تحليلات اخبارية من السودان
أراء و مقالات
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة 10 اعوام

في الرد على شيخ الطواويس وحول الميغامبريالية والتحرر الثقافي بقلم مريم سيدأحمد (بوزانسون- فرنسا)

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
30/12/2005 8:16 م

في الرد على شيخ الطواويس
وحول الميغامبريالية والتحرر الثقافي
مريم سيدأحمد (بوزانسون- فرنسا)

قرأت مثل الكثيرين –ربما- المقال الذي كتبه الطيب مصطفى تحت عنوان "رسالة إلى قبيلة النعام: هذا أو الطوفان". وفي الواقع فقد دفعتني الأفكار التي وردت بالمقال دفعاً إلى الكتابة رغم أنني لست ممن يتناولون الشأن العام بوجه عام أو على الاسفير بوجه خاص. ذلك لأن بالمقال طرائق لبناء الأفكار واستجلاء خلاصات يشوبه الخلط الواضح ما يستوجب الرد. فضلاً عن أنه قد انتابني شعور – وقد أكون مخطئاً في ذلك- أن المقال ربما شكل اهتماماً للكثيرين من صناع القرار وأجهزتهم الاستشارية بالبلاد نظراً للتاريخ السياسي لكاتب المقال بعد وصول الإنقاذ إلى سدة الحكم في السودان. وقد هالني أن ألمس في أكثر من موضع أن الرجل يتحدث وكأنه قد ملك كامل ناصية التحليل الاستراتيجي والسياسي وقناعته التامة أن الآخرين إنما يدفنون رؤؤسهم في الرمال على حسب ما يومئ عنوان مقاله. وقد رأيت أن في ذلك الكثير من الاستعلاء الثقافوي والخيلاء الفكرية خاصة وأن بالمقال ثقوب عديدة تتدفق منها الأخطاء. وذلك بالتحديد هو سبب اختيارنا العنوان أعلاه لمقالنا وليس بسبب أية نزعة للقصاص أو مجاراة السيد الطيب مصطفى في أسلوبه أو شيء من هذا القبيل.
ومما يؤخذ على الجزء الأول من المقال أن كاتبه حسبما نرى قد أجهد نفسه بمحاولة تجميع عدد من المشاهد والشواهد للوصول إلى خلق محور شر مواز لمحور الشر الذي يقول به اليمين المتطرف الأمريكي. ويتكون محور شر الأستاذ الطيب مصطفى من إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا. وفي رأينا المتواضع أن المقال لم يكن في حاجة أصلاً لتجميع تلك الحيثيات حيث أن معاداة القوى المحافظة في إسرائيل والمملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية وغيرهن من الدول الغربية لمشروعات مناهضة الاستغراب الثقافي/الامبريالي أمرٌ بائنٌ لا مراء فيه. بيد أن المقال فاته أن يسبر غور الدوافع الحقيقية وراء ذلك. وفي رأيي وقد لا يشاركني الكثيرون في ذلك ممن تعمي بصائرهم العداءات السياسية الصغيرة بين اليمين "المناهض" واليسار في دول العالم الثالث أن الأمر بالنسبة لقوى اليمين (الديني والاقتصادي) المحافظ الغربية سيان، سواء تعلق الأمر بمشروعات نهضوية يسارية لينينية ماركسية محضة تركز على الإنعتاق الاقتصادي بوجه أساسي أم تعلق بمشروعات انعتاق ثقافي يأخذ الطابع القومي أو الديني أو أي من عناصر الثقافة الأخرى التي يُمكن أن تٌمّكِن من النجاة من الأسر الامبريالي الاقتصادي/السياسي. ولعل في التاريخ السياسي الحديث للعالم من الشواهد ما يكفي للدلالة على ذلك مثل التجارب الدامية للمناضلين باتريس لوممبا (الكنغو) وسلفاتور الليندي (شيلي) أو التجارب الأحدث لإجهاض عمليات الدمقرطة التي لم تسعد نتائج حسم موازين القوى السياسية بها القوى اليمينية المحافظة الغربية أو تلك التي تحاول النجاة من ذات المصير مثلما يتردد الآن اثر الانتخابات الرئاسية ببوليفيا والتي جاءت برئيس من السكان الأصليين يعادي المحافظين الأمريكيين. وموجز اختلافنا مع هذا الجزء من المقال أن من المبتسر أولاً قصر النشاط المناوئ على قوى اليمين الديني الغربي وثانياً قصر "اعتراضهم" أو ضيقهم على مجرد التوجه الثقافوي (المذهبي العروبي الإسلاموي) للحكومة السودانية. وبهذا فقد كان الأوفق للمقال أن يتلمس أسباباً أخرى لموقف اليمين واليمين المتطرف الغربي مثل الحال الاقتصادي بالولايات المتحدة الأمريكية ليس فقط حيال السودان وإنما تجاه التهديد الجديد القديم لهذا الجانب الذي تمثله "اليقظة" الاقتصادية الآسيوية الجديدة الصينية الهندية والتي وصل الاهتمام الأوربي بها حد تنظيم قمم على مستوى رؤساء بلادها لدراسة كيفية الرد عليها. إلى جانب أن عدداً مقدراً من هؤلاء بات يهرع من حين إلى آخر إلى هناك لخلق شراكات تكفيه شر المواجهة الحتمية وتأخير حدوثها قدر المستطاع بتمييع سوق العمالة الآسيوي الرخيص – والذي هو سبب أساس في "الأزمة" في مواعين استثمارية غربية. وربما أصاب المقال نجاحاً أكبر لو أنه تلمس أكثر ملامح ما اصطلح على تسميته بالميغامبريالية وما تستوجبه من هيمنة سياسية جديدة للولايات المتحدة بمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لبلوغ غايات هي في الأصل اقتصادية رغم ما تتخذه من ملامح إصلاح وصراع حضاري وغير ذلك. هذا بالإضافة إلى أن المقال وحتى في اتكاءه على العوامل الثقافوية لم يمض بها إلى منتهاها من دراسة الأهمية الجيوسياسية التي يمثلها السودان خاصة من جانب أن "شمال السودان" يقع في الحقيقة بين مجموعة دول تحكمها أقليات دينية/إثنية يمكن أن تتأزم أوضاعها في أي وقت وحتى دون سابق إنذار مما يصعب تفصيل شرحه في هذا المقال. هذا إضافة إلى أن السيد الطيب مصطفى وقد ذهب إلى التفصيل فيما يتعلق بالموقف المناوئ للحكومة السودانية بشأن "مسألة دارفور" لم يتلمس مواقف دول غربية أخرى غير الدول الثلاث التي أشار إليها والذي كان من شأنه أن يفتح عينيه أكثر على طبيعة الموقف وتجانسه مع النشاط الصهيوني الدولي بشكل عام.
ونتيجة لتجاوز الجوانب أعلاه فقد وقع الطيب مصطفى في عدد من المتناقضات وأولها عدم وضوح رؤيته فيما يتعلق بالموقف "الأمريكي" أو "الغربي" من مسألة وحدة السودان. إذ يشير المقال إلى أن الدول الغربية تسعى من جانب إلى الحفاظ على وحدة السودان في سبيل تغيير وجه السودان كل السودان العروبي الإسلامي إلى دولة "افريقيانية لا دينية" حسبما فهمت. ولكنها في ذات الوقت تسعى إلى بتر أطرافه عبر سياسة أسماها الطيب "نظرية شد الأطراف ثم بترها". وبرأيي أن في ذلك تعميم إن لم يكن تناقض يخل بأمر الخلوص إلى نتيجة بشأن موقف هذه من وحدة السودان. وهو أمر أعتقد أنه في غاية الأهمية بالنسبة للسودان الآن ما يجعله يستحق دراسة أعمق وأكثر دقة حتى لا تتفاجأ النخبة السياسية السودانية بنتيجة الاستفتاء المنتظر. ونرى أن تتضمن تلك الدراسة ما إذا كانت للجهات الغربية التي تدفع نحو البتر أو الانفصال مثلاً تصوراً عن مستقبل دولة شمال السودان غير دولة أكثر تشدداً يمكن أن تدعم في بضع سنين الخط المتشدد الذي بدأ يتنامى الآن وسط شعوب منطقة الشرق الأوسط في أعقاب افتضاح النوايا الحقيقية وراء الهجمة الغربية لعدد من دول المنطقة. خاصة وأن من المتوقع أن تتنامى بالمثل نظريات المجابهة من دول المنطقة وغيرها على غرار ما بعد الكولونيالية بعد منتصف نصف القرن الماضي.
بيد أن أسوأ ما في المقال من وجهة نظرنا كان التشكيك في العلاقة بين الشريكين الرئيسيين في اتفاقية السلام واللذين يكونان الآن مع تمثيل لفعاليات سياسية أخرى مقدرة حكومة الوحدة الوطنية. وبغض النظر عن حقيقة سوء نية الحركة الشعبية فإن بذر الفتنة والشك بين الشريكين لن يكون له أية نتائج ايجابية. وكان الأوفق أن ينبه كل شريك إلى التجاوزات التي يرتكبها حيال تطبيق نصوص وفحوى الاتفاقية. وله ولنا في ذلك كل الحق من باب أن الحرص على حسن تطبيق اتفاقية السلام في هذه المرحلة هو صمام الأمان من الانزلاق إلى انفلات لا تحمد عقباه ويتعدى أثره الطرفين الموقعين حيث أن اتفاقية السلام قد أصبحت واقعاً لا يمكن تجاوزه. وفي هذه أيضاً فقد اهتم شيخ الطيب بمظاهر أكثر من اهتمامه بما هو أهم منها. إذ أن كون أن الحركة الشعبية قد تحالفت مع القوى التي شكلت معها التجمع الوطني الديمقراطي في السابق لم يكن ليفاجئ حصيف. بل أن من ظن أن توقيع الحركة لاتفاق السلام سيحرمها من شيء من هذا القبيل هو الذي عليه أن يراجع اتفاقية السلام قبل أن يراجع موقفه خاصة وأن القوى التي تحالفت معها الحركة هي أيضاً جزء من حكومة الوحدة الوطنية والجهاز التشريعي الانتقالي. أم تراه قد فات عليه ذلك. وعوضاً عن ذلك كان بإمكان كاتب المقال أن يوعز لجانب الحركة بضرورة الاهتمام أكثر بالخط الوحدوي للسودان. وهو أمر يجب أن يفهم الجميع أنه أهم ويختلف بالطبع عن مجرد الموالاة السياسية للمؤتمر الوطني. ويقتضي ذلك أن تلتزم الحركة بما جاء في الاتفاقية بشأن جعل الوحدة خياراً جاذباً مما يحرمها فيما نزعم من الترديد المكرور بأن التزام الشمال بالاتفاقية هو الذي سيحدد الموقف بالاستفتاء. إذ كيف يتسنى للحركة أن تعمل من أجل ذلك وهي تبدو وكأنها تقول للناس أنها ما زالت تفكر ما إذا كانت ستشجع أعضائها على التصويت لصالح الوحدة أو الانفصال. كما يجب الإيعاز إلى الشريكين بضرورة حسم الجوانب المعلقة التي لم يحسمها الاتفاق أو تلك التي لم يتجانس الفهم حيالها. ومن العسير هنا هضم أن يكون موضوع القوانين التي تحكم العاصمة الخرطوم ضمن تلك الموضوعات. ومن شأن تأجيل ذلك إلى أبعد من هذا الوقت أن يشكل نطفاً جاهزة لتخلق المشاكل.
ويزداد المقال خطلاً بمحاولة إضافة اليسار السوداني إلى المحور الداخلي الذي يساند ما رسمه كاتب المقال من مؤامرة خارجية. ورغم أن الحزب الشيوعي هو الأفضل بالطبع للرد على مثل هذا الاتهام إلا أن المطلع على أدبيات الحزب الشيوعي لا يسعه إلا أن يصف ذلك بذهاب العقل حيث أن الثابت أن الحزب قد ظل رزيناً في كثير من الأحيان تجاه التدخل الأجنبي الغربي بالسودان الأمر الذي فات فعله على الكثير من قوى "اليمين والوسط" السوداني التي دعا كاتب المقال المؤتمر الوطني إلى الاستنصار بها والتي مازال زعماؤها حتى كتابة هذا المقال يدعون القوى الدولية للتدخل أكثر بالسودان بينما هم ينتقدون في ذات الوقت استباحة أراضيه من قبل "قوات أجنبية". وكان حري بالمقال أن يدعو للوحدة الوطنية والتكاتف في هذا الوقت الهام والعصيب من تاريخ البلاد والذي يجعل تصفية الحسابات بل والمحاسبة أمراً من درجة أقل من حيث الأهمية.
ختاماً ربما تجدر الإشارة إلى بعض الردود الأخرى التي تناولت المقال المذكور والتي ساوت "النفس العنصري" للمقال بذلك الذي بدأ يستشري في السودان في السنوات الأخيرة بعد صدور سيء الذكر "الكتاب الأسود". وفي الواقع فإن ذلك هو الخطر الماحق الذي بات يتهدد السودان الآن والذي لن يكون للطيب مصطفى فضل عليه إن هو عالجه بذات منطقه. ويبدو أن الطيب مصطفى قد نقض غزله بيده عندما راهن في نهاية المقال بانحياز أهل دارفور للهوية الوطنية.

للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


سودانيزاونلاين.كم | المنبر العام | أرشيف المنبر العام للنصف الاول من عام 2005 | أرشيف المنبر العام للنصف الثانى من عام 2005 |أرشيف المنبر العام للنصف الاول لعام 2004 | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | مكتبة الدراسات الجندرية | مكتبة د.جون قرنق | مكتبة ضحايا التعذيب |مكتبة الشاعر د.معز عمر بخيت |مكتبة الفساد |
اراء حرة و مقالات سودانية | مواقع سودانية | اغاني سودانية | مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد | دليل الخريجيين السودانيين | الاخبار اليومية عن السودان بالعربى|
جرائد سودانية |اجتماعيات سودانية |دليل الاصدقاء السودانى |مكتبة الراحل المقيم الاستاذ الخاتم عدلان |الارشيف والمكتبات |


Copyright 2000-2006
Sudan IT Inc All rights reserved