مرحبا بكم فى مركز السودان للاخبار

قراءة حزب البعث العربي الاشتراكي - قيادة قطر السودان:حول قرار مجلس الأمن رقم 1593

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
4/15/2005 3:54 م

يكشف مجدداً صدور القرارات 91 - 1593، البون الشاسع بين الأهداف الزائفة التي من أجلها أقيمت الأمم المتحدة (صيانة الأمن والسلم الدوليين) والمواقف العملية المناقضة جذرياً لذلك الهدف ، والتي يمارسها مجلس الأمن، وهو ما يعيد طرح التساؤل حول مستقبل المنظومة الدولية وما إذا كان مصيرها سيكون بأفضل من حال سابقتها عصبة الأمم، فمنذ اختلال توازن القوى الدولي بانهيار الاتحاد السوفيتي، وانفراد الولايات المتحدة بالهيمنة، تحولت الأمم المتحدة إلى أداة لخدمة الأهداف السياسية والاستراتيجية للإمبريالية الأمريكية ومن خلفها الصهيونية العالمية، وغطاءً لتمرير التوجهات الاستعمارية المستحدثة، على حساب خيارات الشعوب وقطعاً لطريق تطورها الوطني والقومي المستقل.

ولقد برز ذلك بأوضح ما يكون، في الدور الذي اضطلع به مجلس الأمن – باسم الأمم المتحدة – في العراق عبر سلسلة القرارات التي كانت تصدر بمعدل كل شهر. وفي منظومة العقوبات التي فرضها والتي لم يتعرض لمثلها شعب في التاريخ الحديث. وفي وقوف مجلس الأمن عاجزاً عن رفعها برغم كل ما انطوت عليه من عسف وظلم وتناقض مع أهداف الأمم المتحدة وميثاقها ومع حقوق الإنسان وحق الدول الأعضاء، رغم وفاء العراق بالتزاماته التي نصت عليها تلك القرارات الظالمة والالتزامات المتقابلة التي نصت عليها نفس تلك القرارات. بيد أن الولايات المتحدة لم تكتف بالدور المطلوب من مجلس الأمن كما خططت له فحسب، بل تجاوزته، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والمواثيق الدولية، ولتصمم وتقدم على غزوه واحتلاله، وهو ما يعتبر جريمة حرب وجرائم إبادة جماعية نتجت عنها قبل وأثناء وبعد الاحتلال والتي ما تزال مستمرة، بدون أن يتجرأ مجلس الأمن للجهر بإدانتها أو العمل على التصدي لها وفق ما تفرضه عليه التزاماته القانونية التي تنص ظاهرياً على حماية الأمن والسلم الدوليين والدفاع عن بلد عضو في الأمم المتحدة تعرض من قوة كونية لجريمة الحرب والإبادة الجماعية. كما تكشف من قبل عجز الأمم المتحدة ومجلس أمنها عن توفير الحماية المطلوبة لشعب فلسطين من بطش وإرهاب دولة الكيان الصهيوني وذلك عندما استخدمت الولايات المتحدة حق النقص (الفيتو) في مواجهة القرار الصادر بهذا الصدد، بما يؤكد تحول المنظمة الدولية إلى أداة لخدمة المصالح الاستعمارية عند الطلب.

في هذا الإطار يتم وضع القرار 91 – 1593 كشكل من أشكال التدخل السافر في السودان ، ومرحلة متقدمة منه تضع السودان تحت الوصاية الدولية لإعادة تشكيله جغرافيا وسياسياً حسب مقتضيات المصالح الاستعمارية وتوافق الإرادات الدولية، في إطار المخطط الإمبريالي الصهيوني للهيمنة وإعادة رسم خرائط المنطقة الذي تحتل فيه أمتنا العربية وعالمنا الإسلامي وقارتنا الأفريقية مكان الصدارة وهو ما يؤكد عليه، كما قلنا حصار العراق ثم احتلاله، واحتلال أفغانستان، واستهداف سوريا ولبنان وإيران وتطويع ليبيا والتدخل والضغوط التي تمارس هنا وهناك باسم الإصلاح وإشاعة الديمقراطية..

كما أن صدور القرار المشار إليه يكشف عدداً من الحقائق أهمها:

أولاً: استمرار وتعمد التدخل والتوجه الأمريكي للتعامل الإملائي الممرحل والمبرمج واللامتناهي في الشأن السوداني بعد أن قطع هذا التوجه شوطاً بعيداً في توظيف قضية الجنوب خدمة لأهدافه.

ثانياً: أن سياسة الاستسلام والرضوخ للمطالب الأجنبية لن تؤدى إلا لمزيد من الاستسلام لمطالب أخرى أكثر مساساً وانتهاكاً للسيادة والاستقلال الوطني، وبما يزيد من تعقيد الأزمة الوطنية الشاملة.

ثالثاً: أنه يجوز السعي للاستفادة من تناقضات المعسكر الإمبريالي مع دول الاستعمار القديم، على أن ترتكز خطواتنا بهذا الاتجاه بالحوار الرامي لتوضيح أن لا مصلحة على المدى الاستراتيجي للدول الأوربية في التناغم مع مخططات الهيمنة الإمبريالية الصهيونية بمعاداة الأمة العربية وبضمنها قطرنا السوداني لأن الهيمنة الإمبريالية الصهيونية لن تتوقف في حدود بلاد الوطن العربي بل سيكون ذلك مقدمة للتعدي على المصالح الأوربية أيضاً.

رابعاً: أن المساومة على استثناء الولايات المتحدة من سريان مثل هذا القرار أو غيره إنما يعني محاسبة الفقير المستضعف المعتدى عليه منذ عهود الاستعمار، والتجاوز عن جرائم القوي المستغل المتجبر المعتدي.

خامساً: أن ما ذكر في رابعاً أعلاه يطرح أهمية النظر في إصلاح مؤسسات النظام العالمي – الأمم المتحدة – ومجلس الأمن ... الخ باتجاه إعادة بناء تلك المؤسسات لتصبح عادلة وحامية للأمن والسلم الدوليين.

سادساً: أن عصا الأنظمة التي ألهبت بها ظهور أبناء شعبها ستفقد هذه الأنظمة العمق والسند الشعبي- المؤهل الوحيد ، للتصدي لمخططات الهيمنة الإمبريالية الصهيونية- وما يقتضيه الوعي بهذه الحقيقة من إطلاق طاقات الجماهير في التنظيم والتعبير والاعتقاد وإلغاء كافة القوانين المقيدة للحريات. وبغير ذلك يصبح ظهر هذه الأنظمة مكشوفاً أمام عدوانات الأجنبي.

بضوء هذه المرتكزات المبدئية تأتي قراءة حزب البعث العربي الاشتراكي للقرار 91/1593 حيث تطابقت رؤيتنا مع ما توصل إليه تجمع المحامين الديمقراطيين *حول القرار المذكور – وفيما يلي الرؤية القانونية لذلك القرار:

تحليل القرار رقم 1593 وإمكانية نجاح المحكمة الجنائية في دارفور
يعد قرار مجلس الأمن الدولي بالرقم 1593/2005م الخاص بإحالة المشتبه فيهم بارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية ، هو السابقة الأولى من نوعها منذ إقرار تأسيس المحكمة الجنائية الدولية في 17/7/1998م في روما. إذ كان مجلس الأمن قبل نفاذ قانون المحكمة ، يلجأ إلى سلطاته بموجب الباب التاسع بتكوين هيئات ثانوية مساعدة للمجلس في إقرار السلم والأمن الدوليين وعلى قرار ذلك كان إنشاء المحكمة المؤقتة لمجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة والمحكمة المؤقتة لمجرمي الحرب والإبادة الجماعية في رواندا. وكان القرار رقم 1593 هو الأول من نوعه ، الذي استخدم فيه المجلس صلاحياته في إحالة الأوضاع إلى المحكمة الجنائية الدولية.

واستناداً للفقرات التسع والديباجة من قرار مجلس الأمن المشار إليه بالرقم أعلاه ، نستخلص بعض النقاط القانونية التي يستند عليها القرار ، والتي توضح صيرورة ومآل ومستقبل الإجراءات التي ستتخذها المحكمة والإدعاء العام ، ومدى نجاح هذا القرار في اللحاق بمرتكبي الفظائع في دارفور. دون كبير اعتماد على الترجمة العربية للقرار والتي أوردتها الصحف اليومية.

أولاً: أساس الاتهام:
تناولت الفقرة الأولي من ديباجة القرار ما يلي نصه:- إن مجلس الأمن ، إذ يحيط علماً بتقرير البعثة الدولية لتقصي الانتهاكات للقانون الدولي الإنساني وقانون حقوق الإنسان في دارفور، ...

جعل القرار من التقرير الذي رفعته البعثة الدولية المكلفة بواسطة مجلس الأمن لتقصي الحقائق حول انتهاكات القانون الدولي الإنساني (اتفاقيات جنيف) وقانون حقوق الإنسان في دارفور ، الوثيقة الأساسية للاتهام ، والوثيقة تلك قد ركزت على جرائم (الإبادة الجماعية – جرائم الحرب ، جرائم ضد الإنسانية) كوصف للانتهاكات التي ارتكبت في إقليم دار فور ، وحسب التحليلات التي صدرت بعد نشر ذلك التقرير، فإن التقرير يذخر بالمغالطات والمبالغة في أكثر الأحوال ، وأن الطريقة التي اعتمدت في جمع معلومات ذلك التقرير كانت من الأرجح أن تؤدى إلى تلك النتيجة.

وبهذا فإن تقرير البعثة الدولية المكلفة من مجلس الأمن يظل هو الوثيقة الأهم في الاتهام ، إذ ابتدر قرار مجلس الأمن رقم 1593 ديباجته بالتذكير بذلك التقرير ، وأهمية هذا التقرير تكمن في إنه حدد الجريمة والمشتبه فيهم. وبهذا فإن تلك الوثيقة ستكون أحد مستندات الاتهام المهمة ، والتي سيعكف الكثير من المهتمين بدراستها وتفكيكها.

متى تبدأ المحاكمات:
إنه استناداً للمادة (16) من تشريع المحكمة الجنائية الدولية ، وما أكدت عليه الفقرة الثانية من ديباجة القرار فإنه:

لا يجوز البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة إلا بعد انقضاء اثني عشر شهراً من تاريخ إحالة الأمر إلى المحكمة بموجب قرار خاص من مجلس الأمن... ويجوز لمجلس الأمن أن يجدد هذه المدة.

هذه المادة تشكل ترس أساسي في حركة المحكمة ، وتبين مدى عدم استقلالية المحكمة عن مجلس الأمن (جهة الاتهام) ، وترهن بالتالي مستقبل تلك الإحالة (القرار رقم 1593) إلى التطور السلبي أو الإيجابي في مواقف أعضاء مجلس الأمن ، ومجلس الأمن في الحالة الخاصة بدارفور ليس على قلب رجلٍ واحد ، كما أن دورة تبادل المقاعد غير الدائمة قد تؤثر ولو على نحو طفيف في مستقبل هذا القرار بعد (12شهر).

لمدة (12شهر) ستحصر مهام المحكمة في القيام بالإجراءات التنظيمية الخاصة بالمحكمة ، دون الخوض في أي تحقيق أو جمع معلومات ، والمقصود بالإجراءات التنظيمية هي تلك المتعلقة بتكوين أعضاء المحكمة – مكان المحكمة – موازنة المحكمة ... الخ.

من الذي سيخضع للمحاكمة:
حكومة جمهورية السودان ليست في قفص الاتهام الخاص بالمحكمة التي تختص بالنظر في القضايا الموجهة ضد الأفراد ، إذ تنحصر سلطة المحكمة على الأفراد دون اعتبار لصفاتهم أو حصاناتهم ولا يدخل ضمن اختصاص المحكمة مباشرة الاتهام ضد الدول وذلك على نقيض وظيفة محكمة العدل الدولية.

حكومة جمهورية السودان ، شخص دولي مخاطبة مثلها مثل غيرها من الدول بهذا القرار ويطلب القرار من أشخاص القانون الدولي التعاون في إجراءات المحكمة (الفقرة 4). ولاحقاً لابد أن نبين مدى أهمية هذا التعاون وخطورته في نفس الوقت .

الأفعال الخاضعة لاختصاص المحكمة:
إن محاكمة مرتكبي جرائم ضد القانون الإنساني الدولي وقانون حقوق الإنسان هي محاكمة خاضعة لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية – المعتمد في روما في 17 يوليو 1998 في مؤتمر الأمم المتحدة الدبلوماسي للمفوضين لإنشاء المحكمة الجنائية الدولية – وقانون هذه المحكمة حدد ثلاث جرائم تدخل في ولاية المحكمة في المواد (6 ، 7 ، 8) وهي :

1/ جرائم الإبادة الجماعية ويقصد بها أي فعل يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية ، بصفتها هذه ، إهلاكاً كلياً أو جزئياً وهذا الوصف يشمل:

أ. قتل أفراد الجماعة .

ب. إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.

ج. إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.

د. فرض تدابير تستهدف منع الإنجاب داخل الجماعة.

هـ. نقل أطفال الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى.

2/ جرائم ضد الإنسانية: ويشكل جريمة ضد الإنسانية كل فعل متى ما ارتكب في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أية مجموعة من (السكان المدنيين) وهذه الجرائم تشمل قائمة من الأفعال هي كما يلي:

أ- القتل العمد ب- الإبادة ج- الاسترقاق د- إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان هـ- السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية بما يخالف القواعد الأساسية للقانون الدولي و- التعذيب ز- الاغتصاب أو الاستعباد الجنسي أو الإكراه على البغاء أو الحمل القسري أو التعقيم القسري أو أي شكل آخر من أشكال العنف الجنسي على مثل هذه الدرجة من الخطورة.ح- اضطهاد أية مجموعة محددة … لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو أثنية أو ثقافية أو دينية ط-الاختفاء القسري. ي- الفصل العنصري. ك- الأفعال اللإنسانية الأخرى.

3/ جرائم الحرب: يكون للمحكمة اختصاص النظر في جرائم الحرب لا سيما عندما ترتكب في إطار خطة سياسية عامة أو في إطار عملية ارتكاب واسعة النطاق ، وتعني جرائم الحرب:-

أ- الانتهاكات الجسيمة لاتفاقيات جينف 12/8/1949م.

ب- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السائدة على المنازعات الدولية المسلحة في النطاق الثابت للقانون الدولي.

ج- في حالة وقوع نزاع مسلح ذو طابع غير دولي ، الانتهاكات الجسيمة للمادة (3) المشتركة بين اتفاقيات جنيف الأربع المؤرخ في 12/8/1949م وهي الخاصة بالأفعال التالية المرتكبة ضد أشخاص غير مشتركين اشتراكاً فعلياً في الأعمال الحربية ، بما في ذلك أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا سلاحهم وأولئك الذين أصبحوا عاجزين عن القتال بسبب المرض أو الإصابة أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر.

و- الانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السارية على المنازعات المسلحة غير ذات الطابع الدولي في النطاق الثابت للقانون الدولي.

هذه الجرائم الثلاثة تشكل الاختصاص الموضوعي/المادي للمحكمة الجنائية الدولية إما الاختصاص الزماني فقد حدده القرار (1593) في الفقرة (2) منه ، وحددها بالأفعال المرتكبة بعد يوليو 2002م.

أما الاختصاص المكاني: فقد حدده القرار بالأعمال المرتكبة في إقليم دارفور.

مكان المحكمة:
إن المقر الدائم للمحكمة – هو لاهاي بهولندا (الدولة المضيفة). وتعقد المحكمة – جلساتها – متى كان موقعها الدائم غير مناسباً – أو في أي مكان آخر عندما ترى ذلك مناسباً ، وعبارة (مناسبا) تدور هنا حول ظروف جمع البيانات ، استجلاب الشهود ، المعاينة الميدانية ، الكلفة المالية ... الخ.

وقد أولى القرار حرية بحث مكان المحاكمة إلى المحكمة ذاتها بالتعاون مع الاتحاد الأفريقي ، وذلك ما نصت عليه الفقرة (3) من القرار بالنص على أن (يدعو المحكمة الجنائية الدولية والاتحاد الأفريقي لمناقشة الترتيبات العملية التي تشمل عمل المدعى والمحكمة ويشمل ذلك إمكانية إجراء المحاكمات في الإقليم ومدى إمكانية مساهمة الجهود الإقليمية في مواجهة الحصانات. وفي ذلك يأمل القرار أن يجد التعاون من كل من الحكومة السودانية والأطراف الأخرى المشاركة في النزاع (الفقرة 2 من القرار) بحيث تقدم تلك الأطراف المساعدات الضرورية.

عليه فإن مجلس الأمن لم يستطع أن يحدد على نحو جازم مكان انعقاد المحكمة الدولية لمحاكمة مرتكبي الجرائم الدولية في إقليم دارفور. وهذه نقطة جوهرية ومؤثرة للغاية ، وتتحكم فيها ظروف عديدة منها السياسي ومنها المالي وهذا وذلك سيجد تفسيره في فقرات لاحقة من هذا التحليل.

موازنة المحكمة:
منذ انعقاد جلسات المؤتمر الدبلوماسي في روما ، نشبت مشكلة تمويل عمل المحكمة ، وكان الاتجاه الأوفق أن يتم تمويل عمل المحكمة من صندوق مجلس الأمن المحدد للوفاء بمتطلبات (الباب السابع) حفظ الأمن والسلم الدوليين ، إلا إن بعض الدول استهدفت أن تجعل عمل المحكمة عصياً ، فعملت على أن لا ينص على دور مجلس الأمن في تمويل نشاط المحكمة.

وقد نص قانون المحكمة في المادة (115) على أن يكون تمويل المحكمة من اشتراكات الدول الأعضاء والأموال المقررة من الأمم المتحدة بعد موافقة الجمعية العامة. ولما كان سريان قانون المحكمة قد انطلق حديثاً ، ولما كانت معظم الدول المصدقة على اتفاقية تكوين المحكمة عدا بعض الدول الأوربية هي من الدول الفقيرة في أمريكا اللاتينية بالإضافة إلى إحجام أغنى دول العالم وأكبر ممول لوكالات الأمم المتحدة- أمريكا – عن التصديق على اتفاقية المحكمة كل ذلك جعل موازنة المحكمة لا تفوق موازنة إحدى الدول الأقل نمواً.

وقد نص قانون القرار (1593) بشكل واضح في الفقرة (7) على عدم دفع الأمم المتحدة النفقات المالية المتعلقة بالمحاكمات وإجراءات التقاضي والتحري.

ولما كانت هذه هي المحاكمة الأولى التي تضطلع بها المحكمة بعد إنشائها ، فلا يمكن تصور ضخامة المبالغ التي قد تتطلبها هذه المحاكمة خاصة لعدد يفوق كل حصر من المتهمين والشهود والخبراء والمترجمين.

وحداثة تكوين المحكمة – ينفي وجود اشتراكات تراكمية لدى خزانة المحكمة مع العلم أنه حتى الأمم المتحدة لم تفلح في تحصيل اشتراكاتها لدى الأمم الأعضاء. كيفما رأى مجلس الأمن بالتنسيق مع المحكمة والاتحاد الأفريقي ، حول مكان انعقاد المحكمة فإن ذلك لن يعفي المحكمة من التكاليف المالية الباهظة الأمر الذي قد يتسبب -على نحو مقصود – في تعطيل المحكمة.

قد أشار القرار إلى إنه على الدول الأعضاء في معاهدة روما والدول التي لها الرغبة في تقديم الدعم أن تساهم في نفقات المحكمة. وهذا الجانب الذي أشار إليه القرار ، جانب غير محكم وغير منضبط ، فهو رهن الاحتمالات التي تؤثر فيها العوامل السياسية ، فمن المتصور أن تقدم فرنسا دعماً لإجراءات المحكمة وقد يسهم الموقف الأمريكي في أحجام العديد من الدول في إظهار تعاطفهم مع المحكمة وبالتالي دعمهم المالي.

تأثير البعد السياسي في إجراءات المحكمة:
البعد السياسي ، عامل جوهري ومهم في نجاح المحكمة ، والوصول للأهداف التي استهدفها القرار (1593) ودراسة هذا الجانب تستوجب العديد من الافتراضات ، إلا إنه من المهم الإشارة إلى ما يلي:

1- إن الاعتبارات السياسية ، سادت في محكمة مجرمي الحرب في يوغسلافيا السابقة ، واستطاعت الحكومات غير المؤيدة للمحكمة أن تساعد في إفلات وإخفاء المطلوبين لدى المحكمة – كما استطاع الجنود الأمريكان ضمن حلف الأطلس الإفلات بجرائمهم التي ارتكبوها في الحرب والتي استلمت بخصوصها المحكمة دعاوى واضحة.

2- الاعتبارات السياسية سادت مرة أخرى في رواند الأمر الذي كانت فيه المحكمة منعقدة في جانب، وفي الجانب الآخر ظلت جرائم الإبادة مستمرة.

3- القرار (1593) نص على نحو فاضح على إمكان إفلات المجرمين غير السودانيين من المحاكمة حتى ولو كانوا من المساهمين في تلك الفظائع ، الأمر الذي يطلق يد الآخرين (من غير السودانيين) في أن يفعلوا ما يشاوؤن ، وهذا يجعل الأمر لا يستوي وميزان العدالة – وهذا ما تضمنته الفقرة (6) من القرار وكانت هذه الفقرة نتاج موازنة سياسية حاول أصحاب المقترح (فرنسا) تقليص فرصة رفض المشروع من قبل الدول دائمة العضوية.

4- إن العديد من الدول ، وعلى قائمتها الولايات المتحدة الأمريكية ، كانت ومازالت ترى أن إقرار قانون المحكمة في هذا الوقت من الزمان (نهاية القرن الماضي) لا يتوافق مع سياساتها تجاه العالم وتحد من استراتيجيتها في الوقت الراهن ، لذا ظلت على الدوام في قلق شديد تجاه فكرة القضاء الجنائي الدولي وهذا ما قالته مندوبة الولايات المتحدة آني ورسن بعد التصويت على المشروع الفرنسي (الذي رفضت الولايات المتحدة التصويت عليه).

5- في الساعات الأولى من صدور القرار ، وصفت الحكومة السودانية القرار بالجائر إلا أن وزير العدل أوضح بأن بلاده سترضخ للقرار ، وفي اليوم الثاني منه أصدرت حكومة السودان بياناً يرفض التعاون مع القرار ، ثم يأتي وزير الخارجية ليقول أن حكومته ستسعى للتوفيق ما بين رغبتها في التعاون مع مجلس الأمن ، وما بين الخط الأحمر الشعبي الرافض لمحاكمة سودانيين خارج السودان ، وهو ما يجعل مواقف النظام من القرار مفتوحة على كل الاحتمالات ، من واقع تجربة شعبنا معه وتراجعه غير المنظم في كثير من الأحيان عن مواقف سبق أن أعلن تشدده في التمسك بها .

تأثير الموقف السوداني الرسمي من القرار:
إن موقف الحكومة السودانية من القرار ، وعلى نحو أخص من الفقرتين (2 ، 4) واللتين تخاطبان الحكومة السودانية بالتعاون والمساهمة في إجراءات المحكمة هذا الموقف مهم ومؤثر للغاية ، والمطلع على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية يدرك أهمية هذا الموقف ، وذلك للاعتبارات التالية والمستقاة من بنود وأحكام قانون المحكمة:

1- ترى المحكمة إنه من الأنسب عقد جلسات المحاكمة في الإقليم السوداني ، وذلك لاعتبارات فنية ومالية.

2- تستفيد المحكمة من المنشآت العقابية للدول الأعضاء والدول المتعاونة فالمحكمة لا تمتلك سجوناً ولا غرف للتوقيف والحجز والتحفظ (أنظر المادة 93).

3- الكثير من إجراءات المحاكمة – تقوم بها الدولة المتعاونة استناداً لنص المادة الأولى من قانون المحكمة، وتلك الإجراءات تشمل التحقيق ، القبض ، البحث عن الأدلة ، الإرشاد والقبض على الفارين ، المساعدة في عدم الاعتداد بالحصانات الرسمية … تسهيل حركة موظفي ومفوضي المحكمة ...الخ.

4- وتبعاً للفقرات (1،2،3) من هذا الجانب ، فإن عملية التعاون التي نص عليها القانون ، وأكد عليها القرار توفر على المحكمة الكثير من الإجراءات والزمن والأموال.

هل تستطيع المحكمة أن تفرض على السودان أي إجراء (عقوبة) لعدم تعاونه ؟:-
إن جمهورية السودان دولة عضو في الأمم المتحدة ، إلا إن السودان ليست دولة طرف في معاهدة المحكمة الجنائية الدولية. وإذا لم يبدِ السودان رغبته في التعاون مع المحكمة فإنه غير ملزم بذلك ، فالسودان لا يستطع أن يلتزم بماهو ليس طرفا دولياً فيهً.

وكما سبق أن تطرقنا لذلك ، فإن المحكمة غير مختصة في فرض أي إجراء أو تدابير ضد الدول ، لأن المخالفات والجرائم التي ترتكبها الدول (كشخص دولي) لا تدخل في نطاق اختصاص هذه المحكمة، إذ نصت المادة (1) من قانون المحكمة على أنه (وتكون المحكمة هيئة دائمة لها السلطة لممارسة اختصاصها على الأشخاص إزاء أشد الجرائم خطورة..) وذلك لأن العقوبات الجنائية من الممكن تطبيقها على الأشخاص الطبيعيين وليس على الأشخاص المعنويين (ومن ذلك كيان الدولة وجهازها الرسمي).

ولكن بمقدور مجلس الأمن ، استناداً على قراره هذا أن يصدر ما يرى من قرارات ذات طابع عقابي دولي من بين ذلك حظر الطيران ، حظر الأسلحة ، ... الخ كما بمقدوره أن يجعل إقليم دارفور منطقة محظورة على الطيران والجيش السوداني.

ومن المتصور أن يصدر مجلس الأمن بعد (3) أو (6) شهور ما يعدل هذا القرار استناداً لما تقدمه له المحكمة من تقارير بموجب الفقرة (8) من القرار حول سير الإجراءات ، أن يصدر قرارات من شأنها أن تزيل العقبات التي سببها عدم تعاون السودان ، وقد تتسبب تطورات التنسيق الدولي أو تبدل المواقف السياسية داخل مجلس الأمن في إصدار قرار أو أكثر لإجبار السودان على التعاون وقد تتم تسوية تحت الطاولة بخصوص بعض المتهمين دون البقية .. من المؤكد أن الأيام لن تحتفظ بالأمر كما هو عليه.

إبقاء المسألة قيد النظر:
إن العبارة التي يستخدمها مجلس الأمن في حالة توقع أن لا تسير الأمور على نحو مستقر هي عبارة main seized of the matter ، (إبقاء المسألة قيد النظر) أو بالأحرى المراجعة والتعديل الدوريين.

إمكانية تبدل الموافق داخل مجلس الأمن:
1- إن دولتين من الدول الدائمة العضوية وهما الصين وأمريكا قد رفضتا التصويت على القرار ، وقد عبرت كل من الدولتين عن عدم تشجيعها لهذه الخطوة. فإن كانت الولايات المتحدة قد اتخذت ذلك الموقف لتستثني جرائمها عن المساءلة فإن ذلك لا يعني بالضرورة أن تقدم على الاعتراض على مساءلة متهمين سودانيين ومحاكمتهم خارج السودان بقدر ما ستمضي للضغط على النظام باتجاه تقديم المزيد من التنازلات .

2- إن دولاً داخل المجلس قد صوتت لصالح القرار بعد أن علمت بأن القرار سيتم إقراره ، ولكنها قد تساهم في إضعاف القرار انسجاماً مع اتصالاتها الدبلوماسية والسياسية خاصة بريطانيا ، وفق تقديرها للاستجابة السودانية لمطلوباتها.

3- إن نجاح القرار على أرض الواقع سيجعل لأصحاب المشروع كسباً على المستوى الدولي والإقليمي.

4- إن محكمة المجرمين في دارفور هي المدخل لاستمرار المحكمة في المستقبل وإلا فستكون عملية محبطة لا يجرؤ مجلس الأمن إلى اللجوء إليها في الوقت الراهن وسوف يتوقف الموقف الأمريكي من القرار مرتبطاً بدوام استثناء أو عدم استثناء المواطنين الأمريكيين من إحكامه.

خاتمة:
هكذا بصدور القرار 1591 ، 1593 يكون التدخل الأمريكي في الشأن السوداني قد دخل مرحلة جديدة، تفتح الأبواب أمام كل الاحتمالات ، وبما يتوافق والمصالح الأمريكية للهيمنة على السودان والإقليم وميداناً للتنافس الاستعماري وبما يعيد للأذهان المراحل والخطوات التي مورست للتمهيد لغزو واحتلال العراق. حيث يوظف مجلس الأمن ، حسب الطلب ، لمقتضيات ذلك. وبهذا يكون السودان أمام مفترق طرق وفي مرحلة حاسمة من تاريخه .. يكون أو لا يكون .. يكون بالوقوف للتصدي لهذا التحدي المكشوف الأهداف والوسائل، دفاعاً عن الاستقلال والسيادة الوطنية ولاستعادة الديمقراطية باستحضار قيم وتراث وتقاليد شعبه في مصارعة الاستعماريين والشموليين معاً.

إن المعطيات الماثلة الآن ما هي إلاِّ نتاج تفاقم الأوضاع ، على كافة المستويات والاتجاهات جراء سياسات النظام السياسة والاقتصادية والاجتماعية والأيدلوجية وتفاعلاتها مع النهج والوسائل والتحالفات التي اتبعتها بعض قوى المعارضة ، والتي أسهمت في الإطالة من عمر النظام (الأزمة) من جهة ، واستدعاء التدخل الأجنبي تحت عناوين الرعاية والرقابة والضمان كما درج على هذا العنوان تجمع المعارضة ومحاولة التشويش على وعي الجماهير بالتمييز بين تدخل حميد مزعوم وآخر خبيث كما درج على ذلك بعض زعماء المعارضة .. وتحول استدعاء التدخل بفضل ذلك إلى غاية في حد ذاته بأوهام العودة إلى كراسي الحكم عبر ضغوط وبوابات التدخل الأجنبي مؤخرا ً، وهو ما عبرت عنه مواقفها المؤيدة للقرار إن تجاوز بلادنا لهاذ المنعطف الخطير رهين بتجاوز النهج الذي أدي إليه وإعادة استنهاض القوى الوطنية والجماهيرية باتجاه استعادة الديمقراطية وحماية استقلال البلاد ووحدتها أرضاً وشعباً.

إن رفضنا للقرار المشار إليه يترافق معه دعوتنا لكل جماهير شعبنا بكافة قواها السياسية والاجتماعية للنضال من أجل تطهير أرض السودان من كل أشكال التواجد العسكري الأجنبي الذي دنس قدسية ترابنا الوطني في الجنوب أو في دارفور أو في جبال النوبة – في نفس الوقت الذي نؤكد فيه حق شعبنا في مساءلة ومحاسبة كل من ارتكب جريمة في حق الوطن أو المواطن السوداني ليس فقط في دارفور أو ابتداءً من 2002م بل في كل ربوع بلادنا ومنذ الاستقلال – على أن يتم ذلك بقرار وإرادة وطنية سودانية وعلى أرض السودان وأمام محاكم عادلة سودانية وأن لا يحول صدور عفو عام بموجب اتفاق نيروبي دون لجوء المتضررين للقضاء بسبب ما تعرضوا له من جور وظلم لأن الأجنبي لن يكون أكثر حرصاً منا على حقوقنا كبشر. إن الموقف من قرار مجلس الأمن وما سبقه من قرارات أو اتفاقات فتحت الباب واسعاً أمام التدخل الأجنبي ، تحدد بدقة الاصطفاف بين خندقي الوطنية السودانية المؤمنة باستقلال ، الوطن ووحدته واستعادة الديمقراطية بالإرادة والجهد السوداني وبين الأجنبي ومن اصطف في خندقه واحتمى به وتطلع في مذلة لما سيمتن به عليه كحال عملاء الإمبريالية وصنائعها في أفغانستان أو العراق أو فلسطين وإذ نميز بين الحق في الاختلاف والتنافس الوطني بين هذا الفصيل أو ذاك – بين هذا التحالف أو ذاك – فإن الخط الأحمر الذي نؤشره هو تحريم الاستقواء أو الاستنجاد بالأجنبي في مواجهة هذا الفصيل أو ذلك – هذا النظام أو غيره – إذ أن ثوابت الوطن (الوحدة ، والاستقلال)، تعلو ولا يعلا عليها.

حزب البعث العربي الاشتراكي

قيادة قطر السودان

الخرطوم في 12 إبريل 2005 م.



اقرا اخر الاخبار السودانية على سودانيز اون لاين http://www.sudaneseonline.com............ للمزيد من الاخبار

للمزيد من هذه التحليلات الاخبارية للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية| آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2006
SudaneseOnline.Com All rights reserved