مقالات واراء حرة من السودان
ترحب سودانيزاونلاين بجميع الاراء الحرة و المقالات لنشرها فى هذه الصفحة.ويمكنك لزوارنا الكرام ارسالها الى [email protected] كما نرجو ذكر الاسم الحقيقى و الكامل و مكان الاقامة مدة بقاء المقال فى هذه الصفحة عامان

فترة «64 ــــ 1969» أسوأ عهود اللاتسامح في السودان بقلم أبو بكر القاضي

سودانيزاونلاين.كوم
sudaneseonline.com
3/30/2005 5:16 ص

أبو بكر القاضي: فترة «64 ــــ 1969» أسوأ عهود اللاتسامح في السودان
الفرضية التي اريد ان اثبتها هنا هي ان فترة ثورة اكتوبر (64-1969) كانت اسوأ عهود اللاتسامح في تاريخ السودان الحديث‚ ليس على مستوى العلاقة بين الشمال والجنوب فحسب‚ وانما ايضا على مستوى الصراع على السلطة في الخرطوم بين ابناء النخبة النيلية انفسهم‚ فقد شهدت هذه الفترة انشطار الاحزاب الكبيرة‚ والحرب والمكايدات بين الاجنحة المنشقة‚ كما شهدت حل الحزب الشيوعي السوداني‚ وجريمة اغتيال الشهيد وليم دينق‚ والاغتيال المعنوي للاستاذ محمود محمد طه بمحاكمته بالردة عن الاسلام‚ والذي تحول لاحقا الى اغتيال حسي ــ الاعدام مع الصلب‚ الهدف من هذه الدراسة هو تأكيد حقيقة جوهرية واحدة هي اننا قد وصلنا الى هذا الدرك بسبب عدم التسامح‚ والدرك الذي اعنيه هو تفتت السودان الى دويلات‚ وصوملة المركز نفسه‚ كانت فترة الانقاذ (1989-2005) سيئة‚ وجرائم الانقاذ حاضرة في الاذهان‚ ولكن ما اود ان اقوله ان مسألة اللاتسامح اكبر من الانقاذ‚ بل‚ لو كانت المشكلة في الانقاذ وحدها لهانت المشكلة جدا‚ هذا المقال سوف اكرسه لمسألة اللاتسامح الشمالي ــ شمالي‚ اعني به حل الحزب الشيوعي السوداني‚ والمرجع الاساسي الذي سأستند اليه‚ رغم تعدد المصادر هو كتاب المرحوم ــ هنري رياض ــ قاضي المحكمة العليا الذي اثرى المكتبة السودانية والفكر السوداني والقضاء السوداني بفكره الثاقب النير‚ اعني بالكتاب ــ (موجز تاريخ السلطة التشريعية في السودان)‚ وذلك رغبة مني في التواصل معه حيا وميتا‚ ونحن نتحدث عن التسامح‚ فالعرفان يجب ان يكون لمن اعطى السودان بغض النظر عن لونه او دينه او موقعه الجغرافي ــ المركز والهامش‚في الديمقراطية الثانية بدأت بدعة الاغتيال الحسي والمعنوي عن طريق (التآمر) عبر المؤسسات الرسمية اعني بالتآمر ان الاطراف المعنية تتفق فيما بينها على التصفية الجسدية للافراد او الاحزاب او الاغتيال المعنوي‚ ثم تقوم بتنفيذ هذه المؤامرة عبر الاجهزة الرسمية ــ الجمعية التأسيسية‚ القضاء‚ الجيش‚‚‚ الخ ثم يقتلون القتيل ويمشون في جنازته‚ وربما يتباكون عليه‚ هذا ما جرى بالضبط للحزب الشيوعي السوداني عام 1965‚ عبر الجمعية التأسيسية (وهذا موضوع مقال اليوم) وجرى لحزب سانو ممثلا في زعيمه الشهيد وليم دينق الذي اغتاله الجيش السوداني‚ وجرى للحزب الجمهوري ممثلا في شخص رئيسه الاستاذ محمود محمد طه الذي حكمت عليه المحكمة الشرعية بالردة بناء على ضوء اخضر من السلطة كما اكد ذلك د‚الامين داود عليه الرحمة‚ مؤامرة تصفية الحزب الشيوعي عن طريق الجمعية التأسيسية 1- منذ شهر فبراير 1965 تم فرز الاكوام الى كوم يتكون من الوطني الاتحادي‚ حزب الامة وجبهة الميثاق الاسلامي‚ هذه المجموعة ساهمت في الضغط على رئيس الوزراء للاستقالة في 18/2/1965‚ وعندما شرع رئيس الوزراء في تشكيل وزارة جديدة اعترضت على ان تضم الوزارة ممثلا للعمال وآخر للمزارعين‚ وفي الكوم الآخر تضامن الحزب الشيوعي‚ وحزب الشعب الديمقراطي مع القوى الديمقراطية الاشتراكية (التي هي واجهات للحزب الشيوعي) على الاقل من منظور الكوم الاول‚ وكانت قوى الديمقراطية الاشتراكية ترى وجوب تمثيل العمال والمزارعين باعتبارهم اصحاب المصلحة الحقيقية في الثورة‚ يتضح مما تقدم انه جرى نزاع حقيقي بين قوى اليمين (الرجعي) وبين قوى اليسار (التقدمي) حول ملكية ثورة اكتوبر‚ 2- كانت قوى اليمين اعلاه تتربص بقوى اليسار ــ تحديدا الحزب الشيوعي ــ وقد وجدت قوى اليمين فرصتها في معهد المعلمين العالي بأم درمان ــ الذي تحول لاحقا إلى كلية التربية بجامعة الخرطوم ــ حيث زعم احد الطلاب انه تحرر من قيود الماضي في ندوة عن الدعارة‚ وتطاول هذا الطالب على عِرض رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )‚ وقد قامت المظاهرات في العاصمة ضد هذا التصرف وضد الحزب الشيوعي السوداني رغم انه اعلن براءته من هذا الطالب وأدان قوله ومسلكه‚ ورغم انه ثبت ان الطالب معتل العقل او على الاقل وردت شبهة بذلك‚ فاحزاب اليمين كانت قد تضايقت لحد عدم الاحتمال من انتشار شعارات اليسار السوداني وتغلغله وسط القطاعات الحديثة ــ الطلاب والخريجين والعمال والنقابات‚‚ الخ‚ لذلك انتهزت هذه القوى الفرصة الذهبية لتصفية الحزب الشيوعي جسديا بالطرد من الجمعية التأسيسية وتفصيل قانون منع نشاط الحزب واغلاق دوره‚ على مقاس الحزب‚ وقد تم تنفيذ المؤامرة عن طريق الجمعية التأسيسية والتي بعدها لم تقم للديمقراطية قائمة حتى اليوم‚ وكانت نهاية التسامح بين ابناء النخبة النيلية الحاكمة في الخرطوم‚ 3- تم تنفيذ مؤامرة حل الحزب الشيوعي عن طريق الجمعية التأسيسية‚ وذلك بتعديل احكام المادة 5/2 من الدستور المؤقت المعدل‚ تعديل رقم 2 وذلك على النحو التالي: 1- يضاف الحكم الشرطي الآتي في البند (2) من المادة (5): (على انه لا يجوز لأي شخص ان يروج او يسعى لترويج الشيوعية‚ سواء كانت محلية او دولية او يروج او يسعى لترويج الالحاد او عدم الاعتقاد في الاديان السماوية او يعمل او يسعى للعمل عن طريق استعمال القوة او الارهاب او اي وسيلة غير مشروعة لقلب نظام الحكم)‚ 2- يضاف البند الجديد الآتي بعد البند (2) من المادة (5): (3- كل منظمة تنطوي اهدافها او سائلها على مخالفة للحكم الشرطي الوارد في ذيل الفقرة (2) تعتبر منظمة غير مشروعة وللجمعية التأسيسية ان تصدر اي تشريع تراه لازما لتنفيذ احكام ذلك النص) انتهى‚ (لطفا ص101 من كتاب هنري رياض)‚ 4- بناء على التعديلات الدستورية رقم (2) و(3) اصدرت الجمعية التأسيسية قانون حل الحزب الشيوعي لسنة 1965 جاء فيه ما يلي: (3- منذ سريان هذا القانون يحل الحزب الشيوعي السوداني وجميع المنظمات غير المشروعة في حدود المعنى الوارد في المادة السابقة‚ وتقفل دورها وتصادر ممتلكاتها وصحفها وجميع وسائل النشر)‚ 4- منذ سريان هذا القانون اي شخص ينتمي الى منظمة غير مشروعة او اي شخص ترشح في الانتخابات العامة سنة 1965 بوصفه عضوا في الحزب الشيوعي السوداني او ساند الحزب الشيوعي السوداني بوصفه احد اعضائه لا يعتبر اهلا لأن يكون او يستمر عضوا في الجمعية التأسيسية‚ 5 - (1) يعد مرتكبا جريمة كل شخص يكون عضوا في منظمة غير مشروعة او يدير او يساعد في ادارة تلك المنظمة او روج او يساعد في ترويج اي اجتماع لها او لاعضائها ويعاقب بالسجن لمدة يجوز ان تمتد الى سنتين او بالغرامة او بالعقوبتين معا‚ واستنادا الى هذه التعديلات الدستورية والى القانون الصريح المفصل على الحزب الشيوعي قامت الجمعية التأسيسية بمنع اعضاء الحزب الشيوعي من دخول البرلمان‚ وقامت الحكومة باغلاق دور وأندية الحزب وايقاف جريدته (الميدان)‚ لم يكن امام الحزب الشيوعي سوى اللجوء الى القضاء السوداني المستقل آنذاك‚ 4- رفع الشهيد جوزيف قرنق والمرحوم عز الدين علي عامر قضية امام المحكمة العليا بالخرطوم ضد كل من الجمعية التأسيسية ومجلس السيادة وصفها مولانا هنري رياض بأنها الاولى من نوعها في السودان طاعنين في عدم دستورية التعديل الدستوري رقم 2 الذي قام عليه قانون حل الحزب الشيوعي رقم 35 سنة 1965‚ وقد نظر هذه القضية القاضي الشهير صلاح حسن عبدالرحمن والذي حكم لصالح الطاغين وبالتالي لمصلحة الحزب الشيوعي ببطلان التعديل الذي جرى للمادة (5) من الدستور المؤقت وبطلان كل ما يترتب على التعديل من تشريعات‚ 5- في 16/4/1967 اصدر مجلس السيادة بيانا للشعب جاء فيه ما يلي: أ- ان الجمعية التأسيسية بوصفها الجهاز الذي تتمثل فيه السيادة السياسية والدستورية للامة تمتلك من الصلاحيات ما يخول لها اجراء اي تعديل تراه على الدستور المؤقت‚ ب- ان الحكم الذي اصدره السيد قاضي المحكمة العليا بالانابة في القضية الدستورية في 22 ديسمبر 1966‚ حكم خاطئ من وجهة النظر القانونية لمجافاته لكل قواعد القانون الدستوري المتعارفة‚ ج- ان الحكم الصادر من المحكمة العليا حكم تقريري لا يحمل ولا يمكن ان يحمل التزاما بتنفيذه‚ د- ان مهمة المحكمة تنتهي باصدار الحكم‚ وان امر تنفيذ الاحكام متروك للجهاز التنفيذي في الدولة‚ واذا رفض ذلك الجهاز تنفيذ حكم ما فهو محاسب على ذلك سياسيا امام الهيئة النيابية وامام الناخبين لا امام القضاء‚ ويتبع هذا انه لم يحدث انتهاك لاستقلال القضاء‚ 6- استقبل الشارع السوداني بيان مجلس السيادة بالرفض والاستنكار‚ خاصة من الكتاب والقانونيين والصحفيين الامر الذي اجبر مجلس السيادة على اصدار بيان آخر يوم 14/5/1967 يؤكد فيه ثقته بالقضاء واحترامه له‚ وثقته بالمحكمة التي اصدرت الحكم وحيدتها ونزاهتها باقراره لمبدأ الاستئناف اليها‚ وقبل ان تحدد محكمة الاستئناف تاريخا لنظر الاستئناف المقدم من مجلس السيادة والجمعية التأسيسية والنائب العام قدم رئيس القضاء بابكر عوض الله استقالته المسببة الشهيرة التي ختمها بانذاره الشهير (وبما انني اعلم ان القضاة يدركون مهامهم الجسيمة كل الادراك وانهم لا يفرقون في احكامهم بين حزب وحزب أو طائفة وطائفة‚ فانني انذر كل من تسول له نفسه العبث باستقلال القضاء‚ بأن القضاة سيقفون بكل قوة لحماية ذلك الاستقلال الذي حققوه بايمانهم العميق في مهمتهم المقدسة) من السرد اعلاه اخلص الى النتائج التالية: أ- ان قانون حل الحزب الشيوعي السوداني الذي بسطناه اعلاه يمثل عارا في تاريخ السلطة التشريعية السودانية‚ القراءة الصحيحة تقول ان (الدولة الدينية) بتاريخها البغيض منذ محاكم تفتيش الضمير وحتى عهد المشير النميري وعمر البشير‚ قد بدأت في تاريخ السودان الحديث ــ ما بعد الاستقلال ــ بفترة اكتوبر (64-1969)‚ فقد تحولت الجمعية التأسيسية الى محكمة ردة‚ بل الواضح ان المحكمة الشرعية التي حكمت على الاستاذ محمود طه بالردة في 18/11/1968 قد استمدت عباراتها من هذا القانون البغيض‚ ب- لقد بدأ عهد اكتوبر ومنذ الوهلة الاولى بشعارات اقصائية لا تسامحية مثل (التطهير واجب وطني) وترتب على هذه الروح صدور قانون العزل السياسي عام 1965‚ ان ما قامت به ثورة الانقاذ بكل اسف هو نقل دون تصرف لتجربة ثورة اكتوبر من تطهير للخدمة المدنية والعسكرية على قاعدة (الولاء) والعزل السياسي للجميع‚ ج- تجربة الديمقراطية الثانية اثبتت ان الحزبين الكبيرين ــ الامة والاتحادي الديمقراطي ــ لا يؤمنان بالديمقراطية وأنهما مصابان بالانيميا المزمنة‚ لذلك سادت اجندة اليسار في بداية عهد الثورة‚ كما سادت اجندة جبهة الميثاق ــ الدستور الاسلامي ــ في نهايات الفترة‚ د- مساوئ تجربة اكتوبر‚ وفشل الحزبين الكبيرين هو الذي دفع الحزبين الصغيرين (الشيوعيين والاخوان) الاتجاه للجيش لتدبير الانقلابات‚ ان اللاتسامح هو الذي يولد العنف‚ بدليل ان حل الحزب الشيوعي هو الذي اعطى الشيوعيين العذر والمبرر الاخلاقي لتدبير انقلاب مايو 1969‚ وللحديث بقية حول اللاتسامح في عهد اكتوبر‚


للمزيد من االمقالات

للمزيد من هذه الاخبار للمزيد من هذه البيانات و المنشورات
الأخبار المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع


| اغانى سودانية | آراء حرة و مقالات | ارشيف الاخبار لعام 2004 | المنبر الحر | دليل الخريجين | | مكتبة الراحل على المك | مواضيع توثيقية و متميزة | أرشيف المنبر الحر

الصفحة الرئيسية| دليل الاحباب |تعارف و زواج|سجل الزوار | اخبر صديقك | مواقع سودانية|آراء حرة و مقالات سودانية| مكتبة الراحل مصطفى سيد احمد


Copyright 2000-2004
SudaneseOnline.Com All rights reserved