودان من مهددات أمنية ، تؤكد زيف السلام الأمريكي المفروض على السودان . وأن السلام العادل الشامل ، هو هدف ينتظر التحقيق ورهين بجهود السودانيين كافة ، بعيداً عن التدخلات الخارجية . ولأنه كان من الممكن الوصول لاتفاق أفضل لإنهاء حرب الجنوب ، خاصة في السنوات التي تلت عام 85 وحتى عام 89 ، فإن تعديل شروط اتفاقية نيروبي أمر لابد منه من أجل الوصول لسلام دائم وعادل وشامل باستبعاد أي زعم لسلام يتحقق برعاية أو ضمانة القوى الخارجية ويستعيد المشاركة الوطنية الشاملة في تحقيقه وحمايته .
إن حجم الدمار الذي ألحقته الحرب بالبلاد وبفرصها في التقدم مما انعكس بشكل سالب على حياة المواطنين ، جعل من التنمية والخدمات مضموناً متقدماً للسلام ، وتشكل تنمية الجنوب وكل القطر خلال الفترة الانتقالية ، تحدياً حقيقياً لأطراف اتفاق نيروبي .
إن تقسيم عائدات الثروة ، وفق رؤى الاتفاق ، والقائم على معايير جغرافية ، وأحياناً قبلية ، من شأنه أن يؤسس لظلامات جدية ، لأنه يتجاهل تحقيق العدالة الاجتماعية في إعادة توزيع الثروة ، في بلدٍ يعيش غالبية سكانه ( 95% ) تحت حد الفقر . إن التنمية المتوازنة جغرافياً واجتماعياً ، تتطلب دوراً فاعلاً للدولة في الاقتصاد ، كما تقتضي إدارة ديمقراطية وهذا ما يتجنبه الاتفاق ابتداءً . إن الرهان على دور المانحين في تحقيق مستهدفات الاتفاق في هذا المجال ، يعتبر أبرز ثغرات الاتفاق وأكبر مهدداته .
ولئن كان من الخطأ التعويل على قوى التصعيد والتصعيد المضاد ( الإنقاذ والحركة الشعبية ) في تحقيق السلام الشامل العادل والمستدام ، فإنه كذلك لا يمكن الرهان على الدور الأمريكي في الضغط باتجاه إحداث التحول الديمقراطي الحقيقي .. لذلك يصبح تحدي بناء جبهة شعبية معارضة تضطلع بمهمة استنهاض الحركة الجماهيرية من أجل استعادة الديمقراطية والاستقلال الوطني والمحافظة على الوحدة الوطنية وإحداث تحولات اقتصادية اجتماعية لمصلحة الغلبة الساحقة المغلوبة المسحوقة من أبناء وبنات شعبنا ، هو التحدي المعادل لتحدي الأزمة الوطنية الشاملة الجاثمة على بلادنا – وهذه الجبهة الشعبية هي الكفيلة بإرساء دعائم السلام الشامل والعادل الذي يتطلع إليه شعبنا - .
إن الوعي المتنامي بوحدة المخطط الإمبريالي الصهيوني والذي تعتبر الاتفاقية إحدى حلقاته ، يستوجب الاصطفاف في خندق المقاومة العراقية دعماً وإسناداً لها سياسياً ، وإعلامياً ، بشرياً ومادياً وبالكف عن مغازلة صنائع الاحتلال في العراق أو الاعتراف بهم الذي يعني إضفاء مشروعية للاحتلال ، كما يستوجب إسناد ودعم الانتفاضة والمقاومة الفلسطينية ومباركة حقها المشروع في القتال لتحرير فلسطين من البحر إلى النهر والتصدي لتداعيات الأنظمة العربية الساعية لتطبيع علاقاتها بدولة الكيان الصهيوني . كما يستوجب أيضاً التصدي الحاسم للضغوط التي تتعرض لها سوريا ولبنان ، واعتبار ذلك كله منظومة متكاملة للدفاع عن السودان وأمته العربية .
حول السياسة الخارجية السودانية على ضوء اتفاقات السلام
فيما يلي الرؤية التي قدمها الأستاذ عثمان إدريس أبو راس نائب أمين سر قيادة قطر السودان لحزب البعث العربي الاشتراكي حول السياسة الخارجية السودانية على ضوء اتفاقات السلام والمنشور بصحيفة ألوان بتاريخ 25 فبراير 2005 م
مدخــل :
المرجو من العلاقات الدبلوماسية هو تنظيم ورعاية وتطوير وتبادل وتقنين وحماية المصالح المشتركة . ووفق مبدأ الاحترام المتبادل والمساواة والندية (بمعنى التكافؤ) . والتواصل والحوار للوصول إلى حلول سلمية للمشاكل التي تنتج عن تلك العلاقات المتبادلة وفق مبدأ احترام حقوق وسيادة واستقلال كل طرف من أطراف العلاقة. وأن العلاقات الدبلوماسية ينبغي أن تساهم في تعزيز الأمن والسلم الدوليين ..
ومن الثابت أن تعزيز الأمن الوطني وجعله عصياً على الاختراق الأجنبي يرتبط عضوياً بالالتفاف الشعبي الواسع حول القرار السياسي ، ما اتسم هذا القرار بالوضوح وتحقيق المصالح العليا للشعب ، في إطار استقلال القرار السياسي الوطني والسيادة الوطنية . ومن نافلة القول أن السياسة الخارجية هي أحد أعمدة القرار السياسي المناط بها الإسهام الفعال في ذلك كله. أي التعبير عن استقلالية القرار السياسي على صعيد العلاقات الخارجية للدولة.
هكذا تقتضي ضرورة الإسهام في تعزيز الأمن الوطني التحديد الدقيق والموضوعي لمهددات الأمن الوطني ، والتي تتضافر في تكاملها عوامل وعناوين داخلية وخارجية تأتي في مقدمتها : الانتقاص من استقلالية القرار الوطني ، والانتهاك للسيادة الوطنية وقدسية التراب الوطني ، وتغريب الوطن وطمس هويته وانتزاعه من محيطه الذي يتنفس فيه ، وتجريده من أقوى عناوين تاريخه وحاضره ومستقبله وهو إنسان الوطن (المواطن) بإقصائه عن دائرة صناعة القرار وولادته وإعطائه مدلولاته كمشارك أصيل في تطبيقه.
ولما كان عالمنا اليوم قد أضحى وفق التعبير الرائج (قرية صغيرة) بفعل التقدم التقني العلمي ، وتشابك العلاقات والمصالح فيه ، فإن هذه الحقيقة تؤكد أن للأمن الوطني (السوداني) عمقه وبعده القومي وبعده الإقليمي والجغرافي (الأفريقي) ، وارتباطه القيمي والحضاري الإسلامي وفضائه الإنساني العالمي.
بالتالي فإن ما يمس الأمن الوطني السوداني ينعكس بدوره على كل الدوائر المشار إليها آنفاً والعكس صحيح ، باعتبارها جميعاً منظومة متكاملة متفاعلة سلباً وإيجاباً ، وأن الإقرار بذلك لا يلغي وعينا بأن الوطن ليس مفرد واحد منسجم متطابق وكذا الإقليمي والقومي والعالمي ، وذلك ما نستدل عليه بالصراعات داخل تلك الأبعاد وما بينها حد الاقتتال الدموي من حروب أهلية أو إقليمية .. الخ .
ولئن كان من الصحيح القول أن نهضة أي شعب من شعوب المعمورة تسهم في تطور البشرية بشكل عام ، فإن الصحيح كذلك أن قدراً كبيراً من عوامل النهوض والتقدم والرخاء التي ترفل في جنانها المادية عدداً من أقطار العالم قد تحققت عبر استعمار أو بتعبير أدق استنزاف موارد شعوب كثر لا سيما في أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية .
وكذلك يصح القول أن شعوب وأقطار (المستعمرات) والتي لم يعمل المستعمر أصلاً على تعميرها وإنما استعبادها ، تعيش ما تعيشه من تخلف وفقر وجهل ومرض وتناحر ليس بسبب عوامل داخلية فحسب ، وإنما وبسبب الاستعمار وسياساته التي سعى حثيثاً لتشكيل خرائطها وجغرافيتها السياسية ومستقبلها وفق ما يحقق له أقصى استنزاف لمواردها ، وليس استثناءً من سياسات المستعمر بوجهه القديم والحديث نظم الحكم (الوطنية مجازاً) وسياساتها على كافة الأصعدة . إذ نلاحظ هنا أن أنظمة بلدان العالم الثالث (ونحن منها) بينما ترد على مطالب أبنائها (المشروعة) بالسيف والنار فإنها ترضخ في حاتمية أو مذلة لمطلوبات الأجنبي (غير المشروعة) وعلى حساب حاضر ومستقبل شعبها ، بل وحد التنكر لتاريخها وإرثها وقيمها .
إن تاريخ الإنسانية الذي اتسم منذ الأزل بقانون الصراع بين الخير والشر ، الحق والباطل ، هابيل وقابيل ، المسيح ويهوذا ، المصطفى (صلعم) وكفار قريش واليهود والمنافقين ، يمضي حاضره وهو يشهد إمبراطورية الصهيوإمبريالية وهي تنفرد بالهيمنة على العالم ، لرسم لوحة متطورة للصراع والتناقض ، تعبر عن نفسها في تناقض الشمال (العالمي) الغني المتقدم والمتطور مادياً والمتعصب عنصرياً مع الجنوب (العالمي) الفقير المتخلف المستعبد المستنزف ، جنباً إلى جنب مع تناقض وصراع الشمال/ الشمال المتقدم والمهيمن عسكرياً (الولايات المتحدة وتابعتها بريطانيا) مع الشمال الغني المتقدم إقتصادياً (أوربا الغربية واليابان) . ثم هناك تناقض وصراع الجنوب / الجنوب المتخلف بمجمله ، وهذا الأخير ليس له ما يبرره ، بل وليس مأمول منه أي نصر لأي طرف فيه فالكل خاسر بينما للأول والثاني منتصر ومهزوم.
إن هذا التوصيف لطبيعة وخارطة الصراعات والتناقضات ترتب بدورها مسئولية أو تحدي صياغة خارطة المسارات والتحالفات والسياسات الخارجية ، بل ويسبق ذلك كله الوعي بالعوامل المساعدة على تقليص شقة التخلف بيننا في الجنوب المتخلف والشمال الاستعماري الإمبريالي المتقدم .. إن مقولة المركز المهيمن والأطراف المهمشة لا تجد مصداقيتها داخل أقطار الجنوب بقدر ما تتجلى في المقارنة بين الشمال الإمبريالي والجنوب المستعبد المستنزف سواء بالاحتراب الأهلي وتعميق التجزئة ، أو بالاتفاقات والقرارات والقوانين أو حتى ما هو خارج القوانين التي اختطتها وشرعتها إدارات الإمبريالية ومؤسساتها الأمنية والعسكرية والقضائية والاقتصادية ومتفرعاتها .
ولذلك فإن كانت مقولة المركز المتميز والأطراف المهمشة (داخل أقطار الجنوب) هي محض تدجيل مراد به صرف الأنظار عن حقيقة التناقض الذي يمكن تشخيصه في هذه الحالة بتناقض وكلاء أو عملاء الاستعمار (الأنظمة) وسدنتها النفعيين مع عامة الشعب أو الأغلبية الساحقة من الجماهير والتي كما يحصي بعض الاقتصاديين أن أكثر من 95% منهم يعيشون تحت خط الفقر – بمعنى تناقض الوطن والشعب مع الاستعمار وعملائه - . ولهذا لم يولد عبثاً شعار ومقترح تكوين الجبهة المناهضة للإمبريالية ومخططاتها وعدواناتها ، ودعوة شعوب الجنوب الفقيرة بأحزابها وتنظيماتها وشخصياتها الوطنية للانخراط الفاعل فيها ، حين تتولد من معاناتهم المشتركة برنامج الحد الأدنى النضالي المشترك الكفيل بشق طريق شعوب المستعمرات السابقة نحو مستقبل العلم والنماء والعدالة والأمان الاقتصادي الاجتماعي والاستقرار السياسي .
ولأن ما سمي باتفاقيات السلام بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية جاءت – كما استقر في وعي شعبنا – بسبب ضغوط الولايات المتحدة ، والتي لم تكن من مستهدفات إدارتها الحاكمة إيقاف الحرب تفاعلاً مع مآسيها بقدر ما كانت إملاءاتها وضغوطها لاعتبارات الهيمنة الاستراتيجية (العسكرية/الاقتصادية) ، فإن لا أحد يجرؤ على الحديث عن سودانية الاتفاق أو سودانية القرار بالاتفاقات .. أي أن القرار السياسي حول طبيعة وآلية إدارة الصراع السوداني/السوداني في أدواته المباشرة ، لم يعد سودانياً .
ولأن طبيعة الاتفاقات تنحو باتجاه انفصال الجنوب عن الشمال وفق التسليم بإعطاء الجنوب وحده حق تقرير المصير متحداً مع الشمال أو منفصلاً عنه بدلالة :
أ. دستور للجنوب وآخر للشمال .
ب.جيشان أحدهما للإنقاذ في الشمال والآخر للحركة في الجنوب.
ج. بنك مركزي للجنوب وآخر للشمال.
د. ممثل للشمال في المحافل الدولية وآخر للجنوب:
- دعوة قرنق وطه لاجتماعات مجلس الأمن حول دارفور .
- دعوة قرنق اعتبار الجنوب مراقب في الجامعة العربية .
هـ. لغة رسمية للجنوب وأخرى للشمال .
و. نظام مصرفي ( تقليدي أو ربوي) للجنوب وآخر إسلامي (مجازاً) للشمال.
ز. رئيس للشمال والجنوب من الشمال ونائب أول للرئيس من الجنوب له حق النقض لقرارات الرئيس ، وغير ذلك من التناقضات التي لا يسمح المجال بحصرها . فإن التساؤلات التي تطرح نفسها بمشروعية هي :
أية سياسة خارجية ستكون للسودان وفق هذا الحال ، سيما وأن التمثيل الخارجي نفسه مزدوج ؟
من الذي يقرر أخطر أنواع القرارات وهو الحرب - لا قدر الله – مع هذا الجار أو ذاك ، مع هذه الدولة أو تلك ، بل ومن الذي يستطيع منعها فيما إذا قرر الرئيس الشمالي اشتعالها أو شريكه الجنوبي ، وما هو موقف الطرف الرافض للحرب ؟ أيكون محايداً أم حليفاً للعدو المحارب؟ .
كيف هو حال السياسة الخارجية لنظام حاكم وشريكه الجنوبي عضو أساس في التجمع المعارض ( هذا إن ظل التجمع معارضاً أو حسب على المعارضة) ؟ .
أية سياسة خارجية متحدة خلفها الإرادة السودانية ، وللحلفاء الجدد حلفاء خارجيون ، منهم من لا يزال السودان (الرسمي) يرفض منح تأشيرة له ، كما هو مثبت في جوازات السفر السودانية ( دولة الكيان الصهيوني).
أية سياسة خارجية واحدة على الأقل إزاء دول الجوار ، ولكل شريك في الحكم حلفاؤه في معاركه الحربية مع الطرف الآخر الشريك الآن ؟
أية سياسة خارجية يلتف حولها شعب السودان ، والفتنة التي أفرزتها الاتفاقات تنذر بتقسيم السودان على دويلات ليس الجنوب والشمال فحسب ، بل وأجزاء أخرى مرشحة للحاق بما سيصير إليه نموذج وتجربة الجنوب؟
أية سياسة خارجية على الصعيد الاقتصادي نتطلع إليها ، مستقلة عن مؤسسات الإمبريالية الاقتصادية ، وما قادت إليه اقتصاديات الدول التي اتبعتها من خراب ودمار وإفلاس . وقد أمن الشريكان على موجهاتها !.
أية سياسة خارجية وحتى لغة الأغلبية (العربية) لم تعد هي لغة السودان الرسمية ، بل وحتى نصوص الاتفاقية لم تكتب بها ، بل اعتبرت الإنجليزية هي المرجع في كل اختلاف في تفسير النص العربي منها ؟.
بأي لسان نخاطب العالم . بل وما هو خطابنا للعالم ( أمريكا روسيا قد دنا عذابها) ، أم أمريكا الصديقة ، أم خطاب السودان الجديد ؟.
أي خطاب ثقافي يحمله ملحقينا الثقافيين إلي العالم وبأية لغة ؟ وما هي عقيدتنا ورسالتنا (التوحيد / أم السودان الجديد) ؟ هل سنحقق تبادل ثقافي مع ثقافات العالم الآخر أم سنتبدل ثقافياً ؟
ما هو موقفنا وموقعنا من التزاماتنا الدولية السابقة على الأقل وفق ميثاق الدفاع العربي المشترك وجامعة الدول العربية والموقف من دولة الكيان الصهيوني والموقف من الاحتلال الأمريكي للعراق والتهديدات الأمريكية لسوريا والدعم الأمريكي لدولة الكيان الصهيوني ؟.
أين سنكون من التزاماتنا في منظمة المؤتمر الإسلامي وكيف سنتعامل مع قانون معاداة السامية . هل سنثبت على رفض مبدأ محاكمة المتهمين بارتكاب جرائم حرب أو إبادة جماعية خارج السودان في محكمة الجنايات الدولية ، أم سنقدم اعتذارنا للعالم وما يتطلبه من كبش فداء للرضا علينا ؟.
وهل ستتوقف الابتزازات والمطالب الأمريكية بسبب استجابتنا لبعضها أم (ستقول لنا هل من مزيد) !!.
هل أغلقت نهائياً أو ستغلق ملفات المطلوبين وعلاقاتهم السابقة بمسئول تنظيم القاعدة ؟.
هل بمقدورنا أن نخالف التوصيف الأمريكي المبهم والواضح للإرهاب ، بل هل بمقدور دبلوماسيينا أن يعترضوا على مطلوبات الإدارة الأمريكية وفق منطقها " من ليس معنا فهو ضدنا " – أي هو إرهابي - ؟؟
هل بمقدور الدبلوماسية السودانية أن تدافع عن المصالح الحقيقية لشعب السودان ؟! ومن هو شعب السودان ؟ ومن الذي يتحدث باسمه ؟ البشير أم قرنق ؟
هل للبعد العقيدي (من عقيدة) والقيمي (من قيم) أي مكانة في علاقاتنا الدبلوماسية ؟ وهل ذلك يفرض علينا قدراً من الالتزام تفرضه الهوية العقائدية للأكثرية من أبناء شعبنا !؟
كيف ستنظر الدبلوماسية السودانية للنظام العالمي ذو القطب الواحد والمهيمن الإمبريالي ؟ هل ستكون جزءاً من جبهة للعمل على ميلاد نظام عالمي متعدد الأقطاب قائم على العدل والمساواة والتعاون ؟.
هل ستعمل سفاراتنا وسفرائنا على أن يكون من حقنا امتلاك ناصية العلم والتكنولوجيا ، أم سنكتفي بفتح مكاتب أو وكالات تكنولوجيا لما يسمح به النظام العالمي ( في ظل العولمة الرأسمالية المتوحشة) ؟
أيكون بمقدورنا الإقناع عالمياً بحقنا في امتلاك وسائل الدفاع عن أنفسنا أم سنكتفي بطلب المرتزقة ( بأية راية) ليس لحمايتنا أو الدفاع عنا أمام مخاطر خارجية مزعومة ، بل لمنعنا عن أنفسنا ومراقبة عدم انتهاك وقف إطلاق النار بيننا ؟! هل يكون الأجنبي أحرص على حياتنا وأرواحنا وحقوق الإنسان في بلادنا من أنفسنا ؟!
هل من حقنا بل وهل نستطيع أن نقيم نظام الحكم الذي يتناسب مع قيمنا التاريخية وإرثنا الحضاري وعقائدنا وتجربتنا وواقعنا بكل مكوناته أم أنه لا إنفكاك لنا ولا تبرئة لذمتنا ما لم نُشيد نظامنا السياسي وفق التصميم الهندسي الأمريكي أولسنا نحن من قرأ سلفاً : ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم ؟!.
كيف نحقق التفافاً داخلياً ثابتاً حول سياستنا الخارجية ؟ وأية سياسة خارجية لبلادنا ستكون مؤهلة لتحقيق هذا الالتفاف . وهل السياسة الخارجية الواحدة والمعبرة عن المصالح العليا لأبناء وبنات شعبنا إلا نتيجة نظام داخلي قادر على تحقيق الإجماع حوله وحول سياساته ( السياسية ، الاقتصادية ، الاجتماعية ، الأمنية ، التعبوية ، التربوية ..الخ) . هل نظام الشراكة الثنائية يحمل تلك المواصفات ؟.
موازنة 2005 : توظيف للموارد أم هدر لها ؟
إزالة الفوارق الطبقية أم تعميقها ؟
1- مقدمــة :
لم تخرج موازنة عام 2005 عن النهج الاقتصادي السائد عبر وصفات صندوق النقد الدولي ، التي عفا عليها الزمن ، وذلك بالتأكيد على قيادة القطاع الخاص للنشاط الاقتصادي تحت حماية وتشجيع الدولة ، بالرغم من أن القطاع الخاص في الدول المتخلفة بوجه عام ، يعاني من الضعف والعجز والقصور في تبني المشروعات ذات النشاط الإنتاجي التنموي ويتجه نحو المضاربات والمظهرية التي تبدد الموارد ، وتعيد توزيع الدخل لصالح الفئات الطفيلية . ذلك ما أكده وزير المالية في خطابه الموجه إلى المجلس الوطني لإجازة موازنة 2005 ، حين قال [ نحن ندرك أن النمو الاقتصادي لا يتطابق بالضرورة مع التنمية الشاملة وعدالة توزيعها وهي إشكالية قديمة ، ذلك أن الوفرة وزيادة الدخل القومي قد يستأثر بها البعض القليل دون الكثيرين ، وقد تتزامن مع فوارق في التنمية والدخول وتتعايش مع الفقر والعوز ، كما هو الحال في أكثر بلدان العالم تقدماً].
هذا الكلام هو نتيجة ملازمة لنهج النمط الرأسمالي ولغياب الدولة وتقاعسها عن أداء دورها في قيادة النشاط الاقتصادي ، باستخدام الموارد المتاحة وتوظيفها بما يرفع العبء عن الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمستغلة في المجتمع . ولا نستغرب إن خلصت نتائج الدراسات التي أجريت حول الفقر في السودان لتثبيت نسبته في (95%) ، ولا غرابة أن يوصلنا هذا النهج إلى أكثر من (40) مريض بالسل في شرق السودان .
إن أي نهج اقتصادي لا تحكمه مبادئ تنحاز إلى الشرائح الاجتماعية الفقيرة والمعدمة ، وتقوم بموازنة النتائج الناجمة عنه ، يؤدي إلى تعميق زيادة الفوارق الاجتماعية والاقتصادية بين مكونات المجتمع وتولد المظالم والغبن .
وقبل الدخول في تحليل أرقام موازنة 2005 ، دعونا نؤكد على ما قلناه سابقاً بأن هذه الموازنة جاءت تقليدية وتصب لمصلحة الفئات الرأسمالية الطفيلية وحزبها الحاكم وشركاؤه الجدد.
2- الإيرادات العامة والإنفاق العام :
أي مقارنة يتم عقدها بين الإيرادات العامة والنفقات العامة للأعوام ما قبل وما بعد عام 1998 باعتبارها السنة التي شهدت إنتاج مورد إضافي ( البترول) يؤثر بشكل مباشر على الإيرادات والنفقات . تقودنا هذه المقارنة إلى أن هنالك تطوراً حادثاً على هذا المستوى ، فقد كانت الإيرادات العامة في عام 1998 (160) مليار دينار ، أصبحت عام 2004 حوالي (946.5) مليار دينار ، وقفزت تقديرات عام 2005 إلى (1275) مليار دينار ، أي ما يعادل (8) مرات عن عام 1998 .
وحتى لا نخدع في هذه الزيادة الواردة في المقارنة أعلاه ، ونتوهم فيها الخير الوفير ، دعونا نحلل هذه المقارنة من اتجاه آخر ، هو : على ماذا كانت تعتمد الموازنة العامة في إيراداتها للأعوام قبل دخول البترول كمورد إضافي ؟ وهل الموارد التي كانت تعتمد عليها موازنة تلك الأعوام قد تضاءلت وأفسحت المجال لدخول المورد الجديد ؟ فميزانية عام 1998 وما سبقها كانت تعتمد بشكل كبير على الضرائب بشقيها المباشرة وغير المباشرة ، بحوالي (73%) أي ما يعادل (85) مليار دينار ، تناقصت النسبة إلى حوالي (44%) ولكن زاد مبلغ مساهمة الضرائب إلى (346) مليار دينار في ميزانية 2004 ، حيث تضاعفت الضرائب بشقيها إلى (4) مرات.
ونجد أن تقديرات عام 2005 للضرائب غير المباشرة فقط ارتفعت إلى ( 372.4) مليار دينار ، بالإضافة إلى (95) مليار دينار ضرائب مباشرة . هذا يثبت أن الضرائب ما زالت تحتل نسبة مقدرة في الإيرادات العامة حتى بعد دخول البترول . وتقودنا هذه المقارنة إلى أن الشرائح الفقيرة ما زالت تتحمل العبء الأساس .
هذا الرصد ينفي كل الوعود والكلام الذي أطلق عن انعكاس ميزانية 2005 (ميزانية السلام) على خدمة الشرائح الفقيرة ، بإعادة توزيع الدخل القومي ، ومنع التفاوت بين الشرائح الاجتماعية المختلفة ويعمل على هزيمة أي اتجاه لكبح الفقر ومحاربته ، هذا إذا كان هناك خطط جادة أصلاً في هذا الاتجاه .
أما الإنفاق العام فقد ارتفعت أرقامه من (1104) مليار دينار عام 2004 إلى (1457) مليار دينار عام 2005 ، هذه الأرقام الفلكية كيف يتم التصرف فيها ؟ ولمصلحة من تنفق ؟ سنحاول تتبع ذلك بتحليل فصول الإنفاق العام لموازنة 2005 ، والتي يمكن إجمالها في الملاحظات التالية:
إن الصرف يتوجه بشكل كبير إلى بند الدفاع والأمن والشرطة(*) ، ويلاحظ أن نسبته في ارتفاع ، حيث كانت نسبة الإنفاق على هذا البند (66%) من جملة الإيرادات الكلية عام 1993 ، ارتفعت إلى (68%) عام 2001 . ثم زادت عن (71%) في عام 2002 و (77%) عام 2003 . وبلغت تقديرات الأجور في الفصل الأول لهذا البند لعام 2005 (175.3) مليار دينار بزيادة (44.3%) مليار دينار عن عام 2004 ، أي بنسبة (25%) . في حين تستحوذ تقديرات الصرف في الفصل الثاني (التسيير ) بالنسبة لهذا القطاع على (59.5) مليار دينار ، بنسبة (69%) من إجمالي تقديرات الفصل الثاني . هذا عدا عن مبلغ (73) مليار دينار مخصصة للطوارئ التي تذهب في الغالب إلى قطاع الدفاع والأمن والشرطة .
إذا كانت الزيادة في الأعوام السابقة لها مبرراتها التي تقال حول الصرف على مواجهة الحرب ، فما الذي يقال الآن والميزانية موسومة باسم السلام ، وإيقاف نزيف الدم ، مع وجود هذه النسبة المرتفعة من الصرف على الحرب في ميزانية 2005 .
إن هذا التخصيص الكبير ينسف دعاوى السلام ويثبت جزئية الحل الناجم من الاتفاقية لأنه ما زالت هنالك حروب أخرى تدور رحاها في دارفور ووميض نار تحت الرماد في الشرق والشمال.وهذا ما يثبت أن موازنة 2005 التي جرى تصميمها وفق اتفاقات قسمة السلطة وعائدات الثروة تعتبر عاجزة في مخاطبة قضايا ومطلوبات الأزمة الوطنية .
تجاهلت الميزانية الأولويات الاجتماعية مثل الصحة والتعليم ، حيث انخفض الصرف على قطاع التعليم من (26) مليار دينار إلى (15.3) مليار دينار في الفصل الأول بنسبة نقصان (42%) ولم يتجاوز المرصود في الفصل الأول للقطاع الإداري والاجتماعي(*) والصحة (13.5) مليار دينار . وتم تخصيص مبلغ (21.8) مليار دينار للفصل الثاني لهذا القطاع . وبلغت جملة ما خصص للقطاع بجوانبه الثلاثة في الفصلين (50.6) مليار دينار ، فإذا قارنتها مع قطاع الدفاع والأمن والشرطة لأصبحت المقارنة مخجلة .
اهتمت الميزانية وركزت على الحفاظ على سعر الصرف دون المسائل الأخرى مثل مكافحة البطالة ، مكافحة الفقر ، الإصلاح الاقتصادي . فقد تم تخصيص (4) مليارات لمجابهة أزمة البطالة المتفشية وسط الخريجين . وقد رصد هذا المبلغ لاستيعاب (13) ألف خريج من جملة خريجين بلغت (395) ألف خريج . فإن الضجة المثارة حول أزمة البطالة المتفشية وسط خريجي الجامعات ، عكس مدى العشوائية التي اتسمت بها السياسات والخطط التي يتم التعامل بها مع الكادر البشري وكشفت زيف ومظهرية ما يدعى بثورة التعليم العالي التي سجلت فشلاً آخراً يضاف إلى المشروع الحضاري . فلو تم تأجيل استيراد الأثاث المترف والعربات الفاخرة لمنازل ومكاتب قادة النظام المدنيين والعسكريين لمدة شهرين فقط ، وتجنيب مبالغها وإضافتها لـ (4) مليار دينار المخصصة لمجابهة أزمة البطالة وسط الخريجين لكان لها شأن آخر في إنقاص الخريجين المنضمين إلى جيش البطالة أو الذين يفكرون في الدخول إلى متاهات الهجرة التي أفرزها النهج الاقتصادي السائد .
إدعت ميزانية 2005 أنها ستزيد المرتبات والأجور ، ولكن الحقيقة تقول إن مجمل الزيادة في الفصل الأول – الأجور والمرتبات والمزايا التأمينية والمعاشية بنسبة (5.2%) من بينها زيادة في الأجور بنسبة ( 0.3%) . بينما تنص ذات الميزانية أن نسبة التضخم تقدر بـ (8%) . وهذا يعني أن الأجور والمرتبات الحقيقية سوف تنخفض بشكل عملي إلى أقل من مستواها الحالي وبنسبة أكثر من (7%) . صحيح أن نسبة الاستقطاع للمزايا التأمينية والمعاشية زادت ، لكن ماذا يفعل الموظف والعامل البسيط في مجابهة قضايا يومه المعاشي ، أينتظر حتى يتقاعد لقبض مدخرات تفقد قدرتها الشرائية بفعل عوامل التضخم !.
الملاحظة الجديرة بالوقوف عندها والتأكيد عليها أن الصرف المتزايد على قطاع الشرطة والأمن والدفاع في الفصل الأول والثاني والبنود الممركزة التي ذهبت منها في عام 2004 مبلغ (52) مليار دينار لمجابهة الأمن والدفاع والاغاثات في دارفور أو مناطق أخرى مرشحة للانفجار . ولو تم توجيه هذه التقديرات المرصودة لهذا القطاع وتحويلها إلى قطاعات الإنتاج الحقيقي في الزراعة والصناعة أو توجيهها إلى القطاعات الاجتماعية في الصحة والتعليم ، لكانت كفيلة بزيادة الإيرادات من جهة وسد ثغرات عدم التوازن في التنمية التي تقود للشعور بالغبن والتهميش الذي يفتح بدوره الباب من قبل المتاجرين بها لتهديد وحدة القطر والتدخل الأجنبي في السودان .
3- الولايات : إزالة التهميش أم مزيد من الحروب ؟
لمجابهة تحديات مرحلة (السلام) طرح وزير المالية ميزانية مختلفة الهيكلة ، كما ادعى ، وهو يعني بذلك أن المبالغ المرصودة للولايات ارتفعت ، وهذا صحيح من حيث الرقم الذي تم تقديره في موازنة 2005 ، والذي بلغ (499) مليار دينار ، مقارنة مع (99) مليار دينار لعام 2004 . وحتى لا نقع في فخاخ الأرقام ، دعونا نقوم بعملية حسابية بسيطة لهذا الرقم الذي تم تقديره ، هذا البند يشمل تحويلات حكومة الجنوب بعد توقيع اتفاقية نيفاشا ، وقد رصد لها مبلغ (274) مليار دينار ، مقارنة مع (21) مليار دينار في ميزانية 2004 . وبلغت جملة المبالغ المرصودة للولايات الأخرى (90) مليار دينار مقارنة مع (62) مليار دينار في العام السابق . هنالك مبلغ (11) مليار دينار تم تخصيصه والنيل الأزرق على حسب اتفاق نيفاشا أيضاً.
هنالك جانب آخر متعلق بالصرف على التنمية بالولايات الذي كانت تصرف عليه الحكومة بشكل مركزي فقد تم تضمينه المبلغ المرصود ، بالإضافة إلى تحويلات مرتبات الشرطة والقضائية والتعليم العالي التي تم تحويلها إلى الولايات لتصرف من ضمن هذا المبلغ .
كل هذا يوضح تقلص تقديرات ميزانية الولايات من (499) مليار دينار إلى (90) مليار دينار فقط كحسابات جارية . والسؤال الذي يستدعي نفسه بقوة : هل هذا يقود إلى حل مشكلة التهميش التي يتم استخدامها كقميص عثمان لفتح البلاد أمام التدخل الأجنبي أم نحن موعودون بارتفاع البندقية مرة أخرى في مكان ما ؟! .
4- كيف جاء نصيب التنمية ؟ :
إن جملة ما تم اعتماده للتنمية القومية لعام 2005 يبلغ (164) مليار دينار ، من جملة إنفاق عام يبلغ (1451) مليار دينار ، أي ما يزيد قليلاً عن (11%) . إن تفاصيل هذه المبالغ توضح إن ما رصد لقطاع الزراعة والري والثروة الحيوانية يبلغ (74.2) مليار دينار ، ومن ضمن هذا المبلغ تم رصد (59) مليار دينار لسد مروي وحده ، وهو ما يعادل نسبة (78%) من إجمالي المرصود لتنمية القطاع الزراعي والري والثروة الحيوانية .
من جانب آخر تم تخصيص مبلغ (5) مليار دينار من جملة إنفاق عام يبلغ (1451) مليار دينار لجملة مشروعات الثروة الحيوانية التي تساهم بـ (21%) في الناتج المحلي الإجمالي بالسودان . وبالرجوع لجدول الصادرات نجد أن صادرات الثروة الحيوانية ارتفعت من (119) مليون دولار في عام 2003 إلى (195) مليون دولار في عام 2004. كما زادت مساهمة الجلود من (18) مليون دولار عام 2003 إلى (25) مليون دولار عام 2004م.
إن مبلغ الـ (5) مليارات دينار والتي خصصت لجملة مشروعات الثروة الحيوانية يعادل أقل من (10%) من عائدات هذا القطاع من العملة الأجنبية لعام 2004 والتي بلغت ما يعادل (55) مليار دينار . ولو تم استقطاع (10%) أخرى من عائدات هذا القطاع من العملة الأجنبية لإعادة تأهيل بنياته الأساسية لأمكن تحقيق عائدات إضافية بنسبة (25%) من المتحقق لعام 2004.
إن هذه المقارنة توضح اختلال أسبقيات الصرف على التنمية ، والذي نحاول تأكيده من خلال الأمثلة التالية . فقد تم رصد مبلغ (5.4) مليار دينار في ميزانية 2005 لجملة مشروعات القطاع المروي بالزراعة والغابات و(330) مليون دينار فقط لمشروعات القطاع المطري التقليدي التي تستوعب (65%) من أهل السودان . ومن جملة المبالغ المرصودة للغابات والزراعة ، تم تخصيص مبلغ (4) مليار دينار لبرنامج توطين القمح ، أي (76%) من جملة ما رصد للزراعة المروية . والمفارقة أن ما رصد للزراعة التقليدية لا يتجاوز ثلث المليار . وبنظرة سريعة لجداول الصادر لعام 2004 . نجد أن عائدات السمسم ارتفعت من (7.4) مليون دولار لعام 2003 إلى (178) مليون دولار عام 2004 ، وعائدات الكركدي ارتفعت من (16) مليون دولار إلى (33) مليون دولار ، أما الصمغ العربي فقد زادت عائداته من (35) مليون دولار عام 2003 إلى (61) مليون دولار عام 2004.
وهذا يعني أن إجمالي مساهمة القطاع المطري التقليدي في إيرادات عام 2004 ، من غير المحاصيل الغذائية الأخرى بلغت (68) مليار دينار ، ومع ذلك جاء نصيبه في تقديرات عام 2005 أقل من ثلث مليار دينار ، أي بنسبة ( 0.4%). ولو قارنا هذا المبلغ المرصود للقطاع المطري مع بنود أخرى في ميزانية 2005 نجد أنه تم رصد مبلغ (656) مليون دينار لكهرباء الفلل الرئاسية التي تشمل الزينة والنجف والنافورات المضيئة ، أي تقريباً ضعف ما خصص للقطاع المطري الذي يساهم بنسبة مقدرة في الناتج المحلي الإجمالي . كما تم رصد مبلغ (500) مليون دينار للمدينة الرياضية .
وإذا كانت معادلة قسمة عائدات الثروة تخص أن يكون للمنهج نصيب من إنتاجه ، فلماذا لا ينطبق هذا على القطاع المطري ؟!
وفي تقديرنا أنه إذا تم التوجيه بالتنمية نحو هذا القطاع بالتركيز عليه وتوفير مطلوبات تطويره ، فإنه سوف يحقق قفزات هائلة ربما تفوق مساهمة قطاع البترول . وبعملية حسابية بسيطة ، فإنه لو تم تجنيب مبلغ (15%) سنوياً من عائدات هذا القطاع وخصصت لإعادة تأهيله وتجديد بنياته الأساسية لتضاعفت عائداته عدة مرات خلال ثلاث سنوات .
5- خاتمــة :
إن ميزانية 2005 لم تخرج عن نمط سابقاتها ، وهي على حسب تقديرنا لا تأتي بجديد إلا على مستوى زيادة إفقار شعبنا وزيادة ثراء الرأسمالية الطفيلية ، ومزيداً من الاختلاسات والفساد والتعدي على المال العام . وبالرجوع إلى تقرير المراجع العام للسنوات السابقة نجد أن المبالغ التي تم الاعتداء عليها في الفترة من 1/9/2003 إلى 31/8/2004 بلغت في الأجهزة الاتحادية والولائية خلاف المصارف (396) مليون دينار مقارنة مع نفس الفترة من العام السابق التي بلغت 168.3 مليون دينار بزيادة قدرها (278) مليون دينار .
لهذا السبب وللأسباب الأخرى التي أجملناها سابقاً فنحن موعودين بسيادة نهج التخلف وإفرازاته من انتشار الفقر والبطالة والتوتر الاجتماعي والسياسي .
إن نهج السياسات الاقتصادية والاجتماعية للنظم المتعاقبة منذ الاستقلال ، أدى إلى الظلامات الواقعة على معظم محافظات القطر والتي تفاقمت في عهد الإنقاذ حد إدخال البلاد نفق الأزمة الوطنية الشاملة ، وإحداث تفجيرات دموية ونزر حرب تطل برأسها من جديد ، وهذا يؤكد ما ظل حزبنا حزب البعث العربي الاشتراكي يردده : بأن تكلفة سنوات الانتقال الست القادمة هي أكبر من تكلفة الحرب نفسها ، وأن عبئها سوف تتحمله جماهير شعبنا .
وبالرغم من أن ميزانية هذا العام جاءت تحت اسم السلام ، ولكنه سلام جزئي لا يؤدي إلا إلى تفتيت الوطن .
ورقة منبر نساء الأحزاب حول موضوع المرأة والدستور
قدمتها الأستاذة / إحسان عباس عضو اللجنة السياسية لحزب البعث العربي الاشتراكي في ندوة بمناسبة أعياد المرأة ( 8 / مارس ) التي أقيمت في دار اتحاد طلاب جامعة الخرطوم .
برنامج الأمم المتحدة الإنمائي
مشروع تفعيل دور المرأة في العمل السياسي
بالتعاون مع اتحاد طلاب جامعة الخرطوم
في إطار الاحتفال بيوم المرأة العالمي
التهنئة لكل نساء العالم بمناسبة الثامن من مارس يوم المرأة العالمي والتهنئة خاصة لنساء السودان الصابرات على ويلات الحرب والفقر والنزوح في دارفور العزيزة .
والتهنئة من قبل ومن بعد لنساء المقاومة الماجدات البهيات للاحتلال الأمريكي الصهيوني في العراق الصامد ، والتهنئة للواقفات على مذبح في فلسطين الحبيبة ، سائلين المولى عزّ وجل أن يرفع الغمة عن جميع نساء العالم .
الحضور الكريم
لابد لنا نحن نساء السودان أن نتهيأ للتصدي لدور ريادي في العملية السياسية ، بما يمكننا من المشاركة الفاعلة في كافة مراحل السلام :صنع السلام ، بناء السلام ، حماية السلام وتلك من صميم أهداف مشروع تفعيل دور المرأة في العمل السياسي . ومن المهم أن نوضح هنا أن المستهدف بهذا البرنامج هي المرأة على إطلاقها وأياً كان موقعها ، في المنزل أو في الحقل أو في المصنع ، في المكتب ، في مدرجات التعليم .
فالمرأة غابت طويلاً من مؤسسات اتخاذ القرار السياسي ، ففي أحسن الأحوال سجلت مشاركة لا تؤائم حجمها النوعي وإسهامها الفعلي في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وظلت تعاني التهميش والإهمال في ظل السطوة الذكورية وغياب الوعي المجتمعي ، بالرغم من أن المعروف عن المرأة السودانية أنها بدأت نضالها بقضايا سياسية وقانونية ثم تحولت بعدها إلى اقتصادية وثقافية واجتماعية ، ثم إلى وجود وحركة .
ومن هنا نقول وبصوتٍ عالٍ إن كنا نريد سلاماً حقيقياً فذلك لا يكون إلا بالديمقراطية وإطلاق الحريات . فالسلام كمفهوم لا ينفصل عن الديمقراطية والتنمية المستدامة ، وإذا كنا عقدنا العزم على بناء نظام ديمقراطي ، فليكن نظاماً ديمقراطياً تعددياً بقصد الإصحاح والإصلاح . والإصلاحات المؤمل إنجازها كثيرة ومتعددة وتشمل مجالات مختلفة ( صحة ، تعليم ، ..الخ ) نتناول منها حسب العنوان المحدد اليوم وهو ( المرأة والدستور ) بما نعتقد أنه يحقق البداية المطمئنة ونقول قول الأستاذ ( قيس سعيد ) : (حين طرقت المرأة باب الدستور فتحت الأبواب بعد لأيٍ ، وكسرت بعض الأقفال ، وحين قرعت الدساتير أبواب البيوت لم يؤذن لها دائماً بالدخول . فللبيوت حرمات تخشاها نصوص القوانين وفي داخلها محرمات تهاب شرائع الأرض عن التقائها شرائع السماء ) - ونحن نتمنى أن تفتح جميع الأبواب من غير أن نكسر الأقفال - .
الدستور : هو الوثيقة الأساسية أو القانون الأساس الذي يصرف قواعد الحكم في الدولة ويعكس طبيعتها الاجتماعية ، والقوى الاجتماعية التي تنحاز إليها الدولة بكل مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية .
وهو القانون الأعلى أو الأساس الذي ينظم السلطات العامة في الدولة ويبين العلاقات الأساسية بين الدولة والأفراد .
وبهذا التعريف يعتبر الدستور أعلى تشريع في الدولة وتسود أحكامه على أحكام التشريعات والقوانين الأخرى .
ومن هنا نؤكد على أهمية العلاقة بين المرأة والدستور ، وكيف يمكن التأكد من حقوق المرأة فيه ، وكيف يمكن استخدامه في إطار الحماية الدستورية ؟ .
فالسودان في مصاف الدول العربية والإفريقية التي حققت تقدماً في المجالين الدستوري والتشريعي فيما يتعلق ( بالنص ) على حقوق المرأة وإثبات الدولة تجاهها ، كما رفعت بعض القوانين الغبن عن المرأة ولكنها ظلت حبراً على ورق ، أو قللت من فعاليتها نصوص لائحة أو تجاهلتها تماماً ثقافة عمل منحازة .
فمنذ دستور 1956 المؤقت وحتى الدستور الحالي 1998 ، تضمنت الدساتير المتعاقبة نصوصاً كفلت للمرأة حقوقاً ولم يصدر أي تشريع يحرم النساء من حقوقهن أو تمتعهن بحرياتهن التي يكفلها الدستور ، ولكن هل النساء اليوم متمتعات بتلك الحقوق ؟!!
إن غياب أو تغييب فعالية النساء في المؤسسات الدستورية والقانونية وحتى الإدارية يغيب إلى حدٍ ( مخل ) وجهة نظر أكثر من نصف المجتمع .
قضية الدستور ليست قضية المرأة فحسب ، بل هي قضية الوصول إلى مجتمعٍ حر يتحقق فيه العدل الاجتماعي والمساواة في الحقوق والواجبات بدون تمييز قائم على الجنس أو اللون أو الدين .
ينبغي أن تؤدي الترتيبات الدستورية إلى تحول ديمقراطي حقيقي يكفل التعددية ويكفل الحقوق والحريات الأساسية وسيادة حكم القانون .
ولابد أن يعكس الدستور الانتقالي أو الدستور القادم أو الدساتير القادمة ، الفهم المترابط لحقوق الإنسان المدنية والسياسية مع التأكيد على الحق في التنمية وإدماج منظور النوع والنهج المؤسس على الحقوق .
كما يجب مراعاة التنوع الديني والثقافي في كافة سياسات الدولة بما يؤدي إلى تعزيز الوحدة الوطنية وترسيخ مبادئ التعايش والتسامح والتعاضد .
ونؤكد على أهمية تعزيز الروح الدستورية باعتبارها لا تقل أهمية عن الدستور نفسه ، لأنه من خلالها تتأكد حقوق ( المواطنة ) وقيم المشاركة .
وهنا يطرح سؤال على قدرٍ كبيرٍ من الأهمية وهو :
لماذا لم ننجح في السودان في وضع دستور دائم للبلاد ؟؟
بالعودة لتعريف الدستور الذي هو انعكاس للطبيعة الاجتماعية وللتركيبة الطبقية للسلطة الحاكمة ولأن السلطة الحاكمة في السودان تاريخياً لا تمثل كل الشرائح والطبقات ، لذا جاءت دساتيرها غير معبرة عن مصالح ومطامح الكل .
إذا أردنا دولة مؤسسات لابد من دستور يمثل الكل ، يشعر فيه الجميع أنه يعبر عنهم بما يجعلهم حريصين عليه . وهذا لن يتأتى إلا بأن يتداعى الجميع إلى مؤتمر دستوري تتاح فيه فرص التعبير بشفافية وصراحة ، يستهدف التقويم النقدي للأوضاع الدستورية المترتبة على اتفاقية السلام وإعادة صياغتها بالشكل الذي يضمن التطبيق الصحيح ، لأن أقصى ما يمكن أن تقدمه أو تطبقه الاتفاقات بشكلها الحالي ، هو هدنة تطول 6 سنوات أو أقل ، فيما تبقى القضايا الأساسية التي تشكل جوهر النزاع معلقة دون أن يفسح المجال لمعالجتها عن طريق الحوار والتفاوض المتعدد الأطراف .
إن منبر النساء السياسيات عمل جاد من خلال سمنار الدستور وقضايا النوع ، الذي شاركت فيه كوادر قانونية من الأحزاب السياسية بغرض التعديل أو التغيير أو سد النقص بما يكفل حقوق الإنسان وحقوق المرأة بصفة خاصة . واتفق الجميع على ضرورة إدماج حقوق المرأة في الدستور وفق أحكام دستورية واضحة ومحددة تنص صراحة على عدم التمييز ضد النساء في كافة المجالات مع الوضع في الاعتبار خصوصية وضع النساء في المناطق المهمشة أو التي تعاني تهميشاً تاريخياً وكذلك النساء في الريف وفي المناطق المتأثرة بالحرب .
وقبل أن نقرأ عليكم نص التقرير الذي توصل إليه المشاركون في سمنار الدستور وقضايا النوع ، نقول :
إن هناك تحدٍ كبير يتطلب من الجميع نضالاً مضاعفاً لأن الدستور وحده لا يكفي ، ( الدستور ليس مهدياً منتظراً ولا مسيحياً مخلصاً للوطن من أزمته الوطنية ) .
لابد أن نعتمد على قدرة أبناء وبنات شعبنا وإرادتهم ونضالهم على طريق تصحيح معادلة ميزان القوى . وإليكم نص التقرير:
سمنار الدستور وقضايا النوع
تقرير
مجموعات العمل : تم تقسيم الحضور إلى 4 مجموعات على أن تعكس ( الجندر ) حيث يتم توزيع ( الرجال ) على الـ 4 مجموعات بحيث تكون كل مجموعة ممثلة ( نوعياً ) .
المجموعة الأولى : مصادر التشريع – ( المرجعية )
الأديان وكريم المعتقدات : السودان بلد متعدد الأديان .. عليه لابد من احترام هذا التعدد والاستفادة منه إيجابياً بجعل الأديان وكريم المعتقدات أحد مصادر التشريع .
العرف : اعتماداً على ما تعارف عليه الشعب السوداني من مثل وقيم وعادات حميدة وإيجابية تحترم وتراعي حقوق الجميع نساء ورجال .
المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات الدولية : نقصد بها كافة المواثيق والمعاهدات والاتفاقيات التي تؤمن وتكفل حقوق الإنسان كافة دون تمييز ( عرقي – ديني – جنسي ..الخ ) والتي صادق عليها الشعب السوداني أو التي يصادق عليها مستقبلاً .
المجموعة الثانية : الالتزام السياسي للأحزاب
الضغط لأن يكون مبدأ المواطنة أساس للحقوق والحريات بالدستور .
النص على المساواة بين المرأة والرجل بنص دستوري واضح .
الالتزام بالاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بالمرأة في الدستور .
تمثيل المرأة في لجنة الدستور واللجان المتخصصة .
المطالبة بتمثيل المرأة بمفوضية حقوق الإنسان .
التأكيد على الرقابة في كافة القوانين بما يضمن المساواة بين الرجل والمرأة .
إعلان سياسي بالتزام الأحزاب بما ذكر .
المجموعة الثالثة : الاتفاقيات الدولية
الاتفاقيات الدولية التي يجب أن ترد في المبادئ العامة للدستور :
كل الاتفاقيات الدولية الخاصة بحقوق الإنسان . ( العهدين الدوليين وكل الاتفاقيات الدولية التي تلتها سيداو – حقوق الطفل – مناهضة التعذيب .. الخ والتصديق على التي لم يصدق عليها بعد والالتزام بذلك ) .
تضمين الاتفاقيات بالنص عليها في نصوص الدستور .
سيادة حكم القانون بنص دستوري . ( الديمقراطية – الحكم الراشد – حقوق الإنسان )
التفسير ( التفاسير ) وفقاً للاتفاقيات الدولية .
المجموعة الرابعة : تمثيل المرأة
بما أن مشاركة المرأة في الحياة السياسية من الأهمية بمكان ، فلابد من اعتماد تمثيل المرأة داخل اللجنة القومية لوضع الدستور وبما أن اتفاق نيفاشا حول السلطة في الجزء الثاني ( 2 – 2 - 5 ) قد حدد نسب القوى المشاركة في وضع الدستور ، فإنه لابد من أن تكون المرأة السودانية ممثلة بنسبة محددة ضمن تلك النسب التي حددها الاتفاق حتى تتمكن من التعبير عن إرادتها ووضع النصوص المعالجة لمشاكلها ، لذلك نرى ما يلي :
تمثيل المرأة بنسبة 30% في اللجنة القومية لوضع الدستور الوطني لجمهورية السودان حسب الاتفاقات الدولية .
تكون النسبة الواردة في البند 1- موزعة بحيث تكون هذه النسبة ثابتة داخل نسب القوى الممثلة في لجنة الدستور حسب ما يتم الاتفاق عليه .
يتم تقسيم النسبة المحددة للمرأة في لجنة الدستور بحيث تضمن تمثيل المرأة في الريف والمناطق المهمشة والأكثر تخلفاً .
سقوط العمارة .. سقوط الأقنعة
سقطت إحدى البنايات التابعة لجامعة الرباط بداية شهر فبراير الماضي بمجرد الانتهاء من عمليات البناء والتشطيب والتسليم كمبنى جاهز للاستخدام بعد أن تم تجهيز العمارة بكل المعدات والأدوات التي تحتاجها الجامعة لتدريس طلاب كلية الطب فيها .
شاءت عناية المولى الكريم أن تنهار عمارة الرباط بكل تجهيزاتها قبل أن يتم افتتاحها ، حماية لأرواح الأبرياء من بنات وأبناء السودان الذين كان من الممكن أن يكونوا بين الأنقاض والركام .
الأسئلة التي يطرحها انهيار عمارة الرباط في ذهن أي مواطن كثيرة وبديهية ومشروعة ..
- كيف ينهار مبنى ( أي مبنى ) قبل أن يتم افتتاحه ، ما لم يكن هناك خلل كبير في مواد البناء أو مواصفات البناء أو كفاءة أو أمانة الجهة المنفذة للبناء أو كل ذلك ؟!
كيف تحتكر شركة واحدة هي شركة رويال كل مشروعات وزارة الداخلية بالدرجة التي أضحى صاحب الشركة وكأنه يحمل رتبة عليا في أروقة الوزارة ؟! كيف أبرمت هذه الشركة عقود منشآت مع وزارة الداخلية ..
هل تمت من خلال عطاءات معلنة على الملأ وتنافست مع شركات عديدة في مجال البناء والإنشاء ؟!
هل هي الشركة الوحيدة في البلاد التي تقبل بنظام الدفع الآجل لمستحقاتها كما زعم ذلك الوزير ؟ لماذا يصر وزير الداخلية على صاحب هذه الشركة وعلى الشركة نفسها حتى بعد فضيحة الانهيار ؟
لماذا يقحم الوزير نفسه ووزارته في غير ما هي أنشئت له أصلاً ؟! فلا هي أنشئت للجباية ولتحصيل الأموال ، ولا هي للتعليم العالي والبحث العلمي ، أو الصحة .. إنها وزارة لحفظ أمن وسلامة المواطنين ، لمحاربة الجريمة والفساد ، وشعــارها ( خدمة الشعب !! ) .. فهي العين التي تسهر لتحرس في سبيل الله وليس لتنهب عباد الله .
سقوط بناية الرباط هو سقوط أقنعة الشرف والنزاهة ، أقنعة الحرص على بناء وتطوير البلد ، أقنعة العدل وعدم المحسوبية في إدارة العمل العام ، كلها أقنعة زائفة سقطت بسقوط عمارة الرباط .
إن الناس سوف ينتظرون لجنة تحقيق جادة ومتجردة لتقول كلمتها فيما حدث ، إلا أنهم واثقون بأن مثل هذه اللجنة لن تقوم ولن يسمعون كلمتها حتى لو قامت ..
أقل ما يقدمه وزراء الداخلية الذين يحترمون ضمائرهم في مثل هذه الفضائح أنهم يغادرون كرسي الوزارة أولاً ، ثم يقولون كلمتهم وعندما يجردون من الحصانة ، تأخذ العدالة مجراها .. ولكن لا عزاء للمواطن البسيط الذي تستقطع الأموال من قوت أولاده ، من لحمه ودمه ، من عرقه المسكوب ، لتضيع ما بين جيوب لا تمتلئ أبداً وقلوب جبلت على السحت وحرام الثراء ، من ركام بنايات قامت على الغش .. ولو أنها ذهبت إلى تأهيل الشرطة وبناياتها لما تحسر أحد .
انهيار عمار الرباط هو امتداد للفساد الساكن في نظام الإنقاذ ورموزه ، أوليس فضيحة المحاليل الوريدية الفاسدة والتي لم نعلم حتى الآن أعداد ضحاياها بشاهدٍ على ما نقول .. وكذلك تقارير ديوان المراجع العام حول حجم التعدي على المال العام .. ؟ سياسة التمكين والمتاجرة بالشعارات والإنجازات لا تتم عند الإنقاذيين ولا تتوقف في حدود التعدي على المال العام لصالح رموز النظام ومحاسيبه ولكنها تتمدد لتطال حياة المواطنين أبناء شعبنا كما تثبت ذلك حادثة انهيار العمارة والمحاليل الوريدية وغيرها ..
لكن شعبنا الذي يرصد الآن سيقتص غداً ، وإن غداً لناظره قريب .
مدبغة النيل الأبيض للصناعات الجلدية
نموذج لمستقبل العاملين بالمؤسسات في ظل سياسات الخصخصة

أصدر عمال مدبغة النيل الأبيض بياناً قالوا فيه ، إن تلك المدبغة التي حازت جائزة الجودة العالمية في جنيف عام 1998 ( لم تعرف معنى للتدهور إلا منذ أن تمت خصخصتها وبيعها لرجل الأعمال صلاح إدريس . وأشار البيان لأنه قد تم إغلاق الشركة في 23/7/2004 ومن ثم تشريد 180 عاملاً دون إعطائهم مرتباتهم على مدى ثلاثة أشهر . وأن هنالك أكثر من عشرة عمال ممن أفنوا عمرهم في المدينة حتى وفاتهم لم تستلم أسرهم أي مبلغ من حقوقهم . وتحسر البيان على تجاهل كل من وزير القوى العاملة ووزير الصناعة ، والصحافة ، والجهاز القضائي لقضيتهم العادلة .
(الهدف) إذ تعلن تضامنها مع العاملين في المدينة تطالب اتحاد العمال بتحمل مسئوليته في التصدي للدفاع عن قضايا قاعدته ، وتدعو جميع العاملين للضغط على قياداتهم لاستعادة تقاليد التضامن النقابي.
تحية لـ (وعي الطلبة) في سفرها العاشر
تحت شعار من أجل اتحاد وطني ديمقراطي لطلبة السودان ، صدر العدد العاشر ( مارس 2005 ) من ( وعي الطلبة ) لسان حال السكرتارية المركزية لجبهة كفاح الطلبة ، وجاء هذا العدد الخاص في ثوبٍ قشيب ، تقول في باب كلمتنا : بصدور العدد العاشر تكون (وعي الطلبة) (( قد اجتازت بتواضع مخاض الولادة بكل ما تقتضيه الولادة من معاناة ، وبشارة ، ومسئولية وأمانة .. حيث حرصت ، وما تزال ، على أن تصيخ السمع من الجميع ، سيما ذوى الخبرة والاختصاص. لتكون صوتاً طلابياً بالحق جهور وللنضال الطلابي منبراً ومعين .. وإنها وإن كانت ناطقة بلسان جبهة كفاح الطلبة ، لكنها حرصت على أن تكون للجميع مشرعة أبوابها ومتابعاتها ومساهماتها.. )) وحفل هذا العدد الخاص بشتى الموضوعات التي تهم بشكل خاص قطاع الطلاب والشارع السياسي بشكل عام . وجاءت عناوين موضوعاتها كما يلي :
بانوراما تسعة أعداد مضت – من نضالات جبهة كفاح الطلبة – الوطني والشعبي يتقاسمان الأدوار – اعتقالات للطلاب في عدد من الجامعات – الأستاذ علي الريح في تصريح لوعي الطلبة – دروس – شعر : أمل دنقل – الفيتوري – من القراء – علامة استفهام – إضافة إلى مواقف وأخبار وافتتاحية العدد .
أسرة الهدف تحيي القائمين بجهد إعداد وعي الطلبة وكافة عضوية جبهة كفاح الطلبة – بعثيين ووطنيين ، ومعاً إلى الأمام .
التحالف الوطني الطلابي في جامعة السودان
يفضح حقيقة موقف المؤتمر الوطني وطلابه من الديمقراطية

بعد أكثر من ست سنوات أجريت انتخابات اتحاد طلاب جامعة السودان على جولتين ، لعدم اكتمال النصاب القانوني ، حيث أجريت الجولة الأولى والطلاب يخوضون الامتحانات في العديد من الأقسام . وعلى الرغم من ذلك تقدمت قائمة التحالف الوطني الطلابي الذي شمل ( جبهة كفاح الطلبة ، الأمة ، الاتحادي (هيئات) ، الطلاب المستقلين ، حق) القوائم الأخرى . عقد حزب السلطة مؤتمراً لطلابه حذر فيه من مغبة التهاون وإمكانية فوز قائمة التحالف الوطني ، وأصدر في وثيقة (ورقة الاتصال السياسي) عدد من الموجهات منها : (( ضرورة التحسب من زيادة التصويت ، والعمل على تقليل نسبة المشاركة بالوسائل السياسية والوسائل الأخرى !!)) ولقد أجبرت الجولة الثانية عقب عيد الأضحى وسط حضور أمني مكثف داخل وخارج وحول أقسام الجامعة لإشاعة جو من الإرهاب وكانت نتيجة الفرز كالتالي :
المؤتمر الوطني (2894) صوتاً ، التحالف الوطني الطلابي ( 1765) صوتاً ، الوحدة الطلابية 985) صوتاً ( الجبهة الديمقراطية ، الناصريين ، الاتحاديين (مرجعيات) الوطني الديمقراطي ، ANF ) فيما احتلت قائمة الإصلاح (الأخوان المسلمون وأنصار السنة ) المرتبة الأخيرة (817) صوتاً. هذا وقد استقبل الطلاب تهنئة عمر البشير لطلاب المؤتمر الوطني بالسخرية والمقولة الشعبية (ابن الوزعوام) .
وتفيد متابعات " الهدف" أن ما جرى في جامعة السودان يعمل المؤتمر الوطني على تعميمه في جامعتي جوبا والأهلية أو إغلاق الجامعة إلى أجل مسمى .


أخبار طلابية
الجامعات السودانية : موجة جديدة من الإغلاق والاعتقالات

على خلفية تصاعد نضال الحركة الطلابية بالجامعات من أجل تكوين اتحاداتها الطلابية ، ورغم ادعاءات السلطة بأن هنالك تحولاً ديمقراطياً بعد اتفاقية نيفاشا فقد دخلت جامعة الجزيرة في سلسلة من الاعتصامات تم تتويجها باعتراف الإدارة بحق الطلاب في تكوين اتحادهم ، وفي خطوة غير مبررة قامت إدارة الجامعة بإغلاقها إلى أجل غير مسمى ، وعلى أثر ذلك قامت الأجهزة الأمنية باعتقال أكثر من (40) طالب من مجمع الحصاحيصا على رأسهم الرفيق عبد الكريم محمد متحدث جبهة كفاح الطلبة بالمجمع ، وتم كذلك اعتقال أكثر من (9) طلاب بمجمع النشيشيبة في مقدمتهم الرفاق محمد عبد الله عثمان وعبد الخالق مختار .
وفي نفس الاتجاه قامت إدارة كلية النصر التقنية بإغلاق الكلية أمام الدراسة لأجل غير مسمى إثر دخول الطلاب في اعتصام للمطالبة بعودة اتحاد الكلية المجمد منذ أكثر من (9) سنوات ، وقامت الأجهزة الأمنية باعتقال الرفيق حيدر حيدر لمدة (24) ساعة ثم أخلت سبيله .
لم تسلم من موجة الاعتقالات جامعة وادي النيل ، فقد قامت الأجهزة الأمنية باقتياد الرفيق زكريا عبد المنعم بعد فعالية سياسية بمجمع تجارة بالدامر .
خبر وتعليق
الخبر :
نشرت أخبار اليوم بتاريخ 25 /3/2005 خبراً مفاده أن اجتماعاً لمنظمات يهودية في جنيف قد أكد أن هنالك 30 منظمة صهيونية ناشطة في إقليم دارفور .
كما نشرت نفس الصحيفة بتاريخ 26/3/2005 خبراً يفيد باستئناف تشاد لعلاقاتها الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني بعد انقطاع دام لـ 33 عاماً .
الجدير بالذكر أن وزير الداخلية الأردني كان قد صرح بأنه تم اكتشاف شحنات من الأسلحة الصهيونية بصدد إرسالها إلى دارفور . ولم يعد سراً العلاقة التي تجمع الحركة الشعبية وقائدها بدولة الكيان الصهيوني .
التعليق : هل يعتبر كل ما سبق مقدمة لتسويق تطبيع علاقات الأنظمة العربية وبضمنها نظام ( الإنقاذ ) بدولة الكيان الصهيوني ( على الأقل من زاوية علاقات الشريك الجديد + نشاط المنظمات الصهيونية تحت بصر وسمع ( النظام ) ومن زاوية مصافحة السيد الصادق المهدي لشيمون بيريز في مدريد وتصريحات السيد المهدي لصحيفة الأهرام القاهرية بأنه قد تفاكر مع بيريز حول عقد مؤتمر للحوار الإسلامي اليهودي ) أم أن كل ذلك يوضح حقيقة وحدة المخطط الإمبريالي الصهيوني ، وما يقتضيه الوعي بهذه الحقيقة ، بما تفرضه المسئولية الوطنية والقومية من التصدي للمخطط بكل عناوينه .

الأمير .. حرامي كبير
في زيارة رأس نظام ( الإنقاذ ؟! ) الفريق عمر البشير إلى ولاية جنوب كردفان في فبراير الماضي .. وعند استعداده لمخاطبة المواطنين في مدينة أبي جبيهة ، فوجئ بلافتة عريضة رفعها المواطنون في وجهه تحت شعار ( الأمير .. حرامي كبير ) وهو الأمير الذي عينته ( الإنقاذ ؟! ) عليهم .. اشترط البشير إنزال اللافتة حتى يتحدث ، ولكن المواطنون أصروا على رفع اللافتة وتحدي الرئيس الذي لم يجد مناصاً من غض الطرف عن اللافتة ومواصلة الحديث .


اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
SudaneseOnline.Com All rights reserved